Home Page

حوار مع صاحب مكتبة 'بيسان'عيسى الأحوش...

المملكة العربية السعودية, كتب, شارع الحمرا, مهرجان كتّاب العالم, ألزهايمر, جائزة الشيخ زايد للكتاب, غازي عبد الرحمن القصيبي, عيسى الأحوش

08 ديسمبر 2010

دخلت مكتبة «بيسان» بعد ربع قرن على تأسيسها في الذاكرة الثقافية لمدينة بيروت إلى أن أصبحت شاهداً على تحولاّت هذه المدينة وتبدلاّتها، وجزءاً من الجولة السياحية للعرب الذين لا يغيبون عنها أبداً. في هذا الحوار يروي صاحب مكتبة ودار «بيسان» عيسى الأحوش كيف بدأ رحلته مع بيع الكتب في السيارة، وصولاً إلى تأسيس مكتبته في شارع الحمرا وتعرّفه إلى أهم الشخصيات العربية، منها الوزير الراحل غازي القصيبي الذي سلّمه كتابه الأخير «ألزهايمر» قبل أن يراه في نسخته المطبوعة الأخيرة عن «دار بيسان»...

- ما الذي يُمكن أن يُدخل مجرّد مكتبة لبيع الكتب في الذاكرة الثقافية لشارع مثل شارع الحمرا في بيروت؟
هذا الشارع بالذات ومن قبل الحرب الأهلية اللبنانية، كان يعجّ بالحياة والسبب يعود إلى موقعه الجغرافي الاستراتيجي في رأس بيروت بين جامعتين عريقتين، بالإضافة إلى التنوّع البشري الموجود فيه، إذ يقصده اللبنانيون من كلّ مكان للعمل أو السكن أو الدراسة والاستشفاء... وهذا التنوّع يؤدّي بطبيعة الحال إلى احتكاك والاحتكاك يولّد نقاشات وهذا ما يوصل أخيراً إلى إيجاد مساحة ثقافية تجمع كلّ التناقضات. من هنا يتشكّل دور المكتبة التي تتقاطع والجوّ الثقافي للمدينة. فالمكتبة يجب ألاّ تكون مجرّد  مكان لبيع الكتب وإنما هي حيّز ذو روح تحثّ على التواصل بين نماذج بشرية مختلفة.

- في ظلّ نزوع مجتمعنا صوب المنحى الغرائزي المادّي السياحي المتمثّل بالمطاعم والمقاهي والنراجيل و«المولات»، ألا تعتقد أنّ الوسط الثقافي في لبنان يمرّ بإغماءة الموت؟ وهل تغيّر وجه شارع الحمرا كرمز حضاري وثقافي في لبنان؟
شارع الحمرا ليس معزولاً وإنما هو جزء من هذا البلد الذي طرأت عليه سلسلة تغيرّات ضخمة آخرها غلاء العقارات والطفرة المجنونة التي أدّت بالكثير من سكّان منطقة بيروت إلى بيع ممتلكاتهم وقصد مناطق أخرى، وهذا التغيير الديموغرافي أدّى إلى تغيير اهتمامات الناس. وأعتقد أنّ غلاء الأسعار أصبح عائقاً أمام أصحاب المهن الصغيرة بمعنى أنّ الأفراد لم يعد لديهم القدرة ولا الحماسة لافتتاح مشاريع صغيرة ذات مردود خفيف بتكلفة عالية. وهذا هو الخطر الكبير على مدينة بيروت وشارع الحمرا الذي سيفقد هويته نتيجة الأسعار الجنونية، كما أنّ المهن الصغيرة بدأت تندثر شيئاً فشيئاً لمصلحة الرساميل والمشاريع الكبيرة والضخمة.

- ألا تعتقد أنّ التقدّم التكنولوجي والكتابة الإلكترونية يُهدّدان حياة الكتاب الورقي؟
لا شكّ أنّ هذا الأمر أثّر ويؤثّر كثيراً في المواطن العربي خصوصاً أنّ بلادنا تفتقد إلى الخطط الكاملة لبناء الثقافة. ففي الغرب مازال الكتاب يلعب دوره الجليّ في الساحة الثقافية، كما أننا نسمع بأرقام خيالية تُباع خلال الليلة الأولى لصدور كتاب ما، وهذا يعود طبعاً إلى السياسة التي تنتهجها حكوماتهم في تكريس دور الكتاب والحفاظ على قيمته وصورته في أذهان شعوبهم. لذا، أقول بصراحة إنّ غياب السياسات والخطط من المجتمع المدني والحكومات هو الذي يؤثّر ويُهدّد البيئة الثقافية أو حتى الكتاب وليس الوسائل الحديثة والتطوّر التكنولوجي. علماً أنّ الكتب الإلكترونية قد يكون لها وقعها على الأوساط العلمية بحيث تسمح ببساطة للقارئ أن ينتقي معلومته عبر ضغط زرّ على الكمبيوتر بدل البحث والتمحيص في موسوعات ومجلدّات علمية ضخمة، وإنما هذه ليست حال أنواع الكتب الأخرى. 

- تحوي «بيسان» أكبر عدد من الكتب العربية المنوعة، كيف تعمل على تأمين هذه الكميّات من الكتب خصوصاً القديمة والنادرة أحياناً؟
إنّها مسألة خبرة، فأنا دخلت هذا العمل منذ 25 عاماً، وقد اخترت عملي بنفسي عندما كنت طالباً جامعياً. ومع الوقت تُهديك الخبرة المفاتيح الأساسية في عملك وتساعدك في اكتشاف المداخيل والمصادر وكلّ تفاصيل العمل.

- من هم زبائن مكتبة «بيسان»؟
إنّهم القرّاء الجديون، وهم يمتدّون من لبنان إلى الخليج العربي وصولاً إلى فلسطين المحتلّة. ومن يقصد مكتبة بيسان التي لا تحتلّ واجهة الطريق يُدرك جيداً في قرارة نفسه أنّه يقصد مكاناً ليجد فيه ما يحتاجه من الكتب الجديّة. لذا فإنّ مكتبتي لا تحقق فيها كتب الأبراج أو الطبخ تلك النسبة العالية من المبيعات.

- يُقال إنّ القسم الأكبر من زبائن «بيسان» هم من المملكة العربية السعودية. صحيح؟
هم من كلّ أنحاء العالم العربي ولكن السعودية في شكل خاص لأنّ موقع المكتبة قريب من السفارة السعودية، كما أنّهم يًُشكلّون أكبر عدد في الخليج العربي وهم يتردّدون على المكتبة من ضمن جولاتهم السياحية. أضف إلى ذلك أنّ أنواع الكتب ليست كلّها متوافرة لديهم، ومن سبعينات القرن الماضي تشهد السعودية نسبة كبيرة من المتعلمين والمثقفين الذين يهتمون بالكتاب والحركة الثقافية في العالم.

- ما رأيك في «هجمة» الكتّاب السعوديين الجدد وكيف حرّكت مكتبتك؟
بصراحة أنا لست ضدّ المواهب الجديدة الشابّة ولست قاسياً وصارماً في ما يخصّ المحاولات لأنّ لديّ أولاداً وأنظر إلى هؤلاء الشباب كأولادي وأفهم رغبتهم في التعبير والتغيير، ولا بأس إن كانت النتائج متفاوتة النوعية لأنّ الوقت كفيل بغربلة الجيّد من الرديء و«الزبدة» وحدها ستبقى. وهناك رأي مضاد يناهض أي محاولة أدبية لا ترتقي إلى مستوى عالٍ، ولكني أستغرب ذلك لأنّ كلّ الميادين كافة تقبل وتتبنّى التجارب والأبحاث، وكم من مرّة قدّم فيها الباحثون الشباب تجارب وأبحاث في مجال مرض السرطان، وكانت تلك الأبحاث تفشل، إلى أن يتقدّموا بعد ذلك ويتعلموا من أخطائهم السابقة. وأنا أعتقد أنّه من لا يُخطئ لا يُمكن أن يفيد. 

- ما هي أكبر شحنة كتب في تاريخ المكتبة؟
هناك نوعان من الشحن «الجملة» و«المفرّق». ففي النوع الأوّل حصلت أكبر شحنة مبيعات إلى بلد عربي، أمّا أكبر شحنة بيع للكتب بالمفرّق فسجلّها شخص سعودي من الأسرة الحاكمة الكريمة وله صفة رسمية وكانت ب30 ألف دولار مرّة واحدة وفي يوم واحد. وهو اليوم صديق المكتبة وقد زارنا قبل حوالي شهرين وسيُكرّر الزيارة خلال فترة قريبة.

- ما الفرق بين أن تكون ناشراً وصاحب مكتبة؟
الفرق كبير جداً، وأنا بالمناسبة لا أدّعي أنني ناشر لأنّ عملية النشر تتطلب خططاً مدروسة على المدى الطويل. فضلاً عن أنّ الكتاب في العالم العربي لا يسمح لك بأن تخوض في غمار النشر لكونه يحتاج إلى إمكانات ماديّة كبيرة بينما مردوده لا يوازي هذه الإمكانات على الإطلاق.

- «بيسان» كانت الناشر لكتاب الراحل غازي القصيبي الأخير. ما هي قصتك مع رواية  الراحل الأخيرة «الزهايمر»؟
زار الوزير الراحل غازي القصيبي المكتبة منذ حوالي 3 سنوات وسأل عنّي بالإسم، علماً أننا لم نكن قد التقينا قبلها إنّما لنا أصدقاء مشتركون. لقاؤنا الأوّل كان قصيراً ومهماً وجميلاً، خرج من المكتبة سعيداً وأنا كنت أسعد منه بطبيعة الحال. وكان الراحل يتمتّع بشخصية قادرة على كسر الحواجز بينه وبين الآخرين، ولا أنسى عندما خرج واعداً بأن يعطيني النسخة الأولى من أحدث مؤلفاته. وهكذا حصل فعلاً، فرغم ظروفه الصحية أصرّ على الإلتزام بوعده لي وإرسال كتابه الأخير «الزهايمر» لننشره عن «دار بيسان». وهذا الصدق والإلتزام والحرص هي من الصفات المعروفة عن الوزير الراحل الذي كان يحرص دوماً على متابعة أدّق التفاصيل بنفسه وكتابة الرسائل بخطّ يده حفاظاً على التواصل الحيّ والصادق مع الآخرين مهما كانت ظروفه ومشاغله. وكان لنا شرف نشر كتابه الأخير الذي لم يرَه بنسخته المطبوعة الأخيرة.

- كيف كانت ردّات الفعل على «الزهايمر»؟
المعروف أنّ أعمال غازي القصيبي مطلوبة دائماً ومقروءة، لأنّ اسمه وحده كفيل بجذب أكبر عدد من القرّاء. فهو يُعتبر الشخصية الجدلية الأبرز في تاريخ المملكة السعودية في العصر الحديث، كما له الكثير من المحبين والمعجبين كوزير وشاعر وكاتب ومثقف. أمّا كتابه الأخير فحقّق نجاحاً باهراً ويُمكنني القول إنّه يُمثّل اليوم الكتاب الأكثر مبيعاً في مكتبة «بيسان» خلال السنوات الثلاث الأخيرة.

- بعد ربع قرن من العمل وسط الكتب، هل فكرّت أن تؤلّف كتاباً ما؟
في أوّل يوم دخلت فيه كليّة العلوم السياسية قرّرت أن أبيع الكتب في السيارة، هكذا تزامنت سنتي الأولى في الجامعة واختياري العمل في مجال بيع الكتب، ومنذ ذلك الوقت وربما أقولها للمرّة الأولى في مقابلة صحافية اتخذت قراراً جديّاً بأن لا  أكتب أبداً. فالكتابة بالنسبة إليّ هي حالة عشق لا متناهٍ تتطلّب تفرغاً كاملاً لها، وأنا أخاف أن أخرق هذا القرار ولو لمرّة واحدة، ولكنني أعتقد أنني صارم جداً في تنفيذه.

- ما هي أكثر الكتب مبيعاً اليوم؟
كانت الكتب السياسية خلال فترة الثمانينات والتسعينات تحتلّ المرتبة الأولى، أمّا اليوم فأضحت الرواية هي المتصدرة في نسبة مبيعات الكتب في شكل عام، وتراجعت الكتب السياسية إلى المرتبة الثالثة.

- من هو الكاتب الذي قرأت له أكثر من غيره؟
ما من إسم معين ولكنّي تأثرّت بكلّ شخص قدّم حياته ثمن أفكاره سواء كنت أؤمن بتلك الأفكار أم عكسها، وأحترم آراء كلّ إنسان أراه مستعدّاً للتضحية بأي شيء من أجل أفكاره. ولكن أستطيع القول إنني أحببت إلى حدّ كبير أدباء النهضة.

- ما هو تعريفك للمثقف؟
المثقف ليس من لديه أكبر عدد من المعلومات، بل هو الإنسان الذي يعتنق مجموعة أفكار ويختار خطّ حياته بنفسه ويُناضل من أجله. وأنا أؤيد مقولة أحد المفكرين: «المعرفة التي لا تنفع كالجهالة التي لا تضرّ».

- ما هو الكتاب الأكثر طلباً اليوم في العالم العربي؟
أظنّ أنّ كتاب بوش الأخير يُسجّل مبيعات عالية جداً خصوصاً أنّه يتطرّق فيه إلى تجربته الشخصية وأوضاع المنطقة.