حكايات أبناء يعيشون بين أبَوَيْن منفصلين
سوريا, مواقع الزواج الإلكتروني, العائلة, إنفصال, غرفة الأولاد, خوف الانفصال عن الأهل, أبراج
03 سبتمبر 2012ريمندا خليل ـ 37 سنة، موظفة: تزوج أبي بامرأة لتهتم بنا، ففضلت أولادها علينا وعاملتنا كالخدم
«توفيت والدتي وأنا في سن الخمس سنوات، وكانت أختي في الثالثة. كان والدي موظفاً حكومياً، نعيش في منزل لا بأس به مكون من ثلاث غرف ومطبخ وحمام وعلى سطح المنزل غرفة صغيرة مهملة.
ماتت والدتي بعد صراع مع مرض السرطان، ووالدي كان منهكاً وحزيناً من كل هذا الوضع، وهو شخص طيب لكن كان العمل يأخذه كل اليوم لأنه بعد العمل الحكومي كان ملتزما بعمل آخر، فلم يكن يعود إلا آخر الليل. واحتار ماذا يفعل ويقدم لنا خاصة أنه لا أقارب له، فكانت نصيحة أحد الجيران أن يتزوج بامرأة أخرى ترعانا وتقوم بما يلزمنا حتى نكبر. وبعد محاولات قبلت امرأة مطلقة لديها طفلة وطفل بالزواج من والدي، شريطة أن يعيش ولداها معنا. ووافق أبي على طلبها لأن وضع البيت كان بحاجة إلى سيدة ترعانا، وقال لها طفلاك وطفلتاي أخوة وسنتعاون على تربيتهم، وبالفعل تم الزواج.
وبعد فترة وجيزة لم تتعدَّ الشهر، بدأت ألاحظ ورغم صغر سني سوء المعاملة، فهي تضع الطعام وتطعم ولديها ولا تنادينا إلا عندما ينتهون هم من تناول الطعام. وهكذا مرت الأيام، وأصبح عمري عشر سنوات، وأختي الصغرى ثماني سنوات، وولدا زوجة أبي كبرا، ولكن المصيبة الكبرى كانت عمل والدي المستمر وعدم وجوده في المنزل، فلم نكن نراه إلا يوم العطلة، ولا نستطيع الكلام معه إلا كما تأمر زوجة أمي، لأنها كانت متسلطة، وأنجبت من أبي صبياً وكان اهتمام والدي بابنه الجديد ينسيه وجودنا.
كانت زوجة والدي تستيقظ منذ الصباح وترسلنا الى المدرسة بدون فطور حتى تحضر السندويش لأولادها، ونعود جائعين جدا لنأكل بقايا الطعام، ثم نتجه لأعمال البيت التي تنتظرنا بشكل يومي أنا وأختي الصغيرة. نقوم بالمسح والشطف وكل الأعباء التي لا يتحملها أحد، وكانت زوجة أبي عندما لا نقوم بالعمل على أكمل وجه تضربنا بشدة وتعاقبنا بحرماننا من الطعام. وعندما يكون والدي في المنزل وفي أيام العطل تجلس الى جانبه وإذا تحدثنا أمامه عما يحصل في غيابه، تكذب وتبكي وتقول أنها تتعب وتقدم لنا كل شيء، وأن السوء مني ومن أختي.
لا أعرف كيف مرت الأيام، ووجدت نفسي ابنة 15 سنة، وبدأت أختي تعاني مرض الروماتيزم الشديد وبدأت قواها تخور بسبب البرد والنوم في الغرفة المهملة على السطح بحجة أن المنزل ضاق بالأولاد. ومع الأيام تركنا المدرسة لتراجعنا في دروسنا أنا وأختي، وتدهورت حالة أختي لتصل إلى حد الفشل الكلوي، ومن ثم توفيت وهي في الخامسة عشرة. لن أنسى هذا اليوم في حياتي، فالإهمال وسوء المكان والتربية والعناية أوصلتنا الى هذه النتيجة.
لملمت أحزاني وعشت بقية الأيام بحسرة فلا ألبس إلا الثياب القديمة، وأولادها يلبسون الثياب الجديدة، أنا لأعمال المنزل ولخدماتهم وهم للحياة الكريمة.
مرةً جاءنا ضيوف فقمت بتحضير الضيافة وقدمتها، فعرفتني على أني الخادمة في المنزل، ولن أنسى هذا الموقف المهين... لو كانت أمي موجودة، هل كنت سأعيش هكذا؟
وعندما أصبحت في السابعة عشرة، استطاعت زوجة أبي أن تقنع والدي الذي ساءت حالته الصحية بأن يزوجني برجل يكبرني خمسة عشر عاما، بحجة أني لم أنجح في الدراسة وأن أولادها يتعلمون، وأني مجرد خسارة في المنزل، فأنا للأكل فقط، هكذا قالت ولا تزال كلماتها ترن في أذنيّ.
وافقت على الفور وتزوجت هاربة من الجحيم، لأقع في جحيم أكبر. فالرجل الذي تزوجته لا يعرف أي مسؤولية ويريد امرأة تخدمه وتخدم والدته المسنة. حملت وأنجبت منه ولدا وبنتاً، وبعد سنوات مات زوجي في حادث سير، وهنا الكارثة، كيف أعيش ولا أستطيع العودة إلى بيت والدي، أقصد بيت زوجة والدي التي قاطعتني هي ووالدي من بعد زواجي لأسباب أجهلها حتى الآن.
سألت أهل الخير وشرحت ظروفي، فقاموا بمساعدتي بتأمين عمل لي كمستخدمة في دائرة حكومية لأعيش على راتب ضئيل.
الحمد لله هذا نصيبي، أقدم الحنان الكامل لولديّ وأحيطهما بحبي، حب الأم الذي حرمت منه، وأنا راضية بحياتي، حتى يختار لي الله ما يراه خيرا لي».
عائلة لبنانية من سبعة
أخوة أشقاء وغير أشقاء: تعيش في مَحبة ووئام
غالباً ما تكون تجربة إنفصال الأهل وزواجهما مرة أخرى تجربة شاقة على الأطفال وخاصة في حال إنجاب الأم أوالأب أطفالاً آخرين من زواج ثان، إذ تؤدي الغيرة في بعض الحالات إلى الكراهية والقطيعة بين الإخوة غير الأشقاء. لكن بالنسبة إلى هذه العائلة الإستثنائية فإيجابيات هذه التجربة فاقت سلبياتها والعائلة بقيت متماسكة وموحدة أكثر من ذي قبل. سبعة إخوة عندما تشاهدهم عن قرب، يلمسك دفء العلاقة التي تجمعهم ومدى دعمهم الواحد الآخر، ثم تدهش إذ تعرف أنهم في الحقيقة إخوة غير أشقاء من أبوين مختلفين، أحمد وأمل ورضوان وزاهية دياب أبناء زواج الأم الأول ونداء وموسى ورواد ماجد أبناء الزواج الثاني.
- كيف تصف علاقتك بإخوتك غير الأشقاء موسى ورواد ونداء؟
أحمد: عنددما رأيت للمرة الأولى رواد، أخي البكر من زواج أمي الثاني، أحسست بمشاعر مختلطة بين الدهشة والغرابة. أحببته لكن كانت الفكرة غريبة علي وربما يعود ذلك أيضا إلى فارق العمر الكبير بيننا. أحسست كأنه إبن صديقي مثلا وليس أخي لكن مع الوقت أحببته أكثر وأحسست برابط قوي تجاهه، مزيج من الأخوة والأبوة وبالمسؤولية وبالرغبة في حمايته. وعند ولادة موسى أخي الثاني لم يعد الأمر غريبا وعند ولادة أختنا الصغرى نداء، كنا في قمة الفرح أنا وإخوتي الآخرين وأصبحت طفلتنا الصغيرة المدللة. لقد لعبت أمي دورا أساسيا في التقريب بيننا عبر طرق خفية وخلاقة لم تتضح أهميتها إلا مع الزمن. فقد تعاملت مع الوضع بعفوية ولم تفرق بيننا وأعطت كلاً منا دورا في حياة الآخر بحيث أصبحنا لا يستغني بعضنا عن بعض. فمثلا كانت ترسل دائما إخوتي الصغار معنا في أي نزهة أومشوار وتوصينا برعايتهم. كذلك عندما تسافر هي وزوجها يتركان الأطفال في عهدتنا. وبيت أمي وزوجها أصبح بيتنا أيضا، فعمي رحب بنا كجزء من العائلة وحتى أبي كان يشجعنا دائما على التقرب من أخوتنا. لفظ أخ شقيق أوغير شقيق لم يدخل في قاموس عائلتنا وأنا عندما أعرف عن إخوتي، لا أضع فارقا فتحدث أحيانا مواقف طريفة مع الناس الذين يفترضون أننا بطبيعة الحال نحمل كلنا إسم العائلة نفسه ثم عندما يكتشفون العكس تصيبهم الحيرة فيسألونني وأضطر حينها للشرح.
أما موسى فيقول:
في البداية كانت علاقتي بهم تختلف عن إخوتي الأشقاء الذين هم أقرب إلي عمري، علاقتي بإخوتي من أمي كانت أبوية أكثر. لكن لما كبرت، أصبحت علاقتي بهم وطيدة أكثر فألجأ إليهم في المشاكل التي لا أستطيع مصارحة والديّ بها لينصحوني كيف أتعامل معهما أوأقنعهما برأيي فهم مروا بالتجارب نفسها مع أمي ويفهمون طباعها.
يضيف أحمد ضاحكا وهو يستمع الى كلام موسى: أنا أنصح دائما إخوتي الصغار بالكف عن المقاومة وسماع كلام أمي فنحن جربنا من قبلهم ولم ننجح.
- كيف ترى تجربة إنفصال أهلك سلبية أم إيجابية؟
أحمد: عندما انفصل أبي وأمي اضطررنا بسبب الظروف أن ننشأ بعيدا عن أمي في طفولتنا الأولى، لكن عندما أنظر الآن أرى أن أمي عوضت علينا بعائلة كبيرة متماسكة، وفرحتي الآن بإخوتي جميعهم كبيرة ولا أحس أبدا بالوحدة بل أنا محاط بالحب والدعم.
- ماذا تعلمت من هذه التجربة؟
موسى: الوضع الخاص لعائلتنا علمنا أن نكون منفحتين كذلك علمنا التسامح والحب والطيبة بطريقة مميزة.
الأخوات
أما بالنسبة إلى علاقة الأخوات ببعضهن فتقول نداء، أصغرهن جميعاً:
«عندما يسألني أحد عن عائلتي، أجيب بفخر أن لدي سبعة إخوة وأشعر أنني محظوظة بوجود أختيّ الكبيرتين، فليس لدي أخت من أمي وأبي وأنا وحيدة على صبيين لذا فدور زاهية وأمل مهم جداً في حياتي. ونظرا الى فارق العمر استفدت من خبرتهما وتجاربهما المختلفة في الحياة. فمثلا أمل تعجبني طريقتها في تربية أولادها وعلاقتها بهم. أما زاهية فمرت بتجربة طلاق صعبة وخرجت منها أقوى وحافظت على مرحها وحبها للحياة. عندما كنت صغيرة، كنت أحس أن زاهية أم أكثر منها أختي فهي كانت تعطيني إهتماما كبيرا وتتابع معي دروسي وتعاقبني إذا أخطأت. الآن بعد أن كبرت أحسها أكثر أختي وصديقتي. أما أمل فعلاقتي بها مختلفة، نتكلم كثيرا وأتشارك معها أفكاري والكتب التي أقرأها ونشاهد الأفلام معاً. أيضا تجمعني علاقة خاصة جدا بأبناء إخوتي فمن أطرف الأمور وأغربها أنني أصبحت خالة وأنا عمري خمس سنوات فقط عندما أنجبت أختي أمل إبنها البكر فيصل، لذا كنت أقرب بالعمر إلى إبن أختي منه لأختي وعلاقتي بأبناء إخوتي هي علاقة إخوة وصداقة وأنا فخورة جدا بهم وأحب عندما ينادونني « عمتو« أو «خالتو». وأنا رفيقتهم في اللعب، نمرح ونضحك معاً وأحب الوقت الذي أمضيه معهم.
- إلى ماذا يعود الفضل في العلاقة الطيبة بينكم؟
تجيب أمل وهي الأكبر سنا بين إخوتها وأخواتها:
يعود الفضل الكبير إلى أمي فهي الجندي المجهول، دائما كانت تردد على مسامعنا: « التسامح وصلة الرحم». وبعد طلاقها من أبي وزواجها مرة ثانية، أبقت علاقتها الطيبة مع والدي وحتى مع أهله وحاولت جاهدة أن تجمع العائلتين عبر كل الطرق لتقريبنا من بعض. فمثلا هي اقترحت أن أعمل أنا وأختي عند عمي (زوج أمي) ومع الألفة التي نشأت بيننا، أصبحنا نحب عمي ونحترمه كأخ أكبر أوأب ثانٍ. كذلك لم يمانع عمي أن تظل أمي على إتصال بأبي. ومع الأيام والسنين صارت العلاقات أقوى وربما يعود ذلك أيضا إلى تنقلنا نحن الأبناء بين العائلتين فأبي كان يعيش في الرياض وأمي وعمي في بيروت مما أبقى الأهل على صلة إلى أن جاء اليوم ووحصل لقاء بين أبي وعمي في الرياض بعد أن انتقلت أمي وزوجها إلى هنالك وأبي هوالذي طلب إستقبال عمي. كان يوما تاريخيا في حياتنا لانهما لم يلتقيا وجها لوجه من قبل وكنا نترقب بحذر نتائج هذا اللقاء فإذا بهما يتفقان ويجري اللقاء بود ومحبة. ورأى الإثنان أن في اجتماع العائلة ووحدتها حماية ودعماً لنا نحن الأبناء. ومنذ ذلك اليوم أي منذ 11 عاماً وكل العائلة تلتقي أسبوعيا على الغداء في بيت أمي وزوجها. نأتي أنا وإخوتي وأولادنا يصحبنا أبي الذي يحرص على العلاقة الطيبة مع عمي ويري فيه أبا ثانيا لنا يؤمنه على أولاده من بعده ويثق به خاصة أن أبي يكبر عمي بأعوام كثيرة (20 عاماً)، وعمي يحترم أبي وكلنا نعتبره كبير العائلة، كذلك أخوتي من أمي يحبون أبي كثيرا ويروه فيه صورة الجد اوالخال الكبير.
- هل من البديهي أن يحس الإنسان بالقرب من أخيه الشقيق أكثر من أخيه غير الشقيق؟
أمل: أبدا ليس بالضرورة، فأقرب أخ إلي هو رواد وهوأكبر إخوتي من أمي وتجمعنا صداقة قوية وأئتمنه على أسراري وهو بالمثل رغم فرق العمر بيننا. حبي لإخوتي جميعا هوواحد لا يتجزأ (الأشقاء أو غير الأشقاء) لكن القرب له علاقة بانسجام الشخصيات مع بعضها وتآلفها.
- هل يستغرب الناس الوضع الخاص لعائلتكم؟
أمل: أكثر ما يستغربه الناس هو العلاقة الطيبة التي تجمع أبي وعمي (زوج أمي) فهذا غير معتاد في مجتمعنا،حتى أننا في البداية أصبحنا محط سخرية الناس إلى أن تقبلوا عائلتنا. فنحن مثلا على عيد الأب نجتمع جميعا لنحتفل بأبي وعمي، ومنذ فترة عندما مرض عمي اجتمعنا كلنا في المستشفى ومعنا أبي وكل قدم العون على طريقته. أتمنى فعلا أن يستفيد الناس من تجربتنا بدل استغرابها فقط ويؤمنوا أن بوسع المحبة والتسامح التغلب على كل العقبات وجمع وتوحيد أي عائلة مهما كانت الظروف إذا وضع الأهل مصلحة الأولاد فوق كل الإعتبارات والمشاحنات الشخصية، فالعائلة دعم وحماية للإنسان، وصلة الرحم مقدسة.
من سورية: تجربتان متناقضتان
وهاتان قصتان من سورية، الأولى عوّض فيها زوج الأم عن غياب الوالد، والثانية انتقلت فيها احدى الفتيات من قهر زوجة الأب الى قهر الزوج
يروي علاء الدين سفر ـ العمر 35 سنة، قصته قائلاً: «انفصلت والدتي عن والدي عندما كنت في السنة الأولى من عمري، كانت أمي إنسانة بسيطة لم تكمل دراستها ولم تحصل على أي عمل بالطبع، فتزوجت من والدي، واكتشفا بعد الزواج أنهما غير متفاهمين على الإطلاق، وبعد ولادتي بسنة تم الطلاق بينهما وتزوج أبي بأخرى.
وفي السنة الثانية تزوجت أمي من رجل أرمل عنده ابن وابنتان، وكان الصبي في سني تماما. انتقلت أمي للعيش مع هذا الرجل في بيته المتواضع وكنت معها لأن والدي الحقيقي ترك حضانتي لأمي. كانت معاملة زوج أمي معاملة إنسانية ومحبة وأصبح بمثابة أبي فعلا وجعلني ابنا له، وكذلك والدتي تعاملت مع أولاد زوجها معاملة حسنة، فكانت تطعمهم وتنظفهم وتساعدهم في كل شيء وكأنهم أبناؤها، حتى أنها كانت تشتري لهم حاجاتهم مثلي تماما.
أما عن علاقتي بأولاد زوج أمي فكنا كالأخوة فعلا، نلعب معا وندرس معا، ولم نشعر بأي تفرقة، أو أني غريب عنهم. كنا ننام في غرفة واحدة فالبيت كان مؤلفاً من غرفتين فقط، نستيقظ صباحا ونتناول فطورنا ونذهب الى المدرسة ونعود إلى البيت نلعب ونأكل وندرس معا. كان زوج أمي يأتي من عمله ومعه ألعاب وأكلات لذيذة، يعطينا الألعاب والطعام يمازحنا ويقول لنا دائما، أنتم أخوة وأنتم أولادي، وأنت يا علاء ابني الغالي.
لم أشعر أبدا بغياب الأب أو فقدانه، لأن زوج أمي كان دائما موجوداً في لحظات حيرتي وحاجتي. كان يقدم لي النصيحة، حتى أنه لم يكن يضع حواجز بيني وبين ابنتيه، بل كان يردد دائما أن عفراء وصبا هما أختاي وكان يطلب مني أن أكون معهما الأخ الحنون، وهذا ما كنت عليه، الأخ المحب والحنون. كنت سعيدا لأن أمي رغم فقر هذا الرجل، كانت سعيدة معه لتعامله المحب معها وتعامله الأبوي معي، وكنا دائما أسرة جميلة ومتفاهمة.
الجو الذي تربينا فيه أهّلنا لأن ندرس جميعنا، عفراء وصبا درستا التمريض وتزوجتا وبكيت على فراقهما يوم زفافهما، وبقينا أنا وقصي ابن زوج أمي، وهو أخ رائع لم تلده أمي. درس قصي التجارة والاقتصاد وهو الآن موظف مرموق في بنك خاص، أما أنا فدرست الهندسة المعمارية التي أحبها منذ الصغر، وكان زوج أمي يشجعني على دراستها عندما كان يراني ألعب بالحجارة والتراب وأبني بيوتا صغيرة.
زوج أمي صرف علي أثناء دراستي كما صرف على قصي ابنه، وكان سعيدا بذلك، وهو الآن مريض بالشلل النصفي، وجاء مرضه بعد تخرجي وعملي في إحدى الشركات، وحزنت جدا لمرضه، ولم أكن إلا ابنا صالحا له، فأنا لا أنام قبل أن أجلس معه وأغير له ثيابه وأعطيه الدواء، وأساعد أمي في حمامه. وسأبقى وفيا له لأنه إنسان صالح رأف بحالي وأنا صغير عندما تخلى عني والدي، وعاملني كأولاده ولم أشعر بأي فرق، ولم أشعر بغربة أبدا، مع أن والدي الحقيقي لم يرني إلا مرتين طيلة حياتي بعد طلاقه من والدتي. هذه الحياة غريبة، تجد الناس الذين لا تربطك بهم صلة الدم أحباء أوفياء يقدمون الحنان على عكس الناس الذين خلقت من صلبهم.
أذكر مرة أني كنت مريضاً وعندي امتحان في المدرسة، فحملني أبي إلى المدرسة وقدمت الامتحان وأعادني الى البيت وأعطاني الدواء اللازم ولم يذهب الى عمله من أجلي. أذكر يومها أن أمي بكت من شدة حنان هذا الرجل، وقالت أن الله لا ينسى أحدا».