إيلي صعب وبيروت... قصة حب 'على الحلو والمر'

عرض أزياء, السفارة الباكستانية في بيروت, إيلي صعب, فيروز, مصمم أزياء

05 أكتوبر 2010

بيروت تجري في عروقه. حكايته معها حكاية عشق قديم. إنها المدينة التي بهرته صغيراً، وحضنت انطلاقته شاباً، وحثّته على المغامرة العالمية والمثابرة حتى النجاح. مدينة تشبهه ويشبهها: كلاهما مفتون بغده، يسير مرفوع الهامة. كلاهما يقبل التحدّي، ولا يستسلم لقدره. يصنع تألّقه بيده، فيبدع ويرتفع... إيلي صعب، مصمّم عرف النجاحات العالمية الكبرى، وما برِحَ لا يفوّت مناسبة أو فرصة للتعبير عن حبّه الكبير لمدينته الأم، بيروت. وقد كان في عَرْضِ مجموعته للألبسة الجاهزة للخريف والشتاء في «أسواق بيروت» لمناسبة افتتاحها، بعد غياب دام 18 عاماً، إعلان واضح لحبّه المخلص لعاصمته النافضة عنها غبار الحروب. حبّ يجمعهما «على الحلو والمرّ»، كما يقول.

الحشود المتدافعة في شارع طرابلس في «أسواق بيروت» في وسط المدينة، تحملك الى المساحة المخصّصة للعرض الإستثنائي الذي سيقيمه المصمّم إيلي صعب هنا، لمناسبة الإنتهاء من المرحلة الأخيرة من مشروع إعادة إعمار بيروت، وافتتاح أسواقها. مناسبة وطنية سعيدة رأى صعب أن يوجّه فيها «تحيّة إجلال وإكبار لهذه المدينة العائدة من دمار، منتصرةً على ضعفها وموتها، من دون استسلام. بيروت التي تتقن فنّ الإنبعاث من الرماد». سجادة حمراء طريقك الى المكان، وتهافت متأنّقين من سياسيين ودبلوماسيين وأطباء ورجال أعمال وفنانين وعشّاق للموضة وإعلاميين وسيدات مجتمع. عدسات مصوّرين تلمع فلاشاتهم هنا وهناك وترافقك حتى دخول قلب الحدث الإستثنائي الذي لم يماثله في خصوصيته سوى الحفل الذي أحيته السيدة فيروز لمناسبة افتتاح أعمال ترميم بيروت، بعد اعتكافها سنوات بسبب الحرب الأهلية. يومها افترش محبو السيدة الطرق وطلعوا الشرفات والسطوح المطلّة ليستمعوا الى صوتها المنقذ. تذكّرك الحشود المتدافعة لحضور عرض أزياء إيلي صعب، بالحشود الفيروزية تلك، في حماستها واستبسالها في الحصول على مكان، أيّ مكان، ولو جلوساً على البوديوم أو وقوفاً في الصفوف الأخيرة! لحسن الحظّ ان المنظمين خرقوا القواعد، ولم يردّوا أحداً خائباً.

بعد ساعة ونصف الساعة من الإنتظار، بدأ العرض. فحبس جمهور فاق عدده 1500 شخص أنفاسه، منتظراً إطلالة العارضات، عارضة بعد عارضة، في تصميم بعد تصميم، حلم بعد حلم. الصمت التام دليل واضح على تماهي هذا الجمهور في كلّ تفصيل من تفاصيل المجموعة التي طغى عليها اللون الأسود، وزادها الدانتيل رومانسية وغموضاً. قصّات واضحة المعالم تنحت الجسم وتحدّده. أقمشة غنيّة ترواحت بين الكريب الصوفي والجرسيه والموسلين والجورجيت والتول، تنبض أنوثة. ألوان شتوية رمادية ورمّانية وخضراء داكنة وزرقاء ملكية، إضافة الى البيج الموتارد لون الموسم. وقد كان لافتاً في هذه المجموعة عودة حشوة الكتف Epaulettes، والورود المشغولة من قماش الموزّعة فوق الفساتين. كذلك لفت تضمين المجموعة عدداً كبيراً من الفساتين العملية الأنيقة والأنسمبلات الرسمية وجاكيتات الفرو القصيرة المترفة، إلى جانب فساتين السهرة المشكوكة بالبرق التي عُرف بها صعب.

ويقول المصمم في حديث خاص: «لقد أغراني جمال هذه المدينة العروس في حلّتها المتألقة، بعدما نفضت عنها غبار الأيام السوداء، فندهتني للعودة وتقديم آخر أعمالي للخريف والشتاء في أسواقها»، آملاً أن يكون هذا العرض تشجيعاً لمصمّمين عالميين آخرين لتقديم أعمالهم ومجموعاتهم في بيروت. «حلمي أن تصبح بيروت عاصمة عالمية للخياطة الراقية لها كلمتها وتأثيرها في تحديد اتجاهات الموضة، لا تقلّ أهمية عن عواصم الأناقة العالمية، وهذا لن يتحقّق من دون تنظيم أسبوع للهوت كوتور في بيروت يعرض فيه المصممّون اللبنانيون والعرب والأجانب مجموعاتهم كلّ موسم، وهو ما أعمل على تحقيقه منذ عشر سنوات، لكن عوائق عدّة تحول دون إبصاره النور وأهمها العائق المادي. آمل أن نتمكّن من تذليل كلّ العقبات حتى تحقيق هدفي هذا، خصوصاً ان بيروت تملك كلّ المعطيات اللازمة والمواهب الفذّة لذلك».   

في عام 2006، وإبان الحرب الإسرائيلية على لبنان، قدّم إيلي صعب مجموعة ذهبية تحمل عنوان «شمس بيروت» تحيّة الى العاصمة المنكوبة والصامدة والرافضة للموت، واليوم يكرّر التحيّة الى المدينة الأسطورية في تقديمه عرضاً خاصاً واستثنائياً في أسواقها. في المرة الأولى حمل بيروت الى شهرته العالمية بغصّة وألم، وفي الثانية حمل عالميته الى مدينته وجاء يحتفل بفرحها. 

ويقول المصمّم العالمي الذي يفخر بأن يضاف الى اسمه في الإعلام الغربي صفة «المصمّم اللبناني» ويعتبرها وساماً رفيعاً، انه يريد في أعماله أن يقدّم الصورة الأحلى عن بيروت، شأنه في ذلك شأن كلّ شاب لبناني وشابة لبنانية أبدعا ونجحا وحلّقا في مجالهما. «هذه المدينة النموذج التي علّمتنا حبّ الحياة وسرّ العطاء وقوّة الإستمرار. بيروت أكبر من أن يضيف إليها نجاح أبنائها تألّقاً، إذ فيها من الألق واللمعان ما يكفي كي يغمر جميع أبنائها وزوّارها ومحبّيها».

إيلي صعب الذي قدّم مصمّماً مبتدئاً مجموعته الأولى في بيروت يوم كانت المدينة تحترق تحت أزيز القنابل عام 1982، عاد إليها اليوم مصمّماً عالمياً يحتفل بها وتحتفل به محاطاً بقلوب المحبّين وعيونهم.

هوى بيروت...
إنها بيروت التي يعشق. بيروت كما يحبّها إيلي صعب، ويعيشها على طريقته. بيروت على هواه في أسئلة وأجوبة مختصرة وحيوية.

- أول ما يخطر على بالك عندما نقول: بيروت...
أهلي وعائلتي.

- من هم أصدقاؤك في بيروت؟
كل اللبنانيين أصدقائي وأعتزّ بمحبّتهم وغيرتهم عليّ.

- فصل من فصول السنة تفضّله...
أحبّ ربيع بيروت، لأنه فصل يليق بهذه المدينة التي تعرف كيف تنتفض على موتها وتتجدّد باستمرار.

- فنان لبناني تحبّه...
السيدة فيروز.

- مسلسل تلفزيوني تابعته بالأسود والأبيض ما زال عالقاً في ذاكرتك...
في ذاكرتي مسلسلات عدّة تمثل لبنان الجميل أذكر منها: «دويك يا دويك» و«أخوت شانيه» و«أبو ملحم»... كل ما يُنتَج ويُصنع في لبنان أعتزّ به.

- أغنية وطنية تدندنها...
كل الأغاني الوطنية التي أنشدتها السيدة فيروز، خصوصاً أغنية «لبيروت».

- أين تسهر في بيروت؟
لا يهمني المكان، بل الرفقة أيّ الأشخاص الذين يرافقونني للسهر في هذا المكان أو ذاك.

- أطباقك اللبنانية المفضّلة...
كل الأطباق التي تعدّها أمي (يبتسم).

- بوتيك تحرص على زيارتها في بيروت ولا تخرج منها فارغ اليدين...
أزور بوتيكات عدّة، ولا أخرج منها أبداً فارغ اليدين. (يبتسم).

- روتين يرافقك في بيروت...
أستيقظ باكراً لأستقبل شمس بيروت وأتناول قهوتي في حديقة منزلي على زقزقة العصافير، وأستغلّ هذا الوقت الصباحي كي أقرأ وأرسم وأبلور أفكاراً خاصة بتصاميمي ومشاريعي المستقبلية.

- أجمل الأعياد في بيروت...
عيد الميلاد، أجمل الأعياد.

- فنّ العمارة الذي يلفتك في بيروت...
أعشق فنّ العمارة التراثيّ: القرميد الأحمر والقناطر والسقوف العالية. كذلك يعجبني كثيراً مزج الهندسة القديمة بالجديدة كما نُفّذ في إعادة إعمار بيروت.

- شارع تحبّه في بيروت...
لكل شارع من شوارع بيروت طابعه الخاص الذي يشدّك إليه. أحبّ منطقة الأشرفية بأحيائها المتراصّة والحيوية.

- بين بيروت القديمة وبيروت الجديدة، أيّهما تفضّل؟
لكلّ وقت جماله. بيروت الأمس كانت جميلة ومتألّقة في زمنها، وبيروت اليوم رائعة في مزجها بين التراث والحداثة. إنها مدينة تواكب عصرها وتعيش زمنها.

- السياسة في بيروت نقطة ضعفها، أم نقطة قوّتها؟
قد يعتبر البعض أن السياسة في بيروت نقطة ضعف هذه المدينة، نظراً لما تولّده من صراعات واضطرابات وحالات عدم استقرار. لكنّها أيضاً نقطة قوّتها إذ فيها تأكيد لاحترام هذه العاصمة العربية للحريّات والديموقراطية والرأي الآخر. وهذا ما يميّز بيروت عن غيرها من مدن الشرق.

- ذكريات خاصّة في بيروت...
مازالت عالقة في ذاكرتي مشاويري وجدّتي إلى بيروت. يومها كنتُ طفلاً مبهوراً بهذه المدينة الخلاّبة الدائمة التجدّد والحركة، والتي لا تنام. وكان كل مشوار لي إلى بيروت، بمثابة مشوار مغامرة إلى مدينة الأحلام.