صرخة زوجة في رمضان...

الحياة الزوجية, علم إجتماع, الصيام, الشيخ محمود عاشور, خلافات الزوجية, علم النفس, العلاقة الزوجية, شهر رمضان, الزوجة الأجنبية

30 يوليو 2012

تعاني بعض الزوجات من غياب أزواجهن عنهن خلال شهر رمضان، فهو إما نائم في فترة الصيام أو يكون مع أصدقائه بعد الإفطار، بل وهناك بعض الأزواج يتخذون من العبادة حجة للغياب عن البيت، والنتيجة أننا أمام زوجات يبحثن عن أزواجهن في رمضان ولا يجدنهم.
«لها
» ترصد معاناة هؤلاء الزوجات وأسباب إحساسهن بغياب الأزواج، كما نرصد رأي علم الاجتماع والنفس في أسباب زيادة ظاهرة الخرس الزوجي خلال شهر رمضان.


تقول نهال، محاسبة 27عاماً: «تزوجت منذ عام ونصف العام تقريباً، ورغم اقتناعي بأن العام الأول للأزواج هو الأسوأ، اذ يتم فيه التطبيع بين العادات والأفكار على أرض الواقع، فإن عصبية زوجي الزائدة وغير المبررة في نهار رمضان أوشكت أن تجعلني أطلب الطلاق وأنفصل عنه نهائياً، لولا طلبي دائماً للصبر من الله».
وتضيف: «أستطيع القول إنني انفصلت روحياً عن زوجي لمدة 30 يوماً، خاصة أنه كان يعود مبكراً من عمله، فيمكث معي في المنزل قبل الإفطار فترة أطول، ينتقدني فيها دائماً بعصبية غير مبررة، حتى علمت أن سبب عصبيته الامتناع عن السجائر والشاي والقهوة».

رغم عصبية زوج نهال، كان حريصاً على أداء صلاة التراويح والتهجد وقيام الليل بالمسجد، وتوضح: «بعد الإفطار يهدأ زوجي مع أول سيجارة يدخنها، ثم يفر مسرعاً إلى المسجد ليصلي التراويح ويعود ليعتكف، يقرأ القرآن ويصلي قيام الليل حتى يحين السحور، ثم ينام ليستيقظ مبكراً».
وتتابع: «هكذا عشت أول رمضان لي في عش الزوجية منفصلة عن زوجي، وكنت أتجنب الحديث معه خشية إحراجي. ولكن المشكلة الأكبر أنه عندما عاد إلى طبيعته بعد رمضان شعرت بأنه رجل غريب عني، وأخذت وقتاً للتعود عليه وكأنني تزوجته من جديد».


زوجي نائم

استطاعت سمر عادل العدوي، ربة منزل 28 عاماً، التغلّب على مشكلة انشغال زوجها عنها في رمضان بالصبر والحيلة، وتقول: «أنا متزوجة منذ خمس سنوات. في أول رمضان يمر عليَّ مع زوجي وجدته إما يعود من العمل مبكراً في ميعاده وينام، أو يؤخر نفسه في المكتب حتى يعود مع أذان المغرب. وبعد الإفطار يتجه إلى المسجد لصلاة التراويح والتهجد، وعندما يعود أنام أنا من كثرة التعب طوال اليوم، ولا أجد وقتاً أمضيه معه. وعندما كنا نستيقظ قبل السحور بفترة كنا نقرأ القرآن، وبالتالي لا مجال للحديث وكأننا انفصلنا ونعيش تحت سقف واحد». 

وتضيف: لا أنكر أن إنجابي في العام الثاني للزواج ساعد في تغيير طقوس زوجي الرمضانية، مع حرصي على عدم انفصالنا أو تمكن الخرس الزوجي منا في شهر المودة والرحمة، ولأنه حريص على أداء الطاعات بدأت أطلب منه ألا يتأخر في المسجد كي أترك له ابني وأصلّي أنا التراويح في المنزل، وبالفعل استجاب. وبعد ذلك نشاهد التلفزيون لفترة ما ثم أعد السحور ونصلّي الفجر حاضراً».

وتؤكد سمر أن أي زوجة تستطيع ترويض زوجها بشيء من الذكاء والعقل، وتوضح: «ولأن ابني كبر في رمضان الثالث والرابع، حرصت على جذب زوجي إلى المنزل وعدم تكرار غلطة العام الأول، فكنت أصلّي معه التراويح في المسجد نفسه لنعود معاً إلى المنزل لنتابع التلفزيون قليلاً قبل السحور. ولأن الله رزقني هذا العام طفلة جديدة فقد اتفقت معه على العودة مبكراً من الصلاة كي يعتني بالولدين وأصلي أنا في المنزل. ومازالت طقوسنا واحدة في مشاهدة التلفزيون معاً، والحمد لله أنني نجحت في هذا الأمر».


أصدقاء زوجي

تعترف ياسمين، مديرة تسويق 35 عاماً، أن عمل زوجها كمهندس اتصالات شاق جداً في رمضان، خاصة أنه دائماً موجود في الشارع وأماكن مختلفة لتركيب شبكات المحمول أو صيانتها. إلا أن هذا لا يغفر له، حسب تأكيدها، انفصاله عن أسرته في شهر رمضان، وتقول: «ألتمس لزوجي العذر قبل الإفطار، لكن بعده لا أجد له أي مبرر يهملنا بسببه في الشهر الكريم، خاصة أنه دائم الخروج يومياً مع أصدقائه، إما يجلس معهم على المقهى أو يسهر في الخيام الرمضانية. المشكلة الكبرى لديَّ في الولد والبنت التوأمين الكبيرين وعمرهما 13 عاماً، فهما يريدان الخروج والتنزه، خاصة أن رمضان هذا العام في الصيف وبالتالي السهر يحلو خارج المنزل، خاصة أنهما يعشقان الخروج والتصوير ليضعا صورهما على «الفيسبوك»، لكن زوجي إذا نفذ طلبهما مرة لا يكررها طوال الشهر».

أما عبير فؤاد، خبيرة الأبراج، فتؤكد أنها لا تفتقد زوجها على الإطلاق في رمضان، وتوضح: «لا تختلف عادات زوجي إطلاقاً، فهو حريص على طاعة ربه طوال العام، وعلى أن يتقي الله فيَّ وفي الأولاد، وحريص أيضاً على الوجود معنا طوال الشهر، لأنه الوقت الوحيد الذي تكون ساعات العمل فيه قليلة وبالتالي فرصة الوجود مع الأسرة أكثر».
وتضيف: «لا يفطر زوجي بدوننا إطلاقاً، فإما يعزم أصدقاءه وأسرهم في المنزل أو خارج المنزل، وأشاركه في تلك العزومات حتى لا يبتعد عني، فزوجي يرى أن الشهر الكريم فرصة عظيمة لتواصل الأرحام، فإما يخرج معنا نتنزه أو يجلس معنا في المنزل أو نزور عائلتي وعائلته».


العمل ضرتي

بدموع حبيسة في أعينها، تشكو أميرة بشادي، مصممة أزياء، من تسبب عمل زوجها في البعد عنها في رمضان، وتقول: «العمل ضرتي، يخطف مني مصطفى في رمضان، فهو يعمل مهندس نفط ومن صميم عمله السفر إلى مواقع النفط، وبالتالي يتنقل بين دول الخليج والشرق والأوسط طوال الوقت فيبعد عني بالأسابيع، الأدهى من ذلك افتقادي له في رمضان أيضاً، حيث يسافر أسبوعين خارج مصر ثم يرجع أسبوعين، خلالهما يعمل بالشركة، وبالتالي لا أراه إلا بعد الإفطار لمدة أسبوعين».

وتتابع: «أنا على اقتناع بأن البعد يزيد الجفاء بين الزوجين، ورغم بعد زوجي عني في الشهر الكريم، فأنا حريصة تماماً على التواصل معه عندما يكون خارج مصر، أكلمه دائماً بالفيديو على الإنترنت وأطلعه على أخباري. وحتى إذا كان داخل البحر، ومن الصعب التواصل بالإنترنت أرسل إليه رسائل موبايل، وعندما يعود إلى القاهرة أحرص دائماً على اتباع مبدأ «أقرب طريق إلى قلب الرجل معدته»، وأعد له ما لذ وطاب من أصنافه المفضلة، والأجمل من ذلك أننا حريصان على تمضية الوقت معاً، فمثلاً نصلّي التراويح في مسجد واحد، كما نتفق على متابعة مسلسل أو برنامج معاً في التلفزيون، وأرى أن هذا الوقت جيد للتواصل، إما نتحدث فيه أو نتناقش فيما نشاهده، وعند وقت السحور يساعدني في إعداده.

وترى أميرة أنها تبذل قصارى جهدها في كسر حدة بعد المسافات مع زوجها، وهو أيضاً يساعدها في ذلك، وتضيف: «بعد الإفطار نفعل كل شيء معاً حتى قراءة القرآن، اليوم الوحيد الذي نفترق فيه عندما يفطر هو مع أصدقائه خارج المنزل، وبدوري أرتب للإفطار مع صديقاتي في اليوم نفسه، وبعدها نتقابل، فإما نكمل سهرتنا في أي مكان أو نعود إلى المنزل لنمارس طقوسنا».


تفاقم الظاهرة

من جانبه، نفى الدكتور فاروق لطيف، أستاذ الطب النفسي في جامعة عين شمس، أن يكون هجر الأزواج لزوجاتهم وأسرهم أمراً عارضاً لا يحدث إلا في رمضان، قائلاً: «الهجر والصمت الزوجي موجود في غالبية الأسر في أيام السنة العادية، لكن قد يزيد بصورة ملحوظة في رمضان، والمرأة قد تكون طاردة لزوجها دون أن تشعر ثم تشكو بعدها، فمثلاً قد يكون الزوج محباً للخروج وهي بيتوتية هنا سيعرض عليها الأمر مرة تلو الأخرى، فيخرج هو بدونها حتى يصبح الخروج بمفرده عادته التي قد تتحول إلى هجر في ما بعد». ويتابع: «الزوجان فقط هما من يقرران شكل حياتهما، فالله سبحانه وتعالى أوضح لنا كيف نتزوج وكيف نطلق، أما تفاصيل هذا الرباط المقدس فالزوجان فقط من يتحكمان فيها، ويفضل تحديد قانون التعاون بينهما منذ فترة الخطوبة كي لا يواجها مشاكل فيما بعد، وعلى الأمهات تربية أبنائهن على ذلك، لذا أؤكد دائماً أنه إذا كان الزوج طاغية فإن الزوجة هي التي فرّطت بحقها منذ البداية».


ميثاق تعاون

أما الدكتور رفعت عبد الباسط، أستاذ علم الاجتماع في جامعة حلوان، فيقول: «إن لم يتفق الطرفان منذ الخطوبة على ميثاق تعاون حياتهما الأسرية، عليهما أن يعلما أن رمضان ليس شهر عبادة فقط، بل تكافل ورحمة، ولو استطعنا تنظيم هذا الشهر ما بين العمل والعبادة والتقارب الأسري والعائلي، سيعطينا هذا الشهر كمية من الروحانيات نعيش بفضلها عاماً كاملاً».

ويضيف: «بسبب الحياة السياسية المتوترة التي تعانيها دول الربيع العربي، نستطيع القول إن الزوجين يهربان من بعضهما في رمضان تجنباً للمشاكل الاقتصادية والخلافات الفكرية أيضاً، فقد نرى الزوجة تهرب بدورها إلى المطبخ أثناء وجود زوجها في المنزل كي لا تصطدم به، لذا عليها تقديم يد العون أولاً، وأن تكف عن ملاحقته بالطلبات أو الخلافات، مكتفية بالجو السياسي العام المحبط للجميع. من الممكن أن تعد له الحلوى وتضعها أثناء مشاهدته التلفزيون. فمعروف أن السكريات والشوكولاتة تزيد هرمون السعادة في الجسم، وبالتالي يعتاد زوجها على متابعة بعض البرامج والمسلسلات معها في سلام. لذا أكرر دائماً أن المرأة هي قبطان الحياة الزوجية الحقيقي، وما الرجل إلا مخطط استراتيجي، لذا يقع على عاتقها التفكير للخروج من الأزمات».


حجة

ويستنكر الدكتور محمود عاشور، وكيل الأزهر سابقاً، هجر بعض الأزواج لزوجاتهم في رمضان، ويقول: «الزوج في اللغة رب الأسرة وعائلها، فكيف يقصر في حق أسرته؟ لا أستطيع القول إنه يأثم بالانشغال عن منزله ولو بالعبادة، فالحساب لله وحده، ولكن ينبغي عليه أن يعلم أن الله أمرنا بمراعاة أسرنا وعدم الانشغال عنها ولو بالعبادة، فيذكر أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، سأل زوجة أحد الصحابة عن زوجها، فأخبرته أنه دائم العبادة ليلاً نهاراً، فأرسل إليه وقال له : «إِنَّ لِبَدَنِكَ عَلَيْـكَ حَقًّا، وَإِنَّ لأَهلِكَ عَلَيْـكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْـكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ». لذا على رب الأسرة إذا أراد العبادة أن يأخذ بيد أهل بيته إليها، ولا مانع من اصطحابهم معه إلى المسجد، ويجب ألا تكون العبادة حجة يتذرع بها للابتعاد عن أسرته».