عضو هيئة التدريس في جامعة عفت عميدة كلية الأعمال والباحثة في مجال الطاقة المتجددة الدكتورة سمر خان: مشروع الأمير محمد بن سلمان سينهي كابوس البطالة

جدة: آمنة بدر الدين الحلبي 14 أكتوبر 2018

مع تسارع خطى التغيير في المملكة العربية السعودية، تتحقق خطوات جريئة وعملانية على أرض الواقع، تهدف الى بناء اقتصاد جديد في المرحلة المقبلة يعتمد على الطاقة المتجددة وما بعد النفط، ببحث دائم وسواعد نساء الوطن ورجاله، جنباً إلى جنب في القطاعات كافة، الأكاديمية والاقتصادية والطبيّة والاجتماعية والثقافية، بعدما فُتحت كل الأبواب أمام المرأة لتمكينها في جميع المجالات، لتكون جاهزة للفترة المقبلة ومستعدة لمستقبل ما بعد النفط. «لها» سارعت الخطى للقاء الدكتورة سمر خان، عميدة كلية الأعمال في جامعة عفت، والباحثة في مجال الطاقة المتجددة، كي تطّلع على آخر المستجدات في مجال الطاقة وعلى بدائل النفط.


- أصبحت المرأة السعودية أكثر إصراراً على إثبات وجودها وتكوين صورة رائعة عن نجاحها، كيف تحقّق ذلك؟

حين يتكلّم معظم الناس عن المرأة السعودية، يعتقدون أن ظهورها بدأ الآن، لكن لو عدنا الى الماضي لوجدنا نساء سعوديات متميزات في كل المجالات والتخصصات الأكاديمية والطبية والهندسية والأدبية والاجتماعية، ولو ذكرنا الأسماء لوجدنا أن القائمة تطول. أما الظهور القوي للمرأة السعودية على الساحة الآن، فيعود الى ثلاث نقاط مهمة، أولها العادات والتقاليد، وثانيها القوانين، وثالثها إصرار المرأة بذاتها على أن تكون أو لا تكون، فإن تقبّلها المجتمع، مع صك القوانين اللازمة لفسح المجال أمامها بدعم من الحكومة الرشيدة والمبادرات التي صنعها الأمير محمد بن سلمان، وتقبّلت هي نفسها ممارسة المهنة التي تحبها، أو المشاركة في قطاع معين، عندها نصل إلى إثبات وجود المرأة ومشاركتها في التنمية الوطنية بموافقة حكومية وفتح جميع المجالات أمامها.

- بالتعاون مع شركة فورد، تم تدريب أكثر من 250 سيدة سعودية على قيادة السيارة في جامعة عفت، لماذا تم اختيار عفت بالذات؟

منذ أن أُنشئت جامعة عفت وهدفها الرئيسي صناعة القادة وتخريج المرأة السعودية القيادية للمجتمع، فجاءت المبادرة من رئيس جامعة عفت الدكتورة هيفاء جمل الليل، بالتعاون مع شركة فورد، لتنطلق أول دورة تدريبية للمرأة السعودية من الجامعة، لتتعرف الطالبات على أصول القيادة وكيفية جلوسهن وراء مقود السيارة بحزام آمن، ويتدرّبن على كل حركة يقمن بها بأسلوب حضاري وذوق رفيع، وعلى طريقة التعامل مع الطريق والإشارات لمدة أربعة أيام، فالشكر للدكتورة هيفاء على تلك المبادرة.

- هل حصلت هؤلاء الفتيات على شهادات قيادة؟

أقمنا احتفالاً للمناسبة، وتم تكريمهن في حضور لفيف من الإعلام والصحافة، وحصلن على شهادات للدورة التدريبية.

- ما هو العائد من وراء قيادة المرأة للسيارة على الأسرة السعودية والمجتمع ككل؟

قيادة المرأة للسيارة لن تعطِ نتائجها من السنة الأولى، نظراً الى غياب هذه العادة لسنوات طويلة، لكن مستقبلاً ستنخفض نسبة استقدام السائقين الى المملكة العربية السعودية بعد استغناء بعض العائلات عنهم، ما يعود على المجتمع بالوفرة الاقتصادية، أما معنوياً فإن المرأة حين تقلّ أولادها إلى المدرسة، تشعر بالأمان والمسؤولية تجاههم، وبأنها القائدة المتعلمة والمثقفة والواثقة من نفسها، وأنها تقوم بواجبها نحوهم داخل البيت وخارجه.

- هل سيصبح دور المرأة أكبر في المجتمع السعودي؟

طالما أتيحت الفرص أمام المرأة، فحقاً سيكون دورها أكبر، كونها نصف المجتمع، وقد كتبت في مقال لي: «إن لم يتم تحريك هذا النصف لن ينجح المجتمع بأي دولة في العالم».

- كتبتِ مقالاً في صحيفة مكة تحت عنوان «الطاقة الشمسية... هل نحن جاهزون للاستفادة منها»، فما هي الآلية لذلك؟

حين كنت في بريطانيا، تخصصت بالطاقة المتجددة وأمن الطاقة، بعدما وجدت أن المملكة العربية السعودية لديها إمكانات مادية هائلة في تحقيق أي مشروع يُطرح، مع وجود كميات كبيرة من الشمس على مدار العام، والتي نُحسد عليها.

لكننا نعاني من مشاكل تقنية كارتفاع في نسبة الرطوبة والغبار، ومع متابعة باحثين كثر، تبين أن هناك أماكن أخرى لو تمَّ استثمارها بالطرق الصحيحة فسنحصل على طاقة متجددة ناجحة مئة في المئة.

- إذا كانت المملكة العربية السعودية تمتلك الإمكانات المادية والمناخ، فما هي الإشكالية إذاً؟

حين سُئلت من بعض الباحثين عن الاستثمار بالطاقة المتجددة في المملكة العربية السعودية، لجأت الى البحث الإداري والتنظيمي الموجود، فلم أجد تشريعات جاهزة في ما يتعلق بالطاقة المتجددة ولا قوانين معينة لاتباعها، وكل ما وجدته أن المشكلة تكمن في نقص التعاون والتنسيق بين مختلف المنظمات سواء الحكومية أو الخاصة، وقد كتبت مقالي على أساسه، حين رأيت بأم العين أناساً عدة يعملون على ألواح الطاقة المتجددة في مختلف الشركات ولا يعرفون بعضهم البعض، ما يسبّب هدراً في الأموال واستهلاك الطاقة البشرية بجهد مضاعف ليست له أي فائدة.

- هل نحن جاهزون في نهاية المطاف؟

نعم نحن جاهزون أكثر من المتوقع، ولو قمنا بالاطلاع على الصعوبات الموجودة، ووضعنا الطاقة المتجددة تحت منظومة متكاملة، وتخطينا الجوانب الإدارية والتقنية والتشريعات، فلا ينقصنا شيء على الإطلاق.

- السعودية تملك 18 في المئة من احتياطي النفط العالمي، وهي أحد أكبر البلدان المصدرة للنفط في العالم، واليوم تتطلع إلى الاستثمار في الطاقة الشمسية تحديداً، فهل من مشاريع جديدة؟

الاتفاقية التي أبرمها الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز مع «سوفت بنك» في الولايات المتحدة الأميركية، لإنشاء أكبر مشروع للطاقة الشمسية في العالم، لن تتوقّف على الاستثمار في بدائل الطاقة فقط، بل ستكون وسيلة لارتفاع الاقتصاد السعودي، إذ لن نكون مصدّرين للنفط فقط مستقبلاً، بل للطاقة أيضاً، وسيفتح هذا المشروع أبوابه لتوظيف العديد من السعوديين والسعوديات في مجال الطاقة المتجددة، كما سينهي كابوس البطالة أمام الخريجين والخريجات والمبتعثين والمبتعثات.

- البطالة أمام المبتعثات كانت نتيجة حتمية لاختياراتهن الخاطئة بالاتجاه نحو التربية والتعليم، أليس كذلك؟

لهذا السبب تغيّر برنامج الابتعاث اليوم، وأصبح تحت عنوان «وظيفتك بعثتك»، بحيث تلائم منهجية الدراسة حاجة السوق السعودية، فما نحتاجه اليوم خبراء محليون في الطاقة المتجددة وفي قطاع النفط السعودي.

- تقولين إن «المرأة نصف المجتمع إن أهملناه لن نصل إلى أهدافنا في بناء قطاع الطاقة المتجددة»، إلى أي حد تؤدي المرأة السعودية دوراً في هذا القطاع؟

أعترف بأن لدينا نقصاً كبيراً في عدد المتخصصين في مجال الطاقة المتجددة، ليس على صعيد الرجال فحسب بل النساء أيضاً، وذلك لعدم وجود فرص متاحة أمام المرأة السعودية للتخصّص في مجالات العلوم، حتى القطاع النفطي كان محظوراً عليها في ظل غياب الفرص، علماً أن جامعة الملك فهد للبترول والمعادن تُعتبر من أفضل الجامعات للتخصّص النفطي، رغم ذلك لم يُتَح للمرأة السعودية أن تدرس أو أن تدرِّس فيها، ولو توافر لها ذلك لأبدعت، وهناك كثيرات من المبدعات والعالمات في جميع المجالات العلمية من الصعب ذكرهن.

- قلت عبر تويتر: «أسعى بإيجابية ليصبح وطني الأفضل وسيصبح الأفضل»، وتصرّين على ذلك بعناد، ما الذي جعلك بهذا الإصرار والعناد؟

أمضيت 9 سنوات خارج المملكة من أجل الدراسة، وجاءتني عروض كثيرة من منظمات عالمية لأعمل خارج السعودية، لكن شغفي في تحقيق أحلامي بالدراسة وحصولي على الدكتوراه، وانتمائي الوطني حدّ الالتصاق، جعلاني أنقل التجربة العلمية من خارج الوطن إلى الوطن، وأسعى بإيجابية كبيرة الى حل مشكلة أو تقديم استشارة لطالبة يمكن من خلالها أن تحقق أهدافها على المدى البعيد.

- جميل أن نرى التغيير الذي يحدث أمامنا، لكن الأجمل أن نساهم في هذا التغيير، كيف ستساهم الدكتورة سمر في التغيير، وما هي خطواتك؟

سأستمر في نشر أبحاث جديدة لها علاقة بمجال الطاقة المتجددة وتواكب العصر الحديث، مع المشاركة الفعالة في العلم الذي ننشره وننقله، لأن «لا خير في علم لا يُحاضر به». كما أعمل على تغيير الأسلوب الجامعي القديم متبّعةً سياسة الباب المفتوح لجميع الطالبات كي أحقق لهن ما وجدته في الغرب من سياسة جيدة في التعليم، مع السعي الى كتابة مقال أسبوعي تحت عنوان «المقال المعرفي»، يقدّم معلومات علمية في مجال التكنولوجيا والتطور العلمي.

- تغير كل شيء في العالم إلا السبورة والصف، فما السبيل الى تغييرهما؟

يمتلك الطالب المتخرّج حديثاً نظريات علمية مخزنة في دماغه لا يستطيع تطبيقها، لذلك يجب السعي الى تغيير تلك المنظومة المغلقة، وما على المدارس والجامعات إلا أن تفتح المجال أما الطالب للتعرف على الأسس العملية وليس العلمية والنظرية فقط، فإن دخل سوق العمل وسُئل عن الخبرة التي يمتلكها، يجيب عندها: «نعم، لدي خبرة علمية وعملية».

- ودعتِ بريطانيا بدمعة فاستقبلتك عفت بابتسامة، كيف تصفين تلك الحالة؟

لحظات الفراق صعبة بعد 9 سنوات أمضيتها هناك، فقد تركت ذكرياتي وعدت الى الوطن باختياري وغادرت كل الأماكن التي عشت ودرست فيها. عدت بشهادة يفخر الجميع بها، وهذا في حد ذاته إنجاز كبير، وبحثت عن بيئة عمل تحقق طموحي وأحلامي، فاستقبلتني جامعة عفت بابتسامة وشرّعت أبوابها لجميع أفكاري في بيئة علمية سليمة تساعد على الإبداع.

- أنت زوجة وأم وكاتبة ومتخصصة في مجال أمن الطاقة والطاقة المتجددة ومهتمة بترشيد الاستهلاك وبمستقبل ما بعد النفط، كيف توفّقين بين بيتك وعملك؟

منذ كنت طالبة، تعلمتُ أن أوازن في حياتي بين القراءة والدراسة، وقد كنت وما زلت شغوفة بقراءة كتب الدكتور غازي القصيبي رحمه الله، وكم كنت سعيدة بتصريح وزير التعليم العالي بتدريس كتاب «حياة في الإدارة» للدكتور القصيبي، تلك الموازنة جعلتني أبني قدراتي خطوة خطوة، وأقيم توازناً بين عملي وقراءتي وبيتي وأولادي وأبحاثي ومقالاتي.

- هل أنت أم وزوجة مثالية؟

أتمنى أن أكون أماً مثالية، وأن لا تكون دراستي أخذتني من أطفالي وألهتني عن الاستمتاع معهم، لكن التوازن يجعل الحياة أجمل، وأنا أؤمن بأن وراء كل رجل عظيم امرأة، ووراء كل امرأة عظيمة رجلاً، فبوجوده معي بعد الله وصلت إلى ما سعيت إليه وحققت طموحي، وبوجودي معه وصل هو أيضاً إلى أحلامه.

- يتابعك 30 ألف شخص على تويتر، هل تتفاعلين مع الجميع؟

قدر الإمكان، لكن أكثر ما يزعجني التعليقات السلبية العنصرية، التي أرد على البعض منها بأسلوب تأديبي.

- ما هو برجك؟

العقرب، وأهم ما يميّزني أنني إنسانة حساسة جداً وأمتلك شخصية قيادية.

- من وراء هذا النجاح؟

والداي بعد الله ودعاؤهما المتواصل ودعمهما وفرحة النجاح التي رأيتها في عيونهما، ودعم زوجي لي في كل مراحلي الدراسية.

- ماذا تقولين للمرأة السعودية؟

لا بد أن يكون لديك إصرار لتحقيق طموحك، ولتكوني صانعة قرار، كما فعلت أنا، ورسالتي لكل سيدة سعودية: إن لم يكن لديك حلم ابحثي عنه وضعيه نصب عينيك وادعمي نفسك بنفسك.

- هذا المشروع الذي أُبرم مع الأمير محمد بن سلمان، هل سيكون جاهزاً عام 2030؟

الإسراف في التفاؤل يؤدي إلى الإحباط، لكن لو تحقق المشروع بنسبة 70 في المئة حتى عام 2030، فسنكون أنجزنا الكثير في قطاع الطاقة المتجددة.

- هناك تحديات تواجه الاستثمار في الطاقة الشمسية في المملكة العربية السعودية، وقد ذكرت أحدها، فهل هناك دراسة لتذليلها؟

الصعوبات والتحديات تختلف من دولة إلى دولة، كون الأمور تعتمد على الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والمناخي في كل دولة، وأهم ما يواجه المملكة قلة وعي المجتمع السعودي في موضوع ترشيد الاستهلاك بالطاقة المتجددة، فإن لم نعمل على الترشيد لن نستطيع الاستثمار، لذلك ما علينا إلا زيادة الخبراء المحليين، وابتعاث طلاب للدراسة في مجال الطاقة المتجددة، وإدخاله في المناهج التعليمية، وإنشاء أقسام علمية لها علاقة بالطاقة المتجددة، خصوصاً الطاقة الشمسية، وتدرسيها في التخصصات الجامعية للجنسين على السواء، والأهم زيادة وعي المجتمع السعودي حول الطاقة المتجددة.