علماء الأزهر والطب ضد زواج الصغيرات
المملكة العربية السعودية, القانون, علماء الأزهر, حماية المرأة, زواج مبكر, قضية / قضايا المرأة, الجنين, رأي الدين, حقوق الإنسان, زواج القاصرات, رأي الطب, عيد الأمهات
05 مايو 2009أرقام كما وردت في موقع الفاخرية المعني بالتنمية
تناول الدكتور خالد منتصر في مجلة «حوار متمدن» الالكترونية في عددها الرقم 759 الصادر في 29 شباط/فبراير 2004 الزواج المبكر، وقدم أرقاماً ودراسات مثيرة للجدل. فقد ذكر أنه في دراسة ميدانية أجريت في إحدى قرى الجيزة في مصر، وجد أن 45,8 في المئة من إجمالي العينة قد تزوجن في سن أقل من 16 سنة، بينما تبلغ نسبة الفتيات اللواتي تزوجن في العشرين إلى 87,9 في المئة.
وأورد دراسة أخرى بينت أن 36 في المئة من زيجات الريف تقع في سن أقل من 16 سنة، كما بينت دراسة ثانية أجريت قبل خمسة أعوام أن ما بين 15 و 20 من مجموع مواليد العالم العربي تلدهن أمهاتهن وهن في سن المراهقة.
ويلخص الدكتور منتصر أخطار الولادة في سن مبكرة في الآتي:
- الأخطار الصحية كتسمم الحمل، فقر الدم، صعوبة الولادة، الإجهاض، الإنجاب المتكرر دون فاصل زمني معقول بين الولادة والأخرى.
- ارتفاع نسبة الوفيات: أورد الدكتور منتصر أن احتمالات الوفيات بين الفتيات ما بين 10 و 14 سنة بسبب الحمل والولادة تزيد خمسة أضعاف عن وفاة النساء في سن 20 إلى 45 سنة، إضافة إلى عسر الولادة الشائع بين الفتيات المراهقات.
- الحرمان من التعليم: كشفت نتائج الدراسات التي أوردها الكاتب أن نسبة الفتيات المحرومات من التعليم بسبب هذه الظاهرة قفزت إلى 47,3في المئة في مناطق الريف، بينما قفزت نسبة الفتيات المتزوجات من رجال يكبروهن سنا بأكثر من عشرين عاما إلى 65,7 في المئة.
- شيوع ظاهرة الطلاق: تبين أن نسبة المطلقات بين المتزوجات من سن 12 إلى 18 سنة بلغت 49 في المئة من حالات الطلاق.
اما أسباب الزواج المبكر فلخصها الكاتب في النقاط التالية:
صيانة عفاف البنات، الحفاظ على شرفهن والخوف من العنوسة، التخلص من أعبائهن خاصة إذا كان العدد كبيراً، الاستفادة من مهورهن، أو للرغبة في إكثار العزوة، أو لمجرد إثبات سطوة الآباء على البنات ليس إلا.
العرف الظالم
وتتطرّق الدكتورة عفاف النجار عميدة كلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر إلى أنه «لا مشكلة إذا بلغت الفتاة سنّ البلوغ، ولكن المشكلة العرف والعادات التي أصبحت في بعض المجتمعات أقوى من الجميع. ولهذا أرى أن البنت إذا زوّجها أبوها وحرمها من حقوقها عليه فلها أن ترفع أمرها للقضاء لرفع الظلم عنها وهو يرى الواقع العملي لأنه لا يمكن قياس الموضوع بسنّ معينة وإنما بحسب جسم الفتاة وقدرتها على الإنجاب وتحمّل أعباء الزواج».
وتوضح الدكتورة عفاف أنه من «المعلوم أن عقد الزواج يشترط في صحته تمييز المتعاقدين، فإن كان أحدهما مجنوناً أو صغيراً لا يميز فإن الزواج لا ينعقد، وهنا يكون للولي الحقّ في عقد الزواج. فالصغيرة إن كانت مميزة لابدّ من استئذانها وموافقتها، أما إن كانت غير مميزة فإنه يجوز تزويجها بغير إذنها وقد استحبّ الشافعية ألا يزوجها الأب أو الجد حتى تبلغ ويستأذنها ولا يجوز لغير الأب والجد أن يزوج الصغيرة، لكن أبا حنيفة وجماعة من السلف أجازوا لجميع الأولياء وقالوا بصحة الزواج ولها الخيار إذا بلغت وذلك لما روي أن النبى صلى الله عليه وسلم زوَّج أمامة بنت حمزة - وهي صغيرة- وجعل لها الخيار إذا بلغت وهو لم يزوجها بوصفه نبياً بل لأنها قريبته وهو وليها لأنها بنت عمه.
هيئة حقوق الإنسان تشن حملة لتغيير قوانين زواج القاصرات
الدكتورة سهيلة زين العابدين حماد عضو المجلس التنفيذي للجمعية الوطنية للحقوق الإنسان وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين تقول: «هناك مادة في اتفاقية الطفل تشير إلى أن الشخص دون الثامنة عشر يقبع تحت سن الطفولة. من هذا المنطلق يجب أن تنسجم القوانين والأنظمة والأحكام القضائية في السعودية مع ما وقعناه من اتفاقيات حول حقوق الطفل. وحتى في قوانين العقوبات اذا ارتكب الطفل جريمة قتل يحكم عليه بالقصاص وينتظر حتى بلوغه السن القانونية لتنفيذ الحكم. وأعتقد أن هذا القانون أيضا يجب أن ينظر فيه لأن الجريمة ارتكبت في وقت كان هو أبعد ما يكون عن الرشد فكيف يتم انتظاره في مسألة حصلت في سن الطفولة ليحاسب عليها».
ولفتت إلى أن قوانين الأحوال الشخصية يجب أن تحدد سن الزواج، بما أن السعودية تلتزم بهذه السن في كثير من القوانين. مشيرة إلى أن الحياة الزوجية فيها كثير من المتطلبات الزوجية والحياتية «ولا يمكن أن نجبر طفلة دون الثامنة عشرة على أدائها لأنها مسؤولية كبيرة جداً عليها خصوصاً أن طبيعة جسد الفتاة في سن الطفولة لا تحتم المعاشرة الزوجية، وعملية الحمل والولادة. أيضا هذا يتسبب بحالات الوفاة أثناء الولادة من صغيرات السن، وهذا ما أثبتته الدراسات في اليمن». ورأت ان الحل البديل هو «تفعيل الزواج من كبيرات السن اللواتي تجاوزن الثلاثين من العمر لأنهن الأقدر على تحمل أعباء الحياة الزوجية، ومتطلبات الحياة الأسرية». منوهة أن الرسول صلى الله عليه وسلم تزوج السيدة خديجة وهي في العقد الرابع من العمر، وتزوج أخرى في عقدها الخامس.
وتضيف الدكتورة سهيلة: «عدد كبير من الرجال يستندون في زواجهم من صغيرات السن الى زواج الرسول صلى الله عليه وسلم من السيدة عائشة رضي الله عنها، إلا أن زواج النبي محمد من السيدة عائشة فيه كثير من الروايات، فلا يوجد حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم يحدد سن السيدة عائشة عند زواجه فيها. والشيء الثاني أن معظم الأحاديث مأخوذة من هاشم ابن عروة، إضافة إلى هناك أحاديث قالت أن الرسول عقد على السيدة عائشة وهي ابنة ست سنوات، وبعضها تقول ست أو سبع سنوات، وأخرى سبع سنوات، ومعظم هذه الأحاديث تكون مراسيل، وبعضها الآخر مشكوك في رواياته».
وأضافت أن بعض القرائن بيّنت أن السيدة عائشة عندما تزوجها الرسول كانت في التاسعة عشرة، «فالسيدة أسماء بنت أبي بكر الصديق ولدت قبل الهجرة بسبعة وعشرين عاماً، لأنها ماتت عام 73 من الهجرة وهي ابنة مئة عام وهذه روايات مؤكدة، والسيدة عائشة أصغر منها بسبعة عشر عاماً، ما يعني أنها ولدت قبل الهجرة بسبعة عشر عاماً وبالتالي إن الرسول عندما دخل عليها بعد عامين من الهجرة كانت تبلغ من العمر تسعة عشر عاماً.
تضافر الجهود حل لمشكلة زواج القاصرات
ولحل هذه المشكلة قالت الدكتورة سهيلة زين العابدين: «بما ان الدولة وقعت اتفاقية الطفل التي حددت سنه بـ 18 سنة و تنص على حفظ حقوق الطفل، من المفترض أن تجعل المعنيين يجتمعون للخروج بنتيجة تحفظ حقوق الطفل».
ورأت ان على الأم «التشبث بحق ابنتها لأن قرار الزواج ليس من حق الأب بل هو قبول من كلا الطرفين، والطرف الثاني قاصر، وحتى في حال الموافقة هي تجهل أبعاد هذه الموافقة لأنها بعد سنوات سترفض هذا الزواج، وتتزايد أعداد المطلقات». موضحة أن الأموال لا تسلم للصغير وإنما تقوم عليه وصاية حتى يبلغ سن الرشد، وكما حدد في السعودية سن الرشد لكل الحقوق هو الثامنة عشرة، «إذن على الزوجة أيضا أن لا يتم تزويجها قبل هذا السن المعمول به في الدولة».
وتمنت أن تستطيع حملة هيئة حقوق الإنسان تغيير القوانين الحالية، والخروج بنظام لتزويج الفتاة في سن الثامن عشرة.
في السعودية ظاهرة تتصدى لها المؤسسات الحقوقية حتى لا تتفاقم وتخلف آثاراً نفسية واجتماعية. هي ظاهرة زواج القاصرات التي بدأت تطفو على سطح المجتمعات العربية، ومنها المجتمع السعودي الذي باتت صحفه تطالع القراء بشكل شبه يومي بقصص الصغيرات اللواتي يخضعن لرغبات أولياء أمورهن في مسألة تزويجهن وهن لا يتعدين سن الطفولة. وهو أجازه بعض علماء ومشايخ السعودية في الوقت الذي تتصدى له المؤسسات الحقوقية معتبرة ان هذا الزواج باطل لأسباب عدة نادت بها الاتفاقية التي وقعتها السعودية عام 1996 لحفظ حقوق الطفل، والعام 2000 لحفظ حقوق المرأة. «لها» فتحت ملف زواج القاصرات في السعودية...
قصص كثيرة تداولتها المواقع الالكترونية والصحف السعودية،أبرزها قصة الناشطة الحقوقية التي رفعت شكوى إلى وزارتين لإيقاف زواج ابنتيها القاصرتين. وروت الأم أن طليقها ارتكب مخالفات نظامية وشرعية لتزويج ابنتيهما اللتين لا تزالا تدرسان في المرحلة المتوسطة. وقد عقد قرانهما دون علم منها، إضافة إلى عدم إجراء الكشف الطبي قبل إجراء عقد الزواج.
في طرف آخر تابعت الأوساط الإعلامية قصة الطفلة التي لم تتعدَّ العشر سنوات والتي عقد قرانها على رجل خمسيني في محافظة عنيزة قبل نحو عامين أيضاً دون علم الأم التي ما إن وصلها الخبر حتى أقامت دعوى لفسخ العقد لدى محكمة عنيزة. لكن القاضي حكم يوم 20 - 12- 2008 بصرف النظر في القضية حتى تبلغ الطفلة.
وفي إحدى الصحف الالكترونية، ان شاباً في الخامسة والعشرين تمكن من وقف مراسم عقد النكاح لأخته التي لم تبلغ من العمر سوى عشرة أعوام في إحدى القرى النائية التابعة لمحافظة محايل عسير السعودية، وذلك قبل ساعتين من حضور المأذون الشرعي، والعريس الذي يبلغ من العمر 37 عاماً.
ونقل الموقع ان والد العروس وافق على كل المراسم رغم رفض زوجته الزيجة لصغر سن العروس، وعدم قدرتها على تحمل المسؤولية والحياة الزوجية، مما أضطر الأم للاستعانة بعدد من أقاربها لثني الزوج عن الأمر، ولكن أمام إصراره تم الاتصال بأخيها في مقر عمله في محافظة جدة، فكان ان رسم خطة هروب لأخته ووصل الى منزل العائلة قبل موعد صلاة المغرب، وفي لحظة خروج الأب لأداء الصلاة خرجت العروس الصغيرة الى شقيقها الذي انتظرها على مقربة من المنزل وغادرت معه إلى مدينة جدة.
وقبل أسابيع رضخ رجل مسن للضغوط التي مورست عليه وأجل زواجه خمس سنوات من طفلة لا تتجاوز العاشرة من العمر أمام تدخل جهات مختلفة لمنع زاوجه، بعدما تمكن من عقد قرانه عليها.
أضرار طبية
وعن الرأي الطبي في القضية يقول الدكتور أيمن نصار أستاذ النساء والتوليد بطب الأزهر: «المعروف طبياً أن الحمل قبل سن الثامنة عشرة فيه أخطار لأن تكوين الفتاة الجسدي لا يكتمل قبل هذه السنّ، وقد تتعرّض الفتاة للإجهاض المتكرر وتصاب بفقر الدم ونزيف دموي حاد وارتفاع في ضغط الجنين أو ما يسمى «التسمّم الحملي» بل يمكن انفجار الرحم وحدوث اختلال في وظائف أعضاء الجسم والجهاز العصبي وآلام الظهر المزمنة بسبب الحمل المبكر الذي يسبب ضغطاً على العمود الفقري قبل اكتمال نموه فيسبب آلام ظهر مبرحة طوال العمر، فضلاً عن احتمال كبير لإنجاب أطفال مشوّهين خلقياً. ولهذا فإن السنّ المناسبة للحمل لدى المرأة هي من 18 حتى 38 سنة، لأنه في هذه الفترة يكون لديها اكتمال في النضج والغدد ويكون جسمها مستعداً للحمل ولهذا دور في نمو الجنين على نحو سليم».
وأضاف: «الإنجاب في سنّ مبكرة من العوامل التي تؤدّي إلى ولادة طفل مشوّه نتيجة الولادة العسرة أو صغر رحم الأم، والمعنى الطبي للزواج المبكر هو الزواج قبل البلوغ في الفترة التي تتحول فيها الفتاة من طفلة إلى بالغة. وخلال هذه الفترة تحدث تغيّرات فسيولوجية وسيكولوجية عديدة. وأما سن البلوغ فتختلف من فتاة إلى أخرى حسب العديد من العوامل، منها ما يتصل بالبيئة ومنها ما هو وراثي».
مخاطرة بحياة الأم والجنين
وقالت الدكتورة ميرفت محمود الأستاذة في طب الأزهر أن البحوث الطبية العالمية أثبتت أنه لا توجد زيادة في مضاعفات الحمل عند النساء اللواتي تتراوح أعمارهن ما بين 15 و19 سنة، وإن مضاعفات عديدة تحصل عند الحوامل أقلّ من 15 سنة بل إن تزويج الفتاة في سنّ مبكرة جداً قبل نضج أعضائها الأنثوية قد يؤدي إلى تعرّضها لأورام الثدي والرحم والمبايض والحمل خارج الرحم أو تعرّضها للإجهاض الذي ترتفع نسبته بينهن فضلاً عن العمليات القيصرية والولادة المبكرة والتشوهات الخلقية ووفاة الجنين داخل الرحم ووفاة الأطفال بعد الولادة.
وحذرت من أن مضاعفات الحمل والولادة تزداد «كلما كان الزواج في سنّ أدنى، لذلك نجد أن المتزوجات مبكراً تتدهور صحتهن بعد الزواج ويتعرّضن لحالات إجهاض متكرّرة لعدم استعدادهن للحمل والتعرّض للضغوط الخارجية، ومنها أنها إذا حملت في فترة مبكرة فإنها لا تتمّ حملها بمدته الكاملة لأن جسمها لم يكتمل نموه بعد، قد تتعرّض للإجهاض المتكرر ولفقر الدم خاصة خلال فترة الحمل. وقد تزداد نسبة الوفيات بين الأمهات الصغيرات بسبب الحمل. وتزداد وفيات أطفال الأمهات الصغيرات بنسبة أعلى من الأمهات الأكبر سناً وذلك لقلّة الدراية
فروق فردية
سألنا مفتي مصر الدكتور علي جمعة عن رأيه فقال: «من الصعب تحديد سنّ زواج واحدة لكل الفتيات لأن هناك فروقاً فردية تعدّ هي الفيصل والأصل في الشرع هو بلوغ الفتاة سنّ الزواج حتى لايتسبّب الزواج في الإضرار بها، وفي هذا يحترم رأي الأطباء الثقات الذين يؤكدون أن هذه الفتاة تتحمّل من الناحية الجسمانية تبعات الزواج لأن فتح الباب على مصراعيه دون ضوابط هو نوع من إلقاء النفس إلى التهلكة وقد حذرنا القرآن من ذلك في قوله تعالى «ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة» (سورة البقرة آية 195)».
ورفض مفتي مصر زواج الصغيرات في أي سنّ استناداً إلى ما ورد في السنة النبوية أن الرسول صلى الله عليه وسلم تزوج السيدة عائشة وهي صغيرة، فقال: «أعددنا دراسة متكاملة حول تلك القضية وانتهينا إلى ضرورة وضع اختلاف طبائع البيئات في الاعتبار فلا يجوز تطبيق أعراف وعادات العصر القديم على العصر الحديث مع إهدار الفارق الكبير الحاصل بفعل الزمان وعدم إدراك الفوارق التي فطر الله الناس عليها من الاختلاف في هيئة البنية وحجم الجسد مع بيئات معينة خاصة في شأن المرأة، فكم من امرأة نراها حتى في عصرنا الحاضر وقد كملت واشتدّ عودها وهي لا تزال في سن العاشرة أو نحوها، بدليل أنه لم يدر بخلد واحد من خصوم الرسول صلى الله عليه وسلم، أن يتخذ من زواجه بعائشة مطعناً أو منفذاً للتجريح والاتـهام، وهم الذين لم يتركوا سبيلاً للطعن عليه إلا سلكوه ولو كان بـهتاناً وزوراً.. وماذا عساهم أن يقولوا..؟ هل ينكرون أن تخطب صبية كعائشة، وما كانت أول صبية تزف في تلك البيئة إلى رجل في سنّ أبيها، ولن تكون كذلك آخِرُهن لقد تزوج «عبد المطلب» الشيخ من «هالة الزهرية» بنت عم «آمنة» في اليوم الذي تزوج فيه عبد الله أصغر أبنائه، من «آمنة بنت وهب» وتزوج «عمر بن الخطاب» من بنت على بن أبي طالب، وهو في سنّ فوق سنّ أبيها! وعرض «عمر» على «أبي بكر» أن يتزوج ابنته الشابة «حفصة» وبينهما من فارق السنّ مثل الذي بين الرسول وعائشة.
لكن الفيصل هو مصلحة الفتاة والمجتمع دون إفراط أو تفريط، فالإسلام دين الوسطية في كل شيء ويرفض الإضرار بأي طرف لحساب الآخر خاصة في الزواج».
حرية الرفض
وأشار الدكتور محمد رأفت عثمان عضو مجمع البحوث الاسلامية بالأزهر إلى أن «الفقهاء أفاضوا في مسألة الزواج فأوضحوا جواز ذلك للصغيرات لكن بشرط أن تستأذن في الزواج وأن تكون بلغت أو تجاوزت سنّ التاسعة، ولا يتمّ الدخول بفتاة قبل بلوغها. ونميل إلى أن تعطى الفرصة للفتاة حتى تكتمل معالم أنوثتها. أما إذا زوجها وليها وهي لم تبلغ بعد فلها الحق في تمضية ما اتفق عليه وليها أو فسخه حسب ما تراه في مصلحتها لأنه لايجوز شرعاً تزويج الفتاة رغماً عنها ونحن ننطلق في هذا الرأي من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «البكر تُستأذن» فالأب لا يستطيع أن يقرّ الزواج ما لم توافق الفتاة وموافقتها مرتبطة بقدرتها على التمييز ومعرفة مصلحتها مع نضجها عقلياً وجسدياً».
إصدار تشريع
واكدت الدكتورة ملكة يوسف أستاذة الشريعة الإسلامية في جامعة القاهرة إنه لا يوجد مانع شرعي من إصدار قانون يحدّد سنّاً مناسباً لزواج للفتيات، وهذه خطوة جائزة شرعاً تتّفق مع المذهب الحنفي المعمول به في أغلب القوانين الوضعية المتعلقة بالأحوال الشخصية في الدول الإسلامية. ويجب أن تؤخذ في الإعتبار القاعدة الفقهية «درء المفسدة مقدم على جلب المنفعة»، فإذا كان زواج الصغيرة يمثل مفسدة وضرراً لها لعدم اكتمال أنوثتها وقدرتها على القيام بدورها كزوجة فإنه يفضل أن لايتمّ زواجها رغم عدم وجود نص شرعي بسنّ معينة للزواج، ولكن هناك قواعد فقهية لاتتعارض مع نصوص الشريعة التي يجب أن تكون مصدر التشريع في كل الدول الاسلامية.
النجيمي: أخطأ من أجاز زواج القاصرات
من جهته أكد عضو مجمع فقهاء الشريعة الدكتور محمد بن يحي النجيمي عدم جواز زواج القاصرات شرعا بحجة زواج الرسول بالسيدة عائشة رضي الله عنها حين عقد عليها في ست ودخل بها في تسع. وقال: «الحديث الشريف صحيح، ولكن الاستدلال به من باب الخطأ وذلك لأن هناك بعض الخصائص تخص الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وله ما ليس لغيره، ثانياً أن هذا الزواج كان قبل التشريع في المدينة، لأنه كما جاء التشريع في المدينة قال الرسول صلى الله عليه وسلم تستأذن البكر وتستأمر الثيب وهذا يلغي ما كان في مكة من تزويج الصغيرات.
وعن تصريحات بعض المشايخ بجواز تزويج القاصرات أضاف الدكتور النجيمي: «هذه مشكلة في السعودية قائمة لأن قانون الأحوال الشخصية غير مقنن، وهذا القاضي يأخذ بالرأي الذي يزوج الصغيرة ويبقيها حتى تكبر إما أن تكمل الزواج، أو تفسخ العقد. ولكن أرجح الأقوال وأفضلها ويتفق مع الشريعة الإسلامية أن زواج القاصر زواج باطل، وبالتالي لا يجوز أن تبقى الصغيرة زوجة ويجب أن يبطل».
ورأى ان على الأم أن تطالب بحقها في منع هذا الارتباط واللجوء إلى القضاء لفسخ العقد بسبب الضرر الذي أصاب ابنتها.
وعن أي حراك من مجمع الفقه الإسلامي حيال هذا الزواج قال الدكتور النجيمي: «المجمع يتخذ قرارات ولكن لا يلزم الحكومات بها، ولكن علينا أن نأخذ بحديث مجمع الفقه الإسلامي في منع زواج الصغيرات، حيث يشترط الشرع أن تكون الفتاة بالغة كاملة الأهلية ورشيدا، ما يعني أن تكون فوق السادسة عشرة عاماً. واذا امتنعت الأم عن تسليم البنت لهذا الزوج كبير السن فهي مأجورة على ذلك ولا إثم عليها».
الحارثي: الهيئة في حراك لوقف هذا النوع من الزواج
من جهته، قال عضو مجلس هيئة حقوق الإنسان والمتحدث الرسمي الدكتور زهير الحارثي إن الهيئة ترفض تماماً هذا الزواج وهي في حراك دائم ومستمر اذا وصلت اليها أي قضية في هذا الخصوص. وأضاف: «لدينا موقف رافض لمثل هذه الزيجات، فهي انتهاك
لحقوق الطفل نفسياً وصحياً واجتماعياً. وفي قضايا وصلت إلى الهيئة قد تدخلنا فيها مع الجهات الرسمية وإمارة بعض المناطق تم إيقاف هذا الزواج. ومن وجهة نظري أن هذا الزواج يتنافى مع الاتفاقيات الدولية التي وقعتها السعودية، واذا كنا نتحدث عن الأركان الشرعية في الارتباط فلا بد من الإيجاب والقبول، وهنا الطفلة غير مدركة لطبيعة وماهية الزواج وبالتالي كيف يطلب منها أن تقرر مصير حياة بأكملها».
ولفتت إلى أن موقف الهيئة واضح وحتى يكون موثقاً بشكل عملي أكثر تمت مخاطبة وزارة الصحة لاجراء دراسة عن أضرار هذا الزواج.
وعن التقرير يضيف الدكتور الحارثي: «قدمت وزارة الصحة تقريراً متكاملاً بمدى الآثار النفسية على الأطفال في زواج القاصرات، حيث شكلت وزارة الصحة لجنة من قبلهم بناء على خطاب رئيس الهيئة لدراسة الأضرار الصحية والجسدية والنفسية ووجدنا كل تجاوب منهم، فكانت توصياتهم أن يكون الحد الأدنى للزواج لا يقل عن ستة عشر عاماً، إضافة إلى رفع تشريع لوزارة العدل لوقف زواج القصّر. هذا من جانب، ومن الجانب الآخر نحن كهيئة نقوم بالتوعية والتثقيف عن طريق خطباء المساجد، المدارس، الجامعات، وسائل الإعلام، والوسائل التعليمية لتوعية الآباء وإعطائهم فكرة حقيقية لتمتع الأطفال بسنهم الطبيعية، وأن يكون للزواج مفهوم يستند الى النضوج فطبيعة الحياة قد تغيرت، لذا هناك أهمية لتثقيف هؤلاء الآباء».
وأشار الى أن التواصل تم بين الهيئة ووزارة العدل، ووزارة الإعلام إضافة إلى وزارة التربية، «خصوصاً أن زواج القاصرات له نتائج كارثية منها الطلاق المبكر مما يؤدي إلى مشاكل اجتماعية وإنسانية يمكن تفاديها من البداية».
وكشف الحارثي أنه تمت مخاطبة وزارة العدل بتوقيف مأذوني الأنكحة عن عقد القران لمن هم دون السن المطلوبة، مضيفاً: «لم يصل زواج القاصرات في السعودية إلى مسمى الظاهرة خصوصاً أنه لا توجد حتى اللحظة أي إحصاءات واضحة، إلا ان وجود حالات في السعودية يشير إلى أخطار تنبىء بضرورة تدخل الجهات الحكومية والحقوقية لتدارك الوضع».
وأوضح أن النسبة الكبرى من زواج القاصرات تحصل القرى والهجر السعودية، مما يدفع الجهات المعنية الى توعية الآباء ليغيروا النظرة الى بناتهم والى المرأة عموماً.
الولي مسؤول
ويؤكد الدكتور أحمد عمر هاشم الرئيس السابق لجامعة الأزهر أن بعض الفقهاء يرون أن الأب إذا كان له مصلحة ظاهرة في تزويج صغيرته قبل سنّ بلوغها فلا بأس بذلك على أن يكون لها الخيار إذا كبرت في البقاء أو فسخ عقد النكاح ويفترض في الوالي الأمين أن يصبر على ابنته حتى تنضج عقلياً وجسدياً وحبذا لو صبر عليها حتى تتلقى قدراً وافياً من التعليم الذي يعتبر سلاحاً لها في حياتها وأحد عوامل نجاحها في حياتها الزوجية وهذه الرعاية أوجبها الإسلام على كل من استرعاه الله على من هم أضعف منه وهذا ما يؤكده الحديث النبوي «كلكم راع ومسؤول عن رعيته»وقوله «إن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ أم ضيع» فليتقّ كل ولي أمر الله ويصبر على ابنته ولا يزوجها وهي طفلة لاتدرك من أمر الحياة شيئاً لأنه بهذا يكون قد حكم عليها بالتدمير الجسدي والنفسي.
نزع الولاية
وطالب الدكتور حامد أبو طالب العميد السابق لكلية الشريعة والقانون وعضو مجمع البحوث الإسلامية بنزع الولاية عن ولي الأمر الذي يجبر ابنته على الزواج غير المعقول، كأن يزوجها وهي في العاشرة أو دون العاشرة في بعض الحالات، فهو في هذه الحالة غير أمين على ما استرعاه الله عليها بل تجب محاسبة كل من ساهم في هذه الجريمة التي فيها قتل معنوي للفتاة لأن جسدها الضعيف غير قادر على تحمل أعباء الحمل والولادة بل ان كثيرا منهن يتوفين اثناء الحمل والولادة لانها لاتعلم ما تعني معاشرة زوجية أصلاً.