عضو مجلس الشورى لينا المعينا تهزّ شباك سلّتها بالإنجازات

عزيزة نوفل (جدة ) 03 مارس 2018

عبرت بطموحها بُعداً آخر لم يكن مألوفاً حينها، وتعدّت بتحدّيها أفكاراً وعادات «ذَكّرت» الرياضة وحصرتها في فئة الشبان، وأخذت على عاتقها قضية دعم مشاركة المرأة في الرياضة في المملكة، لتجد نفسها تنشئ هي وزوجها أول مؤسسة رياضية تجارية تحت مسمّى «جدة يونايتد»، لتشتعل نار الحماسة في داخلها نحو تقديم المزيد والمزيد، وتهز بذلك شباك سلة إنجازاتها بمزيد من الأهداف على مدى 14 عاماً من ولادة فكرتها، التي كانت مشروعاً عائلياً، وكبرت لتشمل كلاً من الرجال والنساء ومن مختلف الفئات العمرية. تسلقت قمة «إيفرست» معتمدةً على قوة إرادتها لرفع علم رسالتها كسيدة سعودية تهوى الرياضة وتحرص على توعية المجتمع. في جعبتها الكثير من الأفكار والأمنيات والتحديات للنهوض بالمرأة السعودية، مما أهّلها لتكون العضوة الأولى والوحيدة في لجنة الاستثمار الرياضي في الغرفة التجارية في جدّة، وتُرشح كعضوة في مجلس شورى عام 2016. لينا المعينا تحكي قصة تحدٍّ وعزيمة في عالم الرياضة...


حبّي للرياضة جعل مني صاحبة قضية

- منذ 14 عاماً وُلدت الفكرة وكبرت لتصبح أنضج وأقوى. منذ لحظات المخاض وحتى بلوغ هذه الفكرة وتكلّلها بالنجاح، كيف تشاطر الحلم والفكرة الطريق؟
حبّي للرياضة كان شريكي ورفيقي الدائم من مقاعد الدراسة وحتى يومي هذا، ولو أنني اخترت منحى مختلفاً في مجالي الأكاديمي بدراسة قسم وسائل التواصل في لندن، لكنّ حبّي للرياضة خلق ترابطاً وثيقاً بين المجالين وعمل على تقوية جوانب مهمة في شخصيتي، وبعد أن أنجبت طفلتي الأولى التي ولدت وولد معها الحلم والتمرد في الوقت نفسه، لم أتقبّل أن أكون مجرد امرأة تجوب الأسواق والمقاهي وتعقد جلسات النميمة بحثاً عن المنفس، واخترت لنفسي طريقاً مختلفاً للتخلص من ضغوط الحياة بممارسة هوايتي بلعب كرة السلة، والتي وجدت آنذاك الفرصة لأن أمارسها في ملعب عائلي خاص، وأسست في عام 2003 فريقي الذي ضم زميلاتي منذ أيام الدراسة. وبعد ثلاثة أعوام، وعقب حصولي على درجة الماجستير في علم النفس، وجدت نفسي أبحث عن هدف مختلف، هدف يتعدى السيدات القريبات ولاعبات الفريق وزميلات الدراسة، ليشمل كل فتاة أو امرأة في هذا الوطن لم تُتح لها فرصة الترويح عن نفسها ومدّ جسمها بالطاقة الإيجابية.

- مرحلة البناء انطلقت منذ عام 2006، كيف وضعتِ اللبنة الأولى للمشروع الرياضي النسائي الأول في المملكة؟
في تلك الأيام، لم يكن في المملكة أي نادٍ نسائي مرخص رسمياً، وكانت النساء يمارسن هوايتهن الرياضية بشكل عشوائي في البيوت أو مراكز التجميل. ومن مبدأ خدمة الوطن وتقديم الإنجازات في الحياة وإحداث فارق، أخذت على عاتقي قضية دعم مشاركة المرأة في الرياضة، وبدأت رحلتي في البحث عن أي ثغرة لأتمكن من إنشاء أول مؤسسة رياضية تجارية للرجال والنساء، وذهبت آنذاك الى محامٍ فأشار عليّ بأن أؤسّس مشروعي تحت بند «الفراغ التنظيمي»، والذي يقتضي إنشاء مؤسسة أو شركة من طريق وزارة التجارة، والحصول على أكثر من ترخيص، كان أولها ترخيص بيع المعدّات الرياضية وشرائها، تلاه ترخيص تنظيم الفعاليات، وأخيراً ترخيص إدارة الملاعب، وقد حصلت في عام 2006 على تصريح نظامي وتجاري يخوّلني العمل على مشروعي الرياضي النسائي الذي سمّيته «جدّة يونايتد»، وشاركني في هذا الحلم زوجي الذي ساهم في فتح فرع للشباب، لنبني معاً منظومة رياضيه متكاملة تستهدف الرجال والنساء والأطفال على حد سواء، وتهدف إلى نشر الوعي الرياضي، وسط بيئة ملائمة وعلى أيدي مدرّبين ذوي خبرة وكفاءة عالية لنضمن لمشروعنا الاستمرار والنجاح من خلال تقديم الأفضل.


الرياضة دائماً تحمل رسالة

- كيف كانت ردود فعل المجتمع على مشروعك الذي لم يكن مألوفاً آنذاك؟
تباينت ردود فعل المجتمع بشكل واضح، فكانت هناك فئة من المؤيدين وكان أكثرهم من وزارة الصحة والأطباء الذين كانوا على علم بأهمية الرياضة لمكافحة الأمراض. وفي الجانب الآخر كان هناك معارضون وضعوا حججاً دينية كشمّاعة لمعارضة هذا النوع من النشاطات، من دون أن تكون لهم أي دراية بالقيم والضوابط التي نلتزم بها، تقابلهم فئة محبطة ومستهينة بالجهود والقضية والفكرة التي نحاول إيصالها. ورغم هذا التباين أكملت طريقي من دون اكتراث ليقيني التام بأنني لا أرتكب أي خطأ، بل أعتبر نفسي صاحبة حق وقضية يجب أن أدافع عنها.

- ما المحتوى والرسالة اللذان قدمتهما من خلال إنشائك هذه المؤسسة؟
منذ بداية إنشائي وزوجي مؤسسة «جدّة يونايتد» الرياضية، كانت الفكرة تتمحور على التركيز على الألعاب التنافسية الجماعية من كرة السلة وكرة القدم، وكرة الطائرة أحياناً، إضافة الى دعم نشاطات رياضية أخرى مثل تسلّق الجبال والمشي في «الماراثونات»، وكل تلك الفعاليات والنشاطات تأتي دوماً لنشر رسالة صحية واجتماعية، ففي المباراة الافتتاحية في ملعب «الجوهرة» في جدّة، كان ريع بيع التذاكر خيرياً لبناء مراكز صحية جديدة للكشف المبكر عن الأمراض، كما دعمنا «ماراثون مركز العون للاحتياجات الخاصة» من خلال المشاركة فيه. وبشكل عام، تحمل معظم بطولاتنا رسالة نبيلة وقضية سامية، فمرة كانت ضد التعصب الرياضي، ومرة عن الحفاظ على البيئة، وأخرى ضد التدخين... كل ذلك من أجل توعية المجتمع بنهج رياضي.


العزيمة هي دافعنا لتقديم الإنجازات وتحقيق النجاحات

- بعد خطوتك الأولى في مجال الأعمال، توالت الإنجازات والنجاحات، ما أبرز نجاحاتك الشخصية والعملية؟
بعد نجاحي في تأسيس «جدّة يونايتد»، وجدت نفسي متعطشة لتقديم المزيد، فافتتحت فروعاً تابعة في مناطق أُخرى في المملكة، منها الرياض والخبر الذي أُقفل لأسباب عدة، فتابعت نجاحي في فرعَي جدّة والرياض، كما أحببت أن تكون لمؤسستي بصمة محلياً وعالمياً، من خلال التصدير والتجارة بمنتجات خاصة بالرياضة، فحاولت تسويق تصاميم خاصة للألبسة الرياضية، وكذلك عطر خاص يحمل اسم «جدّة يونايتد» ويمزج ما بين عراقة مدينة جدّة وتاريخها ونشاطها الرياضي، ولعل هذه الخطوة كانت في حاجة الى دراسة وتفرغ أكبر، لكن رغم فشلها أكسبتني خبرةً. على صعيد آخر، ساعدني بعض الأمور على دخول قطاع الأعمال بشكل أقوى، منها مشاركتي في ورش عمل وانتسابي الى عضويات كثيرة، كان أهمها عضوية شابات الأعمال في الغرفة التجارية في جدّة وفي المملكة أيضاً، كذلك أُعتبر المرأة الوحيدة في لجنة الاستثمار الرياضي منذ عام 2014، وقد وجدت احتضاناً ودعماً من الجميع في المنتديات الرياضية، وكان تعييني أخيراً كعضوة في مجلس شورى عام 2016 مسؤولية كبيرة ومدعاة فخر لي. أما على الصعيد الدولي، فقد كان لحصولي على لقب «الشخصية 71» في تصنيف مجلة «فوربس» لأقوى سيدات الوطن العربي، الأثر البالغ في نفسي وفي المجتمع المحلي.

- تسلّقك قمة «إيفرست» كان دافعه خيرياً ومعنوياً، حدّثينا عن هذه التجربة؟
كانت المبادرة من جانب «جمعية زهرة» لسرطان الثدي وبرعاية كلٍ من وزارتَي الصحة والتربية والتعليم، وجاءت دعوتي لهذه الفعالية في كانون الثاني/يناير من عام 2012، وكانت الرسالة موجّهة الى العالم بأسره لكشف قدرة المرأة السعودية على تحدي العقبات والإطلالة من أعلى قمة في العالم. ورغم الألم الجسدي والتحدي القاسي مع الأجواء الباردة، فإنني بعزيمتي وإرادتي واعتمادي على القدرة الذهنية ووجود قائد محفز لي في الرحلة، مثل الأميرة ريم الفيصل، تغلبت على كل المصاعب، ووجدت نفسي أصل الى القمة وأرفع عليها راية بلادي، راية «لا إله إلا الله محمد رسول الله».


كوني رياضية لا يحتّم عليّ أن يقتصر صوتي على دعم الجوانب الرياضية فحسب

- ما أهم القضايا والملفات التي تهتمين بها كعضوة في مجلس الشورى؟
كوني عضوة في مجلس الشورى لا يجعل صوتي يقتصر على دعم الرياضة فحسب. فأولى مطالباتي كانت إحياء عين زبيدة لدعم التراث المحلي وتأصيل التاريخ العريق في أبنائنا وأجيال المستقبل، كما اهتممت بجانب البيئة وإعادة التدوير ودعم المنتجات البلاستيكية القابلة للتحلّل، وطالبت بتنظيف المساجد وبيوت الراحة فيها. وفي الجانب الرياضي، طالبت بدعم رياضات ذوي الاحتياجات الخاصة، والكثير من التوصيات المتنوعة في عدد من المجالات المجتمعية والصحية والبيئية والثقافية، إضافة الى تلك الرياضية.

- 2017 كان عاماً حافلاً بالقرارات المحلية التي هدفها تمكين المرأة على الصعيد المحلي، وشغلت الرياضة حيزاً من هذه القرارات، كان أهمها إدخال الحصص الرياضية الى المدارس الحكومية للبنات، والسماح للسيدات بدخول الملاعب للتشجيع، ما رأيك بتلك القرارات؟
قرارات قيادتنا الحكيمة في المملكة هدفت الى لفت النظر الى كون المرأة شريكة في المجتمع مثلها مثل الرجل. وقد يعتقد البعض أن هذه الأمور سطحية أو مجرد تقليد، لكنها في الواقع مسؤولية ملقاة على عاتق المرأة السعودية لتكون أكثر وعياً وتحمّلاً للمسؤولية، وتفرض نفسها في كل المجالات كعضو بنّاء ومشارك في النهضة التي تهدف إليها رؤية المملكة لعام 2030. وبالنسبة إلى قرار إدخال حصص التربية البدنية في المدارس الحكومية للبنات، فقد جاء هذا العام ليجعل من الرياضة منظومة ثقافية تلامس المجتمع بأكمله ولا تكون مقتصرة على فئة دون سواها. ومن خلال صوتي كعضوة في مجلس الشورى، طالبت بفتح أقسام في الجامعات والكليات للتربية البدنية والإدارة الرياضية لتوفير الكوادر والمزيد من فرص العمل. وبشكل عام، لا يزال الهيكل الرياضي في المملكة قيد البلورة والتقدّم. أما بالنسبة الى السماح للمرأة بدخول الملاعب الرياضية للتشجيع، فأرى أن تلك الخطوة إيجابية وتحديداً لدعم الحضور العائلي إلى الفعالية والاستمتاع بها، ولا أرى في ذلك أي سلبية، فالحضور النسائي في الملاعب اختياري وليس إجبارياً.


من الممكن أن تسخّر الرياضة وتشكّل وفقاً للقيم والمبادئ وليس العكس

- في الأعوام الأخيرة، حظيت الرياضة باهتمام بالغ، وتحديداً على صعيد الاهتمام بشكل الجسم والعضلات، وأكبر دليل على ذلك وجود الملايين من الحسابات والمقاطع على «يوتيوب»، التي تهدف الى تدريب وتثقيف شريحة كبيرة على مستوى العالم، ما رأيك بدخول التقنية لدعم المجال الرياضي؟
أودّ أن أشير إلى نقطة جوهرية في هذا الموضوع، وهي أن الرياضة لم تكن في يوم من الأيام منافية للدين والشرع، ونحن في النهاية من نفرض هويتنا على أنواع الرياضة كافة، من خلال الالتزام بالحشمة وآداب التعامل والتنافس الشريف، والرياضة بشكل عام داعم لطاقة الشباب، وتسخيرها في مكان جيد يعود عليهم وعلى صحتهم بالنفع، فقد أصبحنا في عالم تعمّه التكنولوجيا، والمخاطر التي تحيط بالمراهقين والشباب والأطفال ازدادت حدّتها، لذلك ما المانع من تسخير الطاقة والتقنية لخدمة الرياضة؟!

- على مدى كل تلك السنوات، ما أكثر الإنجازات قرباً إلى قلبك، وما الشيء الذي تركزين عليه في خططك المستقبلية؟
وسط كثرة الانشغالات والضغط والجهد، لا أعتقد أن هناك إنجازاً أعظم من أن أكون أمّاً وابنة بارّة بوالديها وزوجة متفانية. فرؤية أبنائي الثلاثة يكبرون أمامي بأخلاقهم الحميدة والتزامهم بمبادئ دينهم وتعاملهم الراقي مع الناس، تفرحني وستبقى تُسعدني ما حييت، فهي ثمرة تربيتي لهم. أما بالنسبة الى خططي المستقبلية فأحاول التركيز على منصبي كعضوة في مجلس الشورى بتقديم أفضل ما عندي من خبرة وأفكار لتأدية الأمانة والقسم الذي أقسمته أمام خادم الحرمين الشريفين، فتركيزي حقيقةً ينصب على سنواتي الثلاث المقبلة في المجلس.