الأم... قيمة إنسانية إبداعية فنية
السينما السورية, مهرجان الموسيقى العريقة, رواية / قصة, محمد عبد الوهاب, مرسيل خليفة, الأمير خالد الفيصل, كتابة شعرية
19 مارس 2012في السينما
أفلام أجنبية
«كلّ شيء عن أمّي» (All About My Mother): يُعتبر هذا الفيلم الإسباني بعنوانه الأصلي Todo Sobre Me Madre واحداً من روائع الإسباني بيدرو ألمودوفار.
فاز عنه عام 1999 بجائزة الأوسكار عن أفضل فيلم أجنبي. يضع المخرج يده على الجرح الأكبر في حياة أيّ أمّ.
خسارة ولدها. يروي الفيلم سيرة أمّ موجوعة بفقدان ولدها. تنطلق أحداث الفيلم من منزل صغير في مدريد تعيش فيه الأم مانويلا وابنها استيبين. يُقرّر الإبن أن يُصبح كاتباً.
وخلال مشاهدة عرض تلفزيوني بعنوان «كلّ شيء عن حواء» عَزم إبن السابعة عشر عاماً أن يكتب روايته الأولى تحت عنوان «كلّ شيء عن أمّي» إلاّ أنّه يموت فجأة أمام عينيّ والدته دهساً بالسيارة.
هذه الحادثة تقلب حياة الأمّ التي تُُصمّم على الانتقال من مدريد (مكان وفاة الابن) إلى برشلونة (مكان الحمل بالابن) للبحث عن والده الذي تخلّى عنهما.
أفلام عربية
«أعزّ الحبايب»: تُسمّى الفنانة الراحلة أمينة رزق أمّ السينما العربية. علماً أنّها لم تكن يوماً أماً في حياتها الشخصية. عاشت الأمومة إبداعاً وفناً وتمثيلاً فاستحقّت بجدارة لقب الأمّ المثالية على الشاشة.
أفلامها التي أبدعت في تجسيد دور الأمّ فيها اكثر من أن تُعدّ أو تُحصى وأهمّها «بائعة الخبز»، «الشموع السوداء»، «بداية ونهاية» وغيرها... أمّا فيلمها «أعزّ الحبايب» مع شكري سرحان وسعاد حسني ونور الدمرداش فكان العمل الذي فجّر كلّ طاقة أمينة رزق في تجسيدها لدور الأمّ.
هي البطلة المُطلقة في هذا الفيلم. حولها تدور الأحداث ومنها تنطلق وعندها تنتهي. الفيلم أُنتج عام 1961 وأخرجه الكبير الراحل بركات من الأفلام العربية التي اعتادت الشاشات العربية عرضه يوم عيد الأمهات في كلّ سنة.
يحكي الفيلم قصّة أمّ تتولّى مسؤولية إعالة عائلتها، تُضحّي من أجلهم وتتعب في خدمتهم. يُسافر ابنها البارّ بها (شكري سرحان) من أجل تأمين مستقبله والزواج من حبيبته (سعاد حسني) المقرّبة من والدته وشراء منزل لهما ولأمّه.
ثمّ تتزوّج ابنتها فتبقى الأمّ في المنزل مع ابنها العاق وزوجته الجاحدة التي تُحرضّه ضدّ أمّه. يعكس الفيلم معاناة أمّ تُقابل العقوق بالإحسان والأذيّة بالسماح والتطاول بالتضحية.
«أعزّ الحبايب» من الأفلام التي تستفزّ دمعة المشاهد وتُصوّر قلب الأم الذي لا يعرف إلاّ الحبّ وعيونها التي لا يسكنها إلاّ الدمع.
«أمبراطورية ميم»: هذا الفيلم هو من كلاسيكيات السينما المصرية. وكذلك طقس من طقوس يوم الأمهات. تعرضه المحطّات العربية كاحتفالية بالأمّ ويُتابعه المشاهدون بدهشة لا تتضاءل مع التكرار ومرور السنوات.
تُجسّد فيه سيّدة الشاشة العربية فاتن حمامة دور الأم الأرملة المسؤولة وحدها عن ستة أولاد تتراوح أعمارهم بين 10 و20 عاماً. تعمل الأم المثقفة مديرة في وزارة التربية والتعليم وتحاول دائماً وضع نظام صارم داخل منزلها الصغير، إلاّ أنّ الأبناء يضيقون ذرعاً بتوجيهات والدتهم فيقرّرون إجراء انتخابات يختارون من خلالها مرشداً جديداً للمنزل بطريقة ديمقراطية.
تفوز الأم من جديد بالإنتخابات وتعدهم بتعديل سياسة معاملتها. تتعرّف منى (فاتن حمامة) على رجل أعمال كبير (أحمد مظهر) ويتقدّم بطلب الزواج منها.
تُحاول أن تأخذ موافقة الأولاد فيُظهرون لها موافقتهم وإنما تُرجئ دائماً موضوع زواجها لأنّها كلّما أرادت أن تُفكّر بنفسها وجدتها منشغلة بأبنائها وبناتها. الفيلم الذي أخرجه حسين كمال أعدّه للسينما نجيب محفوظ وعُرض عام 1972.
وقيل في وقتها إنّ «امبراطورية ميم» هي ليست إلاّ مصر نفسها.
في الأدب
رواية «الأم»
لا شكّ أن رواية «الأم» للروسي الكبير مكسيم غوركي هي الرواية الأضخم والأهمّ بين الإنتاجات الأدبية كافة. عمل افتُتن به كبار الكتاب والسينمائيين والمسرحيين في العالم. واعتبرت هذه الرواية، سياسياً، هي الممهدّة للثورة البولشفية الروسية. وأدبياً كانت الرواية المؤسسة للمدرسة الواقعية الاشتراكية.
صدرت الرواية عام 1906 لأوّل مرّة في مجلّة أسبوعية على شكل حلقات متتابعة. وفيها أكمل غوركي عمله في تصوير حياة الفقراء والكادحين.
أدهشت صورة المرأة في رواية «الأم» القرّاء في كافة أرجاء العالم. فهي من الشخصيات غير الثابتة. عرفت تطوراً كبيراً من دور الزوجة إلى الأم ثم المناضلة. تُعتبر أم بول في هذه الرواية شخصية مشحونة بالرموز والإيحاءات.
الأم هنا هي الوطن. الوطن الذي يذوق كافة أشكال الألم والمرارة والمعاناة. الوطن الذي يستغرب ويُعارض الثورات ثمّ يخدمها ويتماهى بها.
الأم في رواية غوركي هي امرأة أميّة في الأربعين من عمرها، إلاّ أنّها تبدو أكبر من سنّها لما عاشته من آلام ومعاناة. زوجها كان من الفقراء المدمنين على الشرب الذين يُعنفّون زوجاتهن ويُعاملوهنّ بقسوة.
بعد وفاة زوجها ميخائيل فلاسوف تعيش الأمّ من أجل خدمة ابنها. ينضمّ ابنها إلى مجموعة اشتراكيّة ثوريّة، وينكبّ على قراءة الكتب الممنوعة «أنا أقرأ كتباً ممنوعة، هي ممنوعة لأنّها تقول الحقيقة عن حياة العمال..».
وأخذت المجموعة الثوريّة الاشتراكيّة تجتمع في بيته فيُسجن بول وتُكمل الأم التي عارضت في بداية الأمر عمل ابنها الثوري النضال وتبدأ ببيع الكعك داخل المعامل والمصانع حيث تستغلّ مهمتها لتوزيع المناشير.
يبرع مكسيم غوركي برسم ملامح الأمّ المضحيّة ومشاعرها وحنوّها على ابنها وبيتها. أم مكسيم غوركي من أكثر الشخصيات المؤثرّة في تاريخ الأدب العالمي.
ابداعات خالدة بطلتها الأم في السينما والشعر والموسيقى. اخترنا هنا عدداً محدوداً منها.
في الشعر
قد تكون حورية، والدة الشاعر الراحل محمود درويش هي الأشهر بين أمهات الشعراء كافة. الأمّ التي حنّ إليها الشاعر في حياته وخجل من دمعها في مماته كتب أجمل القصائد في الشعر العربي الحديث عنها.
تحولّت تلك القصيدة التي كتبها وهو قابع خلف قضبان المحتلّ الإسرائيلي عام 1965 إلى واحدة من أشهر القصائد العربية الحديثة خصوصاً بعدما غنّاها مرسيل خليفة وصار يردّدها الجمهور العربي من المحيط إلى الخليج. القصيدة هي:
«أحنُّ إلى خبزِ أمّي
وقهوةِ أمّي
ولمسةِ أمّي
وتكبرُ فيَّ الطفولةُ
يوماً على صدرِ يومِ
وأعشقُ عمري لأنّي
إذا متُّ
أخجلُ من دمعِ أمّي
خذيني، إذا عدتُ يوماً
وشاحاً لهُدبكْ
وغطّي عظامي بعشبِ
تعمّد من طُهرِ كعبكْ
وشدّي وثاقي..
بخصلةِ شَعر..
بخيطٍ يلوّحُ في ذيلِ ثوبكْ
إذا ما لمستُ قرارةَ قلبكْ!
ضعيني، إذا ما رجعتُ
وقوداً بتنّورِ ناركْ
وحبلِ الغسيلِ على سطحِ دارِكْ
لأني فقدتُ الوقوفَ
بدونِ صلاةِ نهارِكْ
هرِمتُ، فرُدّي نجومَ الطفولة
حتّى أُشارِكْ
صغارَ العصافيرِ
دربَ الرجوع..
لعشِّ انتظاركْ..»
في الموسيقى
«ستّ الحبايب»
ارتبطت ذكرى يوم الأمّ في عالمنا العربي بأغنية «ستّ الحبايب» للراحلة فايزة احمد. هذه الأغنية تُعدّ رائعة من روائع موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب.
كتب كلمات الأغنية حسين السيد.تبدو قصّة هذه الأغنية طريفة بل غريبة بحيث لم تستغرق مدّة كتابتها وتلحينها وغنائها أكثر من ساعات معدودات.
يُقال إنّه في بداية الستينيات من القرن الماضي قصد الشاعر الغنائي المعروف جداً آنذاك «حسين السيد» والدته ليلة يوم الأم التي كانت تسكن في أحد الأحياء الشعبية في الطابق السادس.
وبعدما صعد السلّم ووصل إلى شقة والدته اكتشف أنه نسي شراء هدية لها بهذه المناسبة وكان من الصعب عليه نزول السلّم مرة أخرى ، ففكّر مليّاً ثمّ قرّر أن يكتب لها قصيدة تُعوّض عن الهدية.
أخرج من جيبه قلماً وورقة وبدأ يكتب كلمات «ستّ الحبايب» بشكل تلقائي ومن دون مسودة.
ثمّ طرق الشاعر باب الشقة وفتحت له والدته وبدأ يُسمعها كلمات الأغنية ففرحت بها جداً ثم وعدها على الفور بأنها سوف تسمعها في اليوم التالي في الإذاعة المصرية بصوت غنائي جميل، علماً أنّه لم يكن يُدرك كيف بإمكانه أن يُحقّق وعده هذا لوالدته خلال هذه المدّة القياسية. إلاّ أنّه اتصل بصديقه الموسيقار عبد الوهاب الذي أُعجب بالكلمات وصاغ لها لحنها في أقلّ من ساعتين واستدعى الفنانة فايزة أحمد إلى منزله لتُحضّر الأغنية معه فحفظتها وغنّتها في الليلة التي تلتها في 21 آذار/ مارس في الإذاعة بعدما غنّاها وسجلّها عبد الوهاب صباحاً وهو يعزف على العود.
هكذا أوفى الشاعر وعده لأمّه وكانت أغنيته هديّة إلى كلّ أمهات العالم. وقد يكون العفوية التي ميّزت الأغنية هي التي جعلتها شديدة الارتباط بهذه المناسبة الجميلة.
«ست الحبايب ياحبيبه يا أغلى من روحي ودمي
ياحنينة وكلك طيبة يارب يخليكي يا أمي
زمان سهرتي وتعبتي وشلتي من عمري ليالي
ولسه برضه دلوقتي بتحملي الهم بدالي
أنام وتسهري وتباتي تفكري
وتصحي من الآذان وتيجي تشقرّي
تعيشي لي يا حبيبتي يا أمي ويدوم لي رضاك
أنا روحي من روحك إنت وعايشه من سر دعاكي
بتحسي بفرحتي قبل الهنا بسنة
وتحسي بشكوتي من قبل ما أحس أنا
يارب يخليكي يا أمي يا رب يخليكي يا أمي
لو عشت طول عمري أوفّي جمايلك الغالية عليّ
أجيب منين عمر يكفي وألاقي فين أغلى هدية
نور عيني ومهجتي وحياتي ودنيتي
لو ترضي تقبليهم دول هما هديتي
يا ربّ يخليكي يا أمّي يا ستّ الحبايب يا حبيبة»