في ضاحية موسكو الراقية منزل تجاوز القواعد والمعايير... باحترام شديد!

موسكو,منزل,الغرفة,صالة,لوحات مضيئة,وسائل التسلية,العاصمة الروسية موسكو,المفردات,رفاهية,كلاسيكية مجددة,أوليغ,السحرية,الزخرفية,قطع الأثاث,فلسفة,المساحات الداخلية,آفاق جديدة,الهيكل الملتوي,الخشب,الرخام,ملامح,الصالات,الكريستال,الجدران,الآلات الكهربائية,الخزائن,الفضاء,الشراب,السباحة

نجاة شحادة (باريس) 25 سبتمبر 2016

رصانة، ورزانة واتزان ...
مفردات ثلاث ... تكفي لتوصيف المشهد الزخرفي في منزل « بروميناد » بحي « كيافسكوي » إحدى أرقى ضواحي العاصمة الروسية موسكو ...
على أن استخدام هذه المفردات الثلاث لا يمكن أن يتأتى بسهولة هنا . ليس فقط لأنها مستمدة من قواعد ومعايير الديكور التقليدية، أو لأنها تشكل أحد مرتكزات قيمه . ولكن لأنها هنا ستبدو مرتبطة بقيم مبتكرة، تؤسس لرؤية شابة تتجاوز المتداول وتنحو - باحترام شديد - إلى تبديد كل الحذر الذي يحيط بالمساس بجوهر هذه المفردات، ومن ورائها بالطبع القواعد والمعايير . ولكي نختصر الكلام نقول : هذه هي نتيجة الرهان الجديد للمهندس « أوليغ كلودت » وشريكته المهندسة « آنا أغبوفا ».

الرهان كان بالتأكيد ينحصر في إنجاز عمل بالغ الفرادة من حيث طبيعته العملية وجماليته المؤكدة، وذلك من أجل توفير بيئة للسكن المترف برفاهية قصوى. ولكي تتضح الصورة أكثر يمكن القول إنه عمل يخرج في إطاره العام عما هو تقليدي من دون أن يتعدى عتبة المبالغة ومن دون مخاوف العبور إلى آفاق تتجلى فيها روح الشباب وطموحاته.

للوهلة الأولى يبدو الداخل وكأنه ينتمي إلى كلاسيكية مجددة، غير أن تأمل الفضاءات كوحدة متآلفة، يدلّنا على نفحة معاصرة تكاد تستوطن كل تفصيل.
ثم أن الإمعان في التأمل سيقودنا إلى اكتشاف التأثيرات العديدة التي استطاع «أوليغ» و «آنا» أن يمنحاها هوية جديدة، تنفصل في انتماءاتها عن كل التيارات من دون أن تتنكر لها. إذاً نحن أمام معالجات جديدة لرؤى لا يمكن وصفها بالقديمة.

هي مزيج فذ لكل السوابق وطرحها في أطر مبتكرة تستوفي كل الشروط الوظيفية والجمالية. ولعل خير مثال على هذا، هو تلك العناصر المستعادة من أجواء ستينات القرن الماضي والتي تمت معالجتها بحرفية متقنة وفنية متفردة، لتعكس القدرات «السحرية» لهذين المهندسين، وتفوقهما في التعامل مع المساحات والأمكنة.

فالمهندس «أوليغ كلودت» المتحدر من عائلة فنية تعود أصولها إلى النحات الأمبراطوري الروسي «بيتر كارلوفيتش كلودت» مولع بالأجواء الكلاسيكية الفاخرة والتي تطبع أسلوب ابتكاراته الزخرفية. أسس عام 2000 مكتباً للدراسة والتصميم الزخرفي وقطع الأثاث والأكسسوارات الفاخرة وفق أعلى المعايير، لاستخدامها في تأهيل مشاريعه الهندسية والزخرفية وإعطاء أجوائها لمسة من الحسية والفرادة.

وهو يعمل جنباً إلى جنب مع مصممة الديكور الطليعية المبدعة «آنا أغابوفا» التي ساهمت في تطوير أجواء تصاميم الديكور التي ينجزها المكتب... فبينما يعمل «أوليغ كلودت» بدقة ووضوح وبأسلوب كلاسيكي تقليدي، فأن «آنا أغابوفا» تعمل بانتقائية بالغة وبطابع حديث وخيارات خاصة.

في هذا المنزل، تجسد المساحات فكر وفلسفة كل منهما بوضوح ومباشرة، فيبدو المكان وكأنه صياغة جوهرة بأيدي حرفيين، يعرفون ماهية الفضاءات المفتوحة، ويتواصلون مع طبيعتها بخيارات ذكية، من الأشكال المبتكرة والمواد والملامس.

أشكال نقية الخطوط ومواد نبيلة متجانسة وألوان هادئة مصطفاة لترخي على الجو العام مسحة من الـ«زن».
ومع ذلك لم تفتقد تلك المعالجات والخيارات لمسات من الجسارة التي تتسرب إلى الداخل مثل الضوء، خصوصاً أن المساحات الداخلية في المنزل كافية لإنتاج الكثير من الحلول الجذابة لخلق الأجواء المطلوبة.

يتألف المنزل من دورين، يصل بينهما سلم إسمنتي داخلي بهندسة بديعة حيث يبدو بهيكله الذي يتوسط مساحة المعيشة المفتوحة وكأنه سيد المكان.
في الطابق الأرضي تم توزيع الصالات في شكل عملي ينفتح فيها كل فضاء على الآخر وقد غلب اللون الأبيض على كافة الأجواء فغطى السقوف والجدران والأرض الرخامية مما ولد إشراقاً مبهجاً في كل المكان، وكان لتوزيع عناصر الإضاءة من الطابع الريترو المستعاد إثراء للأجواء بانعكاساتها المبهرة.

كل شيء هنا، يبدو وكأنه موجود بحكم الطبيعة، طبيعة الشيء نفسه وطبيعة المكان الذي يحتويه. لذا فإن التفاصيل تتبدى في المشهد وكأنها وليدة الكل، بينما هي في حقيقتها مولدة لهذا الكل. فنرى تحشيدها يسهم في خلق حالة من الانسجام بين مكونات المكان وعناصره الزخرفية.
فاللمسات الأنيقة في مشاريع هذا الثنائي الناجح تسكن في كل التفاصيل معبرة عن رؤية فنية قادرة على سبر أسرار الأماكن وإضافة آفاق جديدة على آفاقها.

ففي المدخل، نجد أن المرايا الكبيرة المثبتة على جدران ارتداد مدروس قد منحت المكان أبعاداً يصعب تجاهلها، فهي تبدو كأنها بوابة مقترحة لمكان غامض، ومن مساحة المدخل هذه يبدو الهيكل الملتوي للسلم الإسمنتي المصاغ بعناية لافتة، وكأنه النداء السري لتجاوز عتبة الدخول. فهو هنا غارق في بيئة بيضاء ناصعة، يختال بـ«درابزين» من «الأونيكس» الفاخر، وتتدلى فوقه ثريا «ريترو» من الكريستال لتضفي على المكان جواً من الفخامة التي لا يمكن أن تخطئها العين.
ولإعطاء المكان جواً فريداً استعان المهندسان بخيارات مميزة من المواد مثل الخشب والرخام والنسيج بملامس وإيقاعات متجانسة منها لون فوق لون وذلك للحصول على أجواء مدهشة... أجواء قالت «آنا» إنها استطاعت تصورها منذ رأت المكان وقبل أن تضع خطوط تصاميمها على الورق.

الزجاج، المرايا، الأقمشة المتغيرة الألوان، الرخام وعناصر الإضاءة الريترو الظاهرة والخفية تم توزيعها في كافة أنحاء المنزل برؤى تتغير كل لحظة نظراً للزاوية التي ينظر منها إلى المشهد.
فهنا تلعب سلاسة الخطوط ونبالة المواد وعذوبة الألوان أدواراً مدهشة في رسم ملامح المكان بسيناريوات يصعب توصيفها بلغة الكلام.

من المدخل إلى الصالات وغرف النوم تحكي الأجواء نفسها بلا تكلف بتعابير بسيطة وطرز تجمع بين الكلاسيكي والحديث بمزاوجات. ولا يبحث من خلالها هذان المهندسان عن عنصر الإبهار، بل يسعيان لتأمين رفاهية خاصة برؤية ناضجة بدأت ببراعة الخيارات لتنتهي بروعة التنسيق.
صالة الجلوس تحتلّها مجموعة من الأرائك تتوسطها طاولة منخفضة بهيكل من المعدن وسطح من الرخام نسق فوقها كتب وبعض الأواني المصنوعة من الكريستال، وقد غطت الأرضية الرخامية سجادة فاخرة. بينما احتل المكان عند صدر الصالون جهاز للتلفزيون وقطعة أثاث فاخرة.
في المقابل تم تنسيق الجدار بمكتبة ورفوف من خشب الجوز الدافئ والتي تتناسق بسحر مع ألوان أقمشة الأرائك والوسائد.

صالة الطعام تتمتع بتنسيق ناعم وقد لبست الجدران فيها بألواح من المرايا التي تعكس المشهد الزخرفي للصالة بطاولتها المصنوعة من الخشب والكراسي الملبسة بالجلد الأبيض، وقد تدلى فوقها عنصر للإضاءة من الأينوكس والكريستال بينما لبست الأرضية بالرخام الفاخر. وقد زينت النوافذ بستائر حريرية تكاملت معها أناقة المشهد.

المطبخ الذي يظهر للوهلة الأولى بسيط التصميم، لكنه في الواقع مجهز بخزائن متعددة الوظائف مطلية باللون الأبيض. وقد تم تثبيت نظام كامل للطهي بتكنولوجيات باهرة، بما في ذلك فرن الميكروويف والثلاجات الكبيرة وتلفزيون بشاشة مسطحة، إضافة إلى الآلات الكهربائية المختلفة الخاصة بتحضير القهوة أو العصائر... وقد ألحق بهذا المطبخ مخزن منفصل. جانب من وحدة الطبخ ينفتح على صالة الجلوس والسفرة، بنهايات من الأونيكس الفاخر والذي يولد عند الإضاءة فوق أبواب الخزائن والسطوح الحجرية والتشطيبات المعدنية المصقولة انعكاسات مضيئة لامعة.

غرفة النوم الرئيسية تم تصميمها كملاذ للاسترخاء والراحة بأقمشة فاخرة بألوان لؤلؤية ناعمة تم اختيارها خصيصاً بتناقض مع ألوان الأرضية الخشبية المصنوعة من خشب الجوز الداكن.
أما الستائر فقد صنعت من نسيج مبتكر بوجهين يتغير اللون فيهما وفقاً لضعف الضوء أو قوة إشراقه.

قدم التصميم في غرفة النوم الرئيسية حلولاً وتخطيطاً ذكياً في توزيع الأثاث واستثمار الفضاء بكل ما هو متاح وممكن.
الحمامات الخاصة بغرف النوم تتمتع بصياغة فاخرة وهي تجمع بين أرقى المواد الطبيعية من رخام ومعدن مصقول وخشب، كلها مصاغة كعنصر زخرفي في حد ذاتها.
غرفة النوم الثانية تم تنسيقها بأسلوب مماثل لباقي الغرف المجاورة، وقد زينت نوافذها الكبيرة ستائر حريرية ناعمة، كما زين هذه الغرفة مصباح أنيق.

وألحقت بالغرفة صالة للحمام بجدار ملبس بلوحات مضيئة، أما الحمام الثاني فهو يضم وحدة من الرخام المشرق والذي يسلط عليه الضوء بحسب الطلب مما يضفي على المكان أناقة وانعكاسات بمزيج من الألوان.
ولعل ما يلفت النظر في هذا المشروع المميز، هو الملحق الخاص، ففي حين أنه ينتمي هندسياً إلى عمارة الستينات من الخارج، سنجد أنه من الداخل قد حوّل إلى أجواء البيوت الخشبية في شمال أوروبا الأقصى، وهو من الخارج والداخل يتميز بخطوط أنيقة، نقية، وصارمة... وهذا الملحق هو المكان المخصص للجلسات مع الأصدقاء والضيوف المقربين، حيث تتوافر فيه وسائل التسلية بمستوى عال من الجودة، فنجد الصالة الرئيسية وفيها ركن جلوس بأثاث وثير قبالة مدفأة جميلة وأثاث للتلفزيون وفي جانب آخر من هذه الصالة، ركن للطعام والشراب وفيه أيضاً مساحة مناسبة لطاولة بلياردو أنيقة. ومن هذه الصالة يمكن الوصول إلى المساحة المخصصة للرياضة، وعلى الأخص للسباحة حيث نجد «البيسين» الداخلي بلون التركواز، وإلى جانبه جلسة مخصصة للاستراحة والمناشف ولوازم السباحة، إضافة إلى مساحات للخدمات المطلوبة في ملحق يعتبر بحق فكرة فريدة من حيث انفصاله عن المنزل الرئيسي، حيث يمنح الشعور بالانتقال إلى مكان آخر، بشروط مغايرة.