بين النجاح والفشل العمل بدوام جزئي أثناء الدراسة الجامعية!

بين النجاح والفشل,العمل,بدوام جزئي,الدراسة الجامعية,مفترق طرق,النضج الفكري,إثبات كيانه,تحمّل المسؤوليّة,الوظائف المتوافرة,شهادات طلاّب,إيلي غريب,حبيب أبو حبيب,ماتيلدا خيرالله,باتريسيا شيبان,جينيفر شعيا,ظاهرة اجتماعية منتشرة,الدكتور يعقوب,إيجابيّات,الوظيفة,سلبيات,نصائح للنجاح

دينا الأشقر شيبان 04 سبتمبر 2016

مع بدء مرحلة الدّراسة الجامعيّة، تتبدّل أولويّات الطّالب ونظرته إلى الحياة، إذ يجد نفسه على مفترق طرق، بعدما تخطّى المراهقة وبدأ بمرحلة النّضج الفكريّ والاجتماعيّ نوعاً ما، ما يُضطرّه إلى محاولة إثبات كيانه المستقلّ عن العائلة والأهل. ولعلّ أبرز تحدّ هو محاولة الاعتماد على الذات وتحمّل المسؤوليّة والسعي لإيجاد مصدر لتغطية نفقاته المستجدّة. من هنا، يكون العمل بدوام جزئيّ أحد أهمّ الخيارات التي يُقدم عليها طلاّب الجامعات، باختلاف الوظائف المتوافرة...


يسعى شباب الجامعات إلى تغطية مختلف الاحتياجات الحياتية الأساسية والمتطلبات الخاصة بنمط حياتهم، كالسيارة والهاتف الخليوي والملابس ومستلزمات الجامعة، بالإضافة إلى تكاليف سهراتهم ومشاويرهم وما شابه. إلاّ أنّ معظم هؤلاء من الطبقة الوسطى، ومع ارتفاع أسعار المعيشة ومتطلّبات الحياة، لا بدّ من إيجاد مدخول إضافي يُتيح لهم تحسين وضعهم المادي نوعاً ما. ومن جهة أخرى، يحاول كل طالب، شاباً كان أو صبيّة، تحقيق إنجاز على الصعيد الشخصي، من خلال الاعتماد على ذاته وتحمّل المسؤولية، عبر خوض تجربة جديدة، ألا وهي العمل، وإن بدوام جزئيّ، ليشعر بأهميّته كفرد منتج وفاعل في المجتمع.
إلاّ أنّ الآراء منقسمة في ما يتعلق بالعمل أثناء التحصيل الجامعي، بين مؤيّد ومعارض. ولكلّ طرف أسبابه وتبريراته المنطقيّة.
الدكتور يوسف يعقوب، أستاذ محاضر في علم النفس والفلسفة، ومستشار للطلاب، يتطرّق الى ظاهرة «العمل والشباب»، عارضاً إيجابياتها وسلبياتها، وشارحاً أسباب انتشارها، وأبرز «المهن» المتوافرة في سوق العمل... كما يُدلي عدد من الشباب بشهاداتهم في هذا الخصوص، انطلاقاً من خبراتهم التي اكتسبوها من خلال ممارستهم وظائف موقّتة قبل تخرّجهم في الجامعة وانضمامهم رسمياً إلى معترك الحياة العملية الناشطة.

شهادات طلاّب
إيلي غريب طالب جامعي يتابع دراسته في مجال إدراة الفنادق، وقد حصل على وظيفة بدوام جزئي في «سناك»، تمكّنه من مساعدة أهله في دفع قسطه الجامعي، كما يتمرّس في مجاله ويتعرّف على خبايا المهنة، من المطبخ وتحضير المأكولات، وصولاً إلى الإدارة. يقول إنه يحاول قدر المستطاع التوفيق ما بين العمل والجامعة، وإن واجه بعض الصعوبات أحياناً. ويواظب إيلي على عمله ثلاثة أيام في الأسبوع، بالإضافة إلى حصوله على بعض الإجازات وعطل نهايات الأسبوع. وبهذا، يتمكّن من تأمين مستلزماته الأساسية ويغطّي مصروفه من دون الحاجة إلى طلب المال من أهله.
حبيب أبو حبيب، طالب هندسة ميكانيك، يواصل دراسته ويعمل بدوام جزئي كفرد في شرطة البلديّة في ضيعته الأمّ. يشعر حبيب بالفخر لأنه استطاع أن يكون عضواً فعّالاً في منطقته ويخدم بكلّ أمانة، ويؤكد أنّ دافعه الى ذلك ليس مادياً بقدر ما يحبّذ الانخراط في كل ما من شأنه أن يخدم المجتمع ويساعد الآخرين. وهو بالتالي يحدد دوامات عمله بحيث لا تتناقض مع دوام جامعته، فيوفّق ما بين الاثنين.
ماتيلدا خيرالله، طالبة جامعية تدرس مادة «علوم الحياة والكيمياء» Biochemistry وهي لا تزال في السّنة الأولى. لكنها منذ سنتين بدأت تعطي دروساً خصوصية للتلامذة في المرحلة الابتدائية من باب الهواية أوّلاً، ولا تزال مستمرّة في عملها هذا بعد دوام الجامعة. تشير ماتيلدا إلى أنها تحب التدريس والأولاد وتفرح عندما يفهمون ما تشرحه لهم. لكنها في المقابل سعيدة بتمكنها من ادخار جزء ولو بسيط من مدخولها لشراء مستلزماتها الشخصية.
باتريسيا شيبان، طالبة محاسبة، تعمل منذ ثلاث سنوات خلال العطل الصيفية مشرفة على الأطفال في مدرسة صيفية، لتتمكّن من ادّخار بعض المال. تؤكّد باتريسيا أنها أحبّت الفكرة منذ أن عُرضت عليها، لأنها شعرت بأنها منتجة ومفيدة في آن، إذ يحبّها جميع الأطفال ويرتاح لها الأهل ويثقون بقدرتها على الاهتمام بأولادهم، مما شجّعها على تحمّل المسؤولية، وهي لا تزال تواظب على عملها هذا، لأنها اعتادت العمل والاستقلالية.
جينيفر شعيا، طالبة إدارة اعمال في السنة الثانية، تعمل على الصندوق في أحد المتاجر، وهي تحرص على التوفيق ما بين دوامها الجامعيّ ودوام عملها، كما تستفيد من الخبرة والتمرّس وتتابع تحصيلها العلمي من دون مشقّة. تشير جينيفر إلى أنها تنظّم أوقاتها بالتنسيق مع زميلتها وبما يتلاءم مع مواعيد الامتحانات او المحاضرات الطارئة. ولا تنكر أن العامل المادي كان دافعها الأول للبحث عن عمل في بداية الأمر، كي تساعد أهلها في تسديد جزء ولو بسيط من القسط والمستلزمات الأخرى.

ظاهرة اجتماعية منتشرة
يرى الدكتور يعقوب أن «مع تزايد أعباء المصاريف الدراسية وغلاء المعيشة في سائر البلدان، يكون العمل بدوام جزئي أحد أهم خيارات مختلف الطلاب الجامعيين، في محاولة لتخفيف عبء المصاريف على ذويهم وضمان حياة كريمة. إذ يدخل في سلّم الأولويّات تسديد الأقساط المترتبة عليهم، بالإضافة إلى محاولة الادّخار الخجولة، لشراء سيارة أو مستلزمات الاختصاص الجامعي وما شابه، ناهيك عن ضرورة تأمين مصروفهم الشخصي في حياتهم الاجتماعية التي تزدهر وتكون في أوجّها أثناء المرحلة الجامعية».
من جهة أخرى، يقول يعقوب: «يسعى بعض الطلاب إلى الانخراط المبكّر في سوق العمل، بهدف التمرّس واكتساب الخبرة، عبر صقل شخصيّتهم واعتمادهم على ذاتهم وتنظيم وقتهم بشكل بنّاء، عوض التلهّي بالسّهر والقيام بالنشاطات الترفيهيّة البحتة، خاصة في فصل الصّيف وأيام العطل. إذ يُقدم هؤلاء على خطوة العمل، وإن بدوام جزئيّ، لإرضاء طموحهم والتمتّع بالإنتاجيّة في سنّ مبكرة. وغالباً ما يحاولون إيجاد وظائف ضمن اختصاصهم الجامعي، كمتدرّبين، للحصول على فكرة شاملة عن توجّههم بعيد التخرّج»... ويضيف: «لا بدّ من الإشارة إلى توافر عدد لا يُستهان به من الوظائف بدوام جزئيّ، أي بمعدّل أربع إلى ست ساعات يومياً، أو بمعدل ثلاثة أيام في الأسبوع، وذلك في مختلف القطاعات الحيوية في البلد».
كما نلاحظ إقبال الطلاب على وظائف في مجالات مختلفة، تعود عليهم بالنفع المادّي وحتى الاجتماعي، عبر التعرّف إلى أناس جدد وبناء شبكة تواصل قد تخدمهم في المستقبل القريب.
يتوجّه الطلاب عموماً إلى العمل في المطاعم والمحال والمجمّعات التجارية، بالإضافة إلى إمكانيّة العمل ليلاً في المقاهي والمطاعم. كما قد يختارون العمل في مجال المحاسبة في محلّ تجاريّ أو «سوبرماركت»، بالإضافة إلى العمل في خدمات التوصيل إلى البيوت، أو في شركات الأمن الخاصة، أو حتى في مرائب السيارات.
في المقابل، يتوجّه قسم آخر من التلامذة، وبخاصة الفتيات، إلى التعليم الخصوصي في المنازل، لتلامذة المدارس. كما ينخرط البعض في العمل على الإنترنت، بمواعيد مختلفة، في مجال المبيعات أو التسويق... ولكن في النهاية، يسعى الجميع إلى ممارسة مهنة تتماشى مع اختصاصهم الجامعي، فيبدأون العمل كمتدرّبين ريثما يحصلون على الوظيفة المرجوّة.

إيجابيّات الوظيفة للطالب
يؤكد الدكتور يعقوب أن «الوظيفة الجزئية، على اختلاف أنواعها، تعود بالفائدة على صاحبها. فأوّلاً، يملأ العمل وقت الفراغ ويُعطي الدفع المعنويّ المطلوب للشخص ليشعر بأهميته كفرد مُنتج في المجتمع ويُرضي طموحه بالانخراط في سوق العمل ويعزّز استقلاليته وثقته بنفسه. ثانياً، تساعد الوظيفة المرء على مخالطة الآخرين، وتحسّن مهارات التواصل، وتعزز مقدرة العمل الجماعي والتعامل مع عدد كبير من الناس بمختلف فئاتهم، وتساهم في تكوين شبكة واسعة من المعارف، كما تعلّم الشخص كيفية إدارة وقته وترتيب مهماته حسب الأولويات، وتزيد من كفاءته في التعامل مع المال، ما ينعكس قياديّة عالية وانضباطاً وإنتاجيةً ونظاماً حتى في الدراسة والجامعة والمجتمع. ثالثاً، تهيّئ الوظيفة صاحبها لمعرفة أجواء العمل في الإطار الرسمي داخل البيئة العملية، ليتمكّن من تكوين فكرة واضحة عن متطلبات المهنة، وتأهيل نفسه بكل المهارات المطلوبة لتتطابق مع سوق العمل مستقبليّاً عبر تأمين الفرص المطلوبة في مختلف الاختصاصات وفتح آفاق جديدة».
ولا بد من الإشارة إلى الشّق الاقتصادي الأساسي أيضاً، إذ تؤمّن الوظيفة المدخول اللازم الذي يساعد على تسديد النفقات والأقساط، وتأمين الحدّ الدنى من الاحتياجات المعيشيّة والجامعيّة على حد سواء، بالإضافة إلى تعزيز القدرة المادية على الإنفاق على الذّات، وربّما مساعدة الأهل في أوقات الشدّة.

سلبيات العمل والدراسة معاً
يقول الدكتور يعقوب: «صحيح أنّ العمل يعزّز الشعور بالمسؤولية التي تُلقى على عاتق أي طالب في بداية مسيرته، إلاّ أن الأمر نسبي. إذ لا يستطيع كل الناس التأقلم مع الضغوطات والمهل المحدّدة والالتزامات والأولويات على حدّ سواء، بل يختلف ذلك باختلاف شخصيّة الفرد، والبيئة التي تربّى فيها، والظروف المعيشية والاجتماعية والحياتية والعملية التي اختبرها سابقاً. إذ يمكن أن ينعكس العمل بشكل سلبي واضح على سائر جوانب الحياة»... موضحاً: «قد لا يكون الطالب مستعداً نفسياً أو حتى جسدياً للإقدام على خطوة العمل والدراسة في آن، فيُهمل جانباً على حساب الآخر، بمعنى أن يفشل في أداء وظيفته ومتطلّباتها، أو حتى أسوأ، فلا يتفرّغ تماماً لدراسته، ما يؤثر في نتائجه وعلاماته وتحصيله الجامعيّ، فيجد صعوبة في مجاراة زملائه، ويضطرّ إلى تأجيل بعض الفصول الدراسية، أو إلى إعادة بعض الحصص، وبالتالي يتأخر موعد تخرّجه». من جهة أخرى، قد ينعكس الأمر أيضاً على الحياة الاجتماعية للطالب الذي لا يحظى بأوقات فراغ، ليعيش مرحلة الجامعة بجموحها وسهراتها ومشاريعها الاجتماعية، ما يقلّص دائرة أصدقائه ومعارفه، ويعزله عن محيطه الأساسي، ويحرمه أحياناً من بعض المناسبات العائليّة والاجتماعيّة بسبب ارتباطات سابقة في العمل.

نصائح للنجاح
يشير الدكتور يعقوب الى أن «لا بدّ من إيجاد حلّ وسط بين الدراسة والعمل والمرح، إذ يجب أن يأخذ كل حيّز من الحياة حقّه في مختلف المراحل العمرية. فعلى الطالب أن يتعلم الصّبر والانضباط وتنظيم الوقت والتخطيط من جهة، ولكن عليه أيضاً التفرغ لدروسه ومحاضراته والقيام بالأبحاث والفروض المطلوبة، بالإضافة إلى التمتع بالمناسبات العائلية والاجتماعية مع الأصدقاء. ويكمن السر في التخطيط المسبق للوقت، عبر جدولة الطالب تواريخ الاختبارات والمحاضرات والأعياد والمناسبات وغيرها، في محاولة منه للتنسيق مع صاحب العمل والزملاء. وهذا ما يحدث في أغلب الأحيان، إذ يتساعد الجميع للوصول إلى النتيجة المرجوّة».
تذكّروا أيها الطلاب: «إنّ أكبر عدوّ لكم هو «الهدر»، أكان من ناحية التركيز والالتزام في الدراسة، أو من حيث إدارة الوقت، أو ادّخار المال، أو اقتناص الفُرص المتاحة لكم»...