كان لا بد أن نتوقف مع علماء الدين عند مفهوم الاغتصاب الزوجي
د. علي جمعة, طوني خليفة, عنف أسري, الشيخ يوسف البدري, د. مبروك عطية, د. عبلة الكحلاوي, د. سعاد صالح, علماء الدين, العلاقة الزوجية, إغتصاب, د. محمد عبد المنعم البري
13 فبراير 2012الدكتورة سعاد صالح: من يعامل زوجته بطريقة غير آدمية يكون مغتصباً لها
وتتطرق مفتية النساء الدكتورة سعاد صالح العميد الأسبق لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، إلى القضية من زاوية جديدة، بقولها: «الإسلام اعتبر أن العلاقة الجنسية للرجل مع زوجته من باب العبادة التي يثاب الطرفان فيها، لأن كلاً منهما ساعد على عفة صاحبه من الانحراف.
لكن للأسف فإن بعض الفقهاء وصفوا العلاقة الزوجية بصورة خاطئة، باعتبارها عقد استمتاع من الرجل بالمرأة، وحللوا وفق ذلك أن يستمتع بها دون النظر لاحتياجاتها النفسية، واستدلّوا على ذلك بأحاديث نبوية جعلوها سيفاً مصلتاً على رقاب الزوجات دون فهم أو تقدير لحالة الزوجة المزاجية أو الصحية، وغيرها من الظروف التي تتعرض لها النساء.
ووافقت على وصف «الاغتصاب الزوجي» لمن يسيئون الى زوجاتهم في الفراش، أو لا يراعون حالتهن النفسية، لأن الرجل إذا عامل زوجته في الفراش بطريقة سيئة ولا تتفق مع آدميتها وكرامتها، فإنه يكون مغتصباً لها، ويحق لها أن ترفع أمرها الى القضاء لطلب التطليق أو الخلع، لقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار». وطالبت مفتية النساء بإعادة النظر في الفقه الذكوري الذي يتناول المسائل الزوجية والذي يجعل بعض الفقهاء يقولون: «إن المرأة تستحق دخول النار إذا لم تفعل ما يدعوها إليه الرجل».
وكأنها مجرد آلة دون أي مراعاة للواجبات على الزوج مقابل ما له من حقوق، وقد نهى النبي، صلى الله عليه وسلم، الازدواجية التي يتعامل بها بعض الأزواج مع زوجاتهم، فقال: «بم يضرب أحدكم امرأته ضرب الفحل، ثم لعله يعانقها». والمقصود هو كيف يضرب أحدكم زوجته ويعاملها بقسوة واهانة وهو بحكم العلاقة التي تربطهما لا يلبث أن يعانقها.
الدكتور علي جمعة مفتي مصر: إذا استعمل الزوج القوة لمعاشرة زوجته فهو آثم
في البداية يوضح مفتي مصر الدكتور علي جمعة أن «الاغتصاب الزوجي» عند فقهاء المسلمين يتمثل في طلب الرجل مواقعة زوجته وهي حائض أو بطريقة شاذة أو أثناء فرض الصيام، وقد حرم الله سبحانه وتعالى هذا، وأعطى المرأة الحق في أن تمتنع عن زوجها في ذلك، مستدلاً بقوله تعالى: «وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ إن اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ» آية 222 سورة البقرة.
وأضاف مفتي مصر أنه إذا استعمل الزوج القوة لمعاشرة زوجته في الحالات السابقة فهو آثم شرعاً، ولها المطالبة بمعاقبته عند القاضي. كما أن للمرأة أن تمتنع عن زوجها إذا أصيب بمرض مُعدٍ، أو استعمل العنف المؤذي لجسدها في أثناء الممارسة الجنسية.
الدكتورة عبلة الكحلاوي: على الزوج أن يراعي الحالة النفسية لزوجته
وتؤكد العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر الدكتورة عبلة الكحلاوي أن الجماع الجنسي يعد جزءاً من الزواج وليس كل الزواج، الذي يجب أن تحيط به الرحمة والمودة التي تؤدي إلى السكينة النفسية، لقوله تعالى: «وَمِنْ آيَاتِهِ أن خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً» آية 21 سورة الروم.
وأشارت إلى أن الزوج الذي يستخدم العنف مع زوجته أثناء المعاشرة أو من لا يراعي حالتها النفسية، مخالف لتعاليم الشرع، ويوصي الرسول، صلى الله عليه وسلم، الأزواج فيقول: «لا يقعن أحدكم على امرأته كما تقع البهيمة، وليكن بينهما رسول، قيل: وما الرسول يا رسول الله؟ قال: القبلة والكلام».
واعترضت الدكتورة عبلة على سنّ قوانين لسجن الزوج على معاشرة زوجته رغماً عنها، لأن هذا سيؤدي إلى زيادة المشكلات وانهيار الأسر وإفشاء الأسرار في المحاكم، والأفضل أن نُعلِّم الأزواج الآداب الإسلامية في الجماع، ومراعاة نفسية الزوجة وتعبها، ليكون كما قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي».
في إحدى حلقات برنامج الإعلامي طوني خليفة «للنشر» اتصلت الإعلامية جيهان الملا، زوجة أيهم شقيق الفنانة أصالة، مؤكدة أن زوجها حوّلها من إعلامية إلى زوجة محطمة، لأنه كان يغتصبها بل وحرمها طفلها. وهاجمت أحد علماء الدين لأنه اعتبر أنه لا مجال لإدانة أي رجل بتهمة اغتصاب زوجته، لأن هذا حقه الشرعي، بصرف النظر عن رضا الزوجة أو عدم رضاها، وليس من حقها الامتناع عنه لأي سبب. وطالبت بقانون يحمي المرأة من العنف الأسري بعد كل ما تعرّضت له على يد زوجها حتى هربت منه.
وفي إيطاليا، اعتبرت محكمة رفض رجل الاستحمام قبل طلبه معاشرة زوجته بمثابة اغتصاب، وحكمت عليه بالسجن. وأفادت وكالات الأنباء أن راعياً من صقلية، عمره 51 عاماً، كان معتاداً على العودة من رعاية الغنم في الحقول ومجامعة زوجته قبل أن يغتسل، رغم أن رائحته لا تطاق، وعندما ترفض يقدم على توثيقها وتقييدها في السرير حتى تتم المجامعة. وقد حكم على الراعي بالسجن تسع سنوات وخفضتها محكمة الاستئناف إلى سنتين.
وفي بريطانيا، أثارت فتوى لداعية إسلامي يدعى «أبو سيد»، يدير أكبر شبكة محاكم شرعية في بريطانيا، جدلاً في وسائل الإعلام واحتجاجاً لدى الرأي العام، لاعتراضه على القانون البريطاني في ما يتعلق بحكم محكمة بريطانية على مسلم بالاغتصاب الزوجي، مؤكداً أن هذا ليس جرماً لأن ممارسة الجنس جزء من الزواج، وبالتالي فإن الأزواج الذين يغتصبون زوجاتهم لا يجوز أن يُحَاكَموا، لأنه لا يوجد اغتصاب داخل إطار العلاقة الزوجية، لكن ربما يكون عدواناً أو نشاطاً غير لائق فقط، وبالتالي فإن مفهوم الاغتصاب داخل الزواج ليس مفهوماً إسلامياً.
الدكتور مبروك عطية: المهم أن يكون للمرأة عذر للامتناع
ويقول الأستاذ في جامعة الأزهر الدكتور مبروك عطية: «وضع الإسلام بعض الآداب لتحقيق الانسجام الزوجي قبل هذه العلاقة الحميمة وأثناءها حتى يتم التوافق، فقال تعالى: «نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وقَدِّمُوا لأَنفُسِكُمْ واتَّقُوا اللَّهَ» آية 223 سورة البقرة. ومن يتأمل هذه الآية سيجد أنها تدعو إلى المباشرة الزوجية، حتى لا يقع الزوج فى الحرام، لكن بشرط الملاطفة والمداعبة حتى يتحقق الانسجام والتجاوب بينهما من خلال قوله تعالى: «وقدِّمُوا لأنْفسِكُم»، من هنا أرى أن تحل مشكلات غرف النوم بعيداً عن ساحات المحاكم».
وأوضح الدكتور مبروك أن الإسلام لا ينظر إلى الزوج على أساس أنه حيوان، لا يستطيع أن يصبر ويكتم شهوته الجنسية حتى تصبح المرأة مهيأة للمعاشرة، ويرغمها عليها دون حب واستعداد نفسي من الطرفين. والأفضل أن تكون المبادرة من الزوج بلطف وحب وحنان، لأن المرأة المحبة لزوجها كائن رقيق لا تستطيع هي نفسها مقاومة ندائه لها، وإذا كانت غير راغبة الآن أو لا تشعر بالرغبة حالياً فإن اعتذاراً لطيفاً يكفي ليحس الزوج بمشاعرها دون غضب، بل إنه قد يحاول مداعبتها والتخفيف عنها. والزوج مع مرور الوقت يعرف الأوقات المناسبة التي تكون زوجته فيها جاهزة للحب، والأحاديث النبوية في هذا الشأن ليست من أجل إجبار المرأة على طاعة زوجها إلى الفراش، حتى وإن كانت في حالة نفسية تكون فيها غير مهيأة للجماع، وإنما تتحدث عن مبدأ رفض المرأة لدعوة زوجها لها للجماع دون عذر.
الدكتور عبد المنعم البري: الزوجة يجب أن تنصح زوجها وتصبر عليه
ويوافقه في الرأي الدكتور محمد عبد المنعم البري، الأستاذ في كلية الدعوة ورئيس جبهة علماء الأزهر، مؤكداً أنه ليس في الإسلام شيء يسمى «الاغتصاب الزوجي»، وإنما «هي قوانين غربية في مجال الأسرة، تريد أن تخترق مجتمعاتنا الإسلامية لمعاقبة الزوج بعقوبات تصل للسجن أو الغرامة، بحجة اغتصاب زوجته أو معاشرتها بغير رضاها، وفرض ذلك من خلال الاتفاقات الدولية الخاصة بالمرأة تحت مسمى تمكينها، من خلال ما يعرف بالإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد النساء، ومنها الاغتصاب في إطار العلاقة الزوجية».
وعما يجب على الزوجة فعله، إذا كان زوجها يعاشرها بعنف وفي أي وقت، دون مراعاة مشاعرها قال البري: «عليها أن تنصحه وتصبر عليه وتحاول الصلح معه، محافظةً على أسرتها وأسرارها، فقال تعالى: «وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا» آية 99 سورة النساء.
لكن إذا لم يكن للزوجة مبرر لرفض لقاء زوجها، فيجب عليها طاعته، لقول رَسُول اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «إذا دعا الرجل زوجته لحاجته فلتأته وإن كانت على التنور». وفي الوقت نفسه نطالب الزوج بأن يرحم زوجته، ويراعي الظروف الاستثنائية التي قد تمر بها».
الدكتور عبد الله النجار: الزوجة ليست آلة ويجب احترام مشاعرها
ودعا عضو مجمع البحوث الإسلامية للتأهيل النفسي والاجتماعي الدكتور عبد الله النجار الأزواج إلى أن يحسنوا معاملة زوجاتهم قبل المعاشرة وأثناءها، حتى لا يكونوا ممن وصفهم النبي، صلى الله عليه وسلم، العجز في الرجال ومنها المعاشرة دون اللعب، فقال «ثلاث من العجز في الرجل، الأول: أن يلقى من يحب معرفته فيفارقه قبل أن يعلم اسمه ونسبه، والثاني: أن يكرمه أحد فيرد عليه كرامته. والثالث: أن يقارب الرجل جاريته أو زوجته فيصيبها قبل أن يحدثها ويؤانسها ويضاجعها فيقضي حاجته منها قبل أن تقضي حاجتها منه».
ولهذا يجب ألا يكون هناك أي شيء يعيق المعاشرة في الزواج، ويجب على الأزواج والزوجات أن يتعاملوا مع أمور غرف النوم المغلقة في إطار الشريعة، وليس من خلال استدعاء الشرطة أو الوقوف في ساحات المحاكم، إلا إذا وصلوا إلى طريق مسدود. وفي الوقت نفسه لابد من تغيير ثقافة المجتمع الى الأفضل من حيث احترام مشاعر المرأة، لأنها ليست مجرد آلة ميكانيكية لا تتعب ولا يصيبها الإرهاق أو التعب النفسي والجسدي، مما يجعلها غير مهيأة نفسياً وجسدياً أحياناً للمعاشرة الجنسية.
وأنهى النجار كلامه لافتا إلى دور فقهاء المسلمين في أن يوجبوا على الزوج أن يراعي شعور زوجته، فقد تكون مضطرة للامتناع عن العلاقة الحميمة لأسباب قد تكون نفسية أو الإرهاق، فهي إنسان مثله تماماً لها غرائزها وشعورها وأحاسيسها. ورفض سجن الزوج الذي لا يجيد التعامل مع زوجته في العلاقة الحميمة، أو يعاشرها رغماً عنها، لأن الطريق الشرعي لذلك هو طلبها الطلاق أو الخلع إذا لم تستطع أن تتوافق معه.
الشيخ يوسف البدري: على المرأة الطاعة أو طلب الخلع
أما عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الشيخ يوسف البدري فيرفض أي تدخل قانوني من خلال ما يسمى الاغتصاب الزوجي، لأن المرأة مأمورة شرعاً بطاعة زوجها، وإلا فمصيرها النار، لأن طاعة الزوج واجبة طالما أنه لم يأمرها بمعصية، فقد قال رَسُول اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم» «إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح». وفي رواية «إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح». وقال الرسول، صلى الله عليه وسلم، أيضاً: «والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عنها». وبالتالي فإن تفكير الزوجة في تقديم شكوى للقاضي، لأنها لا تريد معاشرة زوجها فهذا أمر مرفوض، ولها أن تطلب الخلع لأنها تكرهه مثلاً وتتنازل له عن المهر.