متى سيضاء الأخضر على الأزرق 'المُزري'؟
راغب علامة, حماية البيئة, مارتين إندراوس, أزمة المياه, قمة التغير المناخي, جرثومة, برنامج الأمم المتحدة الإنمائي, وزارة البيئة, حملة وطنية, كارثة طبيعية, حملة تشجير, مهرجان أبوظبي الدولي لأفلام البيئة
19 يوليو 2010رواية أخرى بتوقيع فتحي شاتيلا خبير الهيدرو- جيولوجيا اللبناني الأوّل
وضع خبير الهيدرو- جيولوجيا الأول في لبنان فتحي شاتيلا دراسة تبيّن الأخطاء المتعلقة بالخطة العشرية السابقة للوزارة، وقد شكا محاولتها كم فمّه كما لو أنه يعمل ضد مصلحة لبنان. هذا ما يقوله شاتيلا، مستنكراً عدم قيام لبنان في الأعوام السابقة بوضع مخطط مائي عام يحدّد إمكانات الأحواض المائية المختلفة فوق الأراضي اللبنانية ليتم على أساسها وضع خطة خمسية أو عشرية تكفل حسن إستثمار الثروة المائية السطحية والجوفية بطرق علمية مدروسة.
ويشير إلى أن «مصلحة الأبحاث في الدراسات الجيولوجية والجيو- تقنية لتخزين مياه نهر الدامور أخطأت حيث أقرّت باستحالة تخزين مياه هذا النهر لشدة تشقق الطبقات الجيولوجية المراد تجمع المياه فوقها، فقررت صرف النظر عن تخزين مياهه.
وقد أدى ذلك إلى إستبعاد نهر الدامور من أي مخطط عام يرمي إلى تأمين مياه الشفة للعاصمة، وتقر بدلاً من ذلك «جر 50 مليون متر مكعب من مياه نهر الليطاني وبناء سد على نهر الأولي بالقرب من بلدة بسري. ومن شأن هذا المخطط أن يؤدي إلى خسائر مادية تقدر بمئات الملايين من الدولارات وتكريس هدر حوالي 200 مليون متر مكعب من مياه نهر الدامور لمدة لا تقل عن ربع قرن».
هل سد بسري هو الأنسب لحل الأزمة المائية التي تعاني منها العاصمة منذ عقود !
لزّم مجلس الإنماء والإعمار مشروع سد بسري على نهر الأولي لتأمين مياه الشرب لمدينة بيروت وضواحيها. فقد وافق المجلس وكذلك لجنة الأشغال العامة والمياه في المجلس النيابي على قبول قرض بقيمة 70 مليون دولار أميركي قدّمه البنك الإسلامي للتنمية لتنفيذ هذا المشروع. وفي موعد لاحق، وافق مجلس النواب على إستعمال هذا القرض للسير بمشروع سد بسري.
إنشاء مشروع سد بسري فوق ركيزة دلغانية غير متماسكة
يقول شاتيلا حرفياً : «بدلاً من أن يقوم مجلس الإنماء والإعمار بتنفيذ المرحلة الأولى من مشروع تخزين مياه نهر الدامور وحل الأزمة المائية التي يعاني منها سكان وأهالي مدينة بيروت خلال مدة تقل عن أربع سنوات، إستعمل القرض الذي قدمه البنك الإسلامي للتنمية لتنفيذ مشروع سد بسري، ويستغرق تنفيذه مدة تزيد عن ثماني سنوات. وهذا ما سيؤدي إلى طي تنفيذ مشروع تخزين مياه نهر الدامور. وهنا لابد من الإشارة إلى أن الطبقات الجيولوجية التي سيتم إنشاء سد بسري فوقها تتكون من مواد دلغانية رملية لينة وغير متماسكة. كما أن هذا السد يقع على مسافة لا تبعد أكثر من كيلو مترين إثنين من فالق روم الذي ما زال ناشطاًً». وسيصادف هذا المشروع «مشاكل إجتماعية بسبب المعارضة التي سيبديها أهالي وسكان مدينة صيدا لحرمانهم من ثروة مائية ستيم جرّها إلى مدينة بيروت. أما موقع سد نهر الدامور فإنه يعتبر مثالياًً وفريداًً من نوعه لتخزين المياه».
تحذير من كارثة صحية
ويقول شاتيلا إن الدولة «تبحث في إمكان جلب مياه الليطاني إلى بيروت وهي ملوثة وتحتوي على جرثومة البلهارسيا وغير صالحة حتى للإستعمال الحيواني. ولو تمت معالجتها فخطورتها حاضرة أبداً، فكل مجاري الصرف الصحي البقاعية وأوساخ المسالخ تتجمع في سد القرعون حيث مياه الليطاني. لقد رأيت الأسماك تتقافز بفعل إنعدام الأوكسيجين في هذه المياه التي يصرّ المدير العام السابق لوزارة الطاقة والمياه الدكتور محمد فوّاز على توفيرها لسكان بيروت خلال أربع سنوات».
الدكتور فادي قمير المدير العام للموارد المائية والكهربائية في وزارة الطاقة والمياه في لبنان
رمادي، هو موقف الدكتور فادي قمير من أزمة المياه في لبنان. وعوضاً عن تحميل وضع المياه الشائك إلى المعنيين في مستهلّ اللقاء، وبصفتنا صحافة نسائية، أسند إلى المرأة المسؤولية الترشيدية في سبل إستخدام الماء دون هدر في مواقف الحياة كافة. ف«علاقة المرأة بالماء هي الأوطد على الإطلاق»، يقول قمير لافتاًً إلى أن «الأمم المتحدة خصّت هذا الأمر ببند مرتبط بالإدارة المتكاملة للمياه بعنوان Gender issue الذي يحدّد دور المرأة اليوم كلاعب أساسي في إرساء علاقة سليمة مع الماء ». نقفز إلى بيت القصيد : لمَ لمْ ينفذ إلاّ سد شبروح ضمن الخطة العشرية التي أقرّت عام2001 ؟ هنا يقف قمير عند التعميم الذي يغفل المشاريع التي كانت لتبصر النور لولا الوضع الأمني والسياسي المتدهور في الأعوام الماضية.
يقول فادي : «بدأنا بسد شبروح وإنتقلنا إلى إنجاز سد العاصي الذي دمّر ورشته العدوان الإسرائيلي في تموز/يوليو عام 2006. كما تمّ تلزيم سدّي القيسماني وبقعاتا. لقد باشرنا تنفيذ عملية متكاملة لكن الظروف السياسية والمأسوية جعلت الخبر السياسي يطغى على الجديد الإنمائي». ويفرج قمير عن بريق أمل مرتقب، فاليوم تم إستئناف العمل على الخطة العشرية بتعديلات طفيفة قد تجنب اللبناني تكبّد دفع الفاتورة الثلاثية في الأعوام الأربعة المقبلة.
«حتى لو أقمنا السدود سيلجأ لبنان في المستقبل حتماً إلى تحلية مياه البحر»! تصريح جازم وخطير. فهل نحن على بيّنة من مستقبلنا المائي ؟ يلفت قمير إلى أن الحلول البديلة ستكبّد لبنان فاتورة طاقة باهظة، خصوصاً ضخ المياه من الطبقة الجوفية وإرسالها إلى المناطق الجبلية، في حين أن لبنان فوّت فرصة تخزين المياه وإرسالها بالجاذبية في الستينات. ويختم بحقيقة غافلة وبتعريف مضحك مبكٍ للمياه «هي أهم ثروة في لبنان. ولبنان قادر على أن يرتقي إلى مرتبة تركيا مائياً... أن يضبط السياسة في منطقة الشرق الأوسط في ظل التغيّر المناخي».
هل يعقل أن نستورد الخضار من الأردن !
تبلغ حاجات لبنان المائية حالياً حوالي مليار وثلاثمئة مليون متر مكعب فيما يهدر في البحر سنوياً ملياراً ومئتي مليون متر مكعب. رقم مهم يمكن أن يستخدمه لبنان ك«سلاح إستراتيجي في المنطقة». هل يعقل أن نستورد الخضار من الأردن (ثالث أفقر دولة في المياه)، البلد الذي يعاني أزمة مياه ؟ الجلي لدى الدكتور فادي قمير أن السبب هو الحرب وغياب التخطيط في بلد إحتضن في بداية السبعينات أهم مشروع في منطقة الشرق الأوسط، مشروع الليطاني. لكن شلل الدولة أرْداه حتى بعد النهوض المتعثر إثر إتفاق الطائف. كما أننا سنقع في عجز مائي عام 2030 يجبرنا على تحلية مياه البحر.
سد شبروح يدحض بخجل يتيم مقولة «مياهنا تذهب هدراً إلى البحر»
يشكل سد شبروح جزءاً من الخطة العشرية لوزارة الطاقة والمياه - المديرية العامة للموارد المائية والكهربائية التي تقضي بإنشاء السدود والبحيرات الجبلية بهدف إستثمار مصادر المياه السطحية وتغذية المياه الجوفية ولإستعمالات الشفة والري. يؤمن سد شبروح 8 ملايين متر مكعب سنوياً لسد العجز في ميزان مياه الشفة في مناطق قضاء كسروان وجزئياً في مناطق قضاء المتن وذلك حتى سنة 2025. يقع سد شبروح على مجرى وادي شبروح في قضاء كسروان ويبعد عن بيروت 40 كلم إلى الشمال الشرقي و5 كلم شمال شرق فاريا. تتغذى بحيرة شبروح من مصدرين مائيين: وادي شبروح ونبع اللبن. يعتبر سد شبروح بالإضافة إلى شبكات توزيع المياه، الجوهر الإنمائي في قضاء كسروان فهو يغطي بالجاذبية كامل العجز في إحتياجات مياه الشفة لمنطقة كسروان والفتوح حتى سنة 2025. كما يقلّص مرحلياً بعضاً من العجز في إحتياجات قضاء المتن من مياه الشرب ويوقف الضخ وأكلافه ويوفر الطاقة. ويحفظ مخزون الطبقة الجوفية كإحتياط إستراتيجي للمياه في المستقبل داحضاً بخجل يتيم مقولة «مياهنا تذهب هدراً إلى البحر».
ملكة جمال لبنان مارتين إندراوس
سد بعشتار حلمي الشخصي والوطني
كان المقرّر المفترض منذ السبعينات أن يخزّن سدّ بعشتار الشمالي حوالي 60 مليون متر مكعب لمنطقة الكورة، ووجهة الإستعمال هي الشرب والري والصناعة، لأن منطقة الكورة في حاجة إلى كمية كبيرة من المياه بفعل النمو العمراني والصناعي فيها. وإذا كان سد شبروح يخزّن 8 ملايين متر مكعب من المياه، فبعشتار يتّسع لعشرة أضعاف. حقيقة تقدّرها وتدركها جيداً ملكة جمال لبنان مارتين إندراوس، فهي إبنة بلدة كفرعقا الشمالية. ولذلك حدّدت مشروع ولايتها الجمالية بتنبي حلم راود منطقتها التي تعاني شحاً شاقاً.
أدركت مارتين بعد إطلاعها على وضع لبنان المائي، أن مهمتها صعبة رغم أن مشروعها سيؤمن الإزدهار ويخلق فرص عمل تفيد المنطقة. في تنقل دائم هي الملكة، فمهمتها لا تنحصر في كسب معركتها مع «الجهات» الضالة. مع المسؤولين تقصّ حكايتها : «منطقة الكورة هي بيت الثقافة والعلم، لكن المياه عائق جوهري أمام إزدهارها. وهذا ما لمسته حين كنا نضطر لشراء مياه الصهاريج أربع مرات أسبوعياً. للأسف ورغم أزمته، لا يتّجه إهتمام المواطن اللبناني إلاّ إلى السياسة والفن، أما البيئة فهي أمر ثانوي لا يكترث لأمره حتى السياسيون. لقد توجّهت أخيراً إلى متروبوليت بيروت للروم الأورتوذوكس لكنهم نصحوني بمقابلة نواب الكورة الذين تجنّبت لقاءهم بعدما تنصلوا من مسؤولياتهم طوال دورتين في البرلمان، كما لم يفكروا في ملف سد الكورة المعد منذ العام 1972. وهذا الأخير تائه بين وزارة الطاقة والمياه ومجلس الإنماء والإعمار. للأسف سياسيونا يتودّدون إلى المواطن قبل يومين من الإقتراع الإنتخابي، وأنا ألقي اللوم على المواطن الذي يعيد إنتقاءهم. من ناحية أخرى، أقوم بجولات متواصلة بهدف تثقيف الشباب في الجامعات والمدارس وإرشادهم لإستخدام سليم للمياه في مختلف مواقفهم الحياتية. ولا أخفي إستحالة الوصول إلى نتيجة فورية، فنحن نحاول تعديل أسلوب حياة غائب من البرامج التربوية والإرشادية العائلية».
لمَ لم تدخل إستراتيجية الجندر في قطاع المياه في لبنان ؟
مسألة أخلاقية باتت العلاقة مع المياه على هذا الكوكب التي يعاني من التغيّر المناخي مما يقلّص الموارد المائية بنسب عالية (30%). لطالما ارتبطت الشؤون الأخلاقية بالمدرسة الأولى والمرشدة الأولى، الأم. ولذلك ارتبطت إدارة المياه بحسن تعاملها مع هذه المادة الشفافة غير المرئية حتى اللحظة. كما أن المدرسة الثانية لا تزال تقصي عن مناهجها التعليمية مقررات جوهرية ومبكرة ترشد الطالب حول كيفية التعامل مع الماء. هذا ما تسير في ركبه اليمن والبحرين والعراق (منظمة المرأة والبيئة) دون لبنان... فهل يسمح بهذا التقصير في مرحلة ما قبل الندرة ؟
كي لا تمسي البيئة «بيئة» بالمفهوم المصري الشعبي، بدأت تلوح في الأفق اللبناني مشاريع صديقة للبيئة وإن بعد حين إلى جانب المشاركة في الإحتفالات البيئية كعيد الشجرة ويوم التنوّع البيولوجي ... ولهذه الإحتفالية بيان:
بمناسبة يوم البيئة العالمي، أطلق وزير البيئة اللبناني محمد رحال أسبوع البيئة الوطني بحضور سفير النيات الحسنة لدى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لتغيّر المناخ الفنان راغب علامة.
أكد رحال أن «الأمن البيئي لا يقل أهميةً عن الأمن الاجتماعي والأمن الاقتصادي وحتى الأمنِ السياسي». وأعلن أن «أسبوع البيئة الوطني سيتضمن نشاطات عديدة من بينها عقد جلسة لمجلس الوزراء خاصة بالبيئة وكذلك للجنة البيئة النيابية، إضافة إلى إقتراح سلة من القوانين والأنظمة في جلسة خاصة للجنة البيئة النيابية». كما كشف عن «إستحداث وظائف في وزارة البيئة وإعداد الوزارة مسودة برنامج عمل متواضع في مطلع هذا العام ريثما يتم إطلاق خطة عمل وطنيّة شاملة قابلة للتطبيق خلال عهد هذه الحكومة». وقد بدأ العمل على قسم كبير من هذا البرنامج يشمل دراسات بيئية ثلاثاً: أولاها، تحديث تقرير واقع البيئة في لبنان الذي يعود إلى بداية الألفية الثالثة وإعداد خطة إدارية شاملة لمكافحة تلوّث نهر الليطاني وبحيرة القرعون وإعداد مخطط توجيهي لإعادة تأهيل المكبّات العشوائية في لبنان. وهناك اقتراح لزيادة المساحات الخضراء في قلب العاصمة لتشكل الأماكن العامة والمساحات الخضراء 50 في المئة من المساحة العامة للوسط. ولفت سفير النيات الحسنة الفنان راغب علامة إلى «الفجوة الكبيرة بين الشعب اللبناني بسبب السياسة إلى درجة لم نعد نفكّر بالبيئة». فيما أثنى وزير الإعلام طارق متري على نشاط الإعلاميين في مجال البيئة وإن كانوا قلة ومقالاتهم مقتضبة، مقراً بأنه «علينا السعي ليكبر هذا الحجم». فليتّسع هذا الحجم ... هل البيئة بريّة فقط؟
أولوية ثانوية، فليسبق السيف «السلف»... والعذل
في إطار الحملة الوطنية للحفاظ على البيئة، أطلق رحال مشروع «رصد تغير المناظر الطبيعية» من خلال التصوير الفوتوغرافي المتكرّر، بمناسبة يوم البيئة العالمي وبالتعاون مع وزارة السياحة وجمعيّة «درب الجبل اللبناني» وبرنامج الأمم المتحدة للإنماء. يمتدّ مشروع «درب الجبل» على مسافة 445 كيلومتراً تجتاز 75 بلدة لبنانيّة. كما تطرّق إلى مشروع تشجير المناطق اللبنانية الذي ستطلقه الوزارة قريباً. ولكن أين الماء في المفكرة البيئية التي تبحث في حلول لأزمات ولا تستبقها؟ بالأحرى إلى أي مدى ندرك قيمة الماء في لبنان، أين «نحن» من قرار إسرائيل أنسنة هذا الركن الذي يشكل عنصراً من ثلاثية الحياة ؟ إلى من الشكوى أيها المواطن الذي يدفع فاتورة المياه الثلاثية ؟ إلى من الشكوى بعد إنتهاء مهلة تنفيذ الخطة العشرية لبناء السدود التي أقرت عام 2001 بفاتحة سد شبروح الموصدة ؟ أسئلة كثيرة لن تحاكي إجابتها تفسير الماء بالماء في هذا التحقيق الحياتي المستثنى من معيار النشر في مجلة نسائية والمستبق لمصطلح «العدالة المائية»...