ليلى بركات تراقب الأيام والحياة بكلماتها

ليلى بركات,تراقب الأيام,والحياة,بكلماتها

إسماعيل فقيه - (بيروت 31 ديسمبر 2016

ربما كانت الكتابة بالنسبة الى الدكتورة ليلى بركات وجهاً من وجوه كثيرة تحملها. فكل وجه تطل به، يبرز ملامح من خصوصية سلوكها المسؤول. فقد بدأت بركات الكتابة الروائية بلغة فرنسية، وأصدرت العديد من الروايات التي تحمل تفاصيل حياة خاصة وعامة. كما كتبت بالفرنسية، شؤون الإدارة والإصلاح، وأصدرت كتباً عدة في هذا الإطار، وانتقلت من ثم الى الكتابة باللغة العربية، وأُسند اليها مشروع «بيروت عاصمة عالمية للكتاب 2009/2010». أما تمرّسها الفاعل وقدرتها المميزة على إدارة الثقافة ضمن المؤسسة، فقد ساهما في وصولها الى هذه المسؤولية الثقافية.

تواصل بركات اليوم رحلتها مع الثقافة الإدارية وتلتزم العمل مع الاتحاد الأوروبي، حيث تشرف على إدارة أعمال ثقافية ـ إدارية ـ اقتصادية ـ إحصائية في منطقة الشرق الأوسط. كما تشرف على «الملحق الثقافي الفرنكوفوني» في جريدة «السفير» اللبنانية والذي أطلقته منذ خمس سنوات.

وإذ تبقى الثقافة مشروعها المستمر، تتحدث بركات لـ «لها» عن حياتها ومسيرتها وشجونها الثقافية المتنوعة.


- لن أسألك أين أنت اليوم لأنني أعرف أنك غارقة في تفاصيل عملك في الكتابة والإدارة. ولكن سأسألك عن قدرتك على ممارسة هذا النشاط الثقافي الذي يتوزع بين مسؤولياتك في الاتحاد الأوروبي ومتابعتك للكتابة الصحافية في «السفير الفرنكوفوني»، الى جانب الأنشطة التي تمارسينها بكل ثقة ومسؤولية؟
ربما كانت أعمالي الكثيرة والضاغطة جزءاً مهماً وحقيقياً من واقع حياتي التي أحبها وتعني لي الكثير الكثير. فبكل بساطة، لا يمكنني فعل شيء سوى الاهتمام بتفاصيل عملي الثقافي والإداري. ويمكنني القول إنني امرأة خُلقت لتعمل فقط. أُكرّس كل وقتي للعمل. حتى النوم لم يعد من عاداتي، وبُتّ أنام لساعات قليلة في الأسبوع بسبب انشغالي بالعمل. ولي القدرة على مواصلة عملي مهما تنوع وكبُر وامتد، ذلك أنني كائن ينظر الى الحياة بعين العمل والمثابرة، وأرى في ذلك متعة الحياة.

- أليست الكتابة متعة الحياة بالنسبة اليك؟
أعتقد أن المتعة القصوى تكمن في الرغبة بالكتابة، والمثابرة على بلوغ الهدف وتحقيق الأمل. لا شك في أن الكتابة متعة، وحين أكتب أجدني في مساحة عيشي الجميل. قد تكون الكتابة بالنسبة إليّ هي البلسم الذي يساهم في تلطيف حياتي.

- لماذا اختارت ليلى بركات الثقافة الفرنكوفونية سبيلاً الى نشاطها وأعمالها؟
أنت تعرف أن دراستي هي دراسة فرنكوفونية. ومن الطبيعي جداً أن تكون ثقافتي قائمة في هذا السياق. ورغم أنني لا أهمل اللغة العربية، تبقى الثقافة الفرنسية هي الأصل في توجهي العلمي والثقافي.

- رواياتك المتعددة والتي حاولتِ من خلالها نبش ما يجيش في وجدان الإنسان وفي الحياة، كانت بلغة فرنسية رشيقة، هل ساعدتك اللغة الفرنسية في إيصال المعنى الأدق في الوصف والتعبير، أم أنك كنت في عالم آخر حين اخترت الكتابة الروائية؟
لا شك في أن الكتابة الروائية بالنسبة إليّ هي جزء أساس من ثقافتي الفرنكوفونية. وحين كتبت في هذا السياق، كنت كمن يسبح ويعوم في بحر اللغة الفرنسية وبمهارة كبيرة. لذا، من الطبيعي أن تكون روايتي لامعة وبارقة كما تلمع اللغة الفرنسية وتبرق. لم يكن أمامي إلا الطريق الواسعة والمعبّدة بجماليات اللغة الفرنسية... والروايات التي كتبتها بالفرنسية، كانت بمثابة الترجمة الحرفية لمكنونات جمالية في داخلي، وتطابق الوعي الجمالي المزدوج في اللغة الفرنسية وفي السياق الروائي الذي شدّني للكتابة، مما جعلني أسلك درب تلك الكتابة العذبة والصافية.

- كتاباتك ومؤلفاتك الكثيرة حول الإدارة، صدرت أيضاً باللغة الفرنسية. اذا كانت اللغة الفرنسية تعكس جمالية اللغة الروائية ومسوغاتها الإبداعية، فهل ينطبق هذا التأثر على لغة الإدارة؟ بمعنى أن لغة السياسة والإدارة لها قاموسها المختلف وربما المتناقض مع اللغة الإبداعية الروائية...
صحيح ما تقوله عن التناقض بين لغتين. ولكن هذا التناقض طبيعي ومنطقي ودلالاته كثيرة، فلكل معنى لغة، ولكل صورة إطار. فلغتي الفرنسية هي الأصل وهي الجذور، وكان لزاماً عليّ الغوص عميقاً في بناء المعنى عبر لغة واحدة ألا وهي الفرنسية. الا أن هذه اللغة ما كانت لتتشكل وفق شكلين لولا تنوع المعنى المقصود. نعم للرواية والقصيدة لغة تختلف عن لغة السياسة... لذلك، ولحرصي الإبداعي، حاولت وأصررت على السير في شكلين من اللغة.

- هل ترين أن الكتابة باللغة العربية ستبقى هدفك الصعب؟
ربما كانت أحد أهدافي، لكن من المؤكد أنها ليست هدفاً صعباً أو مستحيلاً لي. فقد كتبت وأصدرت الكتب والمقالات باللغة العربية، وكنت على قدر المسؤولية في صوغ المعنى وتجلياته. ولا أخفي ضعفي باللغة العربية مقارنة مع اللغة الفرنسية التي أمتلكها وتمتلكني.

- ملحق «السفير الفرنكوفوني» في جريدة «السفير»، هل كان «مغامرة» من مغامرات رئيسة تحريره الدكتورة ليلى بركات؟ كيف ولماذا غامرتِ للوصول الى هذا الملحق الأنيق، شكلاً ومضموناً؟
لا أعتقد أنها مغامرة. ملحق «السفير الفرنكوفوني» هو عمل ثقافي بحت. دخلت عالمه من باب الوعي الثقافي الواسع. أكثر ما دفعني الى إطلاق الملحق هو إيماني بالثقافة وتنوعها. هذا التنوع الذي يُغني الوعي، ويدخل في صلب الحضارة وتطوّرها. ثم إنه ملحق يربط بين ثقافتين. وحاولت من خلاله التواصل مع ثقافات العالم التي كانت في صلب العمل الذي نتوخّاه. أي أن الثقافة الفرنكوفونية كانت عبر الملحق، رسالة بالفرنسية موجّهة الى اللغات الحية في العالم. ففي الملحق ترجمات كثيرة من العربية الى الفرنسية، ما يربط بقوة بين الفرنكوفونية والعربية، وهذا جزء أساس من توجه الملحق الفرنسي.

- هل تواجهين صعوبات في الحفاظ على استمرارية الملحق الفرنسي؟
الصعوبات قائمة ولكنها تبقى قليلة وقابلة للحل... إلا اذا تحدثنا عن الصعوبات المادية.

- يعني...
أقصد كل ما تعانيه الصحافة اليوم من أزمات مادية.

- ذكرتِ آنفاً أنك تعملين طوال الوقت، هل يعني هذا  أن لا وقت للحب لديك؟
الحب أساسي في حياتي. حب العمل، حب المعرفة، حب الثقافة، حب البحث والتنقيب عن أشياء ضائعة، حب الفكر واللغة.

- أقصد الحب الذي يولد بين رجل وامرأة؟
هذا النوع من الحب ربما كان موجوداً يوماً ما في حياتي، ولكنني لا أتذكره، ولذلك لا أتحدث عنه.

- ماذا يعني لك هذا الحب؟
 (تضحك) لا أعرف.

-  ماذا يعني لك الرجل؟
الرجل انسان مهم في الحياة، خصوصاً إذا كان منتجاً وفاعلاً في مجتمعه.

- ألا تحتاج المرأة للرجل كما يحتاج اليها هو؟
تحتاج المرأة الى الرجل في أمور كثيرة... قد يساعدها في العمل، في النشاط اليومي، السياسي، وغيرها من مناحي الحياة.

- هل ثمة رجل في حياتك؟
الرجل في نظري وأحاسيسي يختلف عن الرجل الذي تنظر اليه المرأة بشكل عام.

- وبمَ تتلخص نظرتك الى الرجل؟
أنظر الى الرجل وأنا مغمضة العينين... ولن أُضيف أي كلمة أخرى.