الدكتورة نادية باعشن عميدة كلية جدة العالمية: بالتعليم نهيئ المجتمع للتحول الوطني

الدكتورة نادية باعشن,عميدة,كلية جدة,العالمية,بالتعليم,نهيئ المجتمع,للتحول الوطني

آمنة بدر الدين الحلبي - (جدة) 09 أكتوبر 2016

منذ أحلامها الأولى كانت تحقق ما تريد بإرادة صلبة وحزم أكيد،  نظراً لنشأتها في بيت ثقافي وتجاري، للفتاة فيه مكانتها واحترامها، ومن شبَّ على شيء شاب عليه. دخلت كواليس العمل التجاري في ريعان شبابها، ووضعت بصمة مهمة في بدء مسيرتها حين رافقت أعضاء غرفة التجارة في جدة برئاسة الشيخ اسماعيل أبو داود إلى مكتب الأمير نايف بن عبدالعزيز (طيّب الله ثراه)، وغاصت في ردهات العمل الاجتماعي حين أسست مكتب المسؤولية الاجتماعية في شركة دلة البركة.

مشوارها حافل بالعمل الأكاديمي والاقتصادي والاجتماعي، تقلدت العديد من المناصب التعلمية والإدارية، وشاركت في الكثير من العضويات والمجالس ولجان الخدمات، وسعت جاهدة لتكون للمرأة السعودية مكانتها الاجتماعية والثقافية، فأسست مركز السيدة خديجة بنت خويلد لخدمة سيدات الأعمال، وألحقته بفرع نسائي للتدريب والتعليم التقني والفني، وأسست كليات أكاديمية عدة ساعية لتكوين لبنة اجتماعية قوية، حتى استقر بها المطاف في كلية جدة العالمية.
حصلت الدكتورة نادية باعشن على درجة البكالوريوس في الاقتصاد من كلية الاقتصاد والإدارة- جامعة الملك عبدالعزيز في  جدة في المملكة العربية السعودية. كما حصلت على درجة الماجستير والدكتوراه في إدارة الأعمال، من كلية الاقتصاد والإدارة- جامعة أريزونا في أميركا، وحازت بالتالي شهادة مزاولة المهنة في تنمية الموارد البشرية.

«لها» التقت الدكتورة باعشن لتقلّب صفحات مسيرتها التي تعجُ بالعمل الدؤوب من أجل العلم والتعلم وخدمة المجتمع والوطن.


{من عمادة كلية إدارة الأعمال للبنات في جامعة الأعمال والتكنولوجيا «CBA» في جدة إلى عمادة كلية جدة العالمية... ما سبب هذا التغيير المفاجئ؟
ليس مفاجئاً بقدر ما هو امتداد للدور الأكاديمي نفسه، نظراً إلى قناعتي الراسخة بمستقبل لا يجدي نفعاً بدون تعليم المرأة، وأن تعزيز تلك الروافد التعليمية في القطاع الخاص إلى جانب القطاع الحكومي له أهمية قصوى، فارتضيت أن يكون لي دور وأضع بصمة في إنشاء كلية جدة العالمية، وبدأت مرحلة جديدة برؤية مغايرة للتعليم بعدما أنهيت مشواري في «CBA».

{ما هي رؤية كلية جدة العالمية؟
تقوم رؤية الكلية على التعليم التبادلي داخل الجامعة على أساس التعليم التشاركي بين الأستاذ والطالب بعيداً عن منهجية التلقين، والتعليم التعاوني بين القطاعين العام والخاص بالتحاق الطلاب بالعمل لكسب مهارات عملية وهم على مقاعد الدراسة على مبدأ «صمم مستقبلك وأنت على مقاعد الدراسة»، وهو يبدأ من السنة الثانية.

{ماذا عن الكلية التي تمَّ تأسيسها أخيراً، وما هي أقسامها؟
كلية جدة العالمية تضم طلاباً من الجنسين، ويبلغ عدد الإناث فيها 110 طالبات، والذكور 35 طالباً، وهي تتألف من قسمين علميين مختلفين بمسارات متعددة: قسم التصاميم، ويحتوي على التصميم الغرافيكي والداخلي وتصميم الأزياء للفتيات... وقسم إدارة الأعمال، ويحتوي على إدارة الأعمال الدولية والتسويق، إدارة المحاسبة والتمويل، إدارة المالية، إدارة نظم المعلومات، إدارة العقار والتأمين. ونحن في صدد دراسة سوق العمل لمعرفة الكلية الثالثة وتحقيق شروط الوزارة لافتتاح الجامعة، لأن كل قسم يشكل كلية.

{ما هي متطلبات سوق العمل؟
الجوانب الخدمية مطلوبة أكثر من تلك المهنية، وعلى سبيل المثال يتوجه السوق اليوم الى الخدمات الطبية لتكون مساندة ومساعدة لكليات الطب مثل الأشعة والتحاليل وتراكيب الأسنان.

{من خلال تلك المسيرة الأكاديمية، هل وضعت خريجات التعليم الأهلي بصمة في السوق السعودي؟
نجحت الخريجات في وضع بصمة يشهد لها القاصي والداني، وقد تم اختبارها والتأكد من نتائجها وعطائها لكون التعليم الأهلي مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بسوق العمل، نظراً لاعتماد الدراسة فيه على اللغة الانكليزية، والتدريب على المهارات المتعددة، والانغماس في الخدمة الاجتماعية والتطوعية لتهيئة الجميع لمراكز القيادة والنجاح في الحياة العملية، إضافة الى كون التعليم الأهلي يتّسم بالمرونة والتغيير والتبديل إذا تطلب الأمر ذلك، بخلاف التعليم الحكومي الذي يدخلنا في متاهات البيروقراطية.

{في أي مجالات كان للطلاب الوجود الأكبر؟
في الشركات الكبيرة التي تعتمد على خدمة المجتمع، وكانوا مهيئين للتفاعل والتعامل مع متطلبات السوق وما يحتاج إليه، حيث وُجدوا في الدعاية والإعلان، التصميم، الطيران، والقطاع السياحي والمصرفي والصحي.

{استطاعت الكلية الحصول على منح للطلاب؟
بافتتاح الكلية في العام الماضي، حصلنا على 60 منحة من رجال الأعمال كانت مناصفة بين الطلاب والطالبات، وهذا العام قدم بعض الشركاء ورجال الأعمال 80 منحة، نقدم في 60 منها مساعدة لغاية 15%، وخُصص الباقي للمعدلات العالية بحيث نساعد لغاية 25%. وللعلم، المنح مقدمة للجنسين من المواطنين والمقيمين من جميع الدول العربية والإسلامية، مما يجعل العملية التعليمية منفتحة وتتعاطى مع مختلف الثقافات.

{كيف تتعامل الدكتورة نادية مع طالباتها؟
أعتبرهن بناتي ونتشارك معاً في الصف والاستراحة والملعب، وأستخدم علاقاتي الاقتصادية والعملية في عالم المال والأعمال لإقامة الرحلات في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والعلمية والثقافية، ليكتشفن هذا العالم وهن على مقاعد الدراسة.

{كيف تقرئين رؤية 2030 التي طرحها ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان؟
عندما تم الإعلان عنها، لم يكن للتعليم العام والخاص دور فيها، لكن بمبادرة من القطاع التعليمي ـ الجامعات الخاصة والعامة ـ تم طرح رؤية التعليم وربطها برؤية 2030 فوصلت الى سمو الأمير محمد بن سلمان حيث تضافرت الرؤى وبدأنا نرى دوراً للتعليم.

{هل يحقق هذا الدور تحولاً مجتمعياً بارزاً؟
في رأيي، لا تطور بدون تطور التعليم، وأقصد التعليم العام والعالي على حدٍ سواء. لكي يستطيع المجتمع مواكبة التحوّل المطروح يجب تهيئته بالتعليم والتعليم لنواكب أيضاً التغيير في العالم كله.
لقد توجه معظم خريجي الثانوية العامة إلى الجامعات الحكومية في المملكة، لكن هل الجامعات الحكومية قادرة حالياً على استيعاب هذا الكم الهائل من الطلاب والطالبات؟ بالطبع لا! وما رأيناه في وسائل التواصل الاجتماعي، خير دليل على ذلك، لقد فُتح باب القبول مرة أخرى، وما زال عشرات الآلاف من خرجي الثانوية العامة بلا أمكنة، وأُعيدوا الى منازلهم، وربما سيتم تحويلهم الى التعليم الأهلي الذي يتطلب مبالغ باهظة.

{كيف نهيئ المجتمع لهذا التحول؟في أوروبا، حين يولد طفل، يُخصص له رصيد في المصرف يُسمى «حساب ادخاري للتعليم»، وكلما كَبُرَ الطفل ازداد الرصيد، وحين يصل إلى الجامعة لا يعود يحتاج أحداً. إنه مفهوم ثقافي متجذّر في العالم كله، فهل مجتمعنا مهيأ لذلك؟ فليضع في الاعتبار أولوياته.

{هي ثقافة مجتمع... لكن كيف يتم تغييرها؟
بالتعليم فقط يُعاد صوغ تلك المفاهيم ليدرك كل بيت أن الدولة لم تعد تتكفل بالعملية التعليمية، وعلينا أن نغير منظومة الشعب الاستهلاكي المدلل الذي يعشق السفر بدون حساب للأولويات، فتلك ثقافة لا يتم زرعها وتأصيلها في المجتمع بدون دور حقيقي  للتعليم.

{ماذا ينقص التعليم العام؟
إعادة إحياء دور الأسرة في التربية والتعليم الذي تم إلقاؤه على القطاع التعليمي، والذي بدوره أهمله كلياً، فانعدم التواصل بين البيت والمدرسة، والنظر في خريجي معاهد إعداد المعلمين، حين نعطي أحدهم دوراً تربوياً يكون غير مهيأ لتلك المنظومة والتعامل معها أمام جيل يملك كل وسائل التكنولوجيا الحديثة ويتجاوز من خلالها حدود المعلم، فيخرج الطالب لا يملك مهارات تفاعلية من عملية التلقين، ويصل إلى الجامعة وهو يتلعثم أمام العملية التفاعلية، فيلجأ الى القص واللصق من «غوغل» لإنجاز بحث علمي أو فني، وذلك بسبب عدم زرع ثقافة القراءة منذ الصغر، وفاقد الشيء لا يعطيه، فأسسنا جيلاً اتكالياً اعتاد على نظم تربوية خاطئة، فمن الضروري ارتباط برنامج التحول الوطني بالتعليم العام في رياض الأطفال.

{ألا يحتاج المجتمع الى خطوات إيجابية؟
بعض الشركات الكبيرة بدأت بخطوات واثقة لتعليم الطفل إدارة نقوده حتى يصبح على دراية كاملة بتنظيم مصروفه من خلال قاعدتين: الأولى أريد والقائمة 100% على الرفاهية، والقاعدة الثانية أحتاج والمبنية على الذكاء المالي، ليصنّف احتياجاته، ويصبح في المستقبل رجلاً قادراً على مؤازرة الدولة بعيداً من الإسراف والتبذير.

{الدكتورة نادية باعشن حاصلة على ماجستير في التخطيط الاستراتيجي وتنمية الموارد البشرية، ماذا أضاف لك هذا على الصعيد الأكاديمي؟
جعلني معلمة ملمّة بالخطوات التعليمية، لأن حياتي العملية قائمة على خطط مبرمجة بدءاً من محاضراتي وانتهاء بامتحاناتي التي لها أهداف ومقاييس ومعايير قياس، فانعكس ذلك عليّ أكاديمياً، وعشقت العملية التعليمية، فأحبتني  طالباتي حين أوصلت اليهن المعلومة بأسلوب منطقي ومنظم.

{حصلت على شهادة مزاولة المهنة في تنمية الموارد البشرية، هل يستمر التدريب مدى الحياة؟
التعليم ينتهي، أما التدريب فلا، لأنه عملية حياتية مستمرة، سواء للمعلم أو للطالب، فالتدريب جزء لا يتجزأ من حياتي العلمية والعملية، وقد أكسبني مهارات جديدة، وأتاح لي  تجارب كبيرة انعكست إيجاباً على طالباتي وموظفاتي، مما منحني دفعاً قوياً في طريقة قيادتي، سواء في القطاع العام أو الأهلي، وجعلني واحدة من فريق عملي ولست قائدة فيه.

{وهل هذا التدريب متاح في المدارس اليوم؟
في بعض المدارس الأهلية القائمة على التدريب فقط، ويأتينا منها خريجات متميزات أكاديمياً وحياتياً، ولديهن مهارات جيدة، ويلعبن دوراً كبيراً في القيادة ورئاسة المشروعات التطوعية والاجتماعية والأكاديمية.

{تواجهين صعوبات كثيرة من خريجات التعليم العام...
ما يجهدنا كثيراً، هو العملية التربوية، خاصة في التعليم التفاعلي، نظراً الى تغييب الأسرة كدور تربوي، فتنجرف بعض الطالبات وراء مباهج الحياة، أو يستغرقن في الأحلام الوردية والتي تكون غير مرتبطة بالواقع، والأهالي يشجعونهن على تلك الأحلام وربطها بواقع قد لا يكون وردياً، مما أفقدهن القدرة على تحمل المسؤولية.

{بعد عودتك من البعثة، تألقت في زيارتك الأمير نايف (طيّب الله ثراه) مع أعضاء وفد الغرفة التجارية... ماذا حققت لك تلك الزيارة؟
بعدما أصبحت دكتورة مستشارة غير متفرغة في الغرفة التجارية، أسست «لوبي» مع أعضاء الغرفة لإقناع رئيسها الشيخ اسماعيل أبو داود بالذهاب مع الوفد إلى أن تمت الموافقة، ولم يكن الخوف من تصرفاتي أنا المسؤولة، لكن هاجسه الوحيد إصراري على أكون المرأة الوحيدة ضمن الوفود كلها، فانتهت الزيارة بمردود رائع، وكانت النافذة التي فتحت آفاقاً واسعة للمرأة السعودية.

{تنوع التدريب للمرأة في نهاية الثمانينات...
بالتشجيع من سمو الأمير نايف بدأنا الدخول الى عالم التدريب بكل إمكانياته بعدما كان مقتصراً في آخر الثمانينات على اللغة الانكليزية والحاسب الآلي للمرأة، فعملنا على تدريب المرأة في كل المجالات وإعادة تأهيل مخرجات التعليم، وفتحنا أمامها آفاقاً واسعة للتدريب في كل المجالات من الإدارة المالية إلى التحليل المالي والإدارة المصرفية والمحاسبة والاستثمار وإدارة المشاريع، ودخلنا مع المعاهد النسائية الأخرى تحت مظلة الغرفة التجارية، وبدأت عملية التدريب بالانتعاش حتى وصلت بنا الجرأة بالتعاون مع سيدات الأعمال أن نطالب بسحب المظلة من الرئاسة العامة لتعليم البنات إلى المؤسسة العامة للتدريب المهني، وقدّمنا شهادات تدريب في كل المجالات العلمية والتقنية والمالية والفنية والأسرية والقطاعات السياحية والتصميم. {


أسئلة شخصية

{أهم محطة في حياة الدكتورة نادية؟
المحطة الأولى، ذهابي للبعثة بعد درجة البكالوريوس وخروجي من الرعاية العائلية التي أفقدتني الكثير من القدرات والمهارات، لأجد نفسي بلا سلاح، طالبة مغتربة تقع على عاتقها مسؤوليات كبيرة في اتخاذ القرار، فعشت مرحلة تحول صعبة بانفصال اسم نادية عن عائلة باعشن، وطورت نفسي بنفسي وبنيت ثقة كبيرة لأعيش وأبدع.

المحطة الثانية كانت والدتي التي علمتني التواضع، وبعدما أُصيبت بمرض ألزهايمر شعرت بأن وهج الحياة الذي أخذني لا يساوي شيئاً أمام عظمة الخالق وقدرته، مهما كبرت وتعلمت.

{من صنع تلك الشخصية الفذة؟
كان والدي يتسم بالصرامة والشدة في تربيتي، ووالدتي الحنون تشجعني، وما بين التحدي والتشجيع تفجرت إمكانياتي وبُنِيَتْ شخصيتي.

{نهاية المطاف...
مطافي مستمر على قدر استطاعتي وقدراتي، وسأظل أسخّرها في خدمة مجتمعي ووطني.