Home Page

ساعة الفسحة وملعب المدرسة...

محاربة الإكتئاب, تلميذ, اختصاصيي علم نفس, الاختصاصيون, المدرسة, قلق الأهل, غرفة الأولاد, ساعة الفسحة, ملعب المدرسة, نقص عاطفي

13 ديسمبر 2010

«جرس الفسحة ضرب، ضرب، صوته كله طرب، طرب الحصة للقراءة و الفسحة للهواية و للنشاط المدرسى...» من منا لا يذكر هذه الأغنية الجميلة  للراحلة سعاد حسني، التي تحمل الكثير من المعاني التربوية وتعكس السعادة التي تغمر التلميذ حين يسمع جرس الفسحة الذي يعني له الاستراحة واللعب في ملعب المدرسة، المكان الذي تعرف فيه للمرة الأولى إلى حياة المجموعة، وهو أيضاً المكان الذي بدأ فيه إقامة علاقات جديدة خارج إطار العائلة.


ملعب المدرسة يعني اللعب والتخلص من قوانين الصف. ويرى الاختصاصيون أنه مكان استراحة ضرورية تساعد التلميذ في  تحمل نهار المدرسة الطويل، إلا أن ساعة الفسحة قد ترهب بعض الأطفال. ففي الملعب يواجه الطفل وحده ومن دون أهله مجتمعاً حقيقياً هو صورة مصغرة عن المجتمع الكبير خارج المدرسة. فالملعب هو المكان الذي  يتعلم فيه الطفل أموراً لا يمكن تعلمها في الكتب  ويتعرف على معاني الاختلاف واللامبالاة والوجود بين حشد من الناس  والانعزال أو الوحدة. ويختبر في الملعب قدرته على الانسجام مع الآخرين أو النفور منهم وفق قواعد جديدة، وبحجة اللهو يمر بتجارب أساسية يمكن أن تكون بناءة أو صادمة. وهذا كله يرتكز على سلوك الراشدين تجاه التلامذة الصغار. ويؤكد التربويون أنه من الضروري أن يزوّد الراشدون الطفل بالسمات التي يحتاجها، فالعنف موجود في ملعب الحضانة ومن واجب الراشد أن يرسخ في الطفل مفهوم احترام الآخرين وتجنب الأجوبة البسيطة كالقول مثلاً «تدبّر أمرك» أو «ليس الأمر مهماً» عندما يتعرض للعنف.


كيف يمكن تفسير مشهد الأطفال في الملعب؟

البحث عن الهوية في الملعب
يفتش الطفل في الملعب عن أتراب له يكتشف من خلالهم هويته. فالبنت تبحث عن شلة صديقات تلعب معهن، وتجد فيهن الحماية والطمأنينة في الملعب وكذلك الصبي، وهما بذلك يتعلمان أموراً مختلفة. فالتلميذ في المرحلة الابتدائية يحتاج إلى الكثير من الحب ويتحمل في الملعب الكثير من العنف، فتكون شلة الأصدقاء المرتع الآمن الذي يعوّضه عن النقص العاطفي الذي يشعر به في غياب الأهل.

تلميذان يتشاجران
يجب ملاحظة الشجارات العدوانية الممزوجة بالسعادة التي تحدث بين الأولاد. وتكشف هذه الشجارات عن لذة المواجهة مع الآخر ومعرفة قوته الذاتية بالمقارنة مع الآخر.  و"الشجار العدواني أو السادي"، كما يسميه علم النفس، يصير أمراً خطيراً إذا استمر الطفل في ممارسته ضد أترابه خصوصاً عندما  يظهر متعة في إيذاء الآخر تصل أحياناً إلى رغبة في ترك آثار على الطفل الذي عنّفه، كالازرقاق الذي تتركه العضة مثلاً. وهو يريد إثبات قوته الجسدية وليس مقارنته بالآخر. وينصح علماء النفس بوجوب تدخل إدارة المدرسة ، قبل تدخّل الأهل، بأن تضع القوانين الصارمة وتعاقب من لا يتقيد بها. وليس على الأهل أن يتدخلوا عندما يكون رد فعل الإدارة سليمًا.

زعيم شلة يُقصي طفلاً
قد يشعر الأهل بالفخر بمجرد أن يكون ابنهم القائد على أترابه، بينما  يجب القلق على  قائد الشلة أكثر من التابعين له. صحيح أن القائد يحترمه الجميع ويهابونه لكنهم لا يحبونه، ويمكن أن ينبذه أترابه عندما يظهر أي ضعف في شخصيته، مما يُشعره بحزن عميق يعبر عنه بعدوانية مفرطة. وغالباً ما يكون سلوك  قائد العصبة، إذا صح التعبير، هو انعكاس للتصرفات التي يشاهدها في المنزل  خصوصاً إذا كان والداه من الأشخاص الذين يحبون السيطرة  ولديهم هاجس الحفاظ على مكانتهم الاجتماعية، فيتماثل بهما من خلال ممارسة هذه السلطة على أترابه. ويكون كبش المحرقة لهذه السلطة طفلاً لطيفاً لا يعرف كيف يدافع عن نفسه أو يتكلم أو يضرب. فهو ضحية لأن قدراته مختلفة عن قدرات الآخرين. وهنا يأتي دور الأهل بأن يشرحوا لابنهم أن أخذ مواقع عدة في المجموعة أمر طبيعي جداً، فمن الممكن أن يصير قائداً في إحدى المرات وأن مركزه قد يتغير في أي لحظة.

فتاتان تتناقشان في أمور تشغلهما
تعتبر ساعة الفسحة فرصة سانحة للأولاد للتحدث عن الأمور التي تشغل تفكيرهم دون رقابة الراشدين. فهم يناقشون الأمور بحرية، مما يسمح لهم بمعالجة مشكلاتهم المتشابهة، واكتشاف طرق جديدة للتفاعل، والتعبير عن آرائهم بحرية. فالملعب هو المكان المفضل لتوطيد عرى الصداقة. وللأسف غالباً ما يتصرف الأهل بسلبية تجاه حرية الطفل في التعبير.

مجموعة أولاد يتعاركون مع ولد واحد
من المألوف رؤية مجموعة أولاد في المرحلة الابتدائية يتشاجرون مع ولد واحد أو يمنعون أفراد  الشلة من التحدث معه، وهذا أمر خطير لأن منع أفراد الشلة من التعامل مع الآخرين يفقدهم حريتهم خصوصاً في اختيار الأصدقاء، وهذا أيضاً أمر مؤذ جداً بالنسبة إلى التلميذ المنبوذ. لذا من الواجب على الأهل أو إدارة المدرسة التدخل لحل هذه المشكلة.

تلميذ يجلس وحيداً في إحدى زوايا الملعب
ليس بالضرورة أن يكون التلميذ الوحيد تلميذاً منبوذاً، فهناك أولاد سعداء بوحدتهم، وآخرون في حاجة إلى وقت يراقبون فيه الآخرين. ويمكن أن يكون الطفل يمر بمرحلة صعبة أو أنه غاضب من أترابه أو أنه يمر بمرحلة تجعله مكتئباً. في المقابل، على الأهل التدخل إذا لاحظوا أنه حزين جداً، فإذا كان سبب المشكلة زملاء الصف عليهم التحدث إلى إدارة المدرسة. أما إذا كان سببها الطفل فعليهم عرض الأمر على اختصاصي نفسّي.

دور المدرسة
صحيح أن الأمور التي تحدث في الملعب تختلف عن تلك التي تحدث في الصف إلا أن ساعة الفسحة تخضع لقوانين المدرسة، و من المفروض أن يكون للمدرّس  المراقب في الملعب دور تفاعلي ويعرف بالمشكلات التي من الممكن أن تحدث بين التلامذة. ويشدد التربويون على ضرورة التنسيق بين المدرسة والأهل. فإذا لاحظ مراقب الملعب سلوكاً غير مألوف عند التلميذ، عليه أن يتحرى الأمر ويبلّغ الأهل كي يتعاونوا في إيجاد الحلول المناسبة. وإذا لاحظ الأهل بدورهم أي تغيير مقلق  في سلوك ابنهم في المنزل، عليهم أن يعرفوا الدافع وراء ذلك. فمثلاً إذا صار الطفل يتصرف بعنف مع شقيقه أو العكس، ولم يكن السبب حدثاً طارئاً في المنزل، عليهم أن يسألوا المدرسة، فربما يتعرض الطفل هناك للعنف على يد طفل آخر.