العنف والتحرش نساء يسردن قصصهن في ظل القوانين والمواثيق الدولية

كارولين بزي 23 ديسمبر 2018

لكل واحدة منا قصة، قصة حب، حكاية عنف وتجارب عدة رفضها المجتمع أو عارضها  بقوانينه وعاداته. من أجل الإفصاح عن مكنونات كل ما تضمره نفوسهن في جلسة مصارحة، نظّمت جمعية Female بالتعاون مع “هيفوس” أمسية حكواتية ليلية بغية الاستماع إلى معاناة أو تجارب نساء من مختلف البيئات اللبنانية. في ما يأتي عرضٌ لبعض القصص التي روتها نساء عشن العنف بأشكال مختلفة.

 

منى أسيرة التقاليد والعنف الأسري

ولدت “منى” (اسم مستعار) في عائلة محافِظة في الشمال اللبناني، وعاشت مرحلة صعبة في تلك المنطقة، إن كان من الناحية الأمنية أو العائلية. ولطالما واجهت “منى” اعتراضاً من عائلتها ومجتمعها على تصرفاتها، إذ كانت تُمنع من مشاطرة الفتيان لعبة كرة القدم، بل كان يُفرض عليها اللعب بألعاب البنات فقط، وهو ما كانت ترفضه بشدّة. مشكلة “منى” لم تكن في النشأة فحسب، بل في العنف الذي كانت تتعرض له من والديها ومحاولتهما اختيار الاختصاص الجامعي الذي عليها أن تدرسه، إلى جانب العنف اللفظي الذي كانت تتعرض له والدتها يومياً والتي كانت تلتزم الصمت وتنفذ أوامر زوجها بدون نقاش... وهو ما حاولت أن تمارسه على ابنتها أيضاً. ولطالما رضخت “منى” لأوامر عائلتها، لكنها وصلت إلى مرحلة قررت فيها التحرر من هذه القيود، فقصّت شعرها وهو ما كان مرفوضاً في عائلتها، وحتى المجتمع المحافظ الذي تعيش فيه هاجمها لأنها قامت بهذه الخطوة التي يعتبرها أفراده أكثر من جريئة.

الأمر لم يقتصر على ذلك، فالمشاكل والعنف الذي تعرضت له والدة “منى” من أبيها أوقعها في دوامة الاكتئاب، إلا أن عائلتها لم تعر اهتماماً لمشاكلها الصحية إلى أن انفصلت والدتها عن والدها للمرة الأولى ثم عادت إليه مجدداً، انفصلت ثانيةً عن مُعنّفها ثم عادت إليه، وأخيراً انفصلت عنه للمرة الثالثة والأخيرة وعاشت إلى جانب ابنتها “منى” بعيداً من أجواء العنف والمشاكل التي عايشتها مع والدها.

بعد التحرّش بها...  ماذا فعلت “ندى”؟

تمارس “ندى” عملاً يحتّم عليها السفر والتنقل بين لبنان والدول العربية. وفي إحدى الرحلات، حاول أحد الشبان الذي يجلس إلى جانبها في الطائرة التحرش بها. وفي رحلة أخرى، كانت نائمة في الطائرة وحاول شاب آخر أيضاً التحرش بها، فصفعته وهدّدته بأنها ستكسر يده إذا حاول مجدداً. وما إن وطأت قدماها أرض لبنان حتى توجّهت إلى مدرب تايكيدو طالبةً منه أن يدرّبها على بعض الحركات التي تمكنّها من التصدّي للمتحرش وتلقينه درساً لن ينساه أبداً.

تجربة “لمى” بين العنف المنزلي والتحرّش في العمل

أما بطلة القصة الثانية فاسمها “لمى”، وعمرها 18 عاماً، وقد تربّت في عائلة تتبع نظاماً عسكرياً، ذلك أن والدها عسكري ونقل المبادئ العسكرية الصارمة الى المنزل، فكان يُلزم ابنته بأن تتفوق على زملائها في الدراسة، وعندما تحوز علامات أقل من المعدّل كانت تتعرض للضرب من جانب والدها.

في أحد الأيام، كانت “لمى” تزور صديقتها، فاتصلت بها والدتها طالبةً منها العودة الى المنزل، فامتثلت لأوامرها، وكانت الساعة تشير الى العاشرة ليلاً، وما إن دخلت “لمى” المنزل حتى انهال عليها والدها بالضرب، فكفّت يده محاولةً الدفاع عن نفسها، فغضب من رد فعلها المفاجئ، وخافت الأم وطلبت من الابنة أن تعتذر لأبيها، لكنها رفضت وأكدت أنها لم تخطئ التصرف حتى تعتذر، بل كانت تدافع عن نفسها. ولا تنكر “لمى” أنها تحب والدها كثيراً، وتربيته انعكست على أسلوب حياتها وحتى على مشيتها ونبرة صوتها العالية. تخرّجت “لمى” في كلية الإعلام، لكنها واجهت الكثير من المشاكل في البداية. ذات يوم تقدمت للعمل في إحدى المؤسسات الإعلامية، وفي الموعد الأول لها مع مدير المؤسسة حاول الأخير التحرّش بها، فنهرته وصرخت في وجهه رافضةً الوظيفة. لم تيأس “لمى” وتقدّمت للعمل في إحدى المؤسسات في الإخراج، المجال الذي لطالما حلمت به، لكن في أثناء لقائها الأول مع المدير، حاول التحرّش بها، ففقدت صوابها... وعن ذلك الموقف تقول: “في تلك اللحظة، تشتت تفكيري ولم أعد أعرف كيف أتصرف، لكنني استجمعت قواي ووضعته أمام خيارات ثلاثة، فإما أن يكفّ عن التحرش بي، أو أفضحه أمام موظفيه، أو أخبر عائلته، خصوصاً أن ابنته في مثل سنّي، وبالتالي سيكون موقفه صعباً... فكان لي ما أردت وعملت في المؤسسة وما زالت حتى اليوم”.

وتقول “لمى” إن ابنة مديرها على دراية بأفعال والدها الشنيعة مع موظفاته، وهي تشعر بالخجل من تصرفاته المشينة. ولذلك فهي تناشد كل فتاة تتعرض لتحرش أو عنف بأن ترفع الصوت عالياً في وجه المعتدي وتفضحه في المجتمع. 

“ليال” تحكي تجربتها مع الاغتصاب والعنف اللفظي

تعرّف “ليال” عن نفسها بأنها فتاة رومانسية، ولها من العمر 19 عاماً، وتلفت إلى أنها تعرّفت إلى شاب زميل في الجامعة وأُغرمت به كثيراً، ولكن المشكلة ليست هنا، بل تكمن في التعنيف اللفظي الذي كانت تتعرض له “ليال” من حبيبها وإساءته معاملتها أمام الناس. تسأل “ليال” نفسها دائماً، لماذا كنت أقبل بهذا الكلام؟! من دون أن تجد جواباً شافياً... وتتابع: “في آخر مرة أساء إليّ، كنت مع صديقتي، وطلبت مني أن أرافقها إلى السوق، فاستشاط غضباً، ومن يومها لم أعد أراه”. وتضيف: “بعدها، ارتبطت برجل يكبرني بـ 17 عاماً. كان إنساناً رائعاً وخلوقاً. حملت منه وبعد أن خضعت للفحص الطبي تبين أن الجنين يعاني تشوهاً خلقياً، وبالتالي كان عليّ أن أجهضه، فأسقطتُ الجنين في وقت كان فيه زوجي مسافراً وأمي بعيدة عني، ولم أجد إلا صديقة واحدة بقربي، لكن بمجرد أن علمت أن زوجي يكبرني بـ17 سنة، استاءت وحرّضتني على الانفصال عنه، فانتظرت عودته من السفر وواجهته بطلب الطلاق، ففوجئ في البداية واتهمّني بالخيانة، لكنني ألححت على الانفصال، فطلّقني، وصرت أبذل مجهوداً كبيراً لأحقق طموحي في العمل”.

وتبرّر “ليال” تقبّلها الإساءة من حبيبها الأول بأنها تعرّضت للاغتصاب في صغرها، وهذا جعلها تشعر بأنها أقلّ شأناً من الفتيات العذارى، وبالتالي عليها الرضوخ لأي رجل يحبّها وتقبّل إهاناته. وأدركت “ليال” متأخرةً أنها لم تكن السبب في فقدانها عذريتها، وبالتالي المسؤولية تقع على الجاني، وهي اليوم متصالحة مع نفسها ومستعدة لمواجهة كل أشكال العنف.

إن القصص الآنفة الذكر تتناول موضوعاً أساسياً ألا وهو العنف ضد المرأة، ومن ضمنه التحرش، ولكن ما هي القوانين التي نصّ عليها لبنان والدول العربية، بالإضافة إلى المواثيق الدولية التي تحمي المرأة من العنف بأشكاله... في ما يأتي أبرز القوانين في لبنان والدول العربية.

بعد التحرّش بها...  ماذا فعلت “ندى”؟

تمارس “ندى” عملاً يحتّم عليها السفر والتنقل بين لبنان والدول العربية. وفي إحدى الرحلات، حاول أحد الشبان الذي يجلس إلى جانبها في الطائرة التحرش بها. وفي رحلة أخرى، كانت نائمة في الطائرة وحاول شاب آخر أيضاً التحرش بها، فصفعته وهدّدته بأنها ستكسر يده إذا حاول مجدداً. وما إن وطأت قدماها أرض لبنان حتى توجّهت إلى مدرب تايكيدو طالبةً منه أن يدرّبها على بعض الحركات التي تمكنّها من التصدّي للمتحرش وتلقينه درساً لن ينساه أبداً.

في لبنان

في العام 2014، أقرّ مجلس النواب اللبناني قانوناً يحمل الرقم 293 ويقضي بحماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري.
وفي الثامن من آذار/مارس من عام 2017، أحال مجلس النواب مشروع القانون الذي تقدّمت به وزارة الدولة لشؤون المرأة، والذي ينص على فرض عقوبات على المتحرش. ويرمي هذا المشروع الى تعديلات تطاول قانون العمل وقانون العقوبات ونظام الموظفين.

وكان النائب غسان مخيبر قد تقدم في العام 2014 باقتراح قانون معجل مكرر يرمي الى تجريم التحرش الجنسي والإساءة العنصرية، بحيث يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر الى سنة، ودفع غرامة من ضعفَي الى عشرة أضعاف الحد الأدنى للأجور، كل من أقدم بشكل صادم أو ملح أو متكرر على فرض أقوال أو أفعال أو إيحاءات ذات طابع جنسي أو عنصري، على شخص دون رضاه فأدى ذلك الى الاعتداء على كرامته. إلا أن القانون لم يُقر حتى اليوم.

في السعودية

أصدرت السعودية قانوناً يجرّم أعمال التحرش في البلاد، في إطار سياسة اجتماعية جديدة بدأت مع تولي الملك سلمان مقاليد الحكم في المملكة. ونص القانون الجديد الصادر في 28 أيار/مايو الماضي، على وجوب إبلاغ الناس للسلطات عن أي محاولة تحرش تحدث في الشارع أو أماكن أخرى. وفي حال التأكد من وقوع الحادثة، يتم تطبيق العقوبة على المتهم، وقد تصل إلى السجن سنتين وكذلك غرامة مالية تصل قيمتها إلى 30 ألف دولار، أو إحدى هاتين العقوبتين، وذلك دون الإخلال بعقوبات أشد تنص عليها قوانين الشريعة الإسلامية. وعند تكرار الجريمة، يعاقب المرتكب بالسجن 5 سنوات وتُفرض عليه غرامة 100 ألف دولار، أو في حال كانت الضحية طفلاً أو من ذوي الاحتياجات الخاصة، وكذلك في حال وجود سلطة مباشرة للجاني على المجني عليه أو إذا كان الجاني والمجني عليه من جنس واحد.

في مصر

أصدرت مصر قانوناً يعاقب المتحرش، وقد نصت المادة 306 مكرر (أ) من قانون العقوبات المصري على أن “يعاقب المتهم فيها بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه، ولا تزيد على خمسة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعرض للغير في مكان عام أو خاص، من خلال إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية، سواء بالإشارة أو بالقول أو بالفعل بأية وسيلة بما في ذلك وسائل الاتصالات السلكية أو اللاسلكية، وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه وبإحدى هاتين العقوبتين إذا تكرر الفعل من المتحرش من خلال الملاحقة وتتبع المجني عليه، وفي حال العودة تضاعف عقوبتا الحبس والغرامة في حديهما الأدنى والأقصى”.

في تونس

في آب/ أغسطس 2017 أصدرت تونس قانوناً اعتبر “الأول من نوعه” في المنطقة ويهدف إلى “القضاء على العنف ضد المرأة”.

وفي الباب الأول، عرّف القانون العنف ضد المرأة بأنه “كل اعتداء مادي أو معنوي أو جنسي أو اقتصادي ضد المرأة أساسه التمييز بسبب الجنس والذي يتسبب في إيذاء أو ألم أو ضرر جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي للمرأة ويشمل أيضاً التهديد بهذا الاعتداء أو الضغط أو الحرمان من الحقوق والحريات، سواء في الحياة العامة أو الخاصة”.
كما تناول القانون جريمة التحرش الجنسي التي حدد عقوبتها بالسجن مدة عامين وبغرامة قدرها خمسة آلاف دينار.
واعتبر القانون أن التحرش الجنسي هو “كل اعتداء على الغير بالأفعال أو الإشارات أو الأقوال تتضمن إيحاءات جنسية تنال من كرامته أو تخدش حياءه وذلك بغية حمله على الاستجابة لرغبات المعتدي أو رغبات غيره الجنسية أو بممارسة ضغط خطير عليه من شأنها إضعاف قدرته على التصدي لتلك الضغوط”.
كما فرضت غرامة تتراوح بين 500 و1000 دينار على كل من “يضايق امرأة في فضاء عمومي، بفعل أو قول أو إشارة من شأنها أن تنال من كرامتها أو اعتبارها أو تخدش حياءها”.

في المغرب

يتضمن القانون المغربي الجديد 103 أحكام إيجابية مثل تعريف العنف ضد المرأة على أنه “كل فعل مادي أو معنوي أو امتناع أساسه التمييز بسبب الجنس، يترتب عليه ضرر جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي للمرأة”. لكنه لم يأتِ على ذكر العنف المنزلي ولم يُجرّم الاغتصاب الزوجي.

أدخل القانون جرائم جديدة مثل الزواج القسري، أو تبديد المال أو الممتلكات للتحايل على دفع النفقة أو مستحقات أخرى ناتجة من الطلاق، أو طرد أو منع الزوجة من العودة إلى بيتها، والتحرش الجنسي في الأماكن العامة، والتحرش الإلكتروني.

يُلزم القانون السلطات العمومية باتخاذ تدابير وقائية، بما في ذلك برامج لرفع مستوى الوعي حول العنف ضد النساء. وينص أيضاً على وحدات مُتخصصة لتلبية احتياجات النساء والأطفال في المحاكم، ووكالات حكومية، وقوات أمن، ولجان محلية وطنية لمعالجة قضايا المرأة والطفل.

أهم المواثيق الدولية التي تناولت موضوع العنف ضد المرأة:

● ميثاق الأمم المتحدة 1945
● الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948
● اتفاقية الحقوق السياسية للمرأة 1952
● اتفاقية بشأن جنسية المرأة المتزوجة 1957
● اتفاقية خاصة بالزواج (الرضى/العقود/سن الزواج…) 1962
● العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية 1966
● العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية 1966
● الإعلان العالمي للقضاء على التمييز ضد المرأة 1967
● إتفاقية إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة 1979
● الإعلان العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة 1993
● إعلان وبرنامج عمل بكين 1995
● البروتوكول الاختياري الملحق بإتفاقية إلغاء التمييز ضد المرأة 2000 


أهم القرارات الدولية الصادرة لمناهضة العنف والتمييز ضد النساء:

● قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1325 الصادر في 31 تشرين الأول/أكتوبر 2000 حول دور النساء في السلام وحل الصراعات وحمايتهن أثناءها.
● قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة الرقم 52/86 حول تدابير منع الجريمة والعدالة الجنائية للقضاء على العنف ضد النساء.
● قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة الرقم 59/165 عام 2004  للعمل من أجل القضاء على الجرائم المرتكبة ضد النساء والفتيات باسم الشرف.
● قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1820 الصادر في 19 حزيران/يونيو 2008 حول العنف الجنسي ضد النساء والفتيات أثناء النزاعات المسلحة وضرورة حمايتهن.
● كما أصدر الأمين العام للأمم المتحدة عام 2005 قراراً لتحضير دراسة حول العنف ضد النساء، وصدرت في 6 تموز/يوليو 2006 بعنوان: دراسة متعمقة بشأن جميع أشكال التمييز ضد النساء. وتعتبر الدراسة مرجعاً واسع الشمولية لموضوع العنف ضد النساء: أنواعه وأشكاله وآليات الحماية والتشريعات والإجراءات اللازمة لذلك.