Home Page

الطاهر بن جلّون: المتشدّدون قطفوا ثمار...

رواية / قصة, الطاهر بن جلّون

04 ديسمبر 2012

الطاهر بن جلّون، هذا الكاتب المغربي الفرنكوفوني الذي حاز أهم الجوائز الأدبية في فرنسا وصار عضواً في أكاديمية «غونكور» الشهيرة، كان أوّل من التمس شرارة الربيع العربي من بين الكتاب والمفكرين العرب والغربيين، فأصدر كتابين يحتفيان بالثورات العربية «بالنار» و»شرارة».
لكنّه اعترف في هذا الحوابر أنّه أخطأ في تحليله لمستقبل هذه الثورات عندما أعلن قبل نحو عامين في مؤتمر أقامه في بيروت أنّه ليس متخوفاً من وجود الإسلاميين المتشددين الذين لا يُمثلّون إلاّ انفسهم، ولا يعتقد بإمكان وصولهم إلى الحكم بعد إطاحة رموز الديكتاتورية في العالم العربي.
عن الثورات العربية ومستقبلها بعد وصول الأحزاب المتشددة إلى الحكم في مصر وتونس، وعن المرأة العربية ودورها وعن الحياة الزوجية ومشاكلها التي طرحها في روايته الصادرة حديثاً عن دار «غاليمار» الفرنسية تحدّث الكاتب والمفكر المغربي الفرنكوفوني الطاهر بن جلّون خلال استضافته، أخيراً، في صالون الكتاب الفرنكوفوني في بيروت.


- في روايتك «السعادة الزوجية» الصادرة أخيراً خلال الموسم الأدبي في فرنسا، يبحث القارئ عن معنى هذه السعادة لكنه لا يجد إلاّ نقيضها. لماذا كلّ هذا التشاؤم في نظرتك إلى الحياة الزوجية؟
لأنّ الحياة علّمتنا ذلك. فالحبّ والزواج أمران منفصلان ومستقلان بعضهما عن بعض، إلاّ أنّ الناس يمزجون بينهما وكأنهما من طينة واحدة.
الزواج هو صكّ قانوني، اجتماعي، قضائي يُمكن أن يتمّ تحت مفهوم الحبّ أو ضمنه، إلّا أنّ الزواج قادر على أن يهدم الحبّ وأن يُنهيه. وهذا ما حصل فعلاً مع بطلي الرواية اللذين أحبّا بعضهما وعرفا السعادة الزوجية في أيام زواجهما الأولى، لكنّ سرعان ما تحوّل حبهما إلى صراع اجتماعي تحوّل فيه الحب إلى ملل وكره وحقد.

- هل هذا يعني أن الجحيم هو قصاص الزواج؟
الزواج يعني الثبات والاستقرار، والحياة تعني الحركة والتبدّل والتغيير. كلمتان لهما دلالتان مختلفتان وإنما إذا عرف أحدنا كيف يجمع بينهما يمكنه أن يهنأ بحياة زوجية سعيدة.
فالزواج ليس بذاك الأمر السهل والطبيعي، لأنّه يُمثّل في وجه من وجوهه صراعاً يومياً من أجل العيش كثنائي داخل بيت واحد، ولكي ينتصر أحدنا في صراعه هذا لا بدّ من أن يكون قد تجاوز الرؤية التقليدية للزواج من خلال العمل على إيجاد وسيلة تنقذه وزوجه من الروتين اليومي الذي يمكن أن يضرب أي علاقة. إيجاد الحلول لإنعاش الزواج وإنجاحه ليس سهلاً أبداً، والمحاولة تبقى مهمة.

- وما ردّك على الانتقادات الكثيرة التي طاولت الرواية وبطليها؟
كتبت هذه الرواية بصدق لأنّها نابعة من الواقع الحياتي المعيش وأحببت الشخصية النسائية فيها وأجدها مثالاً للمرأة العربية القوية التي تطالب بحقها وتأخذه بيديها إن لم يُمنح لها.
وأنا بصراحة استمتعت بكتابتها ووصف تفاصيل هذه الشخصية وحيثياتها التي أعجبت في المقابل الكثير من القرّاء.

- من هو الطرف الذي يتحمّل المسؤولية الأكبر في إنجاح العلاقة الزوجية أو إفشالها؟
الطرفان يتحمّلان المقدار نفسه من المسؤولية. فعلى كليهما التفكير والبحث عن آلية لبناء هذه العلاقة على أسس وقواعد وإطارات يُتفّق عليها من أجل ضمان نجاح الزواج، ومن ثمّ العمل على تطوير هذا الحبّ واستمراره من خلال الحرص على شروط معينة أهمها الاحترام المتبادل، والحبّ من دون أن نخنق عبره الشريك أو نجرحه، مع ضرورة إعطاء الطرف الآخر الحقوق التي يستحقها، وخصوصاً الرجل الذي يتزوج عادة من دون أن يُكلّف نفسه فهم معنى هذه الحياة التي يتقاسمها وشريكاً آخر له مشاعره وحقوقه، فيحاول الهروب من المسؤولية والتفلّت من الالتزام الذي يفرضه الزواج من خلال مواصلة حياته كما كان يُمارسها قبل الزواج وأكثر.

- ككاتب ومفكر ورجل فرنسي- مغربي، كيف ترى واقع المرأة العربية اليوم؟ وما الذي تفتقده بالمقارنة مع المرأة الغربية؟
أحترم المرأة العربية لأنها ذكية وقوية وتدافع عن نفسها، ولكن وضعها مختلف مقارنة بالمرأة الغربية. أما ما الذي ينقصها؟ فأولاً وأخيراً هو أن تحصل على حقوقها المدنية بالتساوي مع الرجل، لأنّ غياب الجهة القانونية والمدنية التي تعترف بحقوقها كاملة سينعكس على حياتها العائلية والزوجية، وسيعرقل مسيرتها مهما كانت هذه المرأة قوية وذكية. القوانين التي تنص عليها الدولة والمحاكم تمنح المرأة حقوقها وتقويها وتطوّر واقعها. وإن تغيّر واقع المرأة العربية لا بدّ من أن يغيّر الواقع العربي كلّه.


الربيع العربي

- بُعيد انفجار الشارع العربي، أصدرت كتابين يحتفيان بالثورات العربية هما «بالنار» (السيرة المتخيلة لمحمد بو عزيزي) و«شرارة». بعد مرور وقت بدأت الصورة تظهر في شكل أوضح، فهل ما زال رأيك في الثورات هو نفسه؟ وهل تعتبر ما حصل في العالم العربي ثورة حقيقية أم هيجاناً شعبياً؟
الثورة كلمة مُحمّلة بالمعاني والرموز. إنها تعني خطّة وبرنامجاً وأيديولوجية. أما ما شهده الشارع العربي، فيصحّ فيه كلمة هيجان شعبي، كما ذكرت، أو تمرّد عفوي ضد كلّ شكل من أشكال الظلم والقمع والإهانة والفقر والذل، وضدّ غياب العدالة والمساواة.
إلا أن هذا التمرّد ينقصه تغيير جذري راديكالي حتى يُصبح ثورة بالمعنى الذي يُخوّلها منح الشعوب العربية نتائج أفضل بعد عقود طويلة عانت فيها من ديكتاتوريات عسكرية، ها هي تتحوّل اليوم إلى ديكتاتوريات عقائدية.
أتمنى أن يأتي اليوم الذي يُصبح الشعب العربي فيه حرّاً بالمعنى الحقيقي للكلمة.

- كيف تقوّم الدور الذي لعبه المثقف العربي في هذه الأحداث؟
الكثير من المثقفين قاموا بأدوارهم كنقاد ومحللين وواعظين من خلال كتب ومقالات وآراء على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، وإنما لم يكن هو ذاك الدور المؤثّر والمغيّر.

- خلال مؤتمر صحافي عقدته قبل نحو عامين في بيروت، ضمن استضافتك في مهرجان خاص بمؤسسة سمير قصير، قلت إنك لا تتخوّف من وجود الإسلاميين الذين لا يُمثلون سوى أنفسهم. هل تعترف اليوم، بعد وصولهم إلى الحكم في تونس ومصر، بأنك أخطأت في التقدير؟
أعترف بأنني أخطأت، وأنني لم أفكّر وقتها أنّ بإمكان هؤلاء الوصول إلى سدّة الحكم بعد ثورات لم يُطلقوها ولم يشاركوا فيها أصلاً.
وأعتقد أن معظم المحللين والباحثين وقتها أخطأوا لأنّ ما من أحد تصوّر أنّ هذه الثورات الشعبية التي تابعناها مباشرة من قلب الشوارع العربية والتي قادها شباب عاديّون سوف تُعطي نتائجها للأحزاب «الإسلامية» المتشددة التي عرفت كيف تقتنص الفرصة وتستغلّ جهل الشعوب العربية بثقافة الديمقراطية نتيجة خضوعها لحكم الديكتاتوريين عقوداً متتالية.
والواقع يؤكد أن الأحزاب الإسلامية المتشددة قطفت الثمار التي زرعها الشباب العربي الذي ثار بعفوية من دون أن يدرك اللعبة الديموقراطية التي اعتاد خلال الأعوام السابقة على فهمها ضمن إطارها التقني المتمثّل بالتصويت عبر صناديق الإقتراع.
ولكن أتمنى أن تكون هذه المرحلة انتقالية للشعب العربي، وأتمنى أن يكون قد تعلّم من خلالها درساً في التعامل مع الديمقراطية الحقيقية من أجل تصويب اختياره في المراحل التالية.


الطاهر بن جلّون في سطور

ولد الطاهر بن جلّون في مدينة فاس المغربية أواخر عام 1944، وانتقل في سن عشر سنوات مع أسرته إلى طنجة حيث التحق بمدرسة فرنسية، ثمّ أكمل دراسته الجامعية في الفلسفة باللغة الفرنسية في جامعة محمّد الخامس في الرباط.
وكان في تلك الفترة يكتب الشعر الذي نشره بعد فترة في ديوان حمل عنوان «رجال تحت كفن الصمت». بعد تخرّجه، صار مدرّساً لمادة الفلسفة إلاّ أنّ قرار تعريب مادة الفلسفة عام 1971 دفعه إلى ترك المغرب والهجرة نحو البلد الذي يتقن لغته فرنسا.
وتابع دراسته هناك حيث نال شهادة دراسات عليا في علم النفس، وبدأ عمله في الكتابة الصحافية من خلال جريدة «لوموند» التي عمل فيها كاتباً مستقلاً.
وفي العام 1975 حاز شهادة الدكتوراه في علم النفس الإجتماعي، وهذا ما انعكس جلياً في كتاباته وخصوصاً في «عزلة انفرادية».
ومع روايته «طفل من تراب» غدا كاتباً معروفاً في فرنسا، إلا أنه لم يحقق الشهرة الكبيرة جداً إلاّ مع روايته «ليلة القدر» التي حاز عنها جائزة «غونكور» عام 1987، والتي ترجمت إلى لغات عدّة وجعلت من إسم بن جلون الأشهر بين الكتاب الفرنكوفونيين في العالم.
ومن بعد «غونكور» ترجمت روايته «طفل من تراب»، كما «ليلة القدر»، إلى أكثر من أربعين لغة.
وحقق كتابه «العنصرية كما أشرحها لابنتي» مبيعات كبيرة في المكتبات الفرنسية والعالمية بعدما ترجم إلى 33 لغة.

يعيش بن جلون في فرنسا مع زوجته وأولاده، ويُشارك كمحاضر ومفكّر وأديب في الكثير من المؤتمرات الفرنسية والعربية والعالمية، وقد اختير عام 2008 عضواً في أكاديمية غونكور الشهيرة إلى جانب أسماء كبيرة أخرى مثل ريجيس دوبريه، برنار بيفو وغيرهما...

من أهم مؤلفاته في الشعر والفكر والرواية: «موحا المجنون، موحا الحكيم»، «صلاة الغائب»، «ذاكرة المستقبل»، «الضيافة الفرنسية»، «طفل التراب»، «ليلة القدر»، «الملاك الضرير»، «الحبّ الأول هو دائماً الأخير»، «العنصرية كما أشرحها لابنتي»، «الإسلام كما نشرحه للأطفال»، «الصديق الأخير»، «بيكيت وجنيه... شاي في طنجة»، «بالنار» (سيرة محمد بو عزيزي المتخيلة)، «شرارة» (الثورات العربية)، «السعادة الزوجية»...