لغز مقتل بطلة المصارعة المصرية

لغز,قتل,المصارعة المصرية,ريم مجدي,حادث سير,جريمة

نسرين محمد (القاهرة) 29 نوفمبر 2016

عندما يكون طموحك سبباً في قتل أحلامك، عبارة تنطبق على والد بطلة المصارعة المصرية ريم مجدي، التي جاءت نهايتها حزينة على يده؛ بعد شهرين من حصولها على الميدالية البرونزية في بطولة العالم للناشئين في جورجيا، وأربعة أشهر من حصولها على الذهبية في بطولة إفريقيا لمصارعة الناشئين في الجزائر، ليتحول من صانع لبطلة عالمية إلى متهم تسبب في قتلها.

 
خبر حزين تناقلته وسائل الإعلام عن مصرع بطلة مصر وإفريقيا ريم مجدي في حادث سير، عقب عودتها من التمرين في مركز شباب الإسماعيلية شرقي قناة السويس، حيث صدمتها سيارة مسرعة فرّت هاربة؛ وفقاً لما قاله الأب لجهات التحقيق، من دون أن يتمكن من الإدلاء بمواصفات السيارة التي لم يستطع تسجيل أرقامها.

البحث عن سيارة...
الأب، الذي كان في السابق بطل مصارعة، لم ينل شهرة ابنته، رغم ما حققه من بطولات، كان في حالة انهيار يصعب معها تصور أنه لا يقول الحقيقة، فالضحية ليست ابنته فقط؛ بل بطلة صنعها بعد سنوات من التدريب على يده ليحقق حلمه فيها، ليأتي اليوم حزيناً وقد اغتيل حلمه بدون سابق إنذار.
القضية صاحبها اهتمام غير عادي من رجال الشرطة والنيابة؛ من أجل التوصل إلى هوية سائق السيارة التي دهست بطلة عالمية وفرّت هاربة، حيث طلبت النيابة من رجال المباحث الكشف السريع عن هوية المتهم وضبطه؛ في الوقت الذي صرحت فيه بدفن الجثة، ليتم تشييعها إلى مثواها الأخير؛ وسط حضور المسؤولين الذين لم يمهلهم القدر لتكريمها في الحياة، فجاؤوا لوداعها الأخير.

رواية الأب
بعد انتهاء مراسم العزاء، كان على الأب أن يرافق رجال المباحث ليدلي من جديد بأقواله عن الحادث، للوصول إلى أي خيط يقودهم لكشف هوية الجاني، لتأتي كلماته متناقضة مع الواقع، حيث عثر في مكان الحادث على كاميرا مراقبة مُثبتة في واجهة إحدى الشركات لم تظهر المقاطع التي تحويها أي مشاهد مما صوّره الأب.
رواية الأب أشارت إلى أنه عقب توصيله ابنته وترجّلها من السيارة لتدخل إلى المنزل بمفردها، في حين انصرف هو ليعود إلى النادي الذي يعمل فيه، سمع صوتها يناديه ثم شاهد سيارة مسرعة تصطدم بها وتفر هاربة، وهو ما لم يظهر له أي أثر في كاميرا المراقبة التي لم يكن الأب يعلم بوجودها.
بدأ الأب يكذب في روايته، ليبدأ رجال المباحث في محاصرته بالأسئلة التي طاولت كل أفراد العائلة، في محاولة للوصول إلى أي مفتاح لهذا اللغز، لتأتي كلمات الأم كاشفة للحقيقة بأكملها، والتي كانت مفاجأة صادمة للجميع.

الحقيقة
قالت الأم إن مشاجرة عنيفة حدثت بين الأب وابنته بعد انتهاء التدريب بسبب عدم تركيزها في التمرين، فركلها برجله ليجرح كرامتها أمام الجميع، خاصةً أنها ما زالت تعيش في زهو الانتصار بما حققته من بطولات عالمية، ليتبين بعدها أن الشجار رافقهما الى السيارة وهما في طريق العودة الى المنزل، مما أصابها بالإحباط الشديد وجعلها ترى الدنيا سوداء في عينيها.
عانت الفتاة انهياراً نفسياً، فشعرت بالخوف مما سيحدث لها في اللحظات التالية، خاصة بعد أن تلقت صفعة قوية على وجهها من والدها حال ركوبها السيارة معه في طريقهما إلى المنزل، فما بالها عندما يُغلق عليهما الباب... ماذا سيفعل بها وهو بطل مصارعة في الأساس!

الهرب من الواقع
الرعب الذي عاشته الفتاة ولّد لديها الرغبة في الهرب، ففتحت باب السيارة وانطلقت تركض مسرعة لتسقط على الأرض، التي تحولت بالنسبة اليها حلبة مصارعة، لكن هذه المرة كانت تصارع الموت الذي انتصر عليها وهزمها بالضربة القاضية فور وصولها الى المستشفى؛ حيث لفظت أنفاسها الأخيرة.
ضرب مبرح أفضى إلى الموت... اتهام وجّهته النيابة العامة إلى مجدي محمود يوسف الشهير بـ "مجدي كابوريا"؛ والد الضحية ومدرب المصارعة في أحد المراكز الرياضية التي تنتمي اليها، إلى جانب اتهامه بالإدلاء ببلاغ كاذب بعد ادعائه بأن سيارةً صدمتها وفرّت هاربة، ليتم حبسه على ذمة التحقيق.

أسرار الماضي
القضية بملابساتها المعقدة جعلت الجميع يفتشون في دفاتر الماضي، وكيف كان الأب يتصرف مع ابنته، وما الذي دفعه الى معاملتها بهذه القسوة،  رغم أنها وخلال عشر سنوات من احترافها لعبة المصارعة حققت 12 بطولة؛ من بينها بطولتان عالميتان، فما الذي حدث ليتهمها بالإهمال في التدريبات وتراجع المستوى، رغم أنه لم يمر على آخر بطولة أحرزتها سوى شهرين.
كلمات الأب وتصريحاته في الماضي؛ وحتى بعد الحادث، كشفت الحقيقة، وأنه لم يكن يبحث عن بطولة لها بقدر ما كان يبحث عن انتصار يضاف إلى رصيده كبطل عالمي لم يحظ بالشهرة الكافية، فوجد في ابنته ضالته، التي عادت به إلى أضواء لم يكن ينعم بها في الماضي.

بطل بلا أضواء
مجدي يوسف؛ أو "مجدي كابوريا" كما يعرفه الجميع، وهو الاسم الذي أخذه الأب من الفنان الراحل أحمد زكي في فيلم "كابوريا" الذي جسد خلاله دور بطل ملاكمة، يمتلك الكثير من القدرات التي تؤهله ليكون بطلاً عالمياً، لكن تنقصه الرعاية الرياضية من المسؤولين، وهو ما وجده مشابهاً لأحمد زكي في "كابوريا" مع فارق أنه كان نجم منتخب مصر بالفعل منذ 17 عاماً.
حصل "كابوريا" على المركز الأول في 25 بطولة عربية وإفريقية، إلى جانب حصوله على المركز الرابع في بطولات العالم، لينتهي به الحال كمدرب مصارعة لا يعرفه أحد في أحد المراكز الرياضية في مدينة الإسماعيلية.
أراد أن يؤكد للجميع أنه ما زال موجوداً وقادراً على تحقيق الإنجازات، فوجد ضالته في ابنته ريم، التي كانت تبلغ من العمر وقتها أربع سنوات، وبدأ في تدريبها على رياضة قد تكون عنيفة لصغيرة في عمرها.

أقوال زائفة
عاش "كابوريا" حالة من التناقض النفسي وهو يلقّن ابنته كلمات؛ من يدقق فيها يكتشف زيفها، فكيف لصغيرة تبلغ من العمر أربع سنوات وتكون هي صاحبة القرار في اختيار لعبة عشقتها عبر مجموعة من الصور تمجد ماضي والدها كما يدّعي؟ وكيف لهذا الكائن الضعيف أن يتمرد على عادات وتقاليد القبيلة التي ينتمي اليها؛ لتحترف لعبة يراها البعض حكراً على الرجال؟
كلمات ذكرها عن الماضي مرت مرور الكرام على الجميع؛ في زهو الانتصار والاحتفال ببطلة عالمية، في الوقت الذي نطق فيه لسانه بالحقيقة عقب وفاتها؛ بحيث كان يدّعي أن سيارة مسرعة دهستها، وهو يشير الى أن ابنته كانت تتحدث معه في الطريق وتسأله عن التمرينات التي عليها القيام بها لتحقق كل ما يريده منها، لتكشف الحقيقة أنها كانت مجرد آلة في يد صانع البطولة.

جريمة سابقة
من يدقق في تفاصيل حياة الفتاة، يكتشف أنها حُرمت مع سبق الإصرار والترصد من أنوثتها على يد هذا الأب الذي كان يجبرها على التدرّب مع الصبية فقط، بعدما صور لها أن الفتيات كائنات ضعيفة لن يكسبها التدريب معهن ما يلزمها من مهارات، فبات عليها أن تكون ولداً وتدفن الفتاة التي في داخلها الى الأبد، سواء في ما ترتديه من ملابس، أو حتى قصّة شعرها التي جعلتها تبدو مثل الصِبية تماماً.
حتى المدرسة حرمها من الذهاب إليها؛ إلا نادراً من أجل التمرينات التي تكون أربع مرات في اليوم، لتحقق 12 بطولة، كان أشهرها الحصول على لقب أحسن لاعبة في القارة الإفريقية في البطولة التي أُقيمت في الجزائر في تموز/يوليو الماضي، وبطولة العالم التي أُقيمت في جورجيا في أيلول/سبتمبر الماضي؛ وحصلت فيها على الميدالية البرونزية، لتعيد إلى الأذهان الحديث عن "مجدي كابوريا" بطل المصارعة السابق؛ والدها ومدربها الذي صنع منها المستحيل.

 بطولة حقيقية
لم تكن ريم تدرك قيمة ما حققته في البطولة الأخيرة، فقد اعتادت حصد الألقاب من دون أي تكريم؛ لكن هذه المرة وجدت العالم كله يتابعها ويصف ما حققته بالإنجاز، فبدأت تعيش في زهو الانتصار؛ وأنها هذه المرة بطلة حقيقية عليها أن ترتاح قليلاً لتنعم بالفوز، وهو ما أزعج والدها؛ فبدأ في إهانتها وتعنيفها أمام الجميع، فتركت له كل شيء ورحلت؛ لتجرده من كل ألقاب البطولة تاركة له لقباً واحداً، وهو قاتل ابنته؛ بعد أن أعماه طموحه الجامح عن النظر إلى ما في داخلها.
جاءت نهاية ريم المأسوية لتوقف جريمة أخرى كانت ستُرتكب بحق شقيقتها الصغرى، حيث كان الأب في طريقه الى إدخالها حلبة المصارعة هي الأخرى، من دون أن تكمل حتى سنواتها الأربع التي رُسمت بداية ريم مع نهايتها؛ قبل أن تكمل عامها الخامس عشر.