قانون جديد يرفع شعار: الطلاق الشفوي باطل... فهل يوافق علماء الدين؟

قانون جديد,يرفع شعار,الطلاق الشفوي,باطل,فهل يوافق علماء الدين,مشروع,الأحوال الشخصية,الدكتورة فاطمة خفاجي,إثبات الحقوق,الدكتور عباس شومان,مراوغة وخداع,الداعية الإسلامي,الشيخ خالد الجندي,تأييد,الدكتورة كوثر المسلمي,إدمان,الدكتورة لواحظ عبدالسلام,تراجع الوعي,الدكتورة سعاد صالح,الاشتراط المسبق,الدكتور السيد أبو شنب,المجتمعات العربية,الدكتورة نهلة متولي,كلية الدراسات الإنسانية

أحمد جمال - (القاهرة) 12 نوفمبر 2016

جدل فقهي أثاره مشروع مقترح لتعديلات في قانون الأحوال الشخصية المصري، أعدّته «مؤسسة قضايا المرأة»، حول توثيق الطلاق الشفوي، وعدم الاعتراف بما يجري على ألسنة العامة من طلاق شفوي غير موثق، فماذا يقول علماء الدين عن الطلاق الشفوي؟ وهل يقع فعلاً أم لا بد من توثيقه؟


أعلنت «مؤسسة قضايا المرأة»، برئاسة الدكتورة فاطمة خفاجي، انتهاءها من إعداد تعديلات على مشروع قانون الأحوال الشخصية، تحت شعار «قانون أسرة أكثر عدالة»، وقالت لـ«لها» إن مشروع التعديلات المقترحة يحاول وضع حد لإشكاليات الطلاق الشفوي، وغيره من القضايا التي تكون المرأة فيها ضحية تقصير قانوني وتعنت ذكوري يستغل ثغرات القانون، ولهذا تعكف «مؤسسة قضايا المرأة» حالياً على توعية السيدات بالتعديلات المقترحة، لعرضها بعد ذلك على مجلس النواب لإقرارها.
وأوضحت الدكتورة فاطمة أن هناك إشكالية كبيرة في إثبات الطلاق الشفوي، ولهذا تتم المطالبة في التعديلات المقترحة بأن يكون الطلاق موثقاً، كما يحدث في توثيق الزواج، أو أن يتم من طريق محكمة تدرس القضية من مختلف جوانبها وتحفظ حق الزوجة المبتلاة بزوج يكثر الحلف بالطلاق الشفهي ولا تستطيع هي إثباته، مما يوقعها في شبهة العيش معه في الحرام بعد الطلقة الثالثة.
وأشارت الدكتورة فاطمة إلى أن «مؤسسة قضايا المرأة» استعانت في صياغة تعديلاتها المقترحة على قانون الأحوال الشخصية، بعلماء الدين الإسلامي والقضاة والمحامين للوصول إلى الصيغة المثالية العادلة، التي تضمن التوازن بين الحقوق والواجبات بين الزوجين، سواء أثناء اشتراكهما معاً في الأسرة، أو بعد أن يقررا الانفصال بالطلاق الشفوي، الذي لا يكون الزوج حريصاً على توثيقه، بل وينكره إذا لزم الأمر، مما يجعل من الصعب إثباته.

إثبات الحقوق
يؤيد الدكتور عباس شومان، وكيل الازهر، مقترح توثيق الطلاق الشفهي كنوع من إثبات الحقوق في عصر خربت فيه الذمم، وأصبحت المكائد بين الزوجين، في حال حدوث مشكلات زوجية، شيئاً طبيعياً، رغم الأمر الإلهي للأزواج والزوجات بأن يحسنوا المعاشرة بالمعروف في ما بينهم، طالما كان رباط الزوجية قائماً، أما إذا حدث الطلاق فإن الله أمرهم بألا ينسوا الفضل بينهم.
ويشير الدكتور شومان الى أن هيئة كبار العلماء في الأزهر تتابع كل ما يثار على الساحة الاجتماعية، خاصة ما يتعلق بقضايا الأسرة، وفي القلب منها هموم المرأة ومشكلاتها، ولهذا تم أخيراً تشكيل لجنة من علماء الهيئة لإبداء الرأي حول مسألة وقوع الطلاق الشفوي وتوثيقه، والتي أثارها الدكتور سعد الدين الهلالي والشيخ خالد الجندي وغيرهما من العلماء، حيث وصل الأمر إلى ساحات محكمة القضاء الإداري التي أجّلت القضية انتظاراً لرأي الأزهر فيها من مختلف جوانبها.
وينهي الدكتور شومان كلامه، مؤكداً أن هيئة كبار العلماء في الأزهر تبحث جميع الآراء الفقهية للمذاهب الإسلامية، من خلال المتخصصين في الحديث والتفسير والتاريخ والقضاء، مع الاجتهاد في مختلف القضايا بما يتناسب مع ظروف عصرنا، وما استجدت فيه من أمور تجعل التوثيق في الزواج والطلاق أقرب الى روح الإسلام، مما يخفّف من المشكلات، لأن قضايا الطلاق في مجتمعاتنا الشرقية تصل– في الأغلب الأعم– إلى درجة العداء والمكيدة، حيث ينسى الزوج والزوجة ما كان بينهما من حياة زوجية– بحلوها ومرّها- ويبدأ كل منهما في الكيد للآخر، خاصة إذا كان الطلاق شفوياً وغير موثق.

مراوغة وخداع
يطالب الداعية الإسلامي الشيخ خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، كلاً من مجلس النواب المصري والهيئات والمؤسسات التشريعية العربية والإسلامية، بسرعة إصدار قوانين تجعل التوثيق أمراً ملزماً في الطلاق، وبألا يقع الطلاق الشفوي إلا إذا تم توثيقه، وهذا ما يتناسب مع ظروف عصرنا، حيث قلّ التدين وخربت الذمم وماتت الضمائر، وكثر خداع الأزواج لزوجاتهم، فيكون التوثيق هو المخرج والملاذ الآمن، الذي يحفظ حقوق المرأة، سواء في زواجها أو طلاقها.
ويشبّه الشيخ خالد الجندي، المرأة التي تتزوج أو تطلَّق بدون توثيق بـ«عامل اليومية»، الذي يقوم صاحب العمل بإنهاء عمله في أي وقت من دون تحمل أي تبعات أو أعباء، بينما العامل الذي يتم تثبيته وتوثيق عقده، يضطر صاحب العمل للتفكير ألف مرة في إنهاء عقده، لأنه يعلم أنه سيقوم بمقاضاته للحصول على حقوقه كاملة، وحتى لو كان القضاء بطيئاً، تبقى حقوقه محفوظة.
وينهي الشيخ الجندي كلامه، موضحاً أن الزوجة المسلمة هي الوحيدة في العالم التي لم يتم «تثبيتها» في الحياة الزوجية من خلال الزواج العرفي، وكذلك بسبب الطلاق الشفوي غير الموثق، حيث يتم إنهاء حياتها الزوجية- والتي قد تتجاوز عشرات السنين- بجملة واحدة ينطق بها الزوج في أي وقت يريده، من دون تحمل تبعاتها حين يقول لها «أنت طالق»، وتتحمل وحدها أو هي وأولادها ويلات هذه الجملة الذكورية، التي يلقيها الزوج غير مدرك تبعاتها، لأنه يعلم جيداً أن الحياة الزوجية مستمرة، حتى لو حلف بالطلاق مئة مرة، لأنه لا يعرف الحلال والحرام في ما يتعلق بأحكام الزواج والطلاق.

تأييد
تؤيد الدكتورة كوثر المسلمي، أستاذة الحديث في كلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، التعديلات الجديدة، مؤكدةً أنها مع أي إضافات جديدة تجعل توثيق الطلاق الشفوي أمراً واقعاً، حتى يتم تجنب أي شبهة حرام، وفي الوقت نفسه يضمن حقوق الزوجة ويردع الأزواج المتلاعبين بكلمات الطلاق، كأنهم يتعبدون إلى الله بها، إلا أنه من حيث الشرع فإن الطلاق يقع بمجرد نطق الإنسان المتزوج ليمين الطلاق نطقاً صريحاً، وتحسب طلقة لأن الإنسان مسؤول عما يقول أمام الله سبحانه وتعالى، طالما كان إنساناً عاقلاً، لأن المجنون هو الذي لا يؤاخذه الله على ما يقول، ولهذا قال الله تعالى: «وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مسؤولاً» (آية 36) سورة «الإسراء».

إدمان
تطالب الدكتورة لواحظ عبدالسلام، رئيسة قسم العقيدة في كلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، مختلف المجامع الفقهية في العالمين العربي والإسلامي، وعلى رأسها هيئة كبار العلماء في الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية، بمناقشة القضية من مختلف جوانبها، خاصة أن من ينادي بعدم الاعتراف بالطلاق الشفوي، ومن يعارضونهم ويؤكدون أن الطلاق الشفوي يقع سواء تم توثيقه أم لم يتم، له حجته الشرعية القابلة للأخذ والرد، ولا يمكن تجاهل ما فيها من أسانيد فقهية، لأنها قائمة على الاجتهاد الذي يُثاب كل من يقوم به من العلماء، لأن الرسول (صلّى الله عليه وسلّم) أخبرنا أن المجتهد إذا أصاب فله أجران، وإذا أخطأ فله أجر، أي أن الفقيه المجتهد مثاب في كل الأحوال طالما كان اجتهاداً بإخلاص لوجه الله.
وتشير الدكتورة لواحظ إلى أن لا بد من صدور فتوى فقهية مجمعية شاملة تعرض لكل الآراء مع ترجيح أهمها، وفي الوقت نفسه لا بد من أن تلتزم بها مؤسسات التشريع والإفتاء في العالمين العربي والإسلامي، للخروج من اللغط الكثير حول تلك القضية التي يختلط فيها الحابل والنابل، وليصبح شعار الجميع قول رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك».
وتختتم الدكتورة لواحظ حديثها محذرةً من عدم اعتراف الأزواج بالطلاق الشفوي، واستكمالهم الحياة الزوجية وكأن شيئاً لم يكن، ويبررون ذلك بأنهم تلفّظوا بالطلاق بسبب ضغوط الحياة، وأنهم لا يملكون إرادة الطلاق الحقيقي، ويبحث مدمنو الحلف بالطلاق عن الفقهاء المتساهلين الذين يقبلون أي مبررات لعدم احتساب لفظ الطلاق الشفوي طلاقاً شرعياً.

تراجع الوعي
أما مفتية النساء الدكتورة سعاد صالح، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية للبنات في جامعة الأزهر، فتؤكد وقوع الطلاق الشفوي مع استحسان توثيقه، حتى لا يكون جحوداً للحقوق وتضييعها، هذا ما يراه جمهور الفقهاء، خاصة المعاصرين من مختلف المذاهب الفقهية، بعدما لمسوا تراجع الوعي الديني، مما يؤدي إلى ضياع الحقوق إذا لم توثق، خاصة في ما يتصل بالزواج والطلاق.
وتوضح الدكتورة سعاد أن التوثيق في الزواج والطلاق أمر مستحدث، حيث لم يكن موجوداً في عصر النبوة والخلفاء الراشدين وغيره من عصور الدولة الإسلامية، لأن الوازع الديني كان قوياً، والتزام الأزواج بحقوق الزوجات كان قوياً؛ أما من كان ضعيف الإيمان فهو يخشى من اللوم والزجر الاجتماعي، إن أخلَّ بما توافق عليه الناس، استناداً إلى الشرع والعرف المتوافق مع أحكام الدين، ولهذا لم تكن هناك ضرورة ملحّة لتوثيق الزواج والطلاق. أما في عصرنا فاختلّت الموازين، مما جعل التوثيق أقرب الى روح الدين، ومع هذا، إذا لم يتم توثيق الطلاق الشفوي فإنه يقع شرعاً، وإذا أنكره الزوج فهو آثم شرعاً، ويجب عقابه لأنه يتلاعب بأحكام الشرع، وفي الوقت نفسه على الزوجة التي ابتلاها الله بزوج يطلّق شفهياً ثم ينكر ويرفض التوثيق أن تقيم عليه البيّنة بالشهود مثلاً وترفع أمرها الى القضاء لإنصافها من هذا الزوج العديم الدين. 

العادات
عن مدى تقبّل المجتمعات العربية لتوثيق الطلاق الشفوي، تقول الدكتورة نهلة متولي، عميدة كلية الدراسات الإنسانية: «من المتفق عليه بين علماء الاجتماع والنفس، أن تغيير العادات والأعراف الاجتماعية أمر في غاية الصعوبة، ويستغرق وقتاً، خاصة في المجتمعات الذكورية التي تحابي الرجال على حساب النساء بدون وازع ديني، ولهذا فإن تغيير ثقافة المجتمع لتقبل توثيق الطلاق الشفوي أمر ليس هيناً، حتى لو تم إصدار تشريع قانوني بذلك، لأن هناك الكثير من الزيجات العرفية تتم بعيداً من التوثيق».
وتضيف الدكتورة نهلة أن التشريع وحده لا يكفي لتغيير الأعراف الاجتماعية، بل لا بد من وضع استراتيجية طويلة الأمد تقوم على نشر الوعي لدى الشعب عموماً بمنظومة الحقوق والواجبات، خاصة ما يتعلق بالزواج والطلاق، وكذلك اشتراط حصول المقبلين على الزواج على دورات تثقيفية في أحكام الزواج والطلاق، من خلال مراكز حكومية معتمدة.

الاشتراط المسبق
يقترح الدكتور السيد أبو شنب، عميد كلية الدراسات الإسلامية للبنات في بورسعيد- جامعة الأزهر، أن يتم الخروج من مأزق الاختلاف الفقهي حول توثيق الطلاق الشفوي، بوضع خانات للاشتراط في عقد الزواج تحدد كيفية ضمان الزوجة لحقوقها إذا حدث الطلاق لا قدّر الله، بأن يكون ذلك لدى المأذون أو في المحكمة، وهذا الشرط الذي يتم الاتفاق عليه بين الزوجين منذ البداية يحل المشكلة.
ويوضح د. أبو شنب أنه يجب شرعاً الوفاء به لعموم قول النبي (صلّى الله عليه وسلّم): «المسلمون عند شروطهم، إلا شرطاً أحلّ حراماً أو حرّم حلالاً»، وكذلك قول الفاروق عمر رضي الله عنه: «مقاطع الحقوق عند الشروط» ويرى جمهور الفقهاء أن الأصل في الشروط الصحة، ولا يحرم منها أو يبطل إلا ما دل الشرع على تحريمه وإبطاله نصاً.