الإعلامية هانيا مهيب تروي قصة التحرّش بها

التحرش الجنسي, هانيا مهيب

28 مارس 2013

بخطوات جريئة، وبثقة من يعرف هدفه جيداً، سلكت الإعلامية هانيا مهيب الطريق إلى ميدان التحرير، لكنها فجأة شعرت بقلق بعد أن تنقلت عيناها بين المحيطين بها لتجتاحها قشعريرة دفعتها لزيادة سرعة خطواتها هرباً من الاحتكاكات المريبة حولها... لم تدرك أن قرار الرحيل جاء متأخراً إلا بعد أن وجدت نفسها في منتصف دائرة ضخمة من الوجوه التي لم تستطع تمييزها وسط زحام الأيدي التي تهاوت عليها، في مشهد من الانتهاك الصارخ للآدمية، أصبح هو المشهد المسيطر على ميدان التحرير الذي توالت فيه حوادث التحرش والاغتصاب الجماعي، تاركاً الضحية لمجتمع يلقي باللوم عليها في نهاية الأمر.

 محاولاتها لصد الاعتداء الممزوجة بصرخات لا تنقطع ظلت في مخيلتها بعد انتهاء الحادثة التي لم تتوقف عند هذا الحد، بعد أن قررت هانيا مهيب بشجاعة أن تسرد قصة الاعتداء عليها، فقد رفضت الصمت وقررت مواجهة المجتمع، لتحكي قصتها التي تشابهت مع مئات القصص لفتيات لم يمتلكن الشجاعة... تفاصيل الحادثة التي تعرضت لها وموقف زوجها وأسرتها، وآراؤها حول التصريحات التي تلقي باللوم على الضحية، وغيرها من الاعترافات والآراء الجريئة، تسردها لنا هانيا بشجاعة في حوارنا معها.


- اعتدت النزول إلى ميدان التحرير في الأحداث المهمة. كيف حصل الاعتداء عليك، ومتى شعرت بخطورة الأمر؟
توجهت إلى الميدان ظهر الخامس والعشرين من كانون الثاني (يناير) الماضي للمشاركة في الذكرى الثانية للثورة. شعرت بحركة غير طبيعية منذ بداية دخولي الميدان المزدحم، وبدأ قلقي يزداد عندما شعرت باحتكاكات متتالية، فقررت الاتصال بصديقة موجودة عند مسجد عمر مكرم، قبل أن أقع داخل دائرة ضخمة من المتحرشين الذين لم أستطع تمييز وجوههم، والذين انتهكوني بكل الطرق الممكنة وحاولوا تجريدي من ملابسي وسط صرخاتي التي استمرت لمدة 30 أو 45 دقيقة على ما أذكر، قبل نقلي إلى سيارة الإسعاف بملابس ممزقة وحالة من الرعب، استمرت حتى بعد نقلي إلى مستشفى المنيرة العام.

- كيف تعامل معك الأطباء في المستشفى بعد إنقاذك من أيدي المتحرشين؟ وما الإجراءات التي قمت بها بعد الواقعة؟
وصلت إلى المستشفى في حالة يرثى لها، ممزقة الملابس، بالكامل وأشعر بحالة من الغضب القاتل. وزادت نظرات الممرضات والأطباء في مستشفى المنيرة العام غضبي، بعد إصرارهم على التكتم على الأمر بعبارات مثل «استري علي نفسك، ما تفضحيش الدنيا»، وهذا ما دفعني إلى تصعيد الأمر والاتصال بزوجي وتحرير محضر بالواقعة في قسم الشرطة، ثم اتخاذ خطوة التحدث إلى الإعلام بشفافية وسرد الواقعة، متحدية نظرات المجتمع المسيئة، والملقية باللوم على المرأة في حالة التحرش بها.

- على مدار عامين هي عمر الثورة المصرية، توالت الشائعات عن وجود حالات تحرش ممنهجة في ميدان التحرير. كيف بدأت هذه العمليات وهل تعتقدين أنها مقصودة؟
في البداية تلقيت هذه الشائعات بشيء من التصديق، مع الشعور بأنها مجرد حالات استثنائية، ولم أكن أتوقع تطور الأمر لهذا الحد السافر، رغم مروري بتجارب سابقة مع استخدام العنف ضد المرأة من قوات الداخلية منذ عام 2005 وحادثة الاعتداء على نوال علي. وقد كنت من الإعلاميين الذين تم الاعتداء عليهم في ذلك الوقت، وتأكد لي أمر التدريب على عمليات التحرش المقصودة والمعد لها سلفاً، بعد أن تعرضت شخصياً لواحدة منها، وبعد أن التقيت ياسمين البرماوي التي تم الاعتداء عليها بالطريقة نفسها.

- لكن هناك من يرى أن عمليات التحرش تتم بشكل عشوائي فما رأيك؟
أكاد أجزم بأن ما يحدث من حالات تحرش الآن في ميدان التحرير خطة ممنهجة من خلال فرق مدربة في معسكرات متخصصة لمنع السيدات من النزول إلى الميدان، وأعتقد أن هناك فرقاً مدربة على التحرش تسلك منهجاً واحداً بشكل احترافي مكوناً من عدة خطوات، تبدأ بالتجمهر حول الضحية، ثم نزع الملابس بالكامل والاحتفاظ بها كدليل على الجريمة، والثقة التامة لدى المتحرشين بأنهم في مأمن من العقاب، مع ترديد عبارات الطمأنة الزائفة لإيهام الضحية بأن المتحرشين يحاولون إنقاذها.

- في مجتمع يلقي باللوم على المرأة في حالة التعرض لحالة اغتصاب، يعتبر موقفك في سرد تفاصيل الحادثة ضرباً من ضروب الشجاعة، ألا تخشين التعرض لانتقادات من المحيطين بك؟
لم أتردد لحظة في فضح المتحرشين، وسرد الحقائق في وسائل الإعلام، خاصة في ظل الدعم المعنوي من زوجي وأسرتي، واعترافهم بأن الحادثة هي انتهاك صارخ لحرمة الأسرة بالكامل يجب التصدي له. كما أؤمن تماماً بأن السكوت يتسبب بزيادة المشكلة، وأنا أعترف بأن موقف الدعم والتشجيع من زوجي في المقام الأول وأسرتي وأصدقائي في المقام الثاني هو ما شجعني على الظهور في وسائل الإعلام، وأعتبر أن الحديث بشفافية عن هذه الحادثة هو واجبي نحو بقية الضحايا اللواتي لا يمتلكن الشجاعة للحديث عن تجاربهن.

- بعد سردك ما حدث هل تعرضت لمضايقات من المجتمع أو في نطاق العمل؟
توقعت موجة عاصفة من الانتقادات، لكني فوجئت بالعكس، وهو ما أكد وجود مواقف إيجابية في التعامل مع الموقف. لكن ما واجهته هو التعليقات المسيئة على موقع اليوتيوب، والتي شعرت فيها ببصمة اللجان الإلكترونية لجماعة الإخوان المسلمين، وأعتبرها جزءاً مكملاً للعمليات الممنهجة للتحرش والانتهاك، من خلال التشديد على عبارات اللوم والقذف في شكل تعليقات ممنهجة بالطريقة نفسها على مقاطع الفيديو، بالشكل الذي يتم به قذف النشطاء بشكل سافر على مواقع التواصل الاجتماعي.

- في ظل تكرار هذه الحالات في الفترة الأخيرة، يتكرر مشهد السكوت من الضحايا والخوف من المجتمع. هل تعتقدين أن السكوت على هذه الظاهرة يتسبب بزيادة المشكلة؟
لا أستطيع إلقاء اللوم على الضحايا اللواتي يتعرضن لهذه الاعتداءات، لأنني مؤمنة بأن هذه الخطوة تتطلب شجاعة مفرطة لمواجهة نظرات المجتمع، كما تحتاج إلى التشجيع من الأهل والأصدقاء لخوض تجربة المصارحة أو المكاشفة الحقيقية، ومعظم الضحايا لا يمتلكن هذه الظروف، وهو ما يدفعهن للصمت والتخفي وراء ستائر العار والفضيحة التي يفرضها عليهن المجتمع.

- ما الدور الذي يجب أن تقوم به الضحية لإثبات العكس؟
المصارحة والحديث عن الحقائق بشفافية هما الخطوة الأولى للخروج من الأزمة. عدم سكوت الضحية هو ما يجب أن تقوم به كل من تتعرض لمثل هذا الاعتداء.

- ما العوامل التي أدت إلى زيادة التحرش في الشارع وصولاً إلى هذه الممارسات الوقحة؟
الإحصائية المعروفة للجميع الآن أن مصر تحتل المركز الثاني في العالم في معدلات التحرش بالمرأة بعد أفغانستان، وأرى أن هذا المعدل سببه نظرة الاستخفاف بشكل عام إلى المرأة باعتبارها مخلوقاً أدنى. والسبب الأول لهذه النظرة هو خطاب إعلامي وديني يتم ممارسته منذ سنوات طويلة للتقليل من شأن المرأة، والتعامل معها في المجالات العامة بخطاب التهميش والإهانة، وليس من جانب التحرش أو العنف فقط، والوصول إلى إلقاء اللوم عليها بهذه الطريقة العبثية.

- حادثة الاعتداء على الصحافيين والاعتداء الجنسي على الصحافية نوال علي عام 2005، هل كانا بداية لاستعمال العنف كأداة لقمع المتظاهرين؟
عام 2005 كانت البداية لاستخدام الداخلية للتحرش كأداة صريحة لقمع المتظاهرات، بالتحديد منعهن من النزول. لم يكن الوضع وقتها بهذا السوء، لكنها كانت البداية لظهور العمليات الممنهجة للتحرش بالسيدات في وضح النهار، وهو ما تطور بشكل كبير حتى وصلنا إلى هذا المشهد السافر في ميدان التحرير.

- بعد حادثة الاعتداء التي سردت تفاصيلها، هل تحتاج مصطلحات التحرش والاغتصاب وعقوبتها في القانون المصري إلى إعادة تعريف؟
كلمة «تحرش» أعتبرها كلمة «دلع»، ولا تصف ما يحدث بشكل دقيق، أنا أعتبر هذه الحوادث اعتداءً جنسياً صارخاً ويدخل في دائرة الاغتصاب، وليس في دائرة «هتك العرض أو التحرش». المشترع في مصر يفكر بمعايير اجتماعية، ولا يعترف بالجريمة إلا في حالة فض العذرية. ما نحتاجه هو إعادة تعريف للمصطلحات الموجودة حالياً، مثل هتك العرض والاغتصاب، وعدم وصف مثل هذه الاعتداءات بالتحرش فقط.

- ظهرت جماعات مدربة من الفتيات لمواجهة العمليات الممنهجة للتحرش، هل ترين أنها حل؟
المجموعات المدربة من الفتيات في الميدان لمواجهة التحرش بدأت الظهور بعد تكرار حوادث التحرش بشكل صارخ، لكنني لا أعتقد أن هذه الجماعات في استطاعتها التصدي لجماعات مسلحة، ومعظمهن يتم التحرش بهن أثناء محاولاتهن إنقاذ ضحايا أخريات.

- هل أثرت عمليات التحرش في منع المتظاهرات من النزول إلى ميدان التحرير؟
أعتقد أن ما قمنا به مما أصفه بالمكاشفة الصريحة، هو ما أثر بشكل إيجابي كنوع من الفضح والضغط، لإثبات أن هذه الظاهرة غير مقبولة علي الإطلاق، ولن نسكت عنها. وأعتقد أن سرد التفاصيل بشكل إيجابي في التصدي لهذه الانتهاكات هو ما زاد إصرار الفتيات على النزول ومواجهة الموقف بشجاعة، ولن تمنع هذه الانتهاكات الفتيات من النزول لميدان التحرير.

- ما تعليقك على التصريحات الأخيرة لبعض نواب مجلس الشورى بأن المرأة مسؤولة عما يحدث؟
هذه التصريحات التي تلقي باللوم على المرأة، والتي خرجت من صرح عريق مثل «مجلس الشورى» مثيرة للضحك، لأنها تجاوزت مرحلة الاستفزاز إلى مرحلة العبثية المطلقة غير المنطقية، ولا أعتقد أنها مؤثرة في ظل الشهادات الموثقة من الضحايا، والتي تحاول جمعها مجموعة كبيرة من المراكز، مثل مركز «نظرة للدراسات النسوية» ومركز «النديم» وغيرها. ولم تفاجئني هذه التصريحات المتوقعة من القائمين على خطاب التشويه على أساس ديني منذ سنوات طويلة.

- ما هي الخطوة الأولى التي يجب أن نتخذها لتغيير النظرة المستخفة بالمرأة؟
أن نتوقف عن التعامل مع المرأة على أنها «شيء»، أو جوهرة أو «بنبوناية» كما يصفها البعض.  تكسير مثل هذه المصطلحات والتوقف عن التعامل مع المرأة على أنها شيء، والتعامل معها كإنسان، هي بداية التخلص من هذه النظرة المسيئة للمرأة، إلى جانب الالتفات إلى ما وصل إليه حال المرأة في الدراما المصرية من تصويرها كخادمة أو مجرد زوجة لا حول لها ولا قوة، وما يثيره هذا التصوير من تعميق للنظرة المستخفة والمهينة للمرأة المصرية.

- كيف ترين وضع المرأة في الدستور ومن يمثلها في البرلمان؟ وهل تعتقدين أن الدستور الحالي أعطى المرأة حقوقها؟
مواد الدستور الخاصة بالمرأة انتقصت من حقوقها، وأعتقد أن النماذج الممثلة للمرأة في البرلمان لا تمثل المرأة المصرية، وكل من يمثلها يحمل أجندة خاصة تتحدث باسمها، تزيد من التقليل من شأن المرأة والنظر إليها كربة منزل تحتاج إلى الرجل. وأرى أن وضع المرأة بعد الثورة يسير من سيِّئ إلى أسوأ، وهو ما يدفع بقوة إلى انفجار ثورة نسائية قريباً.

- ما هي الخطوات التي تستعدين لسلوكها في مواجهة ظاهرة التحرش الجماعي؟ وما هو الحل؟
التخلص من الصمت والمكاشفة الحقيقية وتسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية، هي بداية الهجوم المضاد لمواجهة هذه الظاهرة. وأنا أشعر بقدر من المسؤولية في مواجهة هذه الظاهرة، وأحاول حالياً فضح القضية في وسائل الإعلام والحديث عنها بصراحة مطلقة، كما أدعو كل ضحية تعرضت لمثل هذه الحادثة للمشاركة في التصدي، ولو بشهادة صريحة تساهم في تغيير الواقع.