الشاعرة غادة الأرناؤوط في الغربة الباردة تكتب الدفء والحنين

إسماعيل فقيه (بيروت) 14 يوليو 2018

شاعرة تعيش في المهجر، أو في الغياب البارد. تعيش في كندا منذ أعوام كثيرة. تركت البلاد بحثاً عن أمل ضائع، فوصلت الى البعيد وبقيت على الدرب الطويل. لم تصل ولم تجد بعد الأمل، وما زالت كأنها في وطنها لبنان، كأنها لم تغادر. خرجت ولم تصل، ما زالت المسافة تمتد تحت خطواتها. ولم يكن للشعر إلا أن يمسك بيدها وحنانها ويأخذها الى المكان الأرق، الى المساحة الهادئة التي تحضنها رغم ثلوجها القاسية. غادة الأرناؤوط، شاعرة تكتب الحب بكلام من قلق، كأنها على وشك أن تضاعف جهدها للوصول الى المرحلة الفاصلة، مرحلة الممكن الذي يقارع المستحيل. نلتقي بالشاعرة ونسألها، فماذا تقول؟

- لماذا أنت شاعرة وما الذي دفعك الى كتابة الشعر؟

كتابة الشعر هبة من رب العالمين، أضف إليها الإحساس والانفعالات وعيناً كعدسة تصوير وعقلاً يخزن ما يراه الإنسان ويسمعه! أنا لم أختر الشعر بل هو من اختارني، فقد بدأت رحلتي معه منذ كنت في الثالثة عشرة من عمري، حيث كتبت أول قصيدة بعنوان «صرخة جنوبية»، على أثر الأحداث السياسية في الجنوب في ذلك الوقت، ومقتل صديق العائلة، فتأثرت كثيراً، وكانت ولادة أولى قصائدي، التي تم نشرها في إحدى الصحف المحلية في مدينتي صيدا! ثم كانت «سفينة الرحيل» حين يعيش الإنسان في جو حرب وخوف وتهجير، كلها عوامل تؤثر فيه وتولّد لديه حالة غضب وحزن في آن معاً! فكل يعبّر على طريقته. وبالنسبة إلي، كان الشعر وكتابة المقالات وسيلتي للتعبير.

- تعيشين في الغربة الباردة البعيدة جداً عن وطنك، ماذا قالت لك الغربة وماذا قالت قصيدتك للغربة التي تحتلّك؟

الغربة علّمتني الحياة، علّمتني ما لم أتعلمه بين أحضان أسرتي وفي وطني، الغربة قاسية جداً، بخاصة للشاعر، لأنه يشعر أكثر من غيره بقساوة الغربة، ربما لأنه في حالة غربة دائمة. ودائماً كنت أشعر بالغربة حتى وأنا في وطني وبين أهلي «بحر الغربة»، كنت دائماً أبحث عن شيء ما لا أعرفه حتى اليوم!
قصيدتي قالت الكثير للغربة. كتبت باللهجة العامية، كتبت عن قساوتها ونسيان الأهل والبيت للمهاجر، وكتبت عن معاناة المهاجر «يا بحر حاج تخبرني أخبار»، وكتبت عن وجع الوطن والأهل في ظل الهجرة، «مين زرع البسمي ع شفاف النسيان ومين محا أسامينا، لا عادت تعرفنا الأوطان ولا عاد نعرف أهالينا»... القصيدة قالت الكثير، لكن الغربة أعطت  للقصيدة نضوجها، وللغة نضوجها، وللفكر نضوجه. لذا، أعتبر أن أجمل ما كتبت كان تلك القصائد التي كتبتها وأنا بعيدة عن وطني الأم!

- هل يمكن أن يكون الشعر متنفسك ووطنك الأول؟

بالتأكيد، أنا استوطنت الشعر وهو استوطنني، إنه ملجئي الوحيد لأفرّغ كل ما يختلج في داخلي من مشاعر وأحاسيس، أشعر بالراحة والأمان وأنا أرمي بثقلي على صدره! إنما ليس الشعر وحده متنفسي، بل أيضاً الموسيقى والطبيعة أيضاً.

- ما هي معالم قصيدتك اليوم، ماذا تكتبين أو ماذا يكتبك؟

وحده الألم يرسم وجه القصيدة
وحده يغزل دمعها
آيات من نور
وحده المكان يخبّئ
حكايا العنف القدسية
والقدر يتلو سور الحزن العتيق
عند جدار القصيدة
أكتب الشعر الحديث، وأركز على الصورة الشعرية والرموز، لا أحب التكلف في التعبير لأن هدفي أن يصل ما أكتب إلى القارئ بطريقة سلسة لكي يتفاعل مع القصيدة!
اليوم ودائماً، القصيدة تحمل قضية الوطن والإنسان.

- تخاطبين الرجل في قصيدتك، عن أي رجل تتحدثين، الحبيب أو العاشق أو التائه في مدى أيامك أو الرجل المستحيل؟

القصيدة بالنسبة إلي لوحة فنية كلّ يفهمها كما يراها بعينه!
أخاطب الرجل في ظاهر القصيدة، وفي الجوهر هو الحبيب والمعشوق والوطن!

- ما هو الحب بالنسبة إليك، وماذا فعل بك؟

الحب هو الطاقة الإيجابية في حياتي، ولا أستطيع العيش من دونه، لذلك أنا في حالة حب دائمة حتى لو كان من نسج الخيال، فتجد قصائد كتبتها تحمل الكثير من العاطفة والشوق والألم والعتب، ليخيَّل للقارئ أني أعيش حالة حب، وأنا في الواقع أعيشها في خيالي... أستطيع القول إني تعيسة في الحب، أبحث عن الحب الحقيقي أو الحب الذي في مخيلتي، لكن مع الأسف أجد أن المصلحة هي اللغة الطاغية، ما عادت هناك قيم ومبادئ ولا حتى تلك الأحاسيس النقية... لم أحب في حياتي إلا مرة واحدة، ومع الأسف كان حباً فيه عذاب كبير، لكنه بالنسبة إلي يمثل طاقة إيجابية، فلولا الألم لما استطعت الكتابة، ولولا الحزن لما أبدعت! لذا، تجد في قصائدي دائماً المزج بين الحبيب والوطن.

- صريحة أو جريئة بأحاسيسك؟

صريحة الى حد الإزعاج، وجريئة الى حد الصدمة!

- من هي المرأة الشاعرة برأيك؟

هي المرأة الجامحة بأفكارها، العاشقة للحرية، تضج بالأحاسيس المرهفة، هي المرأة المبدعة الخلاّقة.

- ماذا تريدين من الشعر، وإلى أين تريدين الوصول بالقصيدة؟

الشعر هو إبداع، وأنا أهوى الجمال والكمال ولو بنسبة 80 في المئة. الشعر هو للتعبير عن كل ما أختزنه في عقلي وصدري.
أرفض أن تكون قصيدتي غارقة في الرتابة أو جميلة المظهر وخالية المضمون، أرفض طريقة رصّ الكلمات المزخرفة والتعقيد في التعبير والألفاظ المركبة تركيباً وليست إبداعاً شعرياً.
أطمح أن تصل القصيدة إلى العالمية كوني أعشق التحليق بحرية وأكره القوالب المحدودة. لديّ قصائد عدة تُرجمت إلى اللغة الإنكليزية، وقد قام بترجمتها الشاعر والمترجم الأستاذ نزار سرطاوي، وترجمها الشاعر الإيطالي ماريو زيلي إلى الإيطالية، وإلى اللغة الألبانية قام بترجمتها المستشرق الألباني «أرمال بيغا».

- متى تعودين إلى وطنك؟

سؤال له وقع أليم في نفسي، لأنني أحلم دائماً بالعودة إلى الوطن، فأنا جسدياً خارج الوطن، لكن الروح ما زالت في وطني، هو يسكنني. لي ذكريات جميلة في طفولتي، لي فيه أحباب تلحّفوا ترابه. لكن متى العودة؟ عندما يتّسع الوطن لكل أبنائه، ويضمن لهم حقوقهم المدنية، بخاصة حقهم في التعبير بحريّة