هذا الكتاب... غيّر حياتي!
غادة السمّان, سارة مطر, فؤاد قنديل, ليلى عسّاف, محمد العشري, فضيلة الفاروق, نضال بشارة, جبران خليل جبران, نجيب محفوظ, ساره مطر, محمد شكري
27 أبريل 2009
سارة مطر (كاتبة سعودية): «الخبز الحافي» علّمني كيف أشتهي الأدب
"قرأت كتاب محمد شكري الشهير «الخبز الحافي» في سنّ مبكرة جداً، وفي معنى أصح تطفّلت بقراءته. هذا الكتاب صرعني فكرياً وعاطفياً ومنهجياً، أدركت أنني أسقط سهواً وربما عمداً. حينما تكون على أبواب الثانية عشرة من عمرك وتعيش في حالة من الثراء المادي، وتقرأ عن يوميات شاب يعيش في أقصى المغرب العربي ويتحدث عن الفقر والموت والإنفلات والضياع... يصوغ كلّ ذلك في رواية مجنونة، ويُسقطني أنا القارئة معه في الجنون نفسه لأعوام طويلة. من هنا أظن أنها رواية تستحق أن أشيد بها كأول كتاب قرأته وحوّلتني إلى سارة مطر أخرى!
أحببت محمد شكري كثيراً، ورغبت في لقائه، وربما لهذا أحببت صديقه الروائي «الطاهر بن جلون»، لكن روايات الطاهر لم تصرعني كما حدث لي مع شكري. من شدة ولعي بأسلوب شكري الروائي، أذكر أنني بكيت بشدة حينما انتقل إلى رحمة الله.
رواية «الخبز الحافي» دفعتني إلى أن أكتب كما أشتهي، بلا خوف من عصا الأب أو ضجر المجتمع أوبلادة قوانين النشر... أنا أكتب دائماً بروح وجنون محمد شكري، ولم تأت حتى الآن رواية بمثل واقعية رواية شكري وبمثل وضوحها في كشف آفات المجتمع المريرة وخصوصاً الفقر والجهل. لقد دوّن أيامه وعرف كيف يجعلني أعيش كل تفاصيل حياته الغريبة عنّي والصادمة ربّما بالنسبة إليّ!
سيأتي يوم أكتب فيه تدويناً لسيرة امرأة، هذا اليوم... سيأتي، وستكون روح محمد شكري تناصف روحي لأشعل فتيل كتابة السيرة الذاتية الحقيقية!"
فؤاد قنديل (روائي وكاتب مصري): "كتاب «نيتشه» فجّر في داخلي حبّ الفلسفة ووجهني نحو دراستها
كتب كثيرة قرأتها مبكراً أي في سنّ العاشرة تقريباً، فدفعتني إلى عالم الأفكار والثقافة والأدب... وكان من بينها أعمال طه حسين وجبران والشرقيات و«ألف ليلة وليلة» وقصص تشيكوف وغوغول ودوستويفسكي والمازني وكتّاب وشعراء فرنسا في القرن التاسع عشر... لكن أكثر الكتب تأثيرا في نفسي كان «نيتشه» لعبد الرحمن بدوي. هذا الكتاب فجّر في داخلي العديد من التوجهات، وكنت قد قرأته مرات عدة في الأعوام الأولى من الستينات، وتطلب ذلك قراءة كل ما كتبه نيتشه بقلمه . وعندما قررت استكمال دراستي الجامعية بعد المرحلة الثانوية، تقدمت للتسجيل في كلية الآداب قسم اللغة العربية حتى أرسّخ معرفتي باللغة، ولكي تخرج كتاباتي خالية من كل عيب وليحلّق أسلوبي بحرية واقتدار. ومن دون أن أشعر وجدت نفسي أغير القسم إلى الفلسفة، إذ رأيت- متأثرا بنيتشه- أنّ الفلسفة ترفع الأدب درجات ويمكن أن تحقّق له ما لا يحققه لها أي علم آخر.
درست تقريباً كلّ الفلاسفة البارزين ، لكن نيتشه كان دائما يتقدّم الجميع بهذه العقلية المتفجرة بالكبرياء والحرية والقوة ورفض كل ما هو ضعيف وخامل... كان الحيوية والموسيقى والفكر والطبيعة والمواجه الجسور من أجل هدم كل بناء هشّ أو رؤية عاجزة. صحيح أنني ورثت باللاوعي الاعتزاز بالكرامة عن والدتي ولكن نيتشة عمّقها لديّ. كما أخذت عنه حب الفلسفة وقد ظهر هذا في أعمالي ولو بصورة غير مباشرة، فهي تبزغ دائما في نظرتي إلى كلّ شيء، فأنا إزاء كل ظاهرة أبحث عن أصولها وأسبابها، كما أنّي أؤمن مثله بأنّ الألم لازم لكل طموح أو صعود، ومقتنع تماماً بمقولته : «إن الوحدة الموحشة أفضل من الإلتحام بالغوغاء الذين يبددون الوقت». لقد أعاد تشكيل شخصيتي حين قال: «من يوّد أن يكون ذا قيمة فليتجنّب الفارغين والتافهين، وعليه أن يرتفع إلى أخلاق السادة والنبلاء لا أخلاق الأذلاّء وعليه أن يؤمن بأنّ الكرامة هي الحياة».
محمد العشري (روائي مصري): اخترت مسار حياتي كلّها تحت تأثير كتاب عن «هيروشيما وناكازاكي»
"أول ما يتبادر إلى ذهني كتاب قرأته في مرحلة مبكرة عن تأثير إلقاء القنبلتين الذريتين على مدينتيّ هيروشيما وناكازاكي في اليابان (لا أذكر مؤلفه أو مترجمه) إلاّ أنّه ترك أثراً واضحاً في أشياء كثيرة شكلت وعيي ولازمتني لفترة، ومازالت. أذكر أنني وقعت تحت سيطرة تامة لهول ما حدث للإنسان، حين تتحول الحياة فجأة إلى جحيم، وغدوت أتخيل نفسي في ذلك المكان ممّا سبب لي كوابيس ليلية حفرت أخيلتها في الذاكرة وتركت كرات نار ملتهبة... ومع الوقت، رحت أفكّر في الأمر بشكل علمي بهدف البحث عن حل أو مُخترَع مضاد للإنشطار المستمر الذي يُحدثه الإندماج النووي. وربما كان ذلك أحد الأسباب التي دفعتني للإتجاه إلى الدراسة العلمية والتخصص في العلوم بوعي أو دون وعي واضح. ومن ثمّ اكتشفت أن الرواية، ذات التوجه العلمي، يمكنها أن توفّر مخترعات يمكن للعلماء الاستناد إليها في خدمة وتطوير الحياة، كما حدث مثلاً مع روايات الفرنسي جول فيرن الذي تحدّث عن المركبة الفضائية المتطورة والغوّاصة البحرية وغيرهما من الإختراعات قبل اختراعها. وهذا المنحى أو الأثر العلمي ظهر جليّاً في روايتي «هالة النور» المنشورة في طبعتها الأولى عام ٢٠٠٢. وكان الدافع وراء كتابة الرواية سؤالاً تولّد في مخيلتي وبات يؤرق العالم: ماذا بعد انتهاء زمن البترول؟!
وربما يعود ذلك التساؤل إلى دراستي العلمية وعملي الجيولوجي في مجال البحث والتنقيب عن البترول، ذلك ما حاولت الإجابة عنه في روايتي «هالة النور» بالكتابة السردية التي تستند على خلفيتين علميتين، الأولى: استشراف المستقبل من خلال نظرية علمية جديدة تُعنى بالبحث عن مصدر بديل للطاقة بعد انتهاء زمن البترول، لأن قيام وانهيار الحضارات الكبرى كان في الأساس مصدره أزمة في موارد الطاقة. ووجدت أن الحل بسيط جداً، وهو الرمل النقي الذي بتفاعله مع هيدروجين الهواء الجوّي يُمكنه أن يُنتج طاقة كهربائية عالية تحتاج إلى محركات بسيطة من نوع خاص لتحويلها إلى طاقة حركة. بعيداً عن المصطلحات والتسميات العلمية، اكتشفت أن النظرية صحيحة لكنها تحتاج إلى من يساندها ويدعمها ويدفعها للتحقق. أمّا الخلفية الثانية فهي تقوم على استكشاف الفضاء. لذا كتبت عن كوكب جديد «عاشر» يُضاف للمجموعة الشمسية المعروفة، سميته كوكب «العاشر» (ما اكتشفته الرواية المنشورة في عام ٢٠٠٢، تحقق علمياً بعد ذلك في عام ٢٠٠٥ وأعلن العلماء وجود كوكب SEDNA الذي يقوم سكانه - في الرواية - بنقل الرمال الموجودة على الأرض إلى كوكبهم للحصول منه على الطاقة. الرواية ليست من روايات الخيال العلمي تماماً لكنها كما وصفها أحد النقاد «خلطة» روائية تنهل أيضاً من الواقع، وتنبه إلى خطر أزمة البطالة بين الشباب، وعمل مندوبي المبيعات، والفساد الإداري، كما ترصد ممارسات جنسية تتم في الخفاء، إلى جانب تصريحات المسؤولين المضللة حول حلّ أزمة العمل."
ليلى عسّاف (كاتبة وشاعرة وفنانة تشكيلية لبنانية):" بدأت مع جبران خليل جبران ولم أنته منه حتى الآن
البداية مدهشة دائماً. هذا الخط الصاعد من الأسفل إلى الأعلى يؤخّرك وأنت تتداخل بعجينة الحياة وتستحضره بين الحين والآخر لتنمو... جميعنا مطبوعون بطفولتنا وبما قرأناه في تلك المرحلة الزمنية التي تطاردنا حتى نتوصّل إلى إعلان موتنا... قرأت كتاب «النبي» لجبران خليل جبران في العاشرة من عمري وتعلّمت معه كيف أتجرّع ماء الحياة من القاع.
وفي المرحلة المتوسطة أتاح لنا أساتذتنا في ثانوية صيدا الرسمية للبنات، وهم نخبة من شعراء الجنوب أذكر منهم حسن عبد الله وعباس بيضون ومحمد علي مقلد فرصة التعرّف عن كثب على طرفة ابن العبد والمتنبي و دوستويوفسكي الذين جعلوا نظرتي إلى العالم مثالية وزرعوا لديّ معرفة معمّقة عن معنى الحياة. ولا أنسى كم استمتعت بقراءة «الأمير الصغير» لأنطوان دو سانت اكزوبيري باللغة الفرنسية. لذا أعتقد أنّ قراءات البداية تعني بالنسبة إليّ الربيع الذي لم نسلكه بل تتدحرج فوقه مئات الشتاءات القاسية ولا يضمحّل... لكن إذا أردت اختيار أكثر الكتب التي أثرّت فيّ على الإطلاق فأقول دون تردّّد إنّ كتب جبران خليل جبران التي أمعنت كثيراً في قراءتها كان وقعها عليّ كالأشعة التي لا أستطيع نسيانها بل أندهش دوماً لروعتها. تعلّمت من خلاله معنى «الكينونة» أي أن تكون حارثاً وتشعر انك تخبئ كنزاً في كل بزره تزرعها. أن تكون صيادا وقناصاً رأفة بالسمكة والطريدة، و«الكينونة» هي أن تكون قوياً دون الإساءة إلى الضعيف وأن تلعب مع الأطفال لا كوالد بل كرفيق يود أن يتعلّم ألعابهم. فكلمات جبران في كلّ ما كتبه وخصوصاً في رائعته «النبي»، الذي كان أوّل كتاب قرأته والأكثر تأثيراً في نفسي، أجدها كتفاحات سيزان التي لا يُصيبها العفن ولا الإهتراء. وروعة هذا الكاتب الكبير تكمن في قدرته على التعبير عن الموت والحياة في الآن ذاته، فكلامه ليس مُبرمجاً بل إنه يتقلّص ويتمدّد حسب رغبتنا في سبر أغوار الوجود.
نقرأ الكثير، أحياناً توجد الكلمات و يغيب الكلام و أحياناً تكون القراءة كشفاً مفاجئاً لحقيقة ما أو تبقى كالحياة مليئة بالرموز والإشارات ..."
نضال بشارة (شاعر وصحفي من سورية): «فصول في علم الإقتصاد الأدبي»... علّمني ماهية الأدب ومعنى الإرتقاء الروحي
"اسمحي لي أن أشير في البدء إلى أنني لا أحب صيغ التفضيل، وبعد تجاوز ذلك فالكتاب الذي أثّر في نفسي هو كتاب الناقد السوري الكبير حنّا عبّود «فصول في علم الاقتصاد الأدبي» الذي قدّم فيه نظرية معاكسة للاقتصاد السياسي الذي لا هدف له سوى الاستيلاء على العالم مادياً في حين الاقتصاد الأدبي هدفه الاستيلاء عليه جمالياً. وهو الكتاب الذي علّمني ماذا يعني أن يكون المرء أديباً ولماذا يحب أغلب الأدباء العيش في زهد، وكيف أنّ المكافأة المحببة إلى قلوبهم هي «جميل، نص ممتع، قصيدة رائعة، رواية ساحرة» وما يشبهها من معانٍ... وهذا الكتاب جعلني أكتشف أهمية الناقد الأدبي في حياتنا الأدبية، فأنا مدين للناقد عبّود بفهمي لماهية الأدب ورسالته وتقاليده، وكيف به يمكن أن نرتقي ونسمو بمشاعر وغرائز الإنسان، فهي مبتدأ الأدب ومنتهاه. كما تعلّمت منه أنّ «الأرقى» روحياً هو البارز في المجتمع وليس «الأغنى» مادياً. وأعتقد أنّ هذا الكتاب ضروري لكل من يحترف الأدب، وربما لو صدر كتاب الناقد عبّود قبل أن أُصاب بمتعة الكتابة، وقبل أن أصدر ديواني الأول في العام ١٩٩٧ الذي صدر فيه كتاب عبّود أيضاً، لكنت تمهّلت فيما أصدرت، وربما كنت خشيت من دخول محترف الكتابة الأدبية التي هي ليست مجرّد كلمات منمّقة وصور جميلة كما يعتقد البعض، فالأدب أعمق من هذا الفهم. إن لم نحقق موقفاً أدبياً في نظرتنا لأي شيء، لن تسمّى نصوصنا نصوصاً أدبية. وأفتخر بأنّ هذا الكتاب جعلني أعشق أن أكون شاعراً حتى لو لم يعرفني سوى شخص واحد، إذ ليس المهم الشهرة والحضور، بل أن يدرك الشاعر أهمية أن يكون «دون كيشوت»، دون أن يفقد الأمل في أن الأدب مهندس الروح ويأخذ بيدنا عبر زوارقه إلى اللطف والرقة والمحبة وتحقيق إنسانيتنا، أو بمعنى آخر إلى مجتمع معافى ومليء بالفرح."
فضيلة الفاروق (كاتبة وصحافية من الجزائر): «الجسد حقيبة سفر» لغادة السمّان... أثرى تجربتي الإنسانية والأدبية
"لا أستطيع أن أذكر كتاباً واحداً من بين الكتب التي قرأتها والتي يصعب عليّ فعلاً أن أعدّها أو أحصيها. بدأت حياتي مع القراءة ولا يمرّ عليّ يوماً دون أن أقرأ، لذا لا أجد أنّ اختيار كتاب واحد دون غيره بالأمر السهل سيّما أنّ كلّ كتاب قرأته أثّر عليّ مباشرة في ناحية معينة. فكتاب «ألف ليلة وليلة» المنقّح مثلاً أو «مجموعة المكتبة الخضراء» و«مجموعة القصص العالمية» التي كانت تصدرها مكتبة لبنان ناشرون ولّدت لديّ عشقاً كبيراً للمطالعة، كما أنّ روايات الكاتب البريطاني تشارلز ديكنز تركت في نفسي أثراً عميقاً وكذلك روايات الفرنسي فيكتور هوغو قادتني إلى اتخّاذ الكتاب صديقاً حميماً لي. كما أنّ سيَر العظماء والمبدعين تشدّني دوماً لأنها تُعلّمني في كلّ مرة درساً جديداً عن هذه الحياة المعقدة التي نعيشها، فضلاً عن أنّها تُقوّي في داخلي العزيمة وتزيد لديّ الإصرار. مع ذلك، ورغم تعلّقي بمجموعة كبيرة من الروايات التي أحببتها والتي وجدت أنها أثرَتني وأثّرت فيّ، أعتقد أنّ كتاب غادة السمّان «الجسد حقيبة سفر» هو أفضل ما قرأت على الإطلاق، ذلك أنّه زاخر باللغة العربية الجميلة والتجارب الغريبة في حياة الكاتبة التي خبُرت الحياة فعلاً وكتبت لقرّائها بشفافية انطلاقاً من تجربة حقيقية."
فوزية سلامة (كاتبة وإعلامية مصرية): رواية «بداية ونهاية» أسرتني... وبطلتها سكنت مُخيّلتي ولم تخرج منها.
"كثيرة هي الكتب التي تأثّرت بها إلى حدّ بعيد، ولكن رائعة نجيب محفوظ «بداية ونهاية» كان لها الأثر الأكبر في نفسي لأنها جعلتني أشعر بأنّ الأنثى حين تولد يلد معها احتمال كبير لأن يطالها ظلم كبير... بطلة الرواية «نفيسة» جسّدت في خيالي أبعاد المأساة الإنسانية التي عاشتها نساء ذلك الجيل. وشاءت الظروف أن تظلّ معي تلك الأفكار بعد فترة المراهقة والشباب الأول وهي الفترة التي قرأت فيها بغزارة. «بداية ونهاية» أوجدت لديّ أفكاراً غريبة سكنتني بل اجتاحتني ولم تخرج منّي حتى بعد أن دخلت مجال الصحافة ووصلت إلى رئاسة التحرير. والمصادفة أنّ الفرصة أتتني فعلاً لمقابلة الكاتب الكبير نجيب محفوظ وأجريت معه حواراً نُشر في مجلّة «سيدتي» قبل أكثر من ٢٠ عاماً. إلتقيته في مقهى اسكندري على البحر وسألته بغضب عن بطلته «نفيسة» ومصيرها المُظلم الذي أوقعه عليها كروائي دون سبب سوّي، فهي امرأة استسلمت لاحتياجها العاطفي فخدعها الحبيب وتنكّر لها الشقيق الذي عاش وصعد وازدهر على كلّ ما قدّمت له من تضحيات، وفي نهاية المطاف كان مصيرها الموت والفضيحة والخزي. ولن أنسى ردّة فعل الكاتب نجيب محفوظ رحمه الله حين ابتسم لي قائلاً: «لماذا أنت غاضبة؟ ما إنت كويسه أهوه؟»... عندها فهمت إلى أنّه يُشير بذلك إلى أنّ المجتمع يتطور وما أصاب «نفيسة» لا يُمكن أن يُصيب امرأة في مثل ظروفي، أي أنها تعلّمت واكتسبت الحق في إبداء الرأي والدفاع عن الحقوق الإنسانية وأن التعليم والثقافة هما جزءان من التطور الحتمي، وكذلك أدوات دفاعية مكتسبة لا يمكن التفريط بها أو إضاعتها بعد اكتسابها. وبحكم دراستي الأدب الإنكليزي، اطّلعت على الكثير من الروايات لكتّاب كبار مثل هنري جيمس وجورج إليوت ووليم ثاكري، ومعظمها روايات تحكي عن كفاح الأنثى لإثبات الذات واكتشاف الحقيقة والإحتفاظ برأي مستقل يؤمن الحياة بكرامة وكبرياء".
ما أخطأ شاعرنا المتنبي في وصفه لرفيق الإنسان ومعلّمه ومغذّي روحه حين قال «أعزّ مكان في الدُنى سرج سابح... وخير جليس في الأنام كتاب». فالكتاب لا يهب الإنسان الفائدة والتسلية والنضج فحسب، بل إنّه يؤثّر في نفس القارئ إلى حدّ أنّه يُغيّر أفكاره ويُفجّر توجهاته ويُكرّس فلسفته. والتجربة تؤكّد أنّ كتاباً واحداً كفيل بأن يُغيّر حياة إنسان كاملة... وفي هذا التحقيق نرصد قصص مجموعة من الكتاب والروائيين والشعراء العرب مع كُتبٍ بدّلت أسلوب حياتهم وأفكارهم واختياراتهم...