طلاق بسبب الإتيكيت!

طلاق,بسبب الإتيكيت,جدل فقهي,دعوى قضائية,محكمة الأسرة,المبرر,مؤيد,معارض,جهل الزوج,الكفاءة,السيدة سميحة,لا للتعميم,الدكتورة عبلة الكحلاوي

أحمد جمال - (القاهرة) 15 أكتوبر 2016

جدل فقهي أثارته دعوى قضائية رفعتها زوجة أمام محكمة الأسرة في مصر، تطلب فيها الطلاق لجهل زوجها بأصول الإتيكيت، وانقسم علماء الدين حول هذا المبرر الغريب لطلب الطلاق، ما بين مؤيد ومعارض ومتحفظ في الإجابة عن سؤال: هل يجوز شرعاً طلب الطلاق بسبب جهل الزوج بقواعد الإتيكيت؟ وهل هو من الأمور التي تدخل في الكفاءة الزوجية أم لا؟

تقدمت السيدة سميحة بدعوى قضائية الى محكمة الأسرة في عابدين، ضد زوجها شادي، وطالبت فيها بالطلاق للضرر بسبب إهمال زوجها مظهره وجهله بقواعد الإتيكيت، واعتراضها على طلب الزوج لها في بيت الطاعة، بعدما تركت بيت الزوجية قبل أشهر.
وأبدت سميحة سبباً في طلب التفريق بينها وبين زوجها قائلة في دعواها: «أصبح مظهره غير لائق، ويعاني البدانة وشعره تساقط، وفوجئت بعدما جمعنا منزل واحد بعدم اهتمامه بنظافته الشخصية، وأنه لا يعرف فن «الإتيكيت». ورغم أننا تزوجنا على الطريقة التقليدية، فأنني أمضيت بصحبته سبعة أشهر كنا نحضّر خلالها لمراسم الزفاف، من دون أن تظهر عليه كل تلك الصفات البشعة التي اكتشفتها بعد الزواج، فهو كان دائم الحرص على مظهره اللائق، ولا يتلفظ إلا بالكلمات الرقيقة، لكن بعد الزواج تكشّفت حقيقته، ولا أبالغ إذا قلت إنني فوجئت بإنسان آخر غير الذي تزوجته».
وأضافت: «أنا من أسرة راقية، تعيش على النظام وتحترم أصول الحياة، ولا تستطيع التعامل بدونية كما يفعل زوجي، مما سبّب لي آلاماً نفسية، لذا قررت بعد أربعة أشهر من الزواج أننا لا نصلح للعيش معاً، وطلبت منه الطلاق وإعطائي ما اشتريته فقط، والذي كبّد والدي مبالغ طائلة، لكنه رفض، مما اضطرني لإقامة دعوى، لكنه وجّه لي إنذاراً بالطاعة، ليذلّني ويجبرني على العيش معه، فأُطالب بالخلع وأتنازل عن حقوقي كافة، قائلاً لي بالحرف الواحد: «سأعلّمك كيف يكون تعامل أولاد الذوات اللي بيفهموا في الإتيكيت»، كما تعرضت للضرب للمرة الأولى في حياتي، مما دفعني لترك المنزل والهرب من ذلك الإنسان المتخلّف».
وأكد الزوج في إنذار الطاعة الذي حصل عليه من المحكمة، أن زوجته تتعمّد دائماً إهانته هو وأفراد أسرته، وتمتعض من البيئة التي تربّى فيها، وتعيّره بفقره، وتؤكد أنها تنتمي الى طبقة غنية، ولا يمكنها العيش مع إنسان جاهل بأصول الإتيكيت، لذا تركت المنزل، وحاولت سرقة كل ما خفّ وزنه، ووصل بها الأمر أن حاولت إجباره على تطليقها بواسطة بلطجية بالاتفاق مع أهلها.

لا للتعميم
ترى الدكتورة عبلة الكحلاوي، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في بورسعيد- جامعة الأزهر، أن الإتيكيت شرط رئيس في حياة بعض الطبقات الاجتماعية، بل إنه عند بعض الأفراد، سواء كانوا نساء أو رجالاً، يعد أحد العوامل الرئيسة في التكافؤ بين الزوجين لضمان عيشهما معاً في سعادة واستقرار.
عن اعتبار الإتيكيت مبرراً لطلب الطلاق للضرر، تؤكد الدكتورة عبلة أن من الخطأ التعميم، بل إن لكل حالة ظروفها وأوضاعها الاجتماعية والنفسية التي لا يجوز تجاهلها عند الحكم في هذه القضية، التي يراها البعض ضرورية جداً في حياتهم بشكل قد يفوق التكافؤ المادي، ولهذا فإن لكل مقام مقالاً، وما يكون ضرورياً لبعض الزوجات في ما يتعلق بالإتيكيت قد يكون هامشياً لأخريات، وبالتالي فإن من حق من لا تستطيع التوافق مع زوجها أن تطلب الطلاق أو الخلع، لقول الله تعالى: «لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ على الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا على الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ» (آية 286) سورة «البقرة».
وتنصح الدكتورة عبلة، كل زوجة لا يعرف زوجها الإتيكيت أن تصبر عليه حسبةً لوجه الله، والمحافظة على استقرار بيتها، وتحاول تغييره الى الأحسن بالرفق واللين وليس بطلب الطلاق والتعامل بالغلظة والفظاظة، ولهذا قال الله تعالى: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ على اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ» (آية 159) سورة «آل عمران».

الكفاءة بين الزوجين
تشير الدكتورة فايزة خاطر، رئيسة قسم العقيدة في كلية الدراسات الإسلامية في الزقازيق- جامعة الأزهر، إلى أنه يمكن اعتبار الإتيكيت لدى بعض الطبقات الاجتماعية ضمن مقومات الكفاءة الزوجية التي عرّفها الفقهاء بأنها: «المماثلة بين الزوجين دفعاً للعار في أمور مخصوصة، وأهمها: «الدين، والنسب والحرية، والحرفة والمال». والغرض من الكفاءة تحقيق المساواة أو التقارب في الأمور الاجتماعية من أجل توفير حياة زوجية مستقرة.
وتؤكد الدكتورة فايزة ضرورة تحلّي الزوجة التي لا يفهم زوجها في الإتيكيت، بالرفق وعدم توجيه لوم أو إهانة له بسبب جهله بذلك، لقول النبي (صلّى الله عليه وسلّم) في الرفق: «إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله». ومن المعروف أن النساء قادرات على فعل المستحيل وتغيير الآخرين، خاصة الأزواج، الى الأفضل، وبدلاً من التفكير في الطلاق الذي يعد أبغض الحلال عند الله، لأن فيه دماراً للأسرة وتشريداً للأبناء، عليها السعي لتغييره بالحسنى والمحبة.
وتنهي الدكتورة فايزة خاطر كلامها، ناصحةً الزوجات اللواتي لا يفهم أزواجهن في الإتيكيت إلى التحلّي بالصبر حتى ينلن ثواب الصابرين، وهو ثواب عظيم لقول الله تعالى: «وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ» (الآيات 155-157) سورة «البقرة».