المطبخ بمفهومه المعاصر: فضاء مفتوح على كل الممكنات

باريس- نجاة شحادة 27 أكتوبر 2018
الرحلة الطويلة التي قطعها المطبخ من خارج المنزل إلى داخله، تكاد تكون فريدة في حيثياتها التاريخية... ولكن حضورها اليوم – عند الحديث عن المطبخ – لا يضيف الكثير الى الموقع المحوري الذي يحتله المطبخ، ليس في الهيكل الهندسي أو الزخرفي للمنزل فحسب، بل أيضاً في الدور الحيوي الذي يلعبه على الصعيدين الإنساني والعائلي.


فالمطبخ لم يعد تلك المساحة المحدودة المغلقة، والتي ترمز الى العمل وتشير الى حياة الضرورة، بل أصبح اليوم بفعل تغير المفاهيم وطبيعة الحياة المعاصرة، فضاء مفتوحاً ومتصلاً بكل مساحات المنزل وأركانه، وهو يعني كل أفراد العائلة ويشكل قاسماً مشتركاً لأنشطتهم.

ولأنه كذلك، فقد أوْلى المهندسون والمصمّمون المطبخ أهمية خاصة وطوّروا مفهومه وأضافوا إليه الكثير من القيم العملية والجمالية، مما كرّسه “الفضاء الأكثر حيويةً” في الداخل المعاصر.

وبعد أن كان مساحة معزولة لتحضير الأطعمة، أصبح المطبخ مكاناً مفتوحاً للقاء العائلة، ورمزاً للضيافة و “مختبراً” لإنتاج الوجبات الغذائية المدروسة و”صياغة” الموائد الشهية.

إن متابعة التطورات التي يشهدها المطبخ، تعكس الأهمية التي اكتسبها في الحياة اليومية المعاصرة. فالتجهيزات والمواد المستخدمة في ديكورات المطابخ والملامح الجمالية والعملية التي تتبدّى في كل تفصيل من تفاصيل المشهد، تؤكد حقيقة الموقع البارز الذي يحتله المطبخ، في الشقق الصغيرة كما في تلك الكبيرة والمنازل.

المطبخ من أكثر المساحات الداخلية تأثراً بأنماط الحياة في الجانبين الوظيفي والجمالي، بحيث يحتضن داخل مساحته الكثير من الصور لأوقات سعيدة، تحضّر فيها أطباق المناسبات الجميلة والحميمة، التي تختزن الذاكرة لحظاتها العابرة.

إن التصاميم الخاصة بالمطابخ، وكذلك التقنيات الحديثة والمبتكرات الذكية التي تشهدها المطابخ، تعكس ليس الاهتمام بالشكل فقط، وإنما الاهتمام بالجوهر من خلال رفد حياة الفرد والأسرة بكل ما هو صحي وشهي وسهل في الوقت نفسه.

ومن هنا نجد أن التغيّر في ملامح المطبخ والتطور في مظاهره، لم يكونا عبر إلغاء خصائصه وإنما في الإضافات البديعة التي أدت الى مركزية دوره في الشقة أو في المنزل، من حيث تأمين الراحة والرفاهية وتوفير الأجواء المناسبة والتي تجعل من الوقوف في المطبخ والعمل فيه متعة لا يعادلها شيء آخر. فمرونة الأشكال وسلاسة الخطوط وتنوّع المواد والتصاميم الخاصة بالمطابخ تجعل من مساحته مكاناً جاذباً لكل أفراد الأسرة، وتشدّد على النظافة والشفافية وحفظ المأكولات وموادها بطرق علمية مدروسة، مما يعزز عوامل الأمان الصحي أيضاً.

فالمقاربات غير المسبوقة في التصاميم أكسبت المطبخ رونقاً خاصاً، حيث إن عملية التطوير لم تقتصر على طراز خاص، بل تركت لمساتها في كل نمط، كلاسيكياً كان أو ريفياً، صناعياً أو معاصراً... إذ عمل المصمّمون على ابتكار رموز ومعايير جمالية جديدة حوّلت المطبخ إلى ما يشبه التحفة الزخرفية بحيث لا يقل مظهره أناقة وروعة عن باقي الصالات والغرف.

يختزل المطبخ بحلّته الجديدة تراكم التفاصيل والأشياء التي تخدم البنية الشكلية والوظيفية للتصميم بمزاوجة بارعة بينها وبين المواد والعناصر المستخدمة في التصميم، الأساسي منه أو المكمّل للديكور، والتي يتم دمجها بدقة لتنسجم مع الإطار العام للمشهد الزخرفي، مما يؤسّس للغة زخرفية جديدة بمفردات تزخر بالرؤى الجمالية وروح الفانتازيا.

فالتغيير في تصميم المطابخ يتسلل إلى عمق الجو الزخرفي والوظيفي على السواء بسلاسة وانسياب ناعم في الخطوط عاكساً مظهراً لافتاً بالغ الأناقة.

ولعل أكثر ما شهدته عمليات التطوير، تحرير المطبخ من استقلاليته وإلحاقه بالفضاء المفتوح في الشقة أو في المنزل، فهو على اتصال مباشر بالشرفة أو الترّاس أو الحديقة، وفي الوقت نفسه يطل على الصالون أو صالة الطعام أو غرفة الجلوس، فيتآلف مع هذه الفضاءات ويعزز وحدة المكان ويدعم التواصل بين مساحات الداخل بشكل غير مسبوق، ويلغي الكثير من المظاهر التقليدية، والتي كانت تعتمد على الانغلاق.

ويلفت الانتباه في التصاميم المختلفة للمطبخ، الحضور البارز للمواد الطبيعية النبيلة والتي يتصدرها الخشب المصقول اللامع والخفيف اللمعان، وكذلك الرخام ومعدن الكروم والزجاج، إضافة إلى مواد أخرى تتم الاستعانة بها بلمسات خفيفة تتكيف مع وجهة التصميم على اختلاف مظاهره وأجوائه المدعومة بلوحة من الألوان المشرقة الناعمة أو المتباينة التي يتصدّرها الأسود والرمادي مع نفحة زاهية تحملها مكمّلات الديكور من أدوات المطبخ والنباتات وعناصر الزينة بأسلوب يحاكي كل الأذواق والأمزجة. هذا إضافة إلى مصابيح الإضاءة التي تلعب دوراً جوهرياً في كل تصميم، حيث تندمج أو تتدلّى من السقف أو تتوارى خلف الرفوف وأفاريز الزينة لتضفي على المكان لمسة من الأناقة.