'الكتاب الورقي' في وجه 'الكتاب الإلكتروني'؟
سعديّة مفرّح, جبور الدويهي, شريف الشافعي, خطر, سوزان عليوان, الكتاب والأدباء, الاكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البح, عبده وازن, ورق موز, مكتبة إلكترونية, ملابس وأزياء الطفل / الأطفال, جائزة الشيخ زايد للكتاب, الواقعية ضرورية, نشر إلكترون
06 مايو 2009سعدية مفرّح (شاعرة وصحافية من الكويت)
الكتاب الإلكتروني هدية تكنولوجية تجعل العالم أكثر اتساعاً
في الواقع، أنا من النوع الذي ينحاز إلى كل هدايا التكنولوجيا لنا، نحن المتعاطين بشؤون الكلمة كتابة وقراءة واهتماماً،
وبالتالي لا أجد ضيراً من التجريب على هذا الصعيد.. وفكرة نشر الكتاب إلكترونياً أراها فكرة مفيدة وأحيانا توفر لنا حلولاً لمشكلات تعترض مسيرة «الكتاب الورقي» مثل الرقابة التي ما زالت تفرض نفسها في كثير من الدول العربية وبشكل خانق، كما أن ارتفاع أسعار الكتب يُعتبر عقبة أخرى نستطيع تجاوزها بتعميم فكرة الكتاب الإلكتروني.
ولكن هذا لا يعني أنني أنادى بالاستغناء عن الكتاب الورقي الذي مازال وسيظل دائماً يتمتع بسحره لدى القرّاء لسهولة تناوله في أي وقت وفي أي مكان، كما أنه يُحقق للقارئ فكرة الملكية الفردية مقارنة بال«مشاعية» التي يتصف بها الكتاب الإلكتروني . وبصراحة أنا لا أفكر بما يُسمّيه البعض الخطر الذي يهدد الكتاب الورقي تحت وطأة انتشار الكتاب الإلكتروني، لأنّ الكتاب يظلّ وسيلة لتحصيل المتعة والمعرفة وتعزيز الثقافة، وللقارئ الحق في اختيار شكل هذه الوسيلة...
أما بالنسبة إلى الثقافة البصرية فهي متحققة فعلاً، وإيماني بها- كجزء من التعددية الثقافية عموماً- جعلني أسارع إلى تنفيذ موقعي الخاص على الشبكة بالإضافة إلى ولوجي عوالم أخرى تنتمي إلى فضاء الإنترنت مثل «الفيس بوك» والمدونات وغيرها .. إنها اقتراحات إضافية لجعل العالم أكثر إتساعا.
فكرة نشر الكتاب إلكترونياً فكرة مفيدة وأحياناً توفر لنا حلولاً لمشكلات تعترض مسيرة «الكتاب الورقي» مثل الرقابة التي ما زالت تفرض نفسها في كثير من الدول العربية
سوزان عليوان (شاعرة لبنانية)
أواكب التكنولوجيا ولديّ موقع إلكتروني...
وأعرف أنّ المجتمع الإلكتروني مليء بالزيف والمجاملة أنا من الشعراء المواكبين للتكنولوجيا وآخر ما آلت إليه من اختراعات وتطورات، كما أنه لديّ موقعاً إلكترونياً أنشر من خلاله أعمالي وقصائدي ورسومي، ولكن رغم ذلك أُعدّ من الجيل الذي اعتاد قراءة الكتب المطبوعة على الورق ومازال ينحاز إليه.
أمّا فكرة «النشر الإلكتروني» أو الكتب المنتشرة على الإنترنت فهي من وجهة نظري عنصر مكمّل أو نافذة أخرى للنص. فالإصدار الأدبي يجب أن يكون مطبوعاً على الورق، وإن لكميّات محدودة. ففكرة النشر الإلكتروني الذي يُحتّم افتراض الآخر أو فكرة الإنترنت في شكل عام فيها نوع من التجاوز للحدود الجغرافية. فدار النشر لا يُمكن إيصال العمل الأدبي إلى كلّ البلدان بينما النشر الإلكتروني قادر خلال فترة قصيرة على إيصال النص إلى أيّ مكان في العالم.
فالنشر الإلكتروني شكل آخر من أشكال التواصل مع القارئ. ولكن هذا الأمر لا أراه فأل خير على الحياة الثقافية في شكل عام لأنّ سهولة النشر أدّت إلى شيء من التساهل. وإذا قلنا إنّ المجال الأدبي اليوم يعيش فوضى كبيرة فكيف لنا أن نتخيّل الغد بوجود الإنترنت والنشر الإلكتروني حيث لا حسيب ولا رقيب؟ بل إنّ شبكة الإنترنت تصنع النجومية الزائفة، بحيث يشعر أي كاتب أو شاعر أنه من كبار أدباء عصره بعد خمسة أو ستة تعليقات من الأصحاب أو بعض القرّاء.
وهذه المجاملات والتملّق والزيف الموجودة في المجتمع الإلكتروني من أهم الأسباب التي تزيد نسبة الفوضى في المجال الأدبي والثقافي الحالي. ورغم أنني أصدر دواويني على موقعي الإلكتروني الخاص، فإنني أصّر أيضاً على إصدارها بطبعة ورقية لأنني أراها أكثر إقناعاً. وقد تكون الكتب الرقمية أو الإلكترونية هي شكل القراءة الوحيد الذي سيتبّعه القرّاء من الجيل الجديد. ورغم إيماني بأنّ العمل الجيّد سيفرض نفسه سواء كان ورقياً أو إلكترونياً، فإنني أفضّل اليوم الكتاب الورقي لأنّني أرى أنّ معظم ما يُنشر إلكترونياً فقط عبارة عن أعمال غير جادة ولا ترقى إلى مستوى القارئ المثقف والمتنوّر. من هنا أرى أنه لا بدّ من أن تكون الأمور أكثر جديّة وأن لا تؤدي سهولة النشر إلى استسهال الكتابة.
عبده وازن (شاعر وناقد لبناني)
الكتاب الورقي مُهدّد... والتقنية الحديثة قادرة على قتل الإنسان وحنينه قد يكون الكتاب الورقي مهدداً في زمننا الراهن وفي المستقبل القريب أمام زحف التكنولوجيا وطغيان الثقافة البصرية. لكنّه سيظلّ قادراً على مواجهة هذين الزحف والطغيان، فالكتاب أولاً وأخيراً هو كتاب ورقي وُجد كي نحمله بأيدينا ونقلّب صفحاته ونشمّ رائحة ورقه. قد تكون الحسنة الوحيدة في الكتب الإلكترونية هي في كونها تخضع لنظام توثيقي رقمي متطوّر جداً، وبات في إمكان القارئ أن «يُخزّن» مكتبة بكاملها على جهاز صغير، وأصبحت الأسطوانة الصغيرة قادرة على إلغاء رفوف من الكتب. لكن هذه التقنية الحديثة تُساهم في قتل الإنسان، وفي إطفاء جذوة الحنين الكامنة في روحه. فهل أجمل من كتاب ورقي نحمله بين أيدينا؟ بل هل أجمل من مكتبة تحتل رفوفها الجدران؟ لذا أقول في النهاية أنني لا أجد متعتي الشخصية في القراءة إلاّ في الكتاب الورقي ولن أتخلّى عنه أبداً، ولا يمكنني أن أنشر قصائدي سوي في كتب ورقية ولن أغيّر رأيي في هذه المسألة حتى وإن أصبح الكتاب الورقي موضة غير دارجة.
جبّور الدويهي (كاتب وأكاديمي لبناني)
لن أُطلّق الكتاب الورقي بسهولة رغم استسلامي للتطوّر
إذا أردنا تخيّل الواقع الثقافي الحالي أو بعد عقد من الزمن مثلاً على شكل معركة دائرة بين «الكتاب الإلكتروني» و«الكتاب الورقي»، فأنا أقولها بملء فمي أنّ الكفّة ستميل إلى الكتاب الإلكتروني طبعاً، هذا لأنّ الفوز صار حليفاً دائماً للإنجازات العلمية والتكنولوجية والإلكترونية الحديثة، وباتت الإختراعات الجديدة بحسناتها وسلبياتها سنّة في وقتنا الراهن.
ورغم أنني لا أنشر أعمالي إلاّ في الكتب الورقية ولا أطالع أو أقرأ إلاّ فيها، إلاّ أنني لا أتخّذ موقفاً عدائياً من «الكتاب الإلكتروني» أو كل ما يتعلّق بـ «الحداثة» إذا صحّ التعبير. فأين الخطأ في اختراع يختزل ألف كتاب في قطعة حجمها أصغر من ولاّعة؟ وهل يمكن لإنسان يحيا في القرن الحادي والعشرين أن يمشي وعلى ظهره مكتبة فيها آلاف الكتب؟ لذا أراني من النوع الذي يُقدّر التطور ويستسلم له، كما أنني لا أرغب في «النوستالجيا» والحنين إلى الماضي وما شابه...
إلاّ أنّ هذا لا يعني أنني سأطلّق الكتاب الورقي بسهولة أو أنني قادر على إبداله بأي نوع آخر. ومع أنني لا أتوقع أن أقوم اليوم بنشر أعمالي إلكترونياً فإنّ هذه الفكرة باتت منتشرة بين الكتّاب والشعراء من جيل الشباب، وستصبح هذه أكثر شيوعاً مع الجيل القادم.
لا أنشر أعمالي إلاّ في الكتب الورقية ولا أطالع أو أقرأ إلاّ فيها
شريف الشافعي (شاعر مصري)
لم أتخلّ عن الطبعة الورقية رغم انتشار أعمالي إلكترونياً
أتصوّر أن «حياة الشعر» مرهونة في الأساس بكونه «شعر حياة»، فبقدرة النص الحيوي على النبض الطبيعي والحركة الحرة ـ دون أجهزة إعاشة وأسطوانات أوكسيجين وأطراف صناعية ـ تُقاس عافيته وخصوبته، ويتحدد عمره الحقيقي، ويمتد عمره الافتراضي خارج المكان والزمان. نحن نعيش عصراً رقمياً، هذه حقيقة، ولا يمكن أن تغيب تأثيرات وانعكاسات هذه «الرقمية» ـ كنمط حياة ـ عما يكتبه الشاعر الحقيقي اليوم، وإلا فإنه يكتب عن عصر آخر، ويعيش حياة أخرى، فوق كوكب آخر! والنشر الإلكتروني للشعر هو أحد ـ وليس كل ـ وجوه الاجتياح الرقمي للشاعر. والأهم بالتأكيد من اختيار الشاعر للرقمية كوعاء جديد للنشر، أن يكون ما في الوعاء جديداً معبراً عن معاناة الإنسان في العصر الرقمي الخانق.
أحدثُ دواويني حمل عنوان «الأعمال الكاملة لإنسان آلي». وهو بمثابة تجربة تهدف إلى فضح سوءات هذا العصر الغارق في «التسليع» والميكنة والتقنية، ومحاولة البحث عن الذات الإنسانية المفقودة، النابضة بحرارة ـ رغم كل شيء ـ تحت جليد الحياة الرقمية.
«دُوّنتْ هذه التجارب في غرفة مجهزة بالقرية الكونية، في الفترة من مطلع الألفية الثالثة، إلى نهاية عصر الورق»...، هكذا كتبتُ في بطن غلاف الديوان، الذي آثرتُ أن يصدر في طبعة ورقية، جنباً إلى جنب مع نشر المحتوى إلكترونياً في عدد من مواقع الإنترنت، وموقعي الشخصي.
العدد الأكبر من القراء والأصدقاء المبدعين والنقاد قد اطّلعوا على الديوان من خلال نسخته الإلكترونية، لكن صدور الديوان بأجزائه المتعددة في طبعته الورقية أمر مهم بالنسبة إلي، لأن الوسيط الورقي لا يزال قادراً على تطوير نفسه وتطويعها لاستيعاب «تشكلات» فنية جديدة تتمثل روح الحياة الرقمية، وهذا ما أردتُ إثباته من خلال الغلاف والإخراج الطباعي المغايرين تماماً للمألوف في الدواوين الورقية. في تصوري الكتاب الإلكتروني لن يحل تماماً محل الكتاب الورقي بالسرعة التي توقعها البعض، لكنه سيتجاور معه بالتأكيد لفترة قد تطول، والأهم من هذا التجاور، أن تأثير «الرقمية» كجوهر حياة سيتجه بقوة إلى الكتاب المطبوع نفسه، مضمونا وإخراجاً، كما حدث في «الأعمال الكاملة لإنسان آلي». وأنا هنا بالطبع أتحدث عن الكتب الإبداعية على وجه التحديد.
لقد أوضحتُ قبل قليل لماذا اخترتُ الوعاء الورقي جنبًا إلى جنب مع الوعاء الإلكتروني، أما عن أهمية الوعاء الإلكتروني، فمن المؤكد أن هذا الأسلوب من النشر هو الأنسب لشاعر مثلي يحيا في قرية كونية صغيرة، ويطمح ـ ببساطة ـ إلى أن يكون صوت نفسه، وصوت صديقه القارئ، صديقه الإنسان، في كل مكان. خصوصًا أن هموم البشر الملحة صارت تتعلق أكثر بمصيرهم المشترك وحتى بوجودهم ذاته.
ومما يثبت كيف أن النشر الإلكتروني لديواني قد جعله أكثر تشعباً وتأثيراً في القرية الكونية الصغيرة، أنه نشر ورقياً في القاهرة، ورغم ذلك فإن أهم الأقلام النقدية التي تناولته كانت في لبنان والمغرب والعراق والجزائر وقطر والبحرين والإمارات والكويت، وعدد من الدول الأوروبية، بل وهونغ كونغ، وبالطبع فإن الكتاب الورقي لم يكن له حضور هناك.
اخترتُ الوعاء الورقي جنباً إلى جنب مع الوعاء الإلكتروني
«الكتاب الورقي سيختفي نهائياً في غضون الثلاثين سنة المقبلة»... هذا ما أعلنه مسؤول قسم النشر الإلكتروني في شركة مايكروسوفت ديك براس عام 2000... هذا الكلام لم يؤخذ بجديّة آنذاك باعتبار أنّ الكتاب لا يُمكن أن يُقرأ إلاّ حينما يكون ورقياً، فلم يكن أحدنا ليتخيّل أنه يقرأ كتاباً دون أن يتلمّس ورقه ويسطّر تحت جملة أعجبته ويُخبّئه ليلاً تحت وسادته... إلاّ أنّ عصرنا الحالي حوّل المستحيل إلى مُمكن، وبدأنا نشعر فعلاً أنّ ثمة نوعاً جديداً من الكتب بدأ يفرض نفسه ويُزاحم الكتاب الورقي واثقاً من فوزه في نهاية الجولة...
ففي ذروة التقدّم التكنولوجي الذي بلغناه اليوم، دخلنا مرحلة أدبية جديدة إسمها «الواقعية الإلكترونية» التي جعلتنا أمام حقيقة الخطر الذي يُهدّد الكتاب الورقي. وبات هناك سؤالٌ يطرح نفسه بإلحاح حول مستقبل الأدب الورقي الذي دخل معركة شرسة مع الأدب الرقمي. فهل الهجوم الذي يُشن اليوم على فكرة النشر الإلكتروني هو لمجرّد أنها تقوم على فكرة جديدة وغريبة بالنسبة إلينا أم أنها بالفعل فكرة خطيرة تهدّد المجتمع الثقافي العالمي وتُشير إلى حتمية زوال الكتاب الورقي؟ حول هذا الموضوع استطلعنا آراء بعض الكتّاب والشعراء والنقّاد الذين انقسمت آراؤهم بين مؤيّد ومعارض، فكان لنا هذا التحقيق:.