فايسبوك إنستغرام تويتر وسواها... هل سئمتم مواقع التواصل الاجتماعي؟

فايسبوك,إنستغرام,تويتر,التواصل الاجتماعي,حسابات,Status Update,Check-in,تغريدات,هاشتاغ,غالبية الناس,الإنترنت,العالم الافتراضي,Connected,ناشطون,متابعون,الراية,ثورة,social media,انعكاسات,النفور,اعتدال ووعي,هيلان الأسمر,ميشلين حدّاد,طارق نجيم,رودي دانييل,جورج الوتوات

دينا الأشقر شيبان 10 ديسمبر 2016

صور «سيلفي» وتعليقات وStatus update  وCheck-in على حسابات فايسبوك، تغريدات على تويتر وهاشتاغ وصور على إنستغرام... هذا ما آلت إليه أوضاع غالبيّة الناس في عصرنا هذا، بحيث يترقبون الأخبار ويتربّصون بالآخرين ويتفاعلون معهم... إنما من خلال الإنترنت، وبالتحديد من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. ويبقى الهدف على الدوام أن نبقى Connected، أي على تواصل دائم مع هذا العالم الافتراضيّ الذي غزا الكون بسرعة مهولة ولاقى إقبالاً منقطع النظير.

لكن، هل أنتم حقاً ناشطون ومتابعون وسبّاقون؟ أم أنكم قد رفعتم الراية وسئمتم هذه الحالة ونفرتم من الإطناب في الأخبار ونشر الصور والآراء؟


أحدثت الشبكة العنكبوتية، أو ما يُعرف بالإنترنت ثورة عظيمة في مجال الاتصال والتواصل، بحيث سيطرت العولمة وبتنا مرتبطين بالعالم أجمع بكبسة زر على الكمبيوتر، او نقرة على شاشة الخليوي. ومع مطلع الألفية الثالثة، ازدهرت مواقع التواصل الاجتماعيّ  ونشطت صفحات الفايسبوك والتويتر والإنستغرام وسواها، وقُلبت موازين العلاقات بين الناس... وقد صرّح مخترع الفيسبوك مارك زوكربيرغ بأنّ مواقع التواصل هذه ستسيطر على كلّ نواحي النشاط البشري وتكون دليلاً لسكّان العالم.
فقد أصبحت مشاركاتنا في العلاقات مقتصرة على الـ Selfies  والـLike والـ Comment والـShare والـRepost والـRetweet والـTag مع أصدقاءFriends أو متابعين Followers  قد لا نعرفهم شخصياً، وسيطرت لغة الإنترنت والـEmojis على التهاني والتعازي والدعوات الإلكترونية، بحيث باتت صورنا وأخبارنا متاحة للملأ ومنشورة للعلن، فلا خصوصيّة. كما أننا أصبحنا «مدمنين بعض الشيء» على كلّ جديد بحيث لا نستغني عن أيّ وسيلة تمكّننا من «التواصل» و «الاكتشاف»، ما قد يأخذ وقتاً من حياتنا اليوميّة ويتطلب جهداً للمتابعة الدائمة.
فمتى يطفح الكيل؟ ولماذا؟ تشرح المستشارة والاختصاصيّة في علم النفس التربويّ جوليانا عيد عن التأثيرات الإيجابيّة للإنترنت بشكل عام ووسائل التواصل الاجتماعيّ بشكل خاص، كما تعرض السلبيّات الناجمة عنها، والتي قد تؤدّي إلى تعلّق البعض بها ونفور القسم الآخر منها. كما يعطي أشخاص «اعتزلوا» وسائل التواصل الاجتماعيّ رأيهم ويقدمون خبرتهم في هذا المجال.

ثورة الإنترنت ووسائل التواصل
تقول عيد «إنّ الإنترنت هو اختراع العصر بلا منازع! فقد ساهم في كسر الحواجز الجغرافيّة، وقرّب المسافات والمجتمعات والبلدان من بعضها البعض، ونشر المعرفة والوعي بين الناس. فلا شيء مستحيلاً أو صعباً أو غريباً بعد الآن. ويبقى الهدف الأساسيّ منه الثقافة والتوعية والتسلية». 

وتضيف: «إنّ وسائل التواصل الاجتماعيّ كافة تهدف إلى تقريب الناس من بعضهم البعض، وزيادة أواصر الترابط الاجتماعيّ وتكوين صداقات جديدة لإرضاء الطبيعة البشرية التي تتوق إلى التواصل ونسج العلاقات». إلاّ أنّ لكلّ «اختراع» إيجابيّات وسلبيّات، تتعلّق بطريقة الاستعمال والهدف منها والمدّة والغاية...

إيجابيّات الـ Social Media
لا تخفى على أحد أهمّية ما قد توصّل إليه العالم في مجال العلاقات والأعمال عبر الإنترنت، بحيث تلعب الشبكة العنكبوتيّة دوراً فعّالاً على المستويات، الاجتماعيّ والعلائقيّ والتجاريّ والاقتصاديّ والتواصليّ والوقائيّ والمعلوماتيّ والتثقيفيّ والترفيهيّ. وتوضح عيد: «لا بدّ من التنويه بأهميّة الـ Social Media في إنعاش العلاقات البشرية بمختلف أبعادها. إذ يتمّ الاتصال بكبسة زرّ للحصول على مبتغانا، أكان دردشة مع صديق أم اكتشاف مكان أم تعلّم شيء جديد أم بحثاً عن أشخاص فقدنا الصلة معهم أم مشاهدة فيديو أم متابعة أخبار أم إبداء رأي في موضوع ما». إلاّ أنّ إساءة استعمال أيّ وسيلة من شأنها أن تنعكس سلباً لا محالة!

انعكاسات سلبيّة
إنّ الاستخدام «الخاطئ» Misuse، أو المبالغة في استعمال الإنترنت Overuse ووسائل التواصل الاجتماعيّ لها آثار لا تُحمد عقباها. ترى عيد أنّ «إدمان استخدام مختلف الوسائل قد يتسبّب بعزلة وانطوائيّة وانفصال عن عالم الواقع وعدم المشاركة في الحياة الاجتماعيّة، بحيث يفضّل المرء التعامل مع العالم الافتراضيّ ويخلق عالمه الخاص الذي يرتقي إلى تطلّعاته وآماله». إذ قد يقضي المراهق مثلاً ثماني إلى تسع ساعات متواصلة على الأجهزة الذكيّة، ولا يشعر بالتحفيز والنشوة النفسيّة إلاّ من خلال ما قد درّب عقله عليه، وهذا ما يسيطر على أفكاره ويخلق نوعاً من التمرّد على الأهل والمحيطين والمجتمع.
وتضيف: «قد يتسبّب ذلك أيضاً في التفكّك الأسريّ بحيث تتزعزع العلاقات والصلات الإنسانيّة لتنشأ مكانها صداقات وهميّة تؤدّي إلى فتور في الحياة الطبيعيّة. إذ قد يثير الإدمان على الدردشة مع «الغرباء» غيرة الشريك، ويخلق لديه شعوراً بالإهمال وعدم الأهميّة، وقد يؤدّي إلى استنتاجات عن الخيانة مثلاً، لأنه قد يفسح في المجال للاستخدام غير السويّ ودخول المواقع الإباحيّة التي لا حدود لها أو ضوابط».
من جهة اخرى، تؤكّد عيد أنّ «التحصيل الدراسيّ والإنتاجيّة والتركيز والقدرات المهنيّة معرّضة أيضاً للتأثر السلبيّ بفعل الانشغال الدائم، ما يؤدّي إلى التقصير طبعاً في المسؤوليّات والواجبات وتراجع الأداء المهنيّ». كما قد يساهم الأمر في تشتيت الأذهان ويؤثر في مهارة الكتابة باللغة السليمة بفعل الاتكال على اللغة الهجينة والعبارات الخاصة بلغة الدردشة والإنترنت.
ولعلّ النقطة السلبيّة الأبرز هي بالتأكيد انعدام الخصوصيّة واستباحة كلّ البيانات الخاصة والصور والتعليقات ونشر الإشاعات الكاذبة وإمكانيّة تجييش الغرائز والعواطف عبر الشحن النفسيّ المتكرّر واللعب على الوتر الحسّاس لخلق حزازيّات ونزاعات اجتماعيّة أو دينيّة أو عرقيّة أو سياسيّة.

بين التعلّق والنفور
تشير عيد إلى أنّه «في علم النفس، يشكّل المدمنون على الإنترنت والرافضون له على حدّ سواء، وجهين لعملة واحدة، لأنّ الأمر يتعلّق بقدرة كلّ شخص على السيطرة على ذاته وعلى خياراته وقدراته. فعند العمل على صقل شخصيّة الإنسان منذ الطفولة Character Building، لا بدّ من تعليمه «غربلة خياراته» وتدعيم قدراته على استعمال العقل والمنطق، للموازاة بين الصواب والخطأ وعدم الانجراف في التيار عشوائياً». فالذين يلجأون إلى الإنترنت، يخلقون عالماً يكونون هم أسياده، ما يدعمهم معنوياً ونفسياً وحتى عاطفياً، وفق خياراتهم الخاصة وطريقة تفكيرهم. إذ قد يشعرون بالنقص والفراغ وفقدان السيطرة على عالمهم الواقعيّ، فيحاولون الهروب أو التسلية للحصول على «الفرح والاكتفاء» اللذين قد لا ينالونهما في حياتهم. ويكون الأمر من باب التجربة أولاً، ليتحوّل مبالغةً أو حتى إدماناً في ما بعد، لمتابعة الناس وأخبارهم وصورهم وتغريداتهم وتعليقاتهم ومشاويرهم...
وتضيف: «أمّا الذين ينفرون وبقوّة من مختلف وسائل التواصل الاجتماعيّ، فهم الشريحة التي اكتفت من الزيادة والمبالغة في الاستعمال وانتهاك الخصوصيات وتسليط الضوء لإشباع الـ Ego  الخاص والعيش على التعليقات وكمية المعجبين والمتابعين والمؤيّدين.  فبرأيهم قد يتحوّل الأمر حشريّةً ومراقبةً وتدخلاً في الحياة الخاصة. كما قد يحوّل البعض المنبر إلى «فشّة خلق» عائليّة أو عاطفيّة، أو يجعله تجييشاً سياسياً أو موقفاً اجتماعياً متحيّزاً، عبر محاولة «غسل الدماغ» بالتعليقات والهاشتاغ والصور والتغريدات».

اعتدال ووعي
تختتم عيد حديثها بالقول: «لا يجوز بالطبع العزوف عن سائر وسائل التواصل الاجتماعيّ، لما تفرضه علينا الأوقات والعصر، لأنّه اختراع ثوريّ لا بديل عنه في حال استُخدم باعتدال ووعي وحدود. إذ قد يوفّر الكثير من الفرص والمجالات ويفتح الباب أمام الراغبين في تكوين علاقات، أو الباحثين عن معلومات أو المواظبين على الاستعلام عن المعلومات والاكتشافات الجديدة. فهو يعمل على كسر مختلف الحواجز والعوائق، اجتماعية كانت أو اقتصادية أو جغرافيّة، لخلق حسّ «الانتماء إلى العالم». لكن الأساس يبقى في معرفة السيطرة على الخيارات الشخصيّة والتذكّر أنّ الفايسبوك والتويتر والإنستغرام وحتى الواتساب والسكايب والتانغو والفايبر ليست سوى أدوات وطرق للتمكّن من التواصل بفعاليّة وإيصال الرسالة ذات الهدف الساميّ والمفيد». ولا شيء يغلب على الـQuality Time مع الأشخاص المحيطين بنا والعلاقات الإنسانيّة المباشرة. فعندما يبدأ العالم الافتراضيّ بالهيمنة على الإنتاجيّة والواجبات، لا بدّ من التوقّف فوراً وتحديد الأولويّات في الحياة.

شهادات حيّة
هيلان الأسمر امراة عاملة وأمّ لثلاثة شبّان، تقول إنها سئمت مختلف وسائل التواصل الاجتماعيّ لأنّها مضيعة للوقت برأيها، إذ تحتلّ مساحة كبيرة من عقول الناس وتسيطر على تصرّفاتهم من حيث لا يدرون، بحيث يسارعون إلى نشر صورهم، كيداً للآخرين أو تعالياً عليهم. كما أنّ الوقت الذي يضيع هباءً في النهار إثر الدردشة المتواصلة وتصفّح Profile الناس ومتابعة كلّ تحرّكاتهم يؤثّر في الواجبات العائليّة والاجتماعيّة وحتى المهنيّة، ما يُخلّ بأولويّات المرء ويؤدّي إلى فقدانه التركيز.

ميشلين حدّاد معلّمة وأمّ لفتاتين، تؤكّد أنها نفرت من المبالغة في استخدام وسائل التواصل الاجتماعيّ للدخول في خصوصيّة كلّ بيت واستباحة أسراره ومشاكله. إذ تقول إنها تراقب على الدوام ابنتيها عند استخدامهما للإنترنت بشكل عام حتى تبقيا على الخطّ الصحيح وتأخذا ما يجب أن تعرفاه من الصفحة أو الموقع. كما أنها على الصعيد الشخصيّ ضدّ أن يُنشر كلّ تعليق وصورة وCheck-in، وكأنما المرء يتعرّى من ثيابه وخصوصياته أمام الجميع ليحكموا عليه وفق أهوائهم ورغباتهم الخاصة.

طارق نجيم موظّف وأب لولد، يرى أنه عندما يبالغ المرء في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كافّة، يخلق نوعاً من النفور تجاهه، إذ يسأم الشخص من متابعة كلّ ما ينشره ليعلّق عليه. فالمبالغة في إبداء الرأي ونشر التعليقات وإنزال الصور والتغريدات... من شأنها أن تؤثر في العلاقات الطبيعيّة اليوميّة بين شخص وآخر، فلا يعود هناك موضوع للنقاش أو خبر جديد للمشاركة، لأنه ببساطة منشور على وسائل التواصل!

رودي دانييل تلميذ جامعي، يؤكّد انه تخلّى كلياً عن وسائل التواصل الاجتماعي وأغلق حساباته، لأنها نوع من انتهاك الخصوصيّة الواضح، بمعنى أن تصبح «تجسّساً» على الآخرين: أين ذهبوا ومع من وماذا فعلوا وماذا قالوا وما رأيهم... وهذا قد يخلق شرخاً على مستوى العلاقات الإنسانية بين شخصين. كما يرى أنّ معظم ما يُنشر فيه نوع من الكذب والمبالغة لإرضاء الآخرين. فالتنميق في الصور والفيلتر مثلاً، يغيّر في معالم الإنسان كثيراً، ويبدّل في شكله الأساسي، وليس هذا إلا غشّاً وكذباً على المفضوح.

جورج الوتوات تلميذ جامعيّ، يعترف بأنه كان شبه مدمن على وسائل التواصل الاجتماعيّ لفترة من الوقت. لكنه سرعان ما لاحظ تأثيرها السلبيّ في تحصيله العلميّ إذ سيطرت على وقته كلّه وأفقدته التركيز، ما دفعه إلى التخلّي عنها واستبدالها بما قد يفيده أكثر على الإنترنت. يقول إنه لم يغلق حساباته لكنه لا يدخلها بشكل يوميّ ولا ينشط كثيراً عليها، بل يستخدمها أحياناً عند الضجر، وخاصة في نهاية الأسبوع كسبيل للتسلية وتمضية بعض الوقت لا أكثر.