Home Page

هدى كانو… سيدة الثقافة والموسيقى الراقية في الإمارات

ثقافة, مهرجان الموسيقى العريقة, معارض, الملكة رانيا العبدالله, الإمارات العربية المتحدة, الكتاب والأدباء, مهرجان أبو ظبي, مسرحية, هدى كانو

21 يونيو 2010

تشهد عاصمة الإمارات أبو ظبي عشرات المهرجانات والأحداث الموسيقية الراقية والمعارض العالمية على مدار العام. وقد ارتبط اسم هدى كانو بها حتى أطلق عليها البعض اسم  «سيدة الموسيقى والثقافة الراقية»، باعتبارها مؤسسة لمجموعة أبو ظبي للثقافة والفنون التي تقيم المئات من المعارض والمسرحيات وحفلات الموسيقى العالمية، الى جانب ورش عمل وبرامج متعددة للكبار والأطفال، وصولاً الى ذوي الاحتياجات الخاصة، وكلها أنشطة ناجحة تقام سنوياً ويشهدها مئات الآلاف من الزوار والمشاهدين، وتجتذب أشهر نجوم العالم ومشاهيره.
قضية هدى كانو وشغلها الشاغل - وهي التي درست في باريس تاريخ الفنون التشكيلية وفنون الأداء كالموسيقى والمسرح - تلك القضية كانت ولا تزال كيفية إيصال المادة الثقافية والفنية إلى الجمهور من المتذوقين ومحبي الفن والإبداع، وهو ما يلقي عليها كمسؤولة ومؤسسة مجموعة أبو ظبي للثقافة والفنون- على حد قولها - مسؤولية كبرى ويشعرها بالتقصير مهما أنجزت من أعمال، رغم أن حياتها وساعات يومها عبارة عن مهرجانات وأوبرا ومعارض وأنشطة ثقافية وفنية.

- ارتبط اسم هدى كانو بالثقافة والموسيقى الراقية، فماذا يمثلن لكِ؟ وهل هذا الارتباط جزء من تكوينك الشخصي؟
 نعم هناك ارتباط وثيق بيني وبين الموسيقى، فهي بمثابة الروح التي تسكن الجسد. الموسيقى غذاء للروح، كما أن الثقافة عامة غذاء للعقل والروح أيضاً، فدائماً ما تخاطب الموسيقى الجيدة الراقية وجداني وتتغلغل داخل روحي، كما أنها تأخذني من عالم الواقع وتسرح بي في عالم من الخيال. والموسيقى هي مرادف للحياة، وتمثل جزءاً مهماً من تركيبتي الشخصية، إذ أشعر بأنها تكبر وتنمو معي. فلقد نشأت في أسرة مولعة بالشعر النمطي والكلاسيكي، وكنت أتردد على مجلس الوالد لأستمتع  بالفن الشعري. نشأت في أسرة مكونة من سبعة أشقاء لم يكن لأي منهم أي ارتباط بالموسيقى والفنون عامة، فجميعهم لهم ميول اقتصادية وعلمية، ولكنني كنت على خلافهم. فقد أحببت الموسيقى من صغري، ومن العجب أن الإنسان إذا ما وقع في مشكلة يلجأ إلى سماع الموسيقى الراقية التي تمس أعماق وجدانه، ومن ثم نجده ينسى همومه.

- ولماذا هذا الاهتمام بالموسيقى الكلاسيكية والطرب الشرقي؟
نحن العرب نمتلك كنزاً موسيقياً ضخماً لا يستهان به، ولكن للأسف لا نعرف الطريقة المثلى التي نستطيع من خلالها إيصال فننا الراقي إلى العالم الغربي. فنحن نمتلك موروثاً موسيقياً ثرياً ولكنه مهمل. فعلى سبيل المثال كنّا نمتلك أهم مكتبة موسيقية في بغداد ولكن للأسف حُرقت! كما أننا نمتلك العقول الموسيقية الجيدة والتي نستطيع من خلالها مناطحة عظماء الموسيقى العالميين، مثل هبة القواس التي نالت أهم الجوائز العالمية في الموسيقى، وهي أول سيدة عربية تنال هذه الجائزة. وأرى أنه لكي نعود إلى موقعنا الريادي في عالم الموسيقى يجب أن نستعين بتراثنا الموسيقى الضخم الذي بهرنا به العالم سابقاً، وتدريسه بصورة مكثفة في المدارس والجامعات. 

- هل تشعرين بأن هناك بادرة أمل وردود فعل؟
نعم هناك ردود فعل عظيمة. لكن المدارس والجامعات في معاناة شديدة فلم نعد نرى مواهب كثيرة فيها، وذلك لأننا نعيش في عالم التكنولوجيا والإنترنت. فاليوم نمر بامتحان صعب وهو كيف نستطيع أن نوصل أعمالنا الموسيقية العربية والشعر والأدب والسينما العربية الى الجيل الجديد بطريقة تجعله متعلقا بتراثه الموسيقى العريق كما كان يحصل سابقاً. ففي الماضي كنا نسمع أن الأهل مسافرون إلى مصر لكي يستمتعوا بحضور حفلة لكوكب الشرق أم كلثوم. كما أنني رأيت في البلاد التي مكثت فيها، كلبنان، أن الفنون التشكيلية والموسيقى والمسرح متاحة لكل الناس على مختلف ظروفهم وثقافاتهم، فمن يملك درهماً مثل الذي يملك عشرة، الكل يستطيع أن يستمتع بالفنون.

- هل وجدتم إقبالاً موسيقياً لدى الشباب؟
نعم وجدنا إقبالاً لدى مجموعة كبيرة من الشباب. وتستطيع أن تتأكد من ذلك من خلال زيارتك للمدرسة البريطانية في أبو ظبي على سبيل المثال والتي تقيم ورشة عمل للأطفال، ومن خلالها ستشاهد يوماً للطفل على مسرح الإمارات. وأرى أن الطفل الإماراتي خاصة لديه ميول موسيقية، كما أن الطفل العربي عامة يمتلك مقدراً من المهارات ما يجعله قادراً على الإبداع الموسيقى، فالمشكلة ليست في عدم وجود مواهب، ولكن المشكلة تكمن في طريقة إيصال المعلومة، فهناك طرق كثيرة وجديدة في التعليم يجب اتباعها.

- تشارك هدى كانو في أنشطة كثيرة... لكن هل يعتبر مهرجان أبوظبي الرهان الأكبر؟
نعم هو أهم رهان، فمهرجان أبوظبي يشهد 60 حدثاً خلال أسبوعين، فدعنا نتخيل كم سيكون عدد الأنشطة التعليمية خلال سنة واحدة. وقد نجحنا في تعليم مساحة عريضة من الشباب الفنون، ويعزى هذا النجاح إلى استخدامنا منهجاً علمياً، فبداية فكرنا كيف نستطيع استقطاب الجمهور الإماراتي لكي نعرفه بالفن الأصيل، وهناك أمر آخر ساعدنا كثيراً على إحراز هذا النجاح ألا وهو استخدامنا طرقاً وأساليب علمية سهلة ومبسطة.

- وهل يمثل ذلك جزءاً من الارتقاء بالذوق العام؟
نستطيع أن نرتقي بالذوق العام عندما نتمكن من تقديم فن مسرحي يليق بالفن العربي، فنحن القائمين على الفن العربي نحتاج إلى مواكبة العصر وتقنياته والتي تتغير من آن إلى آخر. و أنا أؤمن بأن لا ثقافة ضمن المفهوم القديم للثقافة، ثقافة النخبة. وأذكر على سبيل المثال أننا بدأنا بخمسة أشخاص يحضرون أمسية ثقافية، أو فكرية، بينما اليوم هناك أكثر من عشرين ألف طالب وطالبة يشاركون في الأنشطة الثقافية للمجموعة.

- ماذا يعني لك مهرجان أبوظبي؟ وهل ساهم في تحقيق رؤيتك للارتقاء بالثقافة والفنون؟
 المهرجان يمثل فرحة وبهجة للناس عندما يستمر في التطور والارتقاء، فهذا المهرجان يمثل شيئاً كبيراً لمن يعيش في هذا البلد. فالناس يرون أن هذا المهرجان جزء منهم ويعكس صورتهم، لذلك استمر في نجاحاته. فهو لم يُقَمْ لفئة معينة في المجتمع، بل ان كلمة مهرجان تعني الفرحة والبهجة والسرور .. فرحة الأهل بثقافتهم وثقافة الآخر.
لقد أنعم الله عليّ بالدراسة والعيش في الخارج والدول العربية لأكون في المساحة التي تلتقي فيها الثقافات والحضارات، وتتواصل عبرها الشعوب على اختلاف لهجاتها ولغاتها وقيمها الثقافية والمعرفية، مما أهّلني للتشبع بتراث قومي ودينهم وأصالتهم كأمة ذات حضارة عريقة ودين عظيم. وكل هذا أعطاني القدرة على التمييز بين الجيد والأجود من الفنون، وساعدتني في ذلك دراستي في باريس تاريخ الفنون التشكيلية وفنون الأداء كالموسيقى والمسرح.
وعند عودتي إلى الإمارات اعتبرت أن الزرع في المكان المناسب، وكل مكان على سطح الكرة الأرضية، سيولد جذوراً تخدم الإنسانية ككل، وأنا مؤمنة بهذه النظرية وأعمل بهديها، كوني أؤمن بضرورة أن أساهم في عمل صالح يخدم أمتي والبشرية جمعاء. واندرج هذا العمل في إطار السعي لجعل أبو ظبي منارة للثقافة وجسراً للتواصل بين الحضارات، عبر نشر الثقافة والفنون بمستواهما الراقي من خلال عملية التعليم الموجّه إلى الجيل الصاعد، والتركيز على المواءمة بين مواكبة العصر والمحافظة على التراث والأصالة والاعتراف بالآخر وعدم إلغائه،  ونشر حداثة التعليم وفهم فكر الجيل الجديد وإعطائه الفرصة للتعرف الموروث الثقافي الإنساني من أجل الإبداع الفكري الحر الذي ينتج العمل المميز والإنسان المتميز أياً كان عرقه أو جنسيته.

- هل تستمعين الى الموسيقى العربية بالمقدار نفسه الذي تستمعين به الى الموسيقى العالمية؟
نعم أسمع لهبة القواس التي استخدمت الحرف العربي في التكنيك الأوبرالي وهي قريبة الى الأوبرا، فأنا أحب الاستماع إلى الحرف العربي المبني على الشعر، وأعشق الأغاني التي تحتوي على كلمات شعرية جميلة رصينة، وأعشق الأغاني ذات الموسيقى العذبة، وأهوى الأصوات التي تصل مباشرة إلى القلب.

- هل يواجه العمل الثقافي صعوبات؟ 
السؤال المناسب في الوقت المناسب، فقد تمنيت أن تسألني هذا السؤال. العمل الثقافي لا ترى آثاره مرة واحدة فهو ليس كحبة «البنادول» ما أن تتناولها حتى تلمس آثارها. فالعمل الثقافي مشاقه كثيرة، وله آثار قوية، فالثقافة روح الإنسان وقلبه النابض، والعمل الثقافي عمل تراكمي. ومما لاشك فيه أن الساحة الثقافية في أبوظبي تشهد زخماً حيث أضحت أبوظبي منارة ثقافية تشع بنورها على الكون أجمع، فالعاصمة الإماراتية تشهد حراكا ثقافيا كبيرا فتجد التحديث التعليمي في كل المجالات، ولا ننسى المهرجانات الثقافية الضخمة التي تقام كمهرجان أبوظبي ومهرجان العين، مهرجان التمر والرطب،  وهي مهرجانات لها صيت عالمي. 

- ماذا عن الجوائز؟
هذا السؤال يخجلني كثيراً، فالعمل التطوعي موجود بكثرة، ومن المسلم به أن من يهب نفسه للعمل التطوعي لابد وأن يكون مؤمنا به ولا بد أن يتحمل تبعاته، فالعمل التطوعي عملية كفاح مستمر لا تتوقف. من هنا فالجوائز والتكريم في حياتي بمثابة رسالة تقدير لما أبذله من جهد أراه متعة حياتي.

- هل ينعكس انشغالك بالعمل التطوعي على البيت والأسرة ؟
لا أنكر ذلك. دائماً ما يسألني أبنائي عند سفرنا الى الخارج  قائلين: «ماما هل هذه رحلة ترفيهية أم أنها ثقافية حتى لا نجهد أنفسنا بركوب الطائرة؟!».

- تستقطبون أفضل الكفاءات في العالم لتعرض ثقافاتها. ما هي فرصة نقل أبوظبي الى الخارج؟
شاركنا في مهرجانات عالمية كبيرة، وكانت البداية مع مهرجان بيتهوفن في وارسو عاصمة بولندا والذي أسسه بندرسكي. ولمشاركتنا هذه قصة، فقد جاءت زوجة بندرسكي- وهي سيدة مثقفة أيضاً- إلى أبوظبي وشاهدت المهرجان، وشاهدت أوركسترا عربية تضم 24 عودا في الوقت نفسه على المسرح، يومها سألتني: «ما رأيك أن ننفذ فكرة مشاركة الموسيقى العربية في مهرجان بيتهوفن»، حقيقة اعتراني خوف شديد من هذه المشاركة، فكيف سيتقبل الغرب الموسيقى العربية في واحد من أهم المهرجانات الموسيقية. والآن وبعد النجاح الساحق كررنا هذه التجربة في مهرجانات أخرى.


مجموعة أبو ظبي للثقافة والفنون

أسست هدى كانو مجموعة أبو ظبي للثقافة والفنون تحت رئاسة ورعاية وزير التعليم العالي والبحث العلمي في الإمارات الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وهي مجموعة ثقافية تستضيف كل عام سلسلة من المحاضرات التي يليقها فنانون، مفتوحة أمام الجمهور في المدارس والجامعات وأماكن أخرى في إمارة أبو ظبي. كما تعمل على دعم الطلبة للمشاركة في مختلف الفنون، وأنشأت برنامج أبو ظبي الوطني لقادة الصحافة الشباب،  وهو برنامج فريد من نوعه يهدف إلى تشجيع المشاركة المباشرة للشباب المواطنين في صحافة الإمارة.
ويمتد عملها الى الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة والمعوقين، وقد وقعت أخيراً مذكرة تفاهم مع منظمة زايد العليا للرعاية الإنسانية لتعزيز الفرص الترفيهية والثقافية في الفنون المختلفة للمعوقين وذوي الاحتياجات الخاصة.
كما تعمل مجموعة أبو ظبي للثقافة والفنون  على تنظيم المناسبات الوطنية ومختلف الأحداث الثقافية والفنية الأخرى مثل أسبوع الفرنكفونية، والموسم الفرنسي وأنشطة مختلفة تهدف إلى تعزيز العلاقات الثقافية بين الإمارات ودول أخرى.
كما تنظم المجموعة كل عام مهرجان أبو ظبي للموسيقى والفنون الذي يستقطب فنانين عالميين، ويضم برنامجاً غنياً ومتنوعاً من الفنون التي تناسب مختلف الناس، كما يساعد على ترسيخ مكانة  أبو ظبي كإحدى الوجهات الثقافية الرئيسية في المنطقة.

وخلال المهرجان تمنح جائزة مهرجان أبو ظبي للموسيقى  والفنون إلى أحد طلاب الجامعات الوطنية الذين شاركوا في إحدى فئات المهرجان الأربع: إنتاج الأفلام، الأدب، مهارات الاتصال، والفنون البصرية. أما الجوائز الأخرى فتشتمل على جائزة الإبداع السنوية وجائزة مهرجان الرسوم الهزلية وفن الكاريكاتير.


جائزة «منظمة المرأة معاً»


حصلت هدى كانو على عشرات التكريمات والجوائز، مثل جائزة بوتشي الإيطالية الشهيرة للانجاز الفني، جائزة «منظمة المرأة معاً» في نيويورك التي تمنح للأفراد تقديراً لجهودهم المهنية والشخصية التي جعلت منهم رموزاً وأمثلة تقتدي بها الأجيال الشابة. وجاء تكريم هدي كانو تقديراً لجهودها وعملها المستمر على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية لتشجيع الفن والموسيقى في أبو ظبي وجميع أنحاء دولة الإمارات العربية المتحدة ومنطقة الخليج، ولا سيما في صفوف النساء والأطفال. وكانت أول من يتلقى هذه الجائزة من منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، وثاني شخصية عربية بعد الملكة رانيا العبد الله. ونالت نوط نيشان الاستحقاق لجمهورية المانيا الاتحادية تقديراً للمساهمات التي قدمتها من أجل توثيق العلاقات الثقافية بين دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية المانيا الاتحادية.