الموت مسألة تقلق الطفل

تربية الطفل / الأطفال, قضية / قضايا الطفل / الأطفال, الأم والطفل, طفل / أطفال, أسئلة

03 يناير 2013

«ماما لماذا نموت؟»، «ماذا نعني بالموت»، سؤالان يطرحهما كريم (خمس سنوات) على والدته دون توقّف، وأحيانًا تقف والدته عاجزة عن الإجابة لأن أسئلته وجودية ومنطقية، وفي المقابل تحاول أن تكون واقعية قدر الإمكان، ولكن الأسئلة لا تنتهي.
حال هذه الأم مثل جميع الأمهات اللواتي يجدن أنفسهن عاجزات عن الرد على أسئلة أطفالهن التي تبدو صعبة احيانًا ما يدفعهن إلى الرد بإجابات مبهمة تجعل الطفل بدوره يطرح المزيد من الأسئلة. والموت من المسائل التي يطرحها الطفل والتي اعتادت بعض الأمهات الإجابة عنها في شكل مخالف للحقيقة.
صحيح أن هناك بعض الأسئلة المحرجة لكن لابد من إعطاء الطفل الجواب البسيط والقريب إلى الحقيقة.
«
لها» إلتقت الإختصاصية في علم نفس التقويمي لمى بنداق بلطجي لتجيب عن الأسئلة التي تطرحها الأمهات عن كيفية الرد على اسئلة أطفالهن الوجودية.

- هل يستطيع الطفل استيعاب معنى الموت؟
تختلف قدرة الطفل على فهم الموت بحسب سنّه. وحين يسأل الطفل لماذا نموت، فهذا يدل على أنه قد سمع عن موت أوحادثة أودت بحياة أحدهم. وعلى الأم أن تتنبه لهذه الأسئلة وتأخذ الأمر على محمل الجد، لأنها تدلّ على الخوف والقلق اللذين يعيشهما الطفل.
لذا عليها مساعدته في التخلّص من هذه المشاعر وطمأنته. فمعظم الأطفال يقلقون من الموت ويطرحون حوله الأسئلة، وسبب هذا أن الأهل يتكلّمون على الموت بالهمس والسر وأحياناً بغموض، ما ينتج عنه حيرة وخوف عند الطفل. وهو لا يستطيع أن يتخيّل أن للحياة نهاية، ويرتعب عندما يفكر أن حياته وحياة من حوله يمكن أن تنتهي فجأة.

- ماذا على الأم أن تجيب طفلها عندما يسألها عن سبب موت أحدهم؟
يجب قول الحقيقة للطفل بوضوح أي ألا نقول له أن جدتك نامت ولم تقم. لأن الطفل سوف يخاف أن يغمض عينيه لأنه سيظن إذا نام فلن يقوم، وقد يرى كوابيس مرعبة.
يجب التكلّم مع الطفل بصراحة ولكن يجب السيطرة على عواطفنا ومشاعرنا لأنه من الممكن أن يخاف الطفل إذا أظهرنا الحزن في شكل عنيف.
وهذا لا يعني أن لا نظهر حزننا. والكلام على الموت بصراحة يمنح كل أفراد العائلة شعوراً بالراحة.

- في أي سنّ يصبح الطفل قادرًا على فهم معنى الموت؟
لا يمكن تحديد سن معيّنة، إذ يتفق اختصاصيو علم نفس الطفل على أن هذا نسبي، فهناك تطور المعرفة، مما يعني القدرة الإدراكية، والوعي الذكائي الذي يكتسبه الطفل مع الوقت، وتجارب الحياة وإدراك الأمور غير المحسوسة في حدود اللامفكر فيه.
والإختصاصيون الذين بحثوا في الموضوع لاحظوا مراحل عدة لادراك الطفل معنى الموت.
الطفل الصغير لا يعرف معنى الموت ولا يستطيع فهمه، ومع هذا فإن إحساسه العاطفي يجعله يتواصل بشكل مباشر مع كل ما يتعلّق بالحزن.
ومع تطور اللغة، يستطيع أن يتكيّف مع الكلمات ويستعمل الصيغ السلبية، وبين الشهر الثامن عشر والسنة الثانية لا تكون لديه فكرة مسبقة عن الموت. وبين الثانية والرابعة تتعقّد الأمور، فهو يميز بين المحيط الخارجي ووجوده، يفكر في الآخر، ويفهم معنى الغياب.
ولكن مفهوم الموت يبقى مبهمًا بالنسبة إليه. فيظن أنه عندما نموت لا نتحرّك، و لانعود نتنفس، ولكنه لا يكون قد استوعب بعد فكرة أن هذه الحالة دائمة إلى الأبد، وأنه لن يرى الشخص الميت مرة أخرى.
فهو يلعب لعبة إدعاء الموت، ومن ثم يقوم، فهذه مرحلة التفكير الخيالي، ويخترع الكثير من القصص، ويظن نفسه مركز العالم. يختبر معنى الخسارة، ويكتشف أن الحيوانات تموت، ويبدأ السؤال عن معنى الحياة وأصل كل شيء فيها، ويطرح بكثرة الـ لماذا.
وبدءًا من الرابعة أو الخامسة، تتطور حياته الإجتماعية، ويصبح لديه إدراك أكثر يقينًا وواقعية.
وبين السابعة والثامنة يصبح قادرًا على فهم معنى الموت وكل ما يستتبعه.

- هل يمكن اصطحاب الطفل إلى المقبرة والعزاء؟ وماذا يمثل له هذا؟
نعم ومن دون شروط، من الضروري مشاركة الطفل هذه اللحظات، عليه أن يكون قادرًا على مرافقة بقية أفراد العائلة ومشاركتهم مشاعرهم، وآلامهم وانتظارهم وعبارات مواساتهم. يمكنه القول وداعًا للشخص الميت بطريقته مثلاً وضع رسم أو صورة أوزهرة على قبر الميت.
خلال العزاء يرى الطفل أن الميت محاط بالأقارب ومُكرّم، وأن العائلة موجودة ومتّحدة، وهذا أمر أساسي بالنسبة إلى مستقبله، ويتعلّم المشاركة في التحوّلات العائلية، فحضوره المأتم يسمح له بأن يفهم ويقبل حقيقة الخسارة، وفي المقابل يتلقى الدعم ومواساة الأقارب في هذه المناسبة الأليمة.
كما من الضروري أيضًا ملازمة الطفل أثناء هذه التجربة الأليمة وأن نكون قريبين منه متوافرين من أجله والتحدث إليه والتفسير له مسار ما يستعد له.

- هل يعيش الطفل الحزن بطريقة مختلفة عن الراشد؟
خلال المأتم لا يجب أن نتوقع من الطفل التصرف الملائم لهذه المناسبة الأليمة كما الراشدين. فهو يعيش الحزن على طريقته، قد يتحدّث بصوت عال أثناء الجنازة، ويطرح أسئلة غريبة، أو يلعب وهذه التصرفات قد تبدو وقحة ولكن على الأهل تقبّلها، فهم عندما يقبلون وجود طفلهم في العزاء عليهم ألا يتوقعوا منه التصرف الملائم.

- ماهي ردات فعل الطفل المتوقعة تجاه الموت؟ ومتى على الأهل أن يقلقوا؟
يختلف كل طفل في رد فعله، وهذا يعود إلى شخصية الطفل ودينامية العائلة. لذا فكل أنواع السلوك ممكنة، فبعض الأطفال يتكيّف مع الموت، وبعضهم لا، إلى درجة الإضطراب العاطفي.
أما ردّات الفعل المتوقعة فهي حزن، غضب، تأخر، صمت، صراخ، تكيّف مبالغ فيه، نضج مبالغ فيه، كل شيء ممكن، ويجدر بالأهل القلق عندما يستمر أحد هذه الإنفعالات وقتًا طويلاً وبشكل قوي وعنيف، كما يجب القلق عندما يصبح الطفل منعزلاً عن محيطه، وينقطع عن اهتماماته وهواياته وعلاقاته مع أصدقائه.