قضية أبناء «أصالة» تثير جدلاً دينياً: هل يجوز للأبناء نسب أنفسهم إلى أب بديل؟

قضية,أبناء,أصالة,هل يجوز,نسب,أب بديل

أحمد جمال - (القاهرة) 08 أكتوبر 2016

جدل فقهي أثارته تصريحات ابن وابنة المطربة الشهيرة «أصالة»، بأنهما لا يحبان والدهما بالنسب «أيمن الذهبي» ويشعران بالأبوة الحقيقية لدى زوج والدتهما الحالي «طارق العريان»، حتى وصل الأمر بهذين الابنين إلى السعي لتغيير اسم والدهما بـ«النسب» إلى والدهما بـ«الاختيار»، فهل يجوز شرعاً للأبناء تغيير نسبهم من الأب؟


بدأت القضية المثيرة عندما أعلن خالد ابن الفنانة أصالة في حوار خاص مع «لها»، أنه يسعى إلى تغيير اسمه من «خالد أيمن الذهبي»  إلى «خالد طارق العريان»... وأضاف خالد: «أفكر بالفعل أن يصبح اسم شهرتي خالد العريان، خصوصاً أنني أتعامل مع «تيتو»- أي طارق العريان- وكأنه أبي، فكل ذكريات طفولتي معه، ولا أتذكر أي شيء قبله».

ثم عادت «شام» ابنة الفنانة أصالة ونشرت على «إنستغرام» صورة للمخرج طارق العريان بمناسبة عيد ميلاده وعلّقت عليها قائلة: «أسعد عيد ميلاد لأفضل رجل في العالم، الرجل الذي تفهمني وأفضل من فهمني ويعطي مثالاً مهماً لباقي الرجال».
وتابعت شام: «كنا مباركين في الحصول عليك، أبي من طريق الاختيار، والقدوة من طريق التجربة، أحبك أكثر مما يمكن الكلمات أن تصف وتعبر».

المحافظة على الأنساب
عن مشروعية تغيير الأبناء نسبهم إلى أب بالاختيار، تقول الدكتورة سماح عزب أستاذة التفسير في كلية الدراسات الإسلامية للبنات في القاهرة – جامعة الأزهر: «تمثل قضية النسب إحدى القضايا الرئيسة التي حرص الإسلام على تأكيدها ورعايتها، بدليل عدم اعترافه بأي علاقة تثمر أولاداً بعيداً عن الزواج الشرعي المستقر المكتمل الشروط والأركان»، والذي وصفه الله بأنه آية من آياته فقال سبحانه: «وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إليهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» (آية 21) سورة «الروم».
وأوضحت الدكتورة سماح أنه لا يجوز للأب، بصرف النظر عن اسمه، أن ينكر نسب ثمرة الزواج الشرعي حفاظاً على مستقبل الأولاد من شكوك الآباء وظنونهم، ولهذا يحرّم الشرع تشكيك الأب في نسب أولاده إليه، طالما أن هذا الإنجاب تم في ظل زواج كان قائماً وقت الولادة، ولهذا قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «الولد للفراش وللعاهر الحجر»، ومعناه أن الولد يُنسب إلى فراش الزوجية – أي الأب - لأن هذا هو الأصل حفظاً للأنساب من الضياع، وقد وصل الأمر ببعض الفقهاء حد المبالغة في ذلك، حفاظاً على الأولاد، فقالوا: «لو أن رجلاً غاب عن زوجته فولدت، فالولد لاحق به ما لم ينفه باللعان»، وقال ابن قدامة: «حتى لو أن امرأة أتت بولد وزوجها غائب عنها لمدة عشرين سنة لحقه ولدها».
وأنهت الدكتورة سماح كلامها، مؤكدةً أنها لا تقر بما قاله ابن قدامة بالطبع، ولكن هذا لتبيان مدى حرص الإسلام على نسب الأولاد إلى زوج أمهم، طالما كانت الزوجية قائمة، أو تم الطلاق وكانت الزوجة حاملاً وأنجبت بعد الطلاق، فإذا كان هذا موقف الإسلام من قضية المحافظة على نسب الأب، وبالتالي لا يجوز للابن نفسه أن يحاول نفي نسبه لأبيه، أو تغيير نسبه إليه مهما كانت الأسباب، ولكن في حال نفي الأب نسب ابنه إليه، أو مطالبته بعمل تحليل DNA له، فأرى أنها قضية خلافية في حاجة إلى مزيد من البحث والدراسة من المجامع الفقهية لإصدار فتوى شاملة، لأن الابن هنا مجني عليه ويتصرف برفض نسبه لأبيه كرد فعل على اعتداء الأب عليه وقتله معنوياً.

قضية جدلية
تؤكد الدكتورة مريم الداغستاني رئيسة قسم الفقه في كلية الدراسات الإسلامية – جامعة الأزهر، أن لا بد من احترام تشريعات الإسلام في ما يتصل بالنسب، باعتباره أحد المقاصد الرئيسة الخمسة التي تعمل الشريعة على حفظها، وهي: «حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال»، ولهذا أحاط الإسلام الأنساب بسياج من الحماية والرعاية حتى لا تكون وسيلة للانتقام الشخصي أو التلاعب بسمعة الناس وأعراضهم، وضرورة التزام الأبناء بنسبهم إلى آبائهم بصرف النظر عن رضاهم الشخصي عن ذلك من عدمه.
وأوضحت الدكتورة مريم، أن الشريعة الإسلامية حددت وسائل شرعية للنسب، ولكن في حال رغبة الأبناء في تحويل النسب لغير آبائهم – ولو بشكل معنوي أو رمزي – فإنها قضية يتداخل فيها الحلال والحرام مما يصعب معه الفصل فيها باجتهاد فردي، ولهذا لا بد لها من اجتهاد جماعي للمجامع الفقهية تنفيذاً لقول رسـول الله (صلّى الله عـليه وسلّم): «إن الحلال بين وإن الحـرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعـلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فـقـد استبرأ لديـنه وعـرضه، ومن وقع في الشبهات وقـع في الحرام كـالراعي يـرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجـسد مضغة إذا صلحـت صلح الجسد كله وإذا فـسـدت فـسـد الجسـد كـلـه، ألا وهي الـقـلب».
وأنهت الدكتورة مريم الداغستاني كلامها ناصحةً الآباء والأبناء بحل الخلافات في ما بينهم، لئلا يبحث الأبناء عن آباء بدلاء لآبائهم الأصليين.

حق الأبناء
يؤكد الدكتور نبيل غنايم أستاذ الشريعة الإسلامية في كلية دار العلوم – جامعة القاهرة، أن للأنساب في الإسلام قدسية خاصة، ولهذا حرّم الإسلام «التبني» بكل صوره، لأن الولد ينتسب لغير أبيه، بصرف النظر عن المشكلات الزوجية حتى وإن وصلت الى الطلاق، فقال الله تعالى في تحريم نسبة الولد لغير أبيه الشرعي، حتى وإن كان على غير هواه أو كان الأب عاقاً لابنه: «ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ ...» (آية 5) سورة «الأحزاب». والموقف نفسه في نسبة الأبناء لأمهم حتى لو لم تكن سوية، أو كانوا هم رافضين لها بسبب ذلك، فقال سبحانه وتعالى: «إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ ...» (آية 2) سورة «المجادلة». مع العلم أن هذه الآية نزلت في شأن الظهار، إلا أنها رسخت مبدأ أن الأم هي التي ولدت ولا يجوز سلبها حقها أو محاولة نفي النسب عنها لوضاعة شأنها أو نسبها أو فقرها أو أي سبب آخر.
وأشار الدكتور غنايم إلى أن عقوق الوالد لولده بإهمال شؤونه ورعايته أو تركه في حضانة الأم ورعايتها من دون الإنفاق عليه في مختلف مراحله العمرية، لا يعتبر مبرراً لنفي أبوة النسب الإجباري والبحث عن «أب اختياري» ليكون بديلاً منه بحجة أنه أكثر حناناً ورعاية، وفي  الوقت نفسه، فإن الأب المهمل لأبنائه يكون آثماً شرعاً وحسابه شديد عند الله لقول رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول».
وأنهى الدكتور نبيل غنايم كلامه مؤكداً أن من حق الأبناء الذين أهملهم أبوهم أن يرفعوا أمرهم إلى القضاء، ومن حق القاضي أن يفرض عقوبة تعذيرية على الأب تتناسب مع تقصيره، لأن ولي الأمر أو من ينيبهم من القضاة مهمتهم الحكم بين بالناس بالعدل، وعلى الوالد العاق لأبنائه السمع والطاعة لحكم القضاء لقول الله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَإليوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا» (الآيتان 58-59) سورة «النساء».

عقوق الآباء
أما الدكتور حامد أبو طالب عضو مجمع البحوث الإسلامية، فيؤكد أن القضية خطيرة ومتشعبة، ولهذا فهي تتضمن جوانب عدة مثل «عقوق الأب» الحقيقي لأبنائه حتى إنهم قد يفضلون زوج الأم عليه، ويعتبرونه بمثابة «الأب الاختياري» لهم نظراً لأبوّته المعنوية، ولهذا يعدّ الأب بالنسب آثماً شرعاً ويجب عقابه لعقوقه لأبنائه.
واستشهد الدكتور أبو طالب بحادثة تؤكد عقوق الآباء لأبنائهم، فقد جاء رجل إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يشكو إليه عقوق ابنه، فأحضر عمر الولد وأنّبه على عقوقه لأبيه ونسيانه حقوقه عليه، فقال الولد: يا أمير المؤمنين أليس للولد حقوق على أبيه؟ قال: بلى، قال: فما هي يا أمير المؤمنين؟ قال عمر: أن ينتقي أمه ويحسن اسمه ويعلّمه الكتاب، أي القرآن. قال الولد: يا أمير المؤمنين إنّ أبي لم يفعل شيئاً من ذلك، أما أمي فإنها زنجيّة كانت لمجوس وقد سمّاني جُعْلاً، أي «خنفساء» ولم يعلّمني من الكتاب حرفاً واحداً. فالتفت الفاروق عمر إلى الرجل وقال له: «جئت إليّ تشكو عقوق ابنك وقد عققته قبل أن يعقّك، وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك».
وأوضح الدكتور أبو طالب، أن بعض مشاهير الصحابة لهم آباء كفرة ومعادون للإسلام ورسوله (صلّى الله عليه وسلّم)، ومع هذا لم يطلبوا نفي نسبهم إليهم أو اختيار آباء بالاختيار، حتى إن النبي (صلّى الله عليه وسلّم) رفض نسبة خادمه زيد بن حارثة إليه رغم أنه كان يتسمّى قبل تحريم التبني باسم «حارثة بن محمد»، وعندما تم تخيير حارثة بين انتسابه لأبيه حارثة وبين رسول الله، اختار نسبه إلى رسول الله، ومع هذا رفض الإسلام ذلك، لأن الولد لا بد من أن ينتسب لأبيه مهما بلغ حبه لغيره الأكثر حناناً وشفقة عليه.
وأنهى الدكتور أبو طالب كلامه، مؤكداً أن عقوق الآباء لأبنائهم لا يجوز شرعاً، وأيضاً عقوق الأبناء لآبائهم، أو طلب التنازل عن الانتساب إليهم واستبدالهم بغيرهم وإلا كانوا جميعاً شركاء في الإثم والمعصية، لأن الله أوصى الأبناء بحسن معاملة الآباء حتى لو كانوا مشركين، فقال سبحانه: «وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إليَّ الْمَصِيرُ. وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إليَّ ثُمَّ إليَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ» (الآيتان 14-15) سورة «لقمان». }

تشريع رادع
تطالب الدكتورة آمنة نصير عضو مجلس النواب والعميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية، بعرض القضية بمختلف تفاصيلها على المجامع الفقهية لبحثها وبيان الحكم الشرعي فيها من كل الجوانب، لأنه قد يحدث التباس عند البعض في فهم قول الله تعالى: «وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا. وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا « (الآيتان 23-24) سورة «الإسراء». كأن يفهم الأبناء أن البر يكون بالوالدين الصالحين اللذين يحسنان تربية أولادهما في الصغر، فهل إذا أساء الأب أو قصّر يجوز للأبناء إسقاط أبوته عنهم لأنه لم يحسن التربية والرعاية؟
وأشارت الدكتورة آمنة إلى أنها ليست من أنصار بحث الأبناء عن آباء جدد بالاختيار كرد فعل على تقصير الآباء، لأنه حتى إذا عق الأب ابنه لا يجوز للابن أن يطلب محو اسمه من شهادة ميلاده أو حتى اسم شهرته والانتساب – ولو معنوياً – إلى شخص آخر، سواء كان زوج الأم أو أي شخص آخر عطوف بالأبناء.

وأنهت الدكتور آمنة كلامها موضحةً أن هناك الكثير من التصرفات الخاطئة التي تصدر عن الأزواج ويغفرها لهم المجتمع الشرقي الذكوري رغم أنها منافية لتعاليم الإسلام، ومنها عدم معاقبة الأب المقصر في حق أولاده، أو من يحاول تشويه سمعة زوجته بطلب تحليل DNA وغيره من وسائل الانتقام التي يلجأ اليها الأزواج لإلحاق الأذى بزوجاتهم.
وتؤكد الدكتورة آمنة أنها في صدد إعداد مشروع قانون ستقدمه إلى مجلس النواب المصري يتم من خلاله حصر كل ممارسات الأزواج السلبية في حق زوجاتهم، وكذلك إساءات الآباء الى أبنائهم وبناتهم، وسن عقوبات رادعة لكل من تسول له نفسه الانتقام والكيد للآخر، بعيداً من تعاليم الأديان أو سيف القانون الذي يجب أن يكون حاسماً في مواجهة الأهواء الشخصية الانتقامية التي تستغل ثغرات قانونية يجب علاجها، لأن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.