حكم قضائي فريد من نوعه يمنع زوجة من إلتقاط "سيلفي" من دون زوجها وأولادها

فاطمة عاشور - (الرباط) 08 أكتوبر 2017

حكمت المحكمة العبرية الابتدائية في مدينة الدار البيضاء، ابتدائيا وحضوريا، مؤخرا في قضية نزاع بين زوجين يهوديين يحملان الجنسية تامغربية، بأحكام تلزمهما بتطبيق اتفاقيات غير مألوفة، بحيث قضت المحكمة بمنع الزوجة من التقاط صور "سيلفي" من دون زوجها وأبنائها.

وتعود القضية، إلى شهر كانون الأول/ديسمبر من السنة الماضية، عندما أصدر القاضي المغربي اليهودي، دافيد الحداد، حكما قضائياً يمنع فيه زوجة من التقاط أو نشر صور لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي من دون أبنائها وزوجها.

الحكم الغريب والفريد من نوعه، تم إصداره بعد دعوى رفعها زوج يهودي ضد زوجته بعد نزاع بينهما، في الغرفة العبرية بالمحكمة الابتدائية بالدار البيضاء، منع الزوجة من إقامة صداقة مع أشخاص أجانب أو نساء مطلقات، وإلزامها بالانخراط في قاعات رياضية خاصة بالنساء فقط.

مقابل ذلك، التزم الطرفان، خلال جلسات المحاكمة، بترك هواتفهما النقالة دون إغلاق، وكذلك حسابيهما في فيسبوك، كما أن الزوجة التزمت بأخذ صور بهاتفها الشخصي مع أبنائها وزوجها، وليس لوحدها.

وتمظر المحكمة العبرية في القضايا المتنازع عليها بين المواطنين المغاربة من الديانة اليهودية، في قضايا مختلفة، أبرزها قضايا الزواج والطلاق وأحكام النفقة والإرث والوصية،ويعمل في المحكمة العبرية قضاة يهود، ينظرون في القضايا، وفقا لتشريعات الطائفة اليهودية، باللغتين العربية والعبرية، وفي بعض الأحيان باللغة الفرنسية.

ويشتغل قضاة المحكمة العبرية، تحت لواء وزارة العدل، ويتقاضون أجورهم من خزينة الدولة، شأنهم شأن باقي قضاة المملكة المغربية. وفي المغرب توجد حوالي 17 محكمة يهودية معرفة باسم "المحكمة العبرية"، اشهرها المحكمة العبرية للدار البيضاء. وتختص هذه المحاكم العبرية في كل القضايا التي تهم اليهود الذين يحملون الجنسية المغربية،ومعروف إن هذه المحاكم هي الوحيدة في العالم التي تحكم بالشريعة اليهودية.

وقد جاء في المادة الثانية من مدونة الأسرة المغربية: "أما اليهود المغاربة فتسري عليهم قواعد الأحوال الشخصية العبرية المغربية". هذه القاعدة تلخص الوضع القانوني لهذه الفئة من المجتمع المغربي الذي تؤسس على تراكمات تنظيمية تشريعية تاريخية.

ويستمد التشريع القضائي العبري المغربي مصادره، فضلا عن التوراة والتلمود، من قوانين ذات طبيعة مغربية صرفة، سبق لأحبار يهود مغاربة أن سطروها، وفق ما تقتضيه خصوصية تطبيق الديانة اليهودية بالمغرب. ويعتبر أسمى هذه القوانين قانون "بن هاعيزر" وكتاب "حوشي ميت بات" ومؤلف "هانا كانوت هامش" ثم كتاب "بات هاعبري" الذي كتبه أحبار مغاربة سنة 1950م. هذه القوانين تتفرع عن معاملات شرعية يهودية مغربية غاية في التفرد، وتكشف الوجه الآخر لخصوصية هذه الفئة من المجتمع المغربي.

وقد عرف القضاء العبري المغربي في مجال الأحوال الشخصية تطورا بسبب وفود بعض اليهود الإسبان إلى المغرب، الذين عملوا على إدخال بعض التعديلات على النصوص المنظمة لهذا المجال. وهكذا نجد أن الشريعة الموسوية لم تكن تمنع تعدد الزوجات مهما بلغ عددهن، شريطة توفر حسن المعاشرة. وبعد وفود اليهود من إسبانيا المعروفين "بالميكوراشيم" الذين جاءوا ومعهم ومجموعة من الاجتهادات القضائية في مادة الأحوال الشخصية العبرية تعرف "بالطاكونيت"، منعوا تعدد الزوجات، ماعدا إذا كان الراغب في ذلك متزوجا لمدة تفوق عشر سنوات ولم ينجب من صلبه أي مولود، حيث يباح له التعدد، ويبقى من حق المرأة الأولى إما البقاء مع ضرتها أو طلب التطليق، والحالة الثانية المرخص فيها بالتعدد هي حالة  الزوج الذي توفى تاركا زوجة بدون أبناء، فإن زوجة المتوفى تكون ملزمة بالزواج من أخيه بالرغم عنها.

والملاحظ أن الاجتهاد القضائي العبري المغربي "الطاكونيت" قد ضيق من إمكانية تعدد الزوجات بشروط مشابهة - إلى حد ما – لما تضمنته مدونة الأسرة المغربية من تعديلات، خصوصا المادة 40، التي تشترط العدل بين الزوجات، والمادة 41 التي تشترط الراغب في التعدد الموارد الكافية لإعانة الأسرتين من نفقة وإسكان ومساواة في جميع أوجه الحياة، بل الأكثر من ذلك تنص المادة 44 على أن المحكمة لا تأذن بالتعدد إلا إذا ثبت لها مبرره الموضوعي الاستثنائي وتوفرت شروطه الشرعية مع تقييده بشروط لفائدة المتزوج عليها وأطفالها.