صورة «سيلفي» تتحول إلى حادث أليم

صورة,سيلفي,تتحول,إلى حادث أليم

نسرين محمد - (القاهرة) 02 أكتوبر 2016

مثل الكثير من أبناء جيلها، أصبحت مهووسة بكل وسائل التكنولوجيا الحديثة، إذ وجدت فيها متعة وهروباً من مرض ينهش جسدها بلا رحمة، فعاشت في عالم افتراضي تنشد من خلاله السعادة، غير مدركة أن الموت سيدهمها عبر صورة «سيلفي» كانت المشهد الأخير في حياتها.

«جميلة» كان اسمها وشكلها أيضاً، فتاة بريئة حرمتها الدنيا من والدها وهي في الثالثة من عمرها،  لتعيش قصة كفاح مع والدتها بصحبة ثلاثة من الأشقاء كانت هي أصغرهم، أرادت لهم الأم حياة كريمة. معاناة الصغيرة لم تتوقف عند رحيل الأب وعذاب الأم، حيث ابتلاها القدر بمرض السرطان، الذي كان كفيلاً بقصم ظهر الأم من جديد، فما أصعب أن يكون البلاء في فلذات الأكباد.


انهزام المرض
أحبّت جميلة الحياة حتى تحبها، فقاومت المرض، بل تناست أنها مريضة في الأساس، وحاولت أن تخفف من معاناة والدتها من خلال رسم ابتسامة صافية على وجه بشوش يبث السعادة في من حولها، غير مدركة أن الأيام ستجعل منها ذكرى حزينة في نفس كل من لمح هذه الابتسامة. في منطقة القناة المصرية، وفي محافظة الإسماعيلية، أبصرت جميلة فتحي النور منذ 15 عاماً لأبوين مصريين، وقبل أن تحتفل بميلادها الثالث رحل الأب بعد معاناة مع المرض، إلا أن طلّته ظلت راسخة في مخيلة الصغيرة من خلال صورة عُلقت على أحد جدران المنزل ولُفّت بشريط أسود، لم يكن يرمز إلى الرحيل بقدر ما كان يرمز إلى معاناة الأم وهي تعيل بمفردها أربعة أطفال أكبرهم كان في العاشرة من عمره.

حلم النهاية
12 عاماً مرت على الرحيل، والأب مجرد صورة وحكايات ترويها الأم عن رجل كان زوجاً مثالياً وأباً حنوناً، حتى تحولت الصورة والحكايات إلى مشهد صغير ارتدى فيه الرجل ملابس بيضاء فبدا كالملاك، وزار صغيرته في الحلم واصطحبها إلى مكان، قبل أن تصل إليه استيقظت من نومها.
سعادة غامرة عاشتها جميلة بعد أن تحقق حلمها ورأت والدها في المنام وتحدثت إليه، حتى وإن لم يستغرق ذلك ثواني معدودة، إلا أن سعادة الابنة تحولت إلى مصدر إزعاج للأم، لا بل نذير شؤم، فشعرت بغصة في حلقها. احتضنت الأم صغيرتها وهي تطلب من ربها أن يبعد الشر عنها، بعدما تصورت أن حضور زوجها لاصطحابها يرمز الى رحيلها هي الأخرى، خصوصاً أنها لا تزال تعاني آثار مرض السرطان الذي تتعالج منه منذ سنوات.
لم تبالِ جميلة بكلمات الأم، التي لم تفهم معانيها، وواصلت حياتها تنشد السعادة، متخذةً من هاتف ذكي، كانت قد تلقّته هدية في عيد ميلادها الأخير وسيلة لهذه السعادة.

اللقطة الأخيرة
على شرفة في الطابق الرابع، حيث تسكن الفتاة، رفعت جميلة هاتفها عالياً وهي تجلس على السور لالتقاط صورة «سيلفي»، ربما تحصل من خلالها على الصورة الفائزة في تطبيق استُحدث على «فايسبوك» بعنوان «أغرب صورة سيلفي».
قبل أن تنجح الفتاة في التقاط الصورة ونشرها على «فايسبوك»، حصدت اللقب باقتدار، إذ اختلّ توازنها وهوت من الطابق الرابع في مشهد مأسوي كتب في حياتها كلمة النهاية.
سقطت جميلة وتهشّمت كل عظامها ما عدا عظام يديها، اللتين كانت تحتضن بينهما هاتفها خوفاً عليه من التحطّم. رحلت تاركةً لأسرتها هاتفاً يحتوي على مئات الصور التي التقطتها لنفسها، بمفردها أحياناً، وبصحبة أهلها وجيرانها وأصدقائها في أحيان كثيرة، فهي فتاة «السيلفي» كما كان يطلق عليها، لكثرة ما كانت تلتقط من صور على مدار اليوم.

شريط أسود
رحلت صاحبة الابتسامة وتركت حزناً في نفوس الجميع، ولعنات تطلقها الأم على تكنولوجيا حديثة أضاعت زهرة من زهور عمرها، ليتحقق ما رأته في منامها، فتذهب من دون أن يتبقى منها سوى صورة بشريط أسود ستعلّق على الحائط بجوار صورة الأب. تقرير الطب الشرعي أكد أن الوفاة حدثت نتيجة هبوط حاد في الدورة الدموية واختناق، سبّبته كسور في عظام الجمجمة وتوقف أعضاء الجسم عن القيام بوظائفها. نجت جميلة من السرطان وخلاياه الخبيثة غير مدركة أن هناك تكنولوجيا أكثر خبثاً ستفتك بها يوماً ما... أرادت أن تبدو معلّقة بين الأرض والسماء في صورة، فصعدت إلى السماء بعدما وضع القدر حداً لمشوار حياتها القصير.

إرادة القدر
استسلمت الأم للقدر وتسلّمت جثة ابنتها لدفنها في جوار والدها، لكنها أرادت الثأر من مواقع التواصل الاجتماعي وما تضمنته من تطبيقات أدت الى ضياع ابنتها، فطالبت المسؤولين بإغلاق هذه المواقع والتصدي لما يحدث عليها، بعدما رأت فيها خلايا سرطانية من نوع آخر تفتك بجيل بأكمله. أكدت الأم المفجوعة أنها كانت تخاف على ابنتها من كل شيء، وكانت لا تتركها بمفردها في المنزل بسبب ظروف مرضها، ووفرت لها الحماية من البشر والمرض، لكنها لم تدرك أن الموت سيأتيها عبر هاتفها المحمول. رحلت جميلة صاحبة السعادة، كما أطلقوا عليها، لتصبح مأساتها عبرة لجيلها ورسالة تحثهم من خلالها على عدم التهور والاندفاع وراء التقاليع الالكترونية والتي كثيراً ما تكون مدمرة.