هل يعيش الشباب العربي أزمة قراءة؟
دار الساقي, هناء بسمة, ليلى بركات, سحر مندور, صحيفة الحياة, القراءة, الشباب العربي, عمر فاضل, رنا إدريس, عيسى أحوش, بيسان الشيخ, سلافة الخطيب, دار الأداب, مكتبة بيسان, النادي الثقافي العربي
14 يناير 2010 عيسى أحوش (مكتبة بيسان): القراءة متراجعة والإقبال الشبابي يجد ضالّته في الرواية
«نحن كمكتبة معروفة منذ فترة طويلة ببيع الكتب العربية نبقى دائماً في مثلّث «الموزّع- المكتبة- القارئ». ونلاحظ من خلال رصد حالة البيع والإقبال في لبنان الذي طالما اعتُبر منارة الثقافة العربية أنّ القراءة في إطارها العام تراجعت كثيراً.
والسبب في ذلك يعود إلى تجاهل المجتمع المدني والرسمي لها. فالمواطن اللبناني لا يضع القراءة في سلّم أولوياته باستثناء التلامذة المدرسيين والطلاّب الجامعيين الذين يقصدون المكاتب من أجل كتب متخصصة يحتاجها في مشاريعه وأبحاثه. إلاّ أنّ نسبة كبيرة من الشباب المهتم بالقراءة يتجّه نحو الرواية التي يجد فيها ضالّته لكون الرواية الحديثة باتت تُغطي كلّ أو معظم الجوانب الحياة، إذ يتقاطع فيها التاريخي والإجتماعي والسياسي والنفسي...
أمّا الوضع الثقافي في لبنان فمن الممكن أن يكون على غير حاله لأسباب عدّة تأتي في طليعتها أنّ فيه هامش حريّة أكبر من أي بلد عربي آخر، ولكن ظروف الحرب والهجرة والأوضاع الأمنية والإقتصادية غير المستقرّة أدّت إلى تراجع نسبة القراءة فيه.
ولا شك أنّ المؤسسات الحكومية تتجاهل مسألة الإهتمام بقطاع الكتاب، ففي لبنان ليس هناك ما يُعرف بالمؤسسات، هناك هيكيلية وإنما دون تنظيم. ويمكن على سبيل المثال لا الحصر الإشارة إلى دولة الإمارات العربية التي تتضافر جهود كل مؤسساتها لإقامة معارض ثقافية كبيرة مثل معرض الكتاب وغيره، وفي الشارقة مثلاً تتعاون مثلاً الوزارة وشرطة بلدية الشارقة لمساندة معرض الكتاب الذي يُقام منذ سنوات عدّة، وتمنيت كثيراً أن يلقى قطاع الكتاب مثل هذا الدعم في لبنان.
من هنا أقول إنّ الوضع الثقافي تحسّن وتقدّم في بعض الدول العربية وإنما ليس في لبنان. أمّا المعايير التي يجب أن تُتخّذ في عين الإعتبار فتتمثّل أولاً بإيجاد عقل قادر على استيعاب وإدارة واحتضان الإبداع الموجود لدى المواطن اللبناني، كما يجب تغيير قانون الرقابة العثماني الذي يضع الكتب والإصدارات الثقافية تحت رقابة الأمن العام وليس وزارة الثقافة، علماً أنّه على كلّ القطاعات المعرفية في العالم من مكتبة إلى جريدة ومجلّة ودار نشر أن تكون تحت سلطة وزارتي الثقافة والإعلام وليس الأجهزة الأمنية التي لها دور آخر وربما أهم. هذا طبعاً إلى جانب دور الدولة الذي يتطلّب منها وضع تصوّر جديد ومستمرّ لإقتصاد المعرفة».
رنا إدريس (دار الآداب للتوزيع والنشر): الشباب السعودي الأكثر إقبالاً على المطالعة مع ارتفاع في معدّل الإناث
وتُبدي مسؤولة «دار الآداب» رأيها بالقول: «في الواقع لا أعرف إذا كان هناك أزمة قراءة حقيقية يعيشها الشباب العربي أو تحديد ما إذا كانت القراءة تعيش في حالة نموّ أم تراجع، كما لا أعرف ما إذا كان الشباب في الفترة الذهبية في لبنان مثلاً (في ستينات القرن الماضي) يقرأ أكثر من شباب اليوم كما يُقال دائماً. فالأحكام تُطلق بصراحة في شكل عشوائي لكونها لا تخضع لأي حسابات أو إحصاءات أو مقاربات منهجية.
لذا أرى أنّه من الضروري وضع حدّ لهذه التقييمات العبثية لأنّها لا تجوز أن تُشاع ويُصدّقها الناس دون الإعتماد على أرقام حقيقية. فقد تكون نسبة المطالعة عند الشباب متراجعة ليس فقط في العالم العربي بل في العالم أجمع، وهذا ما لا نستطيع تحديده في غياب الإحصاءات الرسمية. ولكن من وجهة نظرنا كدار نشر نرى أنّ نسبة القراءة لدى الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين ١٩ سنة و ٢٦سنة يقرأون لكتّاب معينين مثل ربيع جابر وسحر مندور.
وهناك فئة من الشباب إلى جانب قرّاء تزيد أعمارهم عن ٧٠ عاماً يُطالعون إصدارات كتّاب معينين تستهوي كتاباتهم كلّ القرّاء مثل أحلام مستغانمي وعلوية صبح وغيرهما... وإنما ما أستطيع أن أجزم به في هذا المقام هو أنّ نسبة الفتيات القارئات أعلى من نسبة القرّاء الذكور، كما أنّ الشباب الخليجي يقرأ أكثر من الشباب العربي، وهذه الظاهرة الجديدة والمفاجئة لاحظناها في الآونة الأخيرة من خلال نسبة المبيعات والإقبال على المعارض، علماً أنّ الشباب السعودي هو الأكثر اهتماماً بالكتاب بين الشباب الخليجي، مع ارتفاع معدّل الإناث.
ونحن كدار للنشر مستعدّون للمجازفة بأسماء جديدة، كما أنّ دار الآداب باتت أكثر تساهلاً وتسامحاً على صعيد اللغة بعدما صارت تسمح بإدخال العاميّة مع الإلتزام بمراعاة المنجز الأدبي واللغة العربية الفصحى».
«أين هم الشباب من القراءة؟»... هذا السؤال يطرح نفسه يوماً بعد يوم في ظلّ تحوّل ضعف القراءة إلى ظاهرة بارزة في مجتمعاتنا. فالكتاب لم يعد خير «رفيق في الأنام» على حدّ تعبير شاعرنا العظيم المتنبي، والكلّ يجمع على أنّ الإقبال عليه صار خجولاً اليوم.
إلاّ أنّه لا إحصاءات رسمية حتى الآن تؤكّد هذه الأحكام التي نسمعها في مجتمعاتنا العربية كافة، لذا سعينا في ظلّ غياب الدراسات الميدانية والإحصاءات والأرقام لأن نرصد حركة القراءة عند الشباب العربي اليوم من خلال آراء مجموعة من المتخصصين في هذا المجال...
سحر مندور (كاتبة لبنانية شابّة- صاحبة «حبّ بيروتي»): «التغيير» ضرورة لمواجهة الأزمة والمبادرات الفردية وحدها لا تكفي
«لا أستطيع الحكم بصفة عامّة ولكن أقول رأيي بحسب معطيات الواقع الذي نعيشه اليوم والذي يدلّ على أنّ هناك أزمة ثقافية حقيقية. أنا مثلاً تربيت في بيئة ثقافية وكنت دائماً أقرأ وأناقش من حولي في الكتب التي أقرأها ولم أر يوماً أنّ ثمة أزمة قراءة لأنني محاطة دائماً بأشخاص مهتمين بالقراءة التي أعتبرها عادة قبل أي شيء آخر.
ولكن في الواقع المشكلة تبدأ وتتفاقم عندما لا يكون لدى الأهل اهتمام كافٍ بالجانب الثقافي لدى أبنائهم أو حتى مبادرات فردية لأنّ قطاع الدولة لا يهتم بالكتاب، ففي غياب المكتبات العامّة وخطط التنمية الثقافية المستدامة يصعب الإعتماد على ما تقدّمه المؤسسات باستثناء بعض المشاريع الصغيرة. ومن أجل التغيير في سبيل إنماء القراءة والمطالعة يجب الإهتمام أولاً بقطاع الكتاب والتوجّه المباشر إلى الشباب من خلال نشاطات ثقافية محدّدة وأنواع معينة من الإصدارات. فروايتي الأخيرة «حبّ بيروتي» على سبيل المثال لاقت استحساناً من فئة الشباب في شكل كبير لأنني توجهت إليهم، كتبت بأفكارهم، استخدمت لغتهم في حوارات الشخصيات دون أن أضحّي بجمالية اللغة العربية الفصحى وأناقتها طبعا»ً.
بيسان الشيخ (مسؤولة صفحة شباب في جريدة الحياة): اختلفت أوجه القراءة والكتب الدينية هي الأكثر جذباً لشباب اليوم
تقول مسؤولة صفحة شباب في الشقيقة «الحياة»: «في بعض البلدان العربية مثل تونس والمغرب هناك احصاءات وانما في لبنان فليس هناك أرقام أو احصاءات، ولكن هناك ظاهرة نلاحظها في العالم العربي ككل وتتمثّل بتراجع الشباب عن القراءة التقليدية مثل الرواية والشعر، لأنّ هذه القراءات تتطلّب وقتاً والشباب يعيش اليوم أزمة وقت إذ بات لا وقت للوقت وصار إيقاع حياته يمرّ بسرعة أكثر من أي وقت سابق.
ففي الجامعات يتابع الشباب قراءات متخصصة وفي فترة العمل كلّ واحد منهم يقرأ بحسب مجال عمله وتخصّصه. لذا لا يمكننا القول إنّ القراءة اليوم متقلّصة لأنّ شكل القراءة التقليدية تغير. فالكتاب لم يعد الوسيلة الوحيدة للمعرفة بل أصبح طرفاً إضافياً، فإذا كنا نعتبر أنّ القراءة التقليدية تُفيد في ترسيخ المعرفة فانّ وسائل المعرفة تعدّدت اليوم وجميعها تعمل على الهدف الذي كان يقتفيه الكتاب الورقي. فضلاً عن أنّ الشباب العربي أصبح أكثر إقبالاً على القراءة باللغات الأجنبية مثل الإنكليزية كبديل من العربية. أمّا إذا كان الحديث عن تراجع نسبة القراءة في الكتاب الورقي فهي إذاًَ ظاهرة مرتبطة بعدّة أسباب من أهمها تطوّر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة ودخول الإنترنت كوسيلة معرفة جديدة، هذا بالإضافة إلى الوضع الإقتصادي المتردّي الذي يمنع الشباب من شراء الكتاب الذي يصدر بأسعار مرتفعة أحياناً.
أمّا اعتبار الشباب أنّه أقلّ الفئات الإجتماعية قراءة فهذا أمر طبيعي ومتعارف عليه من جيل إلى جيل. بالإضافة إلى ذلك، لا بدّ من إيضاح نقطة مهمّة تتجلّى في انشغال الشباب المكثّف في هذا العصر بين وسائل الإتصالات والكمبيوتر والإنترنت والعمل والدراسة والبحث عن لقمة العيش، إذ لا يجد الواحد منهم نفسه قادراً على تحمّل ضخ إضافي، لذا هم يُفضلّون ألاّ يُجهدوا أنفسهم بأي شيء آخر حتى وإن كان مجرّد تصفّح الكتاب. فالشباب ينقسمون إلى ثلاث فئات: «الطلاّب»، «العمّال»، «العاطلون عن العمل»، أمّا الفئة الأولى فهي دائماً مشغولة بمقرّرات الدراسة والتخصص والثانية يمرّ وقتها في العمل وإن حاولت القراءة فهي تُفضّل الإستفادة من الكتب المتخصصة في مجال عملها، والفئة الثالثة تُفضّل توفير ثمن الكتاب لشراء شيء أكثر أهمية بحسب سلّم أولوياتها.
وهنا أقول إنّنا في كلّ معرض عربي للكتاب نقوم بالتحضير لملفّات خاصة من أجل رصد مدى إقبال الشباب على القراءة وفي كلّ مرّة نُعيد طرح السؤال ذاته: «أين الشباب من القراءة؟»، وفي كلّ مرّة نجد أنّ أسباب عزوف الشباب عن القراءة متشابهة خصوصاً في ظلّ غياب المراقبة الرسمية والإهتمام الحكومي في مسألة القراءة عند الشباب- التي يجب أن تكون أحد أكبر اهتمامات الدولة. ولكننا لا نستطيع في هذا المقام الإغفال عن الإقبال الشبابي الكبير على الكتب الدينية، وهذا انعكاس أكيد للردّة الدينية التي تأثّر بها الشباب واعتُبر وقودها الأساسي ممّا انعكس تلقائياً على الخيارات الثقافية وبالتالي على المطالعة ونوعية الكتب التي يختارها الشباب العربي اليوم».
عمر فاضل (النادي الثقافي العربي): هذا السؤال يبقى معلقاً في ظلّ غياب الإحصاءات
من جهته، قال مدير «النادي الثقافي العربي»: «بطبعي أخشى الأحكام العامّة المبنية على أساس انطباعات مسنودة، والإجابة عن سؤال هذا التحقيق لا يمكن أن تكون وافية لأنّها غير موثقة، وهذا أكيد في ظلّ غياب الإحصاء الرسمي. لذا أقول إنني لا أملك أي معلومات دقيقة عن درجة تراجع أو نموّ القراءة في عالمنا العربي أو المحيط الذي نعيش فيه، ولكنني أسمع كغيري شكاوى الكتّاب الذين يعانون من عدم التسويق والناشرين الذين يشكون من أزمة البيع ومثل هذه الأمور...
وفي الحقيقة سبق لي أن كتبت مقالة عبّرت فيها عن هذا الإستياء الذي نشعره في غياب الإحصاءات التي لا بدّ من إيجادها من أجل معرفة حقيقة الوضع الثقافي وما إذا كان يعيش الشباب العربي أزمة قراءة أم لا. ففكرة الإحصاء لم تدخل بعد في صلب ثقافتنا العامّة. ونحن نعيش في الواقع أزمة غياب الإحصاءات ليس فقط في مسألة الكتاب بل في أمور كثيرة تخصّ شؤوننا الإجتماعية والمعيشية المهمّة.
ويُعدّ الإحصاء في أوروبا جوهراً أساسياً تُبنى عليها الأنظمة القائمة، أمّا في مجتمعاتنا فنكتفي بإطلاق الأحكام العشوائية دون تشخيص المشكلة والتأكّد من حجمها ونسبتها. من هنا أراني أشعر بالعجز عن تحديد الإجابة، علماً أنّ هناك معطيات معينة تُشير إلى أنّ الوضع الثقافي ليس بأحسن حالاته والإقبال الشبابي على الكتب الصادرة ليس بذاك القوّة، إذ أنّ الكتّاب ودور النشر باتوا يُقلّصون عدد النسخ الخاصة بالمؤلفات الجديدة. ولا أخفي خجلي من وضعنا الثقافي الراهن خصوصاً عندما تتمّ مقارنتنا ببلاد أخرى فيها اهتمام كبير بالكتاب والشباب معاً لمعرفتهم بأهميتهما معاً.
ولا أعرف كيف يُمكن للحكومات أن تدعو المجتمعات للعيش في هذا العصر ولإستيعاب مشاكله وهي تعرف أنّ شعوبنا لا تقرأ. لذلك أرى أنّه على وزارة الثقافة أن تهتم بإيجاد مصلحة للإحصاء أو مكتب إحصاءات مختص برصد أحوال الكتاب والكتّاب والقرّاء. ومثل هذه المهمّة لا يُمكن أن تقوم بها سوى الدولة وليس المؤسسات الخاصة، لذا نطلب من وزارة الثقافة أن تنظر بعين الإهتمام في هذه المسألة الضرورية لنهضة الشعوب والأوطان وازدهارهما».
سلافة الخطيب (صحافية من الأردن): علاقة الشباب بالكتاب باردة والقراءة الإلكترونية أقرب إليهم
«أعتقد أنّ علاقة الشباب بالكتاب أصبحت فاترة جداً، فالكتاب الورقي لم يعد يُقدّم المتعة للقارئ الشاب الذي وجد في القراءات الإلكترونية على الإنترنت مثلاً وسيلة لاكتساب المعرفة والمتعة والتسلية . فصار الشاب يعمل على تحميل الكتب على الإنترنت ويقوم في الوقت نفسه بقراءة موضوع معين يهمّه، كما أنّه يتصفّح أكثر من جريدة ومجلّة في الوقت نفسه ممّا يجعله قادراً على ترسيخ أكبر كمّ من المعارف الثقافية والحياتية في وقت واحد وبطريقة مسليّة وسريعة.
هذا بالإضافة إلى أنّ الشباب يقومون بتحليل ما يقرأون ويطلعون على آراء بعضهم من خلال تعليقاتهم التي يدونوها في المنتديات، الأمر الذي يُشعرهم بمتعة القراءة التي لم تعد عملاً فردياً داخل هذه القرية الكونية بل صارت عملاً جماعياً لا يتطلّب عزلة أو طقوساً أو أجواء معينة كالقراءة التقليدية. أمّا في النشاطات والمعارض التي تُقام في الأردن وباقي الدول العربية، فنلاحظ أنّ الشباب التي يُقبل عليها هو ذاك الذي تربطه بالكتاب علاقة قويّة وليس الشاب العادي، ما يعني أنّ القراءة لم تعد مرتبطة سوى بالشاب المثقف.
ومن أجل إعادة مكانة الكتاب إلى ما كانت عليه يجب أن يزداد اهتمام الدولة بالأنشطة الثقافية الشبابية، كما يجب على الأهل زرع حبّ القراءة والمطالعة في نفوس أطفالهم منذ الصغر».
ليلى بركات (مديرة «بيروت عاصمة عالمية للكتاب»): يجب تعميم فكرة المطالعة لدى العامّة بدل حصرها في النخب الثقافية
عندما طرحنا هذا السؤال على مديرة «بيروت عاصمة عالمية للكتاب» وممثلّة وزارة الثقافة اللبنانية في هذه الإحتفالية الضخمة الدكتورة ليلى بركات أجابت: «لا شك أنه في غياب الإحصاءات الرسمية يصعب إعطاء إجابة واضحة ومحدّدة في هذا الشأن، إلاّ أنّ نظرة موضوعية إلى الواقع الثقافي وطريقة تعاطي الشباب معه تولّد لدينا فكرة مفادها أنّ القراءة تمرّ في أزمة خصوصاً لدى الشباب.
وهذا ما دفعنا حقيقة إلى توجيه معظم نشاطاتنا الخاصة ببرنامج «بيروت عاصمة عالمية للكتاب» إلى فئة الناشئة والشباب إلى حدّ أنّ الأغلبية التي اطلعت على المشاريع التي وصل عددها إلى ٤٠٠ والنشاطات التي بلغت ال ٦٠٠ لاحظت أنّ النسبة الكبرى من هذه الأعمال تخصّ تلامذة المدارس وطلاّب الجامعات والناشئة في شكل عام. وكان هناك اعتراض على هذا التوجّه إلاّ أنّ إصرارنا على ضرورة استغلال هذه السنة في حثّ الناشئة على القراءة والمطالعة وإبعاد الأجواء الثقافية عن الإطار النخبوي المحصورة فيه ظلّ قائماً.
لذا أردنا ألاّ تكون مشاريعنا ونشاطاتنا متوجهة في جوهرها إلى النخب بل أردناها للجميع صغاراً وكباراً بهدف تعميم فكرة المطالعة وتكريس أهمية الدور الذي يلعبه الكتاب في حياة الصغار قبل الكبار». ولمّا سألناها عن قصور سنة واحدة في حلّ مشكلة تمتد إلى سنوات بل عقود من الزمن، أجابت بركات بأنّ «بيروت عاصمة عالمية للكتاب» وضعت «خططاً لتدعيم القطاع الثقافي والتشجيع على القراءة من خلال إطلاق «مسار التنمية الثقافية المستدامة» التي تعمل على مشاريع مهمة وجديدة ومتنوعة مثل تمويل إحصاءات للمرّة الأولى في لبنان حول «صناعة الكتاب» من قبل الخبير الإقتصادي الدكتور كمال حمدان.
وتتضمن هذه الدراسة العديد من التفاصيل التي تبلور رؤية ثقافية واعية حول الكتاب. كما تُقدّم تقريراً نهائياً يتضمّن أهم النتائج المتعلّقة بجانبي العرض والطلب على الكتاب في لبنان. وكذلك أشارت بركات إلى مشروع تنظيم «دليل حقوق» أو Right's Catalogue، وهو عنوان مشروع يهدف إلى التعريف بصناعة النشر من خلال إصدار دليل باللغة الإنكليزية لكتب صادرة عن دور نشر لبنانية والعمل على ترويج هذه الكتب في المعارض الدولية وخاصة في معرض فرانكفورت للكتاب. وأضافت أنّه سيتمّ تدريب عدد من مدراء دور النشر في لبنان على يد واحدة من أهم الشركات العالمية في هذا المجال ووفقاً لبرنامج ألماني متقدّم في أهميته وتطوره، وهناك الكثير من المشاريع والأنشطة أيضاً.
هناء بسمة (دار الساقي): الفئة العمرية الأكبر سناً هي الأكثر إقبالاً على القراءة
«عندما أنزل إلى المكتبة الخاصة بدارنا أجد أنّ الفئة العمرية الأكبر هي الأكثر إقبالاً على القراءة، أمّا الشباب فنسبتهم قليلة إذ لا يقصد المكتبة سوى الشاب المثقف لشراء أحدث المؤلفات الأدبية والإبداعية.
فالحركة الثقافية في عالمنا العربي وفي لبنان تحديداً محصورة ب«النخبة» وليس «العامّة»، إلى حدّ يُشعرك أنّ هؤلاء الذين يعيشون في وطن واحد إنما يعيشون في عالمين منفصلين ولكلّ جوّه ومزاجه واهتماماته المختلفة تماماً عن الآخر. فالشباب المثقف هم القلّة ونجد أنّ لهم عالمهم الخاص والمتمثّل في عدد من المقاهي ذات الطابع الثقافي التي يجتمعون فيها ويتناولون أحاديث مختلفة في مضمونها عن أحاديث العامّة التي تعيش في عالم خارجي منفصل تماماً عنهم. ويمكنني هنا أن أذكر مثالاً يكرّس هذا المعنى، فعندما قدّمت «دار الساقي» مشروع «لقيت كتاب» بمناسبة «بيروت عاصمة عالمية للكتاب» وجدنا أنّ الكثير من الشباب لا يعرفون معنى هذه الإحتفالية الثقافية في لبنان ومنهم من لا يعرف أنّ بيروت قد اختيرت لتكون هذه السنة هي العاصمة العالمية للكتاب. إلى جانب ذلك، ثمّة نسبة كبيرة من الشباب الذين تعاملوا مع هذا المشروع الذي يدعم «الكتاب» بالكثير من الإستخفاف والإستهزاء.
ولكن لا بدّ هنا من أن أنوّه إلى أنّ حال الشباب العربي والخليجي خصوصاً لا يتشابه كثيراً مع الشباب اللبناني، لأنّ نسبة القراءة بين الشباب الخليجي متزايدة بحيث يستغلّ الشاب الخليجي وجوده في لبنان ويقصد مكتبتنا ويسأل عن آخر الإصدارات وأهم الروايات لقراءتها، كما أنّهم على اطلاع على آخر الأحداث الثقافية عكس الشباب اللبناني الذي ينتمي إلى المجتمع الثقافي المحصور بعدد معيّن من الشباب. وأشير أيضاً إلى أنّ نسبة الشابات الخليجيات المهتمات بالكتب والإصدارات الأدبية مرتفعة جداً وقد تفوق نسبة الشباب الذكور. فضلاً عن أنّ الروايات تبقى أكثر الأنواع الأدبية الجاذبة للفتيات الخليجيات والعربيات في شكل عام».