Home Page

جزيرة وايت البريطانية

بريطانيا, الملكة فيكتوريا

15 يونيو 2009

بين فرنسا وجنوب بريطانيا تعوم في بحر المانش جزيرة آيل أوف وايت Isle of Wight أو جزيرة الشجاع، ماسة الجزر البريطانية. على عكس لندن عاصمة الضباب، تغمر الشمس هذه الجزيرة الهادئة البعيدة عن كل ما له علاقة بتلوّث العالم الجديد، فتبدو شطآنها الرملية والصخرية الناصعة البياض ملاذاً للباحث عن ذروة الاسترخاء.

يبدو أن سحر الجزيرة الأسطوري كان ملهم أدباء بريطانيا ومفكّريها، ففي هذه الجزيرة استوحى لويس كارول روايته «أليس في بلاد العجائب»، ووضع الكاتب تشارلز ديكنز الخطوط العريضة لروايته الشهيرة «ديفيد كوبير فيلد»، أما تشارلز داروين فيقال إنه خلال إقامته في هذه الجزيرة وضع الملاحظات الأولى لكتابه «أصل الأنواع». وبين الكتابة الأدبية  والتأليف العلمي وُجد من أراد أن ينعم فقط بجمال الخالق في ما خلق، فكانت الجزيرة المكان الأمثل الذي كانت تمضي فيه الملكة فيكتوريا إجازتها بعيداً عن مشاكل حكم البلاد التي لا تغيب عنها الشمس.

تعتبر الجزيرة كنزاً لاكتشافات تعود إلى ما قبل التاريخ، ففيها وُجدت آثار ديناصورات ما قبل التاريخ والعمران القبلي، كما ترك الرومان فيها معالم فريدة تأخذ الألباب.
شكّلت الجزيرة موقعاً استراتيجياً للحروب التي كانت تُشن على بريطانيا فكانت المدخل الحدودي للغزاة الذي دارت عليه معارك استبسل خلالها السكان في الدفاع عن جزيرتهم الجميلة، مما دفع السلطات البريطانية  إلى وضع خطة دفاعية قوامها ثلاث قواعد هي: قوّة عسكرية محلية ونظام تحذيري و بناء الحصون. واستغرق بناء الحصون حقبتين، الأولى في عهد الملك هنري الثامن الذي أمر بتشييد القلاع البحرية بين عامي 1539 و1540، أما الحقبة الثانية فقد امتدت من عام 1855 حتى اندلاع الحرب العالمية الأولى. 

تضم الجزيرة العديد من القصور والكنائس والمزارع والقلاع التاريخية التي تأخذ زوارها إلى عالم فريد لم تجرؤ أيادي العصر على لمسه. تضم هيل توب ياربورو Yarborough  وقصر تنيسون في تنيسون داون الذي كان مقر إقامة اللورد ألفريد والذي يقال إن اللورد كتب روايته The Charge of light Brigade   أثناء إقامته فيه، وفي  كنيسة سانت كاثرين يبدو نمط فن المعماري الروسي حاضراً ببهاء في حين لا تزال منارة بيبربوت التي تعود إلى القرن الرابع عشر محافظة على الأسلوب المعماري المحلي.

تنتشر القلاع في جميع أرجاء الجزيرة خصوصاً تلك التي بناها الملك هنري الثامن  واللورد بالمرستون والتي لعبت دوراً استراتيجياً مهماً في تاريخ الجزيرة. ويستحضر قصر كاريسبروك الذي يعود إلى عصر النورمان التاريخ بكل تفاصليه.  يعيش زوار قصور يارموث ونيدليس أولد باتري وقلعة فيكتوريا مغامرة عسكرية تاريخية تعكس بسالة سكان الجزيرة. في حين ينقلهم قصر أوزبورن الذي شيدّته الملكة فيكتوريا والأمير ألبرت إلى عالم ملكي يضج بنمط الفن الفيكتوري بكل فخامته حيث لا تزال أجنحته تحتفظ بمقتنيات الملكة فيكتوريا. وتكشف أروقة المدينة القديمة التراث التاريخي  حيث امتزج الفن القديم بالحديث لتنبثق منه أعمال رائعة من حلي وفخاريات تسكن في بوتيكات أنيقة تثير في زائرها شهية التسوّق من دون حساب.

وعند نيوبورت تتجاور المطاعم ومقاهي الرصيف والبوتيكات التي تعرض الفضيات والأعمال الحرفية، وتتحوّل ساحة توماس  أيام الجمعة إلى بازار يعرف بسوق المزارعين يعرض جميع أنواع المنتجات الزراعية حيث تتنافس خوابي العسل وقطع الجبن وشرائح اللحم الطازج على إثارة شهية المتجوّل في السوق. وقد يتردد الزائر في التوجه إلى غارليك فارم فالاسم يوحي أنه سوق يقتصر على بيع الثوم  غير أن هذا السوق متخصص في بيع كل أنواع البهارات، إضافة إلى خبز الثوم المحضّر من دقيق خاص بمنطقة كالبورن.

تعدّ الجزيرة من المناطق البريطانية القليلة التي توفر للعائلة تجربة تسوّق فريدة خصوصاً في ما يتعلّق بالأدوات الكهربائية والآلات الموسيقية  وألعاب الأطفال الحديثة والتي تعتبر أسعارها معقولة. فيما يجد فيها المراهقون مرتعهم لابتياع آخر صيحات الموضة من ملابس وأحذية رياضية تلبي أذواقهم.

وفي شارع رايد Ryde تتباهى البوتيكات في عرض الملابس العصرية والمجوهرات لأشهر دور الأزياء البريطانية والعالمية، ويقع على مقربة منه شارع رويال فيكتوريا الذي يضج بالمكتبات والأسواق التي تقع تحت الأرض فيظن المتجوّل أنه دخل مغارة علاء الدين يكتشف فيها الروائع التي تخبئها بين جدرانها.

لا عجب أن تكون جزيرة أوف وايت ملهمة الكتاب والأدباء فزيارتها مغامرة من مغامرات "أليس في بلاد العجائب" غير أن عالم أليس افتراضي يسكن في خيالاتنا الطفولية وعالم أوف وايت واقعي يسكن في القسم الآخر من الكرة الأرضية.