يحيى البشري: الموضة قصيدة شعر متحركة

آمنة بدر الدين الحلبي (جدة) 11 نوفمبر 2017

عرفه المجتمع بإبداعه وعراقة تصاميمه منذ أكثر من ربع قرن، هو الدؤوب على عمله ليقدم أجمل خطوط الموضة في عالم الأزياء. خرج عن المألوف وتفرّد بشخصية لها طابعها التطويري، ووضع بصمة حضارية حين طوّر الثوب السعودي مضيفاً إليه ذوقه الفني، وحسه الإبداعي. قدّم آخر عروضه العالمية في أسبوع الموضة الروماني الأخير الذي استضافته العاصمة الرومانية بوخارست خلال الأيام الماضية، فأطلق مجموعته الجديدة لعام 2017 والتي استطاع من خلالها لفت انتباه المهتمين بصناعة الأزياء والموضة، وسط حضور نخبة من مشاهير المجتمع، وعدد من وسائل الإعلام العالمية. «لها» التقت المصمّم العالمي يحيى البشري في معرضه لتغوص بين ألوانه الجريئة وتطّلع على تصاميمه الجميلة في آخر عروضه...


- قدّمت آخر مجموعة تصاميم لعام 2017 مختارة من أزياء السهرات واستخدمت فيها أفخر أنواع الخامات، التي تم دمجها يدويًا بمجموعة مختارة من النقوش الجنوبية، ما الذي دفعك لهذا الاختيار؟
حين كنت في زيارة إلى إحدى قرى الجنوب بدعوة من السفارتين الفرنسية والألمانية مع كلية دار الحكمة لإلقاء محاضرة حول الشكل المعماري لمدينة عسير وكيفية الحفاظ على تلك النقوش الجميلة، شعرت بمدى تقصيري نحو هذا الإرث الجنوبي الذي نشأت وترعرعت بين جماله، فقررت أن يكون عرضي الأخير مستوحى من تلك النقوش، مع التفريق بين التراث والموضة بألاّ يتجاوز ذاك التراث الـ 5 أو الـ10 في المئة، فعملت توأمة جميلة بين التراث والموضة الحديثة، ظهرت في تيمة رائعة تجمع الألوان الجميلة باستخدام أقمشة معاصرة تحمل روح المنطقة الجنوبية.

- بالتأكيد تتمنى أن ترتدي نجمات العالم يوماً هذه النقوش، وتصبح جزءاً من الفنون العالمية...
لطالما تمنيت أن ترتدي نجمات العالم من تصاميمي، والذي حفّز تلك الأمنية هو النقوش الغنية بالتراث والتي أطمح في أن تحظى بقبول عالمي، وسأكرر المحاولة مرة أخرى، لكن باتباع أسلوب مختلف لم تعتده المجتمعات الغربية بعد، وأرى أنه سيلقى قبولاً لديها أكثر من المجتمعات الشرقية.

 - بين الأمس واليوم، ماذا حقق يحيى البشري في عالم الموضة؟
منذ بداية رحلتي حققت الكثير في عالم الموضة، وسجلت خطوات كبيرة في حياتي المهنية، أوصلتني إلى محطات عالمية، فارتدت نجمات العالم أزيائي، والأهم من ذلك فتحت باب الموضة في السعودية أمام شبان المملكة وشاباتها للغوص بين مفردات هذا العالم الجميل، بعدما كان مغلقاً وحكراً على الأجانب، ومقيداً بالعادات والتقاليد... وجاء عهد الملك عبدالله (طيّب الله ثراه) فأدخلني مهرجان «الجنادرية» من أوسع أبوابه لأصمّم خطاً رجالياً جميلاً، فتشجّع شباب المملكة وشاباتها حين شاهدوا عروضي العالمية وكيف استقبلني العالم ولبست الأميرات والأمراء من تصاميمي ليفتحوا باب هذا الفن على مصراعيه.

- عالم الموضة في تجدد دائم، كيف تتماشى تصاميمك مع هذا التغير السريع؟
أنا كباقي المصمّمين وما عليّ إلا أن أتماشى مع هذا العالم المتغير والمتجدد والسريع التطور، فأتابع عالم الأقمشة التي تُصنّع كل سنتين لأعرف دقائق الأمور، وإن لم أبادر بفكر جديد خلال ثلاثة أشهر أصبح من الماضي، لذا يجب عليّ مواكبة الحدث باستمرار.

- جريء في ألوانك، مبدع في أزيائك... من أين تستمد تلك الجرأة اللونية؟
المبدع أو الموهوب يخرج من ذاته ويدخل في عوالم أخرى من دون أن يدرك كيف حقق ذلك، وما عليه إلا أن يكون متمرداً ليصنع الحدث الجديد في العالم، ويخرج من الإطار الفكري للمجتمع، لذا هناك فارق شاسع بين المبدع والإنسان العادي الذي يعيش تحت المظلة الفكرية للمجتمع بكل أعرافه وتقاليده، بينما المبدع يتمرد ليرسم خطواته، ويصنع بصمته، ويصبح أداؤه مختلفاً عن الآخرين، وإلا يضيع في الزحمة.

- من أين جئت بهذا التمرد؟
في بعض الأحيان تراودني تساؤلات كثيرة نابعة من ذاتي، لأن فكري تحكمه بعض التقاليد القبلية والدينية والاجتماعية، لكن سرعان ما ترفض نفسي تلك الأفكار، لأجد الإبداع مسرحي الذي أقتحمه لكي أُظهر للآخرين أن الخروج عن المألوف هو نجاح المبدع الذي يعيش في ذاتي، سواء في مجال الموضة، أو حين أنظم قصيدة شعر، أو أرسم لوحة.

 - كيف تقبّل المجتمع السعودي التغييرات التي طرأت على الثوب السعودي؟
في الحقيقة، المجتمع الساكن لن يقبل التغيير أو التحول بسهولة، ودائماً يصارع للبقاء على ما هو عليه، لأن المبدع حين يأتي بفكر جديد، فكأنه يزعزع أركانه، لذا يجب المثابرة على التغيير وإقناع الآخر بأن الفكر الجديد يأتي بدعم كبير من القيادة ورأس الهرم، ولا يتم إلا بمساعدة الحاكم في المجتمعات الساكنة.

- المرأة متطلبة كثيراً في عالم الأزياء، كيف وازنتَ بين التصاميم النسائية والرجالية؟
وصلت الى الرجال بشكل أكبر وارتدت تصاميمي شريحة كبيرة في المجتمع، لكن الأزياء النسائية خاطبت وتخاطب شريحة محددة في المجتمع للأسف، ليس فخراً وإنما هذا العالم يحتاج الى استثمارات كبيرة وقدرات مالية عالية، ومع ذلك استطعت تحقيق التوازن لأن المرأة عشقي الأول، وإبداعي في عالم الرجال يأتي على حساب المرأة، لكونها ملهمتي الأولى، والإبداع آفاقه لا محدودة، فالقصّات مختلفة ومتنوعة، الألوان جريئة ومتعددة، والأقمشة متغيرة باستمرار، مما يخلق عالماً جمالياً رائعاً وأكثر إبداعاً من عالم الرجل الذي يبقى في دائرة واحدة.

- للذاكرة عمر طويل، ما الذي جمعته من ذاكرتك الغنية بالألوان، والثرية بالإبداع؟
لدي ذاكرة ممتدة من قريتي الصغيرة في الجنوب التي جمعت فيها أشياء كثيرة من النقوش والزخارف والألوان التي أثرت فكري، ومع العروض العالمية وكثرة الاختلاط بالعالم ملكت ذاكرة تعجُّ بالجماليات، لكن فيها النجاحات وبعض الإخفاقات إذ أحسست أنني انتهيت في عالم الموضة حين تعثّر خيالي وتردد بعض الشيء، لكن المثابرة والاطلاع والغوص في الجماليات أعادتني الى ذاكرة الإصرار وشجّعتني على المضي قدماً، وأجمل ما في الموضة أنها قصيدة شعر متحركة، فبعض القصائد تتجلّى وبعضها الآخر يحمل إخفاقات الحياة.

- كنت تحلم بتأسيس أكاديمية للفنون الجميلة...
لا يزال حلمي قائماً، وسيتحقق قريباً، حيث وصلت إلى مراحل متقدمة في بنائها، وستكون أكاديمية لتعليم الموضة، لكونها صناعة مهمة تحتاج إلى عدد من الدارسين لتلك الصناعة، وسأفتتح تلك الأكاديمية عام 2018.

- منذ أوائل الألفية الثالثة ومصمّمو الأزياء في سباق محموم للصعود إلى القمة، كيف تقرأ ذلك السباق؟
من طبيعة الموضة أن يكون المصمم على هذا النحو، وكلما سعى وتابع في هذا المجال يكون خياره مختلفاً، ولتطبيق التقنية عن دراسة لا بد من المواصلة الحثيثة، ففي بعض البلدان هناك ظروف معيقة للمبدع تتمثل بعدم وجود مشاهير وغياب المسارح ودور السينما وانتفاء الفنون والحفلات، فلا يعود هناك من يرتدي أزياءه فيضطر للرحيل ليعرض أفكاره في الخارج ويخوض منافسة شرسة. والمصمم السعودي الذي يخرج من بيئة صحراوية جافة نظراً لانعدام الخيال الواسع، يغادر بلده وينجح في الخارج لأن ليس هناك من يحتفي بأزيائه في الداخل، وكل من يرتدي أزيائي يعيش في صالونات مغلقة، لذلك يعلّق البعض: «نراك في الصحافة العالمية».

- تعترف بأن أزياءك تقتصر على شريحة معينة، لماذا؟
كما أسلفت، التصاميم تتطلب استثماراً كبيراً حتى يتداولها الجميع وتصبح أزياء جاهزة، لذلك لا يستطيع المصمم النجاح محلياً إلا بوجود شركات متخصصة بالموضة.

- ما الصفات التي يجب أن يتمتع بها مصمم الأزياء؟
من الضروري أن يكون موهوباً ويعشق مهنة التصميم، وأن يكون ذلك مقروناً بدراسة أكاديمية للاطلاع على تاريخ الموضة وألوانها وكيفية تسويقها، ودراسة تقنية لتحديد شكل الجسم، فالموهبة بلا تعليم لا تكفي، والتعليم بلا موهبة يعطي إنساناً أكاديمياً.

- إلى أي حد تؤثر الموهبة في المصمم؟
الموهبة هي نقطة البداية، مثل الدارس للغة العربية، الذي لا يمكنه أن يكون شاعراً بلا موهبة، فالموهبة حين تكون مقرونة بالعلم تخلق إبداعاً في القصيدة، والمصمم يحتاج الى الموهبة والتعليم الذي ينقله الى الإبداع.

- في كل عام تقدم عرضين جميلين، ما الذي دفعك للعمل على تقديم خط خاص للأطفال تحت عنوان Elements؟
خطوتُ تلك الخطوة منذ عام 2010، وآمنت بعد تجربتي في عالم الموضة بأن المجتمع لا يتغير إلا في سنّ الطفولة، لأن لدى الرجل همّاً أزليّاً مما يقوله المجتمع، ومما سيقوله عنه... لكن الطفل حين يبلغ الست سنوات ويكون مرتدياً الألبسة المتطورة، يكبر وهو مستمر في ارتدائها من دون خوف أو وجل، لذلك يبدأ التغيير من الطفولة.

 - ما هي التحديات التي تواجهك؟
أواجه تحدياً مع نفسي، ومع أفكاري، ومع الموضة المتجددة، لذا يجب السعي المتواصل والمتابعة اليومية للظهور بأفكار جديدة ومتغيرة.

- صمّمت للراحلة الليدي ديانا والفنانة الفرنسية إيزابيل أدجيني، ما الفارق بين متطلبات المرأة الغربية والشرقية وتحديداً السعودية؟
في بداياتي كانت التحديات مختلفة، لأن متطلبات المرأة الغربية واضحة وبسيطة وهي تعرف ما تريد ولا تؤمن بالزيادة في شيء، على عكس المرأة العربية آنذاك، لكن اليوم مع الانفتاح الفضائي اختلف الوضع وصارت المرأة العربية وخصوصاً السعودية متحضّرة وتملك القدرة على متابعة كل أزياء العالم بلحظات، كما أصبحت الفتاة السعودية المعاصرة تصنع فكراً جميلاً، وتتحلّى بالشخصية القوية التي تساعدها على اختيار ما يناسبها بكل بساطة.

- هل ساعدت مواقع التواصل الاجتماعي في ذلك؟
لا شك في أنها أشعلت ثورة عظيمة وإيجابية مهما تكلم الناس عن سلبياتها، لأنها عززت التواصل ما بين الموهوبين والمحترفين في مختلف أنحاء عالم.

- لكن، بمَ ساعدت المصمم يحيى في عروضه؟
لم أتفاعل عليها كثيراً، لكنني أدرك أهميتها إذ تمتاز بسرعتها وتجعل الإنسان يتحقق من نجاحه أو فشله، فسرعة الردود من خلالها تعطيه النتائج بدقائق معدودة.

 - هناك قد ميّاس تصمّم له!
ما زلت أصمم لصاحبة القد الميّاس، وأبحث عن المرأة ذات الجسم الرشيق، مقروناً بالأنوثة الطاغية لتضيف نجاحاً الى الزي الذي أصمّمه.

- ما هي فلسفتك في الألوان؟
أحب الألوان الجريئة، واللون الأحمر يبهرني إذ يمنح البشرة جمالاً وإشراقاً، وقد صمّمت الكثير من فساتين الأفراح باللون الأحمر، حتى زوجتي كان فستانها أحمر اللون.

- ماذا يعطيك اللون الأحمر؟
الجرأة والشجاعة والشخصية القوية.