صراع الحب والشك بين الشباب على «فايسبوك»

I Know him & Her,صراع الحب والشك,بين الشباب,على فايسبوك,الغيرة,ثورة التكنولوجيا,عضوات,حكاية أب,مشاجرات بنات,انتقام الرجال,إغلاق المجموعة,التصالح مع الماضي,حكم نهائي,فكرة مسروقة

فادية عبود - (القاهرة) 21 أغسطس 2016

الشك والغيرة المبالغ فيها بداية النهاية لأي علاقة حب، لكن مع ازدياد هذه المشاعر بين الشباب أخيراً، خصوصاً في ظل ثورة التكنولوجيا وتعدد العلاقات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أنشأت بعض الفتيات مجموعة على «فايسبوك» بعنوان I know him، تنشر من خلالها أي فتاة صورة لصديقها أو خطيبها أو زوجها، إذا أرادت التحري عنه ومعرفة ما إذا كانت له علاقات أخرى أم لا، حيث تدلي كل المشاركات في المجموعة بأي معلومات يعرفنها عنه، وفي المقابل أنشأ بعض الشبان مجموعة أخرى على «فايسبوك» I know her  لكشف حقيقة الفتيات، وهكذا تحول «فايسبوك» إلى ساحة حرب بين الشبان والفتيات، فما هي حكاية هذه «المجموعات»؟ وماذا يحدث داخلها؟ وكيف يراها علماء النفس والاجتماع؟


بدأت شهرة مجموعة I know him بالذيوع عندما نشرت إحدى المؤسسات الفكرة على مجموعة «حد يعرف»، التي تضم آلاف النساء، وفي غضون ساعتين وصل عدد عضوات مجموعة I know him الى أكثر من 20 ألف امرأة وفتاة، كل منهن تبحث عن إجابة للشك الذي في داخلها. محررة «لها» خاضت المغامرة، ونشرت صورة أحد الأصدقاء، وفي أقل من خمس دقائق تطوعت إحدى الفتيات بسرد المعلومات الكاملة عنه، حتى عنوان منزله، وهي معلومات صحيحة، مع بعض النصائح الجدية في التعامل معه.

حكاية أب
رقية محمود، طالبة في كلية التجارة، 20 عاماً، شهدت مشاجرة «أونلاين» بين فتاتين، وتقول: «دخلت المجموعة منذ بداية تأسيسها، وكانت تقدم خدمات معلوماتية عن الرجال، لكن بدأ التوتر يسود الجو عندما عرضت فتاة صورة لرجل في الخمسين من عمره، لتؤكد فتاة أخرى أنه والدها، فكذّبتها الأولى مؤكدة أنه والدها هي، لتنشب مشاجرة بين الفتاتين حيث راحت كل منهما تدّعي أنه والدها».
تروي رقية قصة أخرى وتقول: «الطامة الكبرى كانت عندما نهش الشك قلب زوجة، فعرضت صورة زوجها على مجموعة I know him، وقالت إنها تريد أن تتحرى عنه إذا كان أحد يعرفه أم لا، فجاءتها الإجابة من فتاة تسألها عن علاقتها به، مؤكدة أنها خطيبته ويستعدان للزواج، فاكتشفت الزوجة الخيانة، وطلبت الطلاق».
ترى رقية أن مجموعة I know him كان هدفها نبيلاً، لكن تبيّن في ما بعد تلاعب كثير من الرجال ليتعرفوا إلى أكثر من فتاة، وإصرار بعض الأزواج على الخيانة كان أصل معظم المشاكل بين الجنسين.

مشاجرات بنات
في المقابل، تقول نوران محمد، طالبة ثانوي، 16 عاماً: «شهدت شجاراً بين فتاتين، أولاهما نشرت صورة حبيبها مرفقة بالسؤال عنه وهل تعرفه أخريات؟ وما شكل العلاقة التي تجمعه بهن؟ لتأتي في المقابل ابنة عمّته وتدخل معها في جدال عن نشر صورة قريبها، ليتطور الجدال إلى مشادّة، والمشادة إلى مشاجرة «أونلاين» حافلة بالشتائم والادّعاءات المتبادلة».
وتضيف نوران: «الخيانة ومشاعر الغضب هي السبب في مشاجرات الفتيات، فقد رأيت مثلاً فتاة نشرت صورة حبيبها، الذي وعدها بالزواج وهو طالب في كلية الشرطة، لتأتي إجابات ضحاياه غير متوقعة، تنمّ كلها عن التلاعب بمشاعر الفتيات واستمتاعه بتعذيبهن عاطفياً في نوع من الساديّة المرَضيّة، وإتقانه لذلك الدور، حيث إن تعليقات ضحاياه الخمس جاءت متشابهة حدّ التطابق».
من وجهة نظرها، ترى نوران أن الحل لا يكون إلا في المصارحة، وأن تكوين مليون مجموعة نسائية مثل مجموعة I know him لن يكفل نجاح أي علاقة إن لم يتفق الطرفان على المصارحة.

انتقام الرجال
هوَس كشف حقيقة الرجال سيطر على النساء، خصوصاً أنه لا تمر دقائق قليلة على نشر الصورة في مجموعة I know him إلّا وتتوالى المعلومات الشخصية عن «الخصم»، وقد تظهر علاقاته العاطفية أيضاً، حتى أن بعض الفتيات كشفن ما يحدث في مجموعة I know him على حساباتهن الخاصة، الأمر الذي جعل الذكور يستشيطون غيظاً.
في وقت قياسي أنشأ الرجال مجموعة موازية لمجموعة I know him سمّوها I know her. يقول أحمد كانو، مذيع أونلاين، عن تلك المجموعة الشبابية: «أنا ضد فكرة التشهير، لكنني اشتركت في المجموعة الرجالية لأطّلع على الأمر من باب العلم بالشيء وعدم الجهل به، وكانت النتيجة أنني رأيت مهازل أخلاقية، فبعض الشبان نشروا صوراً لمحادثات بينهم وبين البنات على «الواتس آب» لمجرد علمهم بتحرّي البنات عنهن من خلال المجموعة النسائية، وبعضهم نشر صوراً لفتيات عاريات لمجرد الانتقام منهن، فضلاً عن التلاعب بسمعة البنات... وتنوّعت الأسباب».
ويتابع: «الأكثر قساوة هو عراك بالأيدي حدث بين شابين، الأول نشر صورة لحبيبته، وبالصدفة كان شقيقها موجوداً في المجموعة، فتشاجرا أونلاين من خلال التعليقات، ووصل الأمر بينهما أن تقابلا في الشارع وضربا بعضهما».
يرى كانو أن العلاقة بين الرجل والمرأة أسمى من مسألة تكوين مجموعات تحرّ على مواقع التواصل الاجتماعي، وأنّ على الطرف غير المرتاح في العلاقة مصارحة الطرف الآخر، وإن لم يستجب فعليه الانسحاب من العلاقة حفاظاً على إنسانيته وصحته النفسية.

إغلاق المجموعة
الجدل القائم بين المجموعتين I know him & her لم يستمر طويلاً، بل انتهى بعد ساعات من إنشاء مجموعة I know him، والسبب تحرير محضر رسمي في الشرطة ضد إحدى العضوات.
الإعلامية والمرشحة السابقة للمجموعة بثينة كامل أوضحت لنا الأمر قائلة: «انتشر على موقع التواصل الاجتماعي خبر يفيد بأن ضابط شرطة علم أن خطيبته تحرت عنه في مجموعة I know him، فأودعها السجن تأديباً لها. من ناحية أخرى، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي تهديدات بحبس «الأدمن» مؤسسة المجموعة وتحرير محاضر قانونية ضدها، فانسحبت على الفور من المجموعة ومسحت جميع الصور، لتمحو دليل إدانتها، وبالتالي فقدت المجموعة معنى وجودها وهدفها بعد مرور 24 ساعة على إنشائها، مع استمرار الجدل المثار حولها».
وترى بثينة كامل أن مجموعة I know him إيجابية ومفيدة للفتيات، لكنّ «إنشاء الرجال مجموعة موازية ومحاولتهم إرهاب الفتيات أرى فيه طيشاً واستخفافاً (هيافات)، فالفتاة التي يتقدم شاب لخطبتها، يتحرى أهلها عنه، وبالتالي من حق هذه الفتاة إذا قررت الدخول في علاقة حب أو عقد خطوبة أن تتحرى عن شريكها باستخدام الأدوات المتاحة، مثل مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا ما حققته مجموعة I know him في الساعات القليلة التي أُنشئت فيها».
في ختام حديثها، تعرب الإعلامية بثينة كامل عن سعادتها بهذه التجربة قائلة: «أنا سعيدة برد فعل الرجال وغضبهم المبالغ فيه ضد مجموعة I know him، فمجرد إنشائهم مجموعة I know her يعد دفاعاً عن أنفسهم بسبب خوفهم الشديد من اتحاد النساء، وهذه المرة الأولي التي تقف فيها المرأة موقف الفاعل وليس المفعول به، وهذا ما أثار حميّة الذكور الشرقيين». 

التصالح مع الماضي
أما أحمد محمود، مونتير، فيرى أن في الصراحة ما بين طرفَي العلاقات العاطفية والزوجية راحة لكليهما... ويتابع: «مجموعات التشهير على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل I know him & her لا تضمن علاقة مستقرة، حتى ولو كشفت الماضي أو الحاضر الذي حاول الطرف الآخر إخفاءه، فالعلاقة الإنسانية الناجحة يجب أن تُبنى على الصراحة، لا سيما العلاقة العاطفية والزوجية، وحين تفتقد علاقتنا الصراحة تفشل في أول مأزق تقابله».
ويضيف: «على كلا الطرفين أن يتقبّل فكرة الخطأ والتصالح مع الماضي، طالما وجدت الرغبة في تجربة جديدة، فحياة الواحد منا لا تقف عند تجربة ما فاشلة أو ناجحة، وسواء كان رجلاً أو فتاة، فأنا أرفض اقتصار حق التجارب على الرجال فقط، المهم المصارحة والجدية».

رفض قاطع
غير أن لمي أبو زيد، 35 عاماً، ليسانس حقوق، رأياً مختلفاً، إذ ترفض المجموعتين رفضاً قاطعاً، وتقول: «إحدى صديقاتي دعتني للانضمام الى مجموعة I know him، لكنني رفضت الاشتراك، فأنا ضد الفكرة من الأساس، حيث إنها تعمل على خراب البيوت، وبالفعل انتشرت أنباء عن وقوع حالات طلاق بسبب تلك المجموعات».

وتتابع: «الخيانة لا تقتصر على جنس بعينه، فهي ذات طابع إنساني عام، وبالتالي خيانة الرجال ليست مبرراً لفضحهم، فكما تدين تُدان، والفتاة التي تنشر صورة رجل في مجموعة I know him، من السهل أن ينشر لها أحدهم صورة في مجموعته الرجالية I know her، وهكذا ندخل في دائرة مفرغة من التشهير الإلكتروني، لذا أرى أن المصارحة هي الحل الوحيد لضمان علاقة مستقرة».

حماية مشروعة
وتقول الفنانة الشابة مروة الأزلي: «بدايةً، مجموعة I know him كانت فكرة إيجابية جداً، وتعدّ نوعاً من الحماية المشروعة للفتيات، فمجرد السؤال عن الرجال الذين يقررن الدخول معهن في علاقة حب أو زواج، يعد خطوة احتياطية ووقائية إذا كانوا متعددي العلاقات، بعدما كثرت حالات التلاعب بعواطف الفتيات ومشاعرهن».
لكن الأزلي تعترف بأن الخطأ الذي وقعت فيه الفتيات وتسبب في فشل I know him كان الحديث عن المجموعة على الملأ في صفحاتهن الخاصة، مما أثار حفيظة الرجال الذين حاولوا إرهابهنّ بمجموعةI know her، مؤكدة أن الرجال لجأوا إلى الإرهاب المعنوي ليستمروا في خداع النساء والمضي في تعدد علاقاتهم.

حكم نهائي
من الجانب النفسي، يؤكد استشاري الطب النفسي الدكتور أحمد بحري أن سرعة مواقع التواصل الاجتماعي في نقل المعلومات تجعل بعض الأشخاص ينصّبون أنفسهم قضاة على الآخرين، ويصدرون العديد من الأحكام الخاطئة والمتسرعة المؤدية إلى التشهير، والتي من الممكن أن تهدم مستقبل الشخص الضحية وتحرمه من فكرة التوبة أو العودة إلى الطريق الصحيح، كما هو الحال في مجموعات I know him & her، فمثلاً الشاب الذي مر بتجارب سابقة كثيرة ومتعددة من حقه أن يستقر في علاقة أخيرة جادة، فمجرد نشر صورته وإفشاء سره ومن ثم مشاركة النساء في الحكم عليه وتكوين شريكته هذا الانطباع عنه... يحرمه من علاقة جادة مستقرة. ويتابع الدكتور بحري: «والأمر نفسه ينطبق على الفتاة، فمن حقها إذا غامرت في تجربة أو أكثر، ألّا يُشَهَّر بها، لكنّ مجرد نشر صورتها على الملأ وإفشاء أسرارها يسلبها هذا الحق، ويعود بنا إلى الوأد المجتمعي للفتاة، فمَن منَ الآباء الشرقيين المحافظين يسمح لابنته بالخروج من المنزل واستخدام الإنترنت مثلاً، إذا ذاعت صورها وأخبارها على مواقع التواصل؟».
ويضيف استشاري الطب النفسي: «نحن في حاجة إلى أخلاقيات منظمة لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي من أجل الحفاظ على السلام المجتمعي، فعلى الجميع أن يعلموا أن الستر  أولى، والتشهير بالآخرين يؤدي بنا إلى ردة اجتماعية من جديد، وأن النميمة التي تحدث وسط الأصدقاء، عندما تنتقل إلى مواقع التواصل الاجتماعي بضغطة زر، تشيع بين آلاف البشر».

فكرة مسروقة
الدكتور رفعت عبدالباسط، أستاذ علم الاجتماع في جامعة حلوان، يقول إن هذه الظاهرة منبوذة، لأنها نُفذت بهدف الانتقام من حبيب سابق، أو زوج بات الآن يحمل صفة «مطلّق».
ويوضح أن الظاهرة مأخوذة من تجربة أميركية وضعت للغرض نفسه (الانتقام)، عبر صفحة على «فايسبوك» كان هدفها أيضاً فضح الغشاشين في العلاقات العاطفية، وهناك أيضاً برنامج تلفزيوني إنكليزي يحمل الفكرة ذاتها، بحيث يذهب الشخص المخدوع الى فريق إعداد البرنامج ويروي لهم قصته، ويقومون هم بملاحقة الطرف الآخر بكاميرات سرية، إلى أن يلتقطوا له صوراً وهو في وضع الخيانة وينشروها، بشرط أن يسمح له بعرض وجهة نظره.
ويضيف أستاذ علم الاجتماع، أنه إلى جانب كون الهدف من إنشاء المجموعة انتقامياً، فهو أيضاً يعتمد على «رؤية طرف واحد دون غيره، وفي هذا ظلم ويمكن أن يؤدي إلى الندم حين لا ينفع الندم».
ويتابع: «هذه الفكرة يمكن تنفيذها بضوابط، ودون هذه الضوابط الأخلاقية المؤطرة والمنتظمة فهي فكرة منبوذة ولا تتناسب مع مجتمعاتنا الشرقية، بالإضافة إلى أنه تترتب عليها، في بعض الحالات أضرار مجتمعية كثيرة، كالتفكك الأسري وغيره». ويؤكد عبدالباسط أن الأشخاص الطبيعيين يدخلون في علاقات عدة بمختلف مراحل أعمارهم، تتراوح فيما بين سبع وخمس عشرة علاقة تقريباً، ومن الطبيعي جداً أن يفشل بعضها، كالتي تنشأ بين اثنين في مرحلة المراهقة، وليس من المستحسن أن تعلن تفاصيل كل هذه العلاقات، وخصوصاً المنتهية، على الملأ ويُشهّر بصاحبها».
وفي الختام، يلفت الدكتور عبدالباسط إلى أن القانون المصري يعاقب على مثل هذه الأفعال، كما أن وزارة الداخلية المصرية لديها قطاعات خاصة بمكافحة جرائم الإنترنت، ومن السهل جداً التقدم ببلاغ ضد من ينشر معلومات خاصة عن حياة شخص ما.