أدب الأحلام قراءة في كتاب عبده وازن: غيمة أربطها بخيط

أدب,الأحلام,كتاب,غيمة أربطها بخيط,عبده وازن,قراءة

حسن عبدالله 04 فبراير 2017

هو نفسه الجوّ الغرائبي والمدهش الذي نراه في أحلام النوم يظهر هنا في كتاب الشاعر والكاتب عبده وازن الجديد: غيمة أربطها بخيط الصادر عن «نوفل» - هاشيت أنطوان عام 2017.

 

المهم في نصوص الكتاب أنها تتأسّس على تجربة حيَّة. فالكاتب هنا لا يؤلّف أو يخترع قصص أحلام بل ينقل هذه القصص من سيرة أحلام نومه على مدى سنوات. وعندما يجد ثغرة هنا أو هناك، أو نقصاً في هذا الحلم أو ذاك فإنه يسدُّ الثغرة، ويعوّض النقص بشكل لا نشعر معه بأن الكيان الأدبي للنص قد اهتزّ. ونحن لا نستطيع أن نرصد، في أي مكان من الكتاب، تدخلات الكاتب اليقظان في حكاية الكاتب الحالم.
وليست قصص الكتاب لنقرأها ونستمتع بها فحسب، وهي بالفعل مثيرة وجذابة كنمط من الكتابة غير مألوف ويؤسِّس لما يمكن اعتباره أدب أحلام، بل هي تدفعنا للتأمل العميق بعد قراءتنا لها وإلى استنباط معاني وحقائق قادمة من الأعماق الغامضة والمدهشة لحياتنا اللاواعية.
إنها رسائل من عالم أحلام النوم، التي اشتغل عليها العلماء كثيراً، ورسائل من عالم أحلام اليقظة التي لم تَنَلْ، للأسف، حقَّها من الدرس والتحليل.
وأصدقُ وأدقّ وصف لطبيعة هذا الكتاب الفريد من نوعه هو ما عرضه عبده وازن في مقدمته. وحسناً فعل، فهذه المقدمة تساعد القارئ كثيراً على الدخول في جوّ الكتاب. ومما جاء في هذه المقدمة:
كلّ النصوص التي يتضمّنها هذا الكتاب «المفتوح» هي أحلام أبصرتها في الليل أو هي أحلام يقظة، تلك التي يعمد المرء عادة إلى تخيّلها أو «صنعها» في حال من شبه اليقظة، أو اليقظة الخدرة. إنها نصوص أحلام عكفتُ على تدوينها طوال أعوام. ومن بينها أحلام أبصرتها منذ سنوات وظللت أتذكّرها جرّاء أثرها فيّ أو حبّي لها أو خوفي منها. في أحيانٍ أسرد الحلم كما هو، وفي أخرى أنطلق من أضغاث حلم لأنسج حوله نصّاً. وأحياناً كنت أكتفي بصورة أو لقطة أو وجوه أبصرتها في حلم لأكتب انطلاقاً منها نصوصاً حلميّة صرفة. ولكن ما من نصّ كُتب خارج الحلم، حلم ليل أو حلم يقظة. وفي كلتا الحالين يغدو الحلم الذي أبصره مختلفاً عن الحلم الذي أكتبه، علماً بأنّني، عندما أعيد كتابة الحلم، أبدو كأنّني أحلمه مرّة أخرى ولكن عبر الكلمات. إبصار الحلم أمر وكتابته أمر آخر. لست في هذا الكتاب راوي أحلام، إنني كاتب أحلام أو حالم داخل اللغة نفسها حالم أحلام أبصرتها».
يشتمل الكتاب على كثير من الأحلام النمطية التي تذكّر القارئ بالكثير من أحلامه، كما يشتمل على الكثير مما يمكن إدراجه في قائمة الكوابيس.
على أن أجمل ما في الكتاب هو تلك النصوص التي يمكن اعتبارها قصائد قائمة بذاتها، وفي تقديري أنه يمكن انتزاع ديوان شعر كامل من نصوص الكتاب، حيث تبدو لغة الحلم هنا لغة استثنائية ينتج عنها نص فذّ واستثنائي.
وهذه نماذج من نصوص الكتاب التي يمكن إدراجها في عداد القصائد، والتي لا تقوم فنياً إلا إذا كُتبت بصيغة الحلم:

المسرنمون
«كانوا يمشون وهم ينظرون إلى الوراء. ما كانوا يخشون أن يرتطموا بما قد يعترضهم. قال شخص إلى جانبي: إنّهم المسرنمون، يقومون بنزهة خارج نومهم، ثمّ يعودون إلى أسرّتهم. قلت: لكنّه النهار، هل يروبص الناس في عزّ الظهيرة؟ سمعت آخر يقول: هؤلاء منوَّمون وليسوا نائمين. ألا ترون الرجل الذي يقودهم وبين يديه مغناطيس من فولاذ؟»

اختلاط
«كأنّني أبصر رائحة الياسمين، بيضاء بنفسجيّة. سمعت مَن يقول: هذا عالم الروائح، أنت لا تشمّها بل تبصرها. تبصرها وكأنّك تشمّها، تشمّها وكأنّك تبصرها. لم أكن أعلم ما يحصل هنا، عالم يختلط عليّ، عالم من سحاب رقيق لكنّه لا يشفّ عن منظر أو خواء، ثمّ سألت نفسي أين أكون. ولم أجبني».

هلوسة
«نظرت من حولي فرأيت بحراً وأبصرتني طائر نورس يحلّق ملامساً صفحة الماء في أحيان. نظرت إلى الأعلى فرأيت غيمة تعبر السماء، رفعت يدي ألوّح لها. في الأسفل كان ماء أزرق، شديد الشفافيّة، حتّى إنّني أبصرت ما ظننته قعر العالم».

حقل
«سنابل القمح تتموّج كلّما هبّ النسيم من بعيد. كانت أسراب من اليمام تحلّق فوق الحقل، تنخفض تارة ثمّ تعلو. الشمس في أوج سطوعها، أصفرها ينحلّ في التماع ذهب الحقل الذي لم تبدُ له نهاية. لم يكن من أحد هناك، لم يكن من زارعين وحصّادين. حتّى أنا لم أكن هناك، مع أنّني كنت أبصر ما أبصر بوضوح تامّ».

أنسي ليس هنا
«صعدنا أنا وعقل صديقي، الدرج الذي يؤدّي إلى الشقة التي يسكنها أنسي الحاج في الطابق الثاني من البناية قرب دير العازاريّة في الأشرفيّة، ولمّا وصلنا رأينا الباب الأحمر مفتوحاً والغرف فارغة، دخلنا فإذا بي أسمع صوت ليلى زوجته تكلّمني، من غير أن أفهم ما تقول. كان صوتها مثل الصدى يتبدّد في البيت... حين أصبحنا على الطريق أبصرنا أنسي ينادينا بضحكته الأليفة رافعاً يده اليمنى: أنا لم أعد أسكن هنا، ألا تعلمان؟»

***********************

يضيف عبده وازن إلى كتابه ملحقاً في 44 صفحة يتحدث فيه عن تجربته مع الأحلام، وعن فلسفته الحلمية، ويستعرض آراء ومواقف عدد من المفكرين والعلماء الذين خاضوا في موضوع الحلم مثل كارل يونغ وسيغموند فرويد. ثم يعود في الزمن إلى الإغريق فيستعرض آراء بعض فلاسفتهم في موضوع الحلم، ليخلص بعد ذلك إلى آراء فلاسفة الإسلام والمتصوّفة حول هذا الموضوع. وفي تقديري أن مادة هذا الكتاب الغنية والمتنوّعة يمكن أن تقرأ من المهتمين بموضوع الأحلام، ويمكن أن يستنبطوا منها أشياء ليست متاحة في أي مصدر آخر.