العراك الافتراضي لعب وضحك وذكريات جميلة، ولكن...

ديانا حدّارة 03 ديسمبر 2017

يرغب الأطفال في العراك الافتراضي أثناء اللعب من وقت إلى آخر. فبدءًا من سنّ الثانية، يخوض الطفل معركة افتراضية، سواء مع شقيقه أو أقرانه أو مع والديه، فيتحوّل فارسًا يقاتل بالسيف أو جنديًا يحارب بالبارودة، وإذا لم يتوافر هذان النوعان من الألعاب، تكون المصارعة بالوسائد والركض والاختباء والهجوم الفجائي ألعابًا مسلية، فيها الكثير من المرح... والأهل يخشون أحيانًا أن تنتهي هذه المعركة الافتراضية المرحة إلى شجار عنيف بين اللاعبين.
فمتى عليهم التدخل؟ لماذا يرغب بعض الأطفال في تمثيل معركة؟ هل هذه الألعاب تجعلهم عنيفين؟ هل هذا اللعب الافتراضي جيد أم سيئ؟ ما هي القيود المفروضة على هذه الألعاب البدنية الشديدة؟ ومن أين تأتي هذه الرغبة في العراك الافتراضي؟

- متى يجب التدخّل ووقف اللّعب؟
لمعرفة ما إذا كان يجب التدخل أثناء المعركة الافتراضية بين الأبناء، على الأهل أولاً ملاحظة سلوكهم أثناء اللعب. فإذا كانوا يضحكون ويمرحون، ويتجنبون أذيّة بعضهم البعض، مثلاً يتعاركون بعيدًا من الطاولة على سبيل المثال، يمكن الأم إبقاء العين عليهم وإبعاد الأشياء التي يمكن أن تسبب لهم الأذى، وبالتالي لا تحتاج حقًا لمنعهم من العراك المرح.
أمّا إذا بدوا غاضبين، ويهينون بعضهم البعض، ويحاولون إيذاء أنفسهم أو الفوز بأي ثمن، ولا يخيّم جو المرح على عراكهم، فهذا مؤشر الى معركة حقيقية، ومن الأفضل إيقافهم على الفور. فكل شيء يعتمد على الشكل والمضمون، والنية المُضمرة في اللّعب.

- هل هناك أي فائدة من هذه المعارك الوهمية؟
تحمل ألعاب القتال الكثير من الفوائد إلى الطفل. فهناك أوّلاً أدلة على أن هذه اللحظات من اللعب البدني توطّد العلاقة بين الوالدين وأطفالهما من جهة، وبين الإخوة والأخوات من جهة ثانية.
ففي هذه الألعاب، يمرح المشاركون كثيرًا، ويبدو ذلك من خلال إطلاقهم الضحكات، كما أنها توفر للأطفال الصغار ذكريات كثيرة سعيدة وجميلة.
وبالإضافة إلى هذا الجانب العائلي، تم توثيق العديد من الفوائد في مرحلة الطفولة المبكرة من جانب الاختصاصيين في علم نفس الطفل.
فوفق هؤلاء الاختصاصيين، تساهم ألعاب المعارك في تطوير المهارات الاجتماعية عند الأطفال، وتطوّر لديهم مهارة حلّ المشاكل، والمواجهة، وتحسُّب الفعل الفجائي.
فمن خلال ممارسة هذه الألعاب، يتعلّم الطفل الفارق بين اللعب والعدائية. كما يتمكّن من فهم معنى الحدود التي يجب ألا يتخطاها، وهذه المعرفة تساعده على أن يكون موضع تقدير في المدرسة، وفي وجود أطفال آخرين.
كما يتعلّم الطفل كيفية جعل الجميع يتمتعون باللعبة، ومن النادر أن يكون طفلان يتعاركان بالقوة نفسها، وإذا أُصيب أحدهما أثناء اللعب، فإنهما يدركان تمامًا أنه مؤشر لإنهاء اللعبة. وبالتالي يتعلمان معرفة قوّتهما، والتوفيق بين متعة الفوز، ومتعة اللعب من دون التسبب في ضرر أو حصول مشكلة.
في المحصّلة، ووفقًا للاختصاصيين، فإن خوض المعركة الافتراضية يؤدي إلى التحكم بشكل أفضل في الميول العنيفة في مرحلة البلوغ.

               
- هل من قواعد ناظمة لعراك اللّعب؟

من منا لم يرَ طفلة غاضبة تركل أخاها الأكبر بكل قوّتها، وهذا الأخير ينظر إليها وهو يبتسم؟ من منا لم يسمع أمًا تقول لولديها أثناء التعارك الافتراضي: «يكفي، سوف تؤذيان بعضكما»؟ هناك كلاسيكيات مهمة في ألعاب المعارك، وإن كان لهذه الألعاب فوائد فليس بالضرورة أن تكون آمنة للسماح للأطفال بأن يُلحقوا الضرر بأنفسهم لتعليمهم التمييز بين الخير والشر. لذا يمكن إعطاء بعض النصائح الأساسية مسبقًا.

أولا: إعلام الأبناء بأنه ممنوع الخدش أو العضّ. هذا هو أحد الأسباب التي تجعل ألعاب المعارك تنتهي بشكل سيئ. فالطفل الأضعف لن يكون له سوى خيار إلحاق الأذى بالآخر القوي للتخلّص منه، مثلاً كأن يعضّ شقيقه أو يركله بقوة، لأنه لم يستطع أن يهزمه في عراك تشابك الأيدي أو لعبة «الكِباش».
لذا، يمكن الأم أن تشرح لابنها الأكبر والأقوى، أنه لا ينبغي للمرء أن يسيء استخدام قوته. وكذلك على الأهل، إذا كانوا يشاركون في ألعاب المعارك الوهمية أن يتجنبوا عرض قوتهم الفائقة، بل عليهم أن يلعبوا بمستوى قوة أطفالهم.

ثانياً: خوض لعبة المعارك في بيئات آمنة حيث لا يمكن أن يقع الطفل ويؤذي نفسه، مثلاً تجنّب القتال على السرير أو بالقرب من الدرج، بعيدًا من موقد النار، والزوايا والأشياء الحادّة.

ثالثاً: لا يجوز صفع الوجوه. المصارعة بالأيدي نعم، أما اللكم فممنوع. قد يكون من المرهق أن تسمع الأم الصراخ الناتج من العراك، ولكن طالما أن هذه المعارك مبهجة وتدور في بيئة آمنة، فلا داعي للقلق الشديد.
وعلى الأم أن تفكر في اللحظة التي عليهم التوقف فيها عن اللعب، وعدم السماح لهم باللعب في وقت متأخر من المساء، فمن المرجح أن يؤذي الأطفال بعضهم عندما يكونون متعبين.


- هل يمكن السماح للبنت الصغيرة بمشاركة أخيها في لعبة العراك؟
ألعاب المعارك ليست للصبيان فقط، بل هي للفتيات الصغيرات أيضًا. صحيح أن البنت تفضّل الألعاب الناعمة، ولكنها سوف تشعر بالمتعة أثناء مشاركتها في معركة وهمية، وستحوز الفوائد النفسية والعاطفية التي يحوزها الولد.
لذا، إذا طلبت البنت المشاركة في لعبة قتالية فليس هناك من سبب لاستبعادها.

- ولكن الأهل يشعرون بالقلق عندما تمارس البنت الألعاب الحربية ويظنون أن لديها ميلاً ذكوريًا. فهل هذا الاعتقاد صحيح؟
يميّز المجتمع بين ألعاب الصبيان وألعاب البنات، فيخصّص الألعاب الحربية للصبيان والدمى للبنات، في حين أن كل الألعاب الرمزية يمكن أن تكون للبنت والصبي على حد سواء، فهما في حاجة إلى تنفيس العنف المكبوت لديهما.
لذا نرى بعض البنات يحملن اللّعب الحربية، فهن في حاجة إلى إخراج العدوانية الموجودة فيهن. وللأسف، نادرًا ما يسمح الأهل للبنت باللعب بالألعاب الحربية، ويعود هذا إلى صورة الأنثى في المجتمع الذي يرى أنه لا يجوز للبنت أن تتصرّف بعدوانية، فيما هي في حاجة إلى العدوانية للدفاع عن نفسها.
وإذا رغبت البنت في هذه الألعاب، عليهم أن يعرفوا السبب، فالبنت بين سِنَّي الثالثة والسادسة تحاول تقليد الصبي في الكثير من الأمور، ومنها اللّعب، نظرًا إلى أن الطفل الذكر أقوى منها وتريد منافسته، وهذا طبيعي.
وعلى الأهل أن يمنحوها الثقة بنفسها وبقدراتها، ويؤكدوا لها أنها قوية، وليست في حاجة إلى أن تتصرف كالصبي لتبدو قوية.
وفي المقابل، يجب تقنين العدوانية من خلال الرياضة والفنون والموسيقى، فهذه الأمور تساعد الأطفال في التنفيس بطريقة مقبولة اجتماعيًا.
ويجوز السماح للبنت بمشاركة شقيقها بألعاب حربية من وقت إلى آخر، كما يجب السماح للصبي في الوقت نفسه باللّعب بألعاب شقيقته، فهذا لن يجعله أنثويًا.
المهم هو الانتباه إلى الحاجة التي قادت الطفل إلى تفضيل هذا النوع من الألعاب ومع من يلعب وضد من.