المغرب: محاكم متنقلة لتوثيق الزيجات...

عقود, مرحلة انتقالية, مهرجان سينما الذاكرة المشتركة المغربي, مواقع الزواج الإلكتروني, القبائل, المركز الأردني لبحوث التعايش الديني, القضاة, المحاكم الروحية, زواج القاصرات, قضية / قضايا الزواج, الحقوق الزوجية, المحاكم الشرعية, فساد, زواج الفاتحة

19 يوليو 2011

شكلت الحملة التحسيسية لتوثيق عقود الزواج بعد دخول التعديل الذي طال المادة 16 من مدونة الأسرة التي قادها وزير العدل المغربي، انطلاقة مرحلة جديدة من الفترة الانتقالية لسماع دعاوى ثبوت الزوجية. ويأتي انعقاد هذه الجلسات التنقلية بعد الحملة التي انخرطت فيها جميع المكونات المعنية من سلطات محلية وقضاة ومحامين وعدول وجمعيات ومنظمات ومنتخبين، وذلك لتوعية سكان المدن والقرى بأهمية توثيق الزواج، والإسراع للتقدم بدعاوى سماع ثبوت الزوجية ، وذلك لوجود العديد من الحالات المستعصية الناتجة عن عدم التقيد بالوسائل الشرعية للزواج والتي تزعزع كيان الأسر.
وإن كان المشترع قد استجاب لمطالب الجمعيات الحقوقية وواقع تراكم ملفات من هذا النوع في مختلف محاكم المملكة أمام الحاجة الملحة إلى توثيق الزيجات التي تمت خارج مدونة الأسرة، فإن تساؤلات جديدة تطفو إلى السطح وتحاول البحث عن أجوبة شافية عن مدى نجاعة المرحلة الانتقالية لسماع دعاوى الزوجية والتي تستمر الى الخامس من شباط/فبراير 2014.

قال وزير العدل محمد الناصري إن المشترع مراعاة منه لبعض الإكراهات الاجتماعية والثقافية، أجاز إمكان التدارك اللاحق لعدم توثيق الزواج عن طريق إقامة دعوى ثبوت الزوجية وفقا لمقتضيات مدونة الأسرة التي نصت على إمكان اللجوء إلى المحكمة لتقديم طلب سماع دعوى الزوجية واستصدار حكم قضائي بإثباتها. 
وأضاف الوزير الذي كان يتحدث في إطار الحملة التي دشنتها وزارة العدل في العديد من المدن والقرى، أن الوزارة أولت اهتماما كبيرا لهذا الموضوع، إذ كثفت كل الجهود الرامية إلى العمل على تبسيط الإجراءات وحث المسؤولين القضائيين على التعجيل في بت هذا النوع من الدعاوى، وكذلك إلى تحسيس المواطنين وذلك بالتنسيق مع مختلف القطاعات المعنية، مما كان له الأثر الإيجابي في تصفية العديد من الملفات المتعلقة بثبوت الزوجية، كما هو ثابت من خلال الإحصاءات التي تبين أن الأحكام الصادرة في الموضوع تتميز بوتيرة تصاعدية من سنة الى أخرى، إذ انتقلت من 6918 حكما سنة 2004 إلى 18751 حكما سنة 2007 ثم 23.390 خلال سنة 2008، وقد بلغ المسجل من هذه القضايا برسم سنة 2010 ما مجموعه 30439 قضية.

إلا أنه رغم الجهود التي واكبت الفترة الانتقالية الأولى لسماع دعوى الزوجية، تبين من خلال نتائج الحملة الوطنية لتعميم التسجيل في سجلات الحالة المدنية وكذلك الطلبات التي وردت الى المحاكم بعد انقضاء تلك الفترة، أنه ما زالت هناك أوضاع لم تسوَّ بعد.
وشدد الوزير على أن الحملة الوطنية لثبوت الزوجية  تتواصل بالتنسيق مع وزارة الداخلية وجميع المعنيين بالموضوع، لتطويق هذه الظاهرة قبل انقضاء الفترة الانتقالية الجديدة في الخامس من شباط/ فبراير 2014، انسجاما مع ما يشهده المغرب من تحول حداثي يستلزم إرساء بنى اجتماعية مستقرة ومتماسكة.
ولم يفت الناصري التأكيد أن كسب هذا الرهان يقتضي تضافر جهود الجميع، وتهيئة الظروف المناسبة لتحقيق الغايات المتوخاة.
وفي هذا الإطار «قامت الوزارة بجملة من المبادرات لضمان التفعيل الجيد لهذا التعديل، وذلك من خلال توجيه كتب ودوريات إلى جميع المسؤولين القضائيين من أجل الإسراع في بت قضايا ثبوت الزوجية، وتبسيط الإجراءات ووضع نماذج طلبات لثبوت الزوجية وتحديد الوثائق المطلوبة وجعلها رهن إشارة المواطنين.

من جهته، قال مدير الدراسات والتعاون والتحديث في وزارة العدل عبد المجيد غوميجة إن استراتيجية وزارة العدل لتفعيل المادة 16 من مدونة الأسرة، موجهة في الأساس الى المناطق النائية التي قد يصعب فيها على المعنيين بالأمر المبادرة الى توثيق زاوجهم. فمراعاة لهذه الخصوصية اتخذت التدابير على صعيد تيسير إجراءات التقاضي والمساعدة القضائية، وعقد الجلسات التنقلية بالقرب من المتقاضين وشهودهم.   

وفي السياق نفسه يرى رئيس المحكمة الابتدائية في تارودانت محمد واكريم أن عدم توثيق عقود الزواج يرجع إلى قلة العدو  بالمقارنة مع مساحة الإقليم  وطبيعته الجغرافية في مرحلة سابقة، ثم لجوء بعض الآباء إلى تزويج القاصرات من بناتهم دون عقد زواج في حالة تعذر الحصول على الإذن بزواج القاصر من القاضي المكلف بالزواج، مضيفا أن القيام بحملة توعية بشكل جدي وممنهج سوف يؤدي لا محالة الى تصفية الأوضاع الزوجية غير الموثقة.


تحايل على القانون      

سبق لجمعيات عدة أن نبهت الحكومة إلى مجموعة من التلاعبات التي تستغل لتزويج القاصرات، إذ استغلت المادة 16 من مدونة الأسرة للتحايل على القانون بتزويج قاصرات بدعوى أنهن تزوجن بـ «الفاتحة».
وهو ما سبق لفيدرالية الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة أن رفعت بشأنه مذكرة مطلبية استعجالية تؤكد فيها ضرورة إخضاع تمديد فترة توثيق عقود الزواج، إلى جملة من الشروط الكفيلة بسد كل الثغرات التي تساعد في استغلال المادة القانونية في تزويج القاصرات والزواج الإجباري والتعدد.
 
وأوضحت المذكرة نفسها أن المادة 16  تستغل في تزويج قاصرات ويتخذها البعض ذريعة للتعدد، مستدلة على ذلك بنتائج مفجعة لدراسات وبحوث ميدانية قامت بها الفيدرالية ذاتها في مجموعة من الأقاليم.
ومن بين الشروط التي طالبت الفيدرالية بفرضها، تمديد العمل بالمادة 16 بالنسبة إلى توثيق عقود الزواج التي كان فيها الأزواج راشدين عندما تمت الخطوبة، وإعطاء سنة واحدة لتوثيق عقود الزواج التي كان فيها أحد الأزواج قاصرا، مع سن إجراءات عقابية بعد سنة، عندما يتعلق الأمر بزواج القاصر أو بالتعدد.

كما طالبت بإتخاذ إجراءات قانونية لتخفيف الأعباء المالية عن ذوي الحاجة، وتسهيل الوصول إلى الأماكن النائية والمعزولة. ولم تغفل المذكرة المطلبية الاستعجالية الجالية المغربية المقيمة في الخارج، إذ طالبت وزارات العدل والداخلية والوزارة المكلفة بالهجرة باتخاذ إجراءات لضمان تفعيل التعديل القانوني وكذلك الإعلام الرسمي بأن يقوم بواجبه في نشر الخبر حول السنة الإضافية، محمَّلا بطابع التنبيه.


الإحصان ودرء للفساد

أهم ملاحظة تستخلصها المنسقة الوطنية لمراكز استماع «الرابطة إنجاد» سعاد بنمسعود، هي أن بعض القضاة حولوا الاستثناء إلى قاعدة والقاعدة إلى استثناء، أي العودة إلى ما كان مطبقا في عهد مدونة الأحوال الشخصية السابقة.

فعوض أن يكون زواج القاصرات هو الاستثناء، يلاحظ من خلال الأرقام التي استخرجتها مراكز الرابطة إنجاد، من مجموعة من المحاكم المغربية، أن النسبة الغالبة لطلبات الإذن لزواج القاصرات تحظى بالموافقة، فيما ترفض نسبة قليلة وتؤخر أخرى لاستكمال الإجراءات، وهو ما يثبت عدم احترام المذكرة الوزارية الداعية إلى تحديد السن في حالات الاستثناء في 17 عاماً، وكذلك انعدام مواقف موحدة في المحاكم، وغياب النيابة العامة كطرف أصلي في دعاوى الأسرة، بغيابها عن الجلسات واقتصار تدخلها على ملتمسات كتابية تطالب فيها بـ «الحفاظ على القانون».

ويعلل أكثر القضاة الذين وافقوا على تزويج قاصرات قراراتهم بمبررات من قبيل «الظروف الاجتماعية والاقتصادية لأسرة القاصر وكفاءة الخطيب المالية»، إذ يكفي أن يكون الخطيب ميسورا لمنحه إذن الزواج من قاصر معدمة، إذ يلح والداها على أنهما غير قادرين على الإنفاق عليها وأن زواجها سيحصنها، كما تقول سعاد، مضيفة أن بعض الآباء يطالبون القاضي بمنحهم الإذن لأنهم عاجزون عن إعالة بناتهم، أو أن في الأسرة ثلاث بنات وعليها تزويجهن مبكرا، تحصيناً لهن.

وليست عبارة «الإحصان ودرءا للفساد» وهي مبرر، تقول سعاد «يحطم كرامة المرأة»، وحدها ما يرد في تعليلات القضاة لمنحهم الإذن بزواج قاصرات، بل إنهم أحيانا يبررون ذلك بالقول إن من واجبهم احترام أعراف قبائل معينة لأنها تأخذ بها أكثر من القانون، وأن من مصلحة هؤلاء القاصرات الزواج، دون أن يحددوا معيار هذه المصلحة.

أما الحالات التي يدعي فيها أولياء الأمور أن بناتهم حوامل، فإن القاضي يكتفي بما يصرحون به ولا يجري أي خبرة طبية على القاصر، بل يأخذ بما صرح به ولي الأمر، ويأذن بزواج الفتاة حماية لحقوق الطفل، في حين يتجاهل أنها هي نفسها طفلة بقوة القانون.
وتخلص بنمسعود إلى غياب إستراتيجية واضحة للدولة في تطبيق مدونة الأسرة، إذ تؤكد الأرقام المرتفعة في منطقة والمتذبذبة في منطقة أخرى أن عقليات القضاة هي المتحكم في تطبيق بنود مدونة الاسرة وليس القانون.