خوفاً من غدر الرجال...

الحياة الزوجية, د. مهجة غالب, مواقع الزواج الإلكتروني, د. أحمد عمر هاشم, د. عفاف النجار, الزوجة الأجنبية, هدى الكاشف

14 يناير 2013

تنادي بعض الجمعيات النسائية حالياً بضرورة وضع الزوجة شروطاً جزائية لزوجها في عقد الزواج، ضماناً لحقوقها وحمايةً لنفسها من غدر بعض الرجال بعد الزواج، وهذه الشروط الجزائية منها ما يضمن حقوقاً مادية للزوجة، ومنها ما يضمن حقوقاً أدبية لها، فماذا يقول علماء الدين عن تلك الشروط الجزائية؟ وما هو المقبول وغير المقبول منها؟ وهل يصح بها عقد الزواج؟ وهل تلزم الزوج بالفعل الحفاظ على حقوق زوجته؟


في البداية تؤكد الدكتورة فتحية الحنفي، أستاذة الفقه بجامعة الأزهر، أنه يحق للزوجة أو أهلها أن يشترطوا شروطا جزائية، بشرط ألا يترتب عليها محظور شرعي، لأن أي شرط يخالف الشرع وإن ارتضى به الزوج في البداية يكون غير ملزم به شرعاً بعد ذلك، كأن تضع عليه شرطاً جزائياً بأن يطلق زوجته الأولى حتى يكون زواجها صحيحاً، فهذا شرط جزائي ضار ومخالف للشرع، ولهذا لا اعتبار له ويحرم الوفاء به، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تَسْأَلُ طَلاقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا، فَإِنَّمَا لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا». وتضيف الدكتورة فتحية أنه في اشتراط طلاق الزوجة الأولى إضرار بها وكسر قلبها وخراب بيتها وشماتة أعدائها، على عكس الوضع إذا كانت هي الزوجة الأولى أو الوحيدة له، فلها وضع شرط جزائي بعدم الزواج بغيرها، رغم أن التعدد من المباحات، إلا أنه يجوز منعها أو تقييدها لمصلحةٍ، على عكس اشتراط طلاق الزوجة الأولى. ومن المعروف أن الطلاق هو أبغض الحلال إلى الله.


بلا تعقيد

يؤكد الدكتور نبيل غنايم، رئيس قسم الشريعة في كلية دار العلوم - جامعة القاهرة، أنه لا يجوز للزوج إضافة شرط جزائي في عقد الزواج يمنع الزوجة من حقها في المطالبة بالخلع، كما لا يجوز للزوجة إضافة شرط جزائي في عقد الزواج يمنع الزوج من حقه في الطلاق، لأن هذا يتنافى مع أحكام الشرع، وبالتالي لا يجوز شرعاً الوفاء به، حتى وإن كان مدوناً في عقد الزواج، لأنه شرط جزائي فاسد.
وأوضح أن للزوجة، التي تخشى أن يغبنها أهلها الذين يفضلون عدم الاشتراط نتيجة جهلهم بأهمية ذلك أو خوفهم عليها من هاجس العنوسة، أن تضع شرطاً جزائياً يحفظ حقوقها بلا مغالاة حتى لا تعقد الزواج فيتم تعطيل الحلال مما يفتح باباً للحرام. 


حق الاشتراط

 توضح الدكتورة عفاف النجار، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر، أن الشروط الجزائية في عقد الزواج ليست حقاً للزوجة فقط، بل يمكن للزوج الاشتراط أيضاً، لأن عقد الزواج يقوم على طرفين مثله مثل العقود الأخرى. ويجب أن يتجنب الطرفان الشروط الجزائية الغريبة وغير المنطقية في بعض الأحيان، مثل اشتراطها أن يترك لها سكن الزوجية الذي يملكه في حالة وقوع أي مشكلة أو تطليقه لها، رغم أنها تعلم أنه السكن الوحيد الذي يملكه، أو أن تشترط عليه أن يكتب لها شيكات مدفوعة لأمرها كنوع من تأمين مستقبلها فيجد نفسه عرضة للحبس أو الدفع في حالة وقوع أي مشكلة. ومعروف عن كثير من النساء غلبة العاطفة على تصرفاتهن، وفي حالة الغضب تنسى ما كان بينها وبين زوجها من رحمة ومودة، وليس هذا افتراءً عليهن لكنها طبيعة خلقهن الله عليها.

وأشارت الدكتورة عفاف إلى أنه يُفترض عدم تهاون الزوجة وأهلها في وضع شروط عقود الزواج، بشرط ألا تكون شروطاً تعجيزية تمنع العفة وتفتح باباً للانحراف، لأن فطرة البشر الجنسية إذا لم تجد لها في العفة باباً قد تلتمس في المعصية أبواباً، مع تأكيدنا على أهمية أن يوضّح الزوجان شروطهما، لأن عدم تحديد الشروط منذ البداية يؤدي لكثير من المشكلات لكلا الطرفين، وهذا لا يتنافى مع قول النبي صلى الله عليه وسلم: «المسلمون والمؤمنون عند شروطهم، إلا شرطاً أحلَّ حراماً أو حرّم حلالاً».


احذروا التعجيز

ويشير الدكتور عبد الله بركات، العميد الأسبق لكلية الدعوة الإسلامية، أن الشروط في عقد الزواج ملزمة، سواء كانت شروطاً عادية أو جزائية طالما تم الاتفاق عليها بدون إكراه أو إرغام، وطالما لم تكن على شيء محرم أو على شبهة شرعية، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك»، وقوله صلى الله عليه وسلم أيضاً: «الحلال بيِّنٌ والحرام بيِّنٌ وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات كراعٍ يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله في أرضه محارمه».

وحذر الدكتور عبد الله بركات الفتاة المقبلة على الزواج من أن تشترط شروطاً جزائية تعسّفية، لأن هذا مخالف للشرع الذي يدعو إلى تيسير الزواج، وليس تعسيره بشروط تعجيزية تجعل الشباب ينصرف عن الزواج الشرعي الحلال إلى ما حرمه الله.
وأنهى الدكتور بركات كلامه بنصح أهل الزوجة أن يسمحوا لابنتهم بوضع شروط معقولة وغير مخالفة للشرع، لأن المشكلة أن كثيراً من الآباء يظلمون بناتهم بعدم الاشتراط، ولا يعي الأهل أهمية هذه الشروط إلا بعد أن تواجه الزوجة الضغوط والمشاكل الزوجية نتيجة الاستهتار بحقها في الاشتراط.

شروط واضحة

تؤكد الداعية الإسلامية هدى الكاشف أنه ينبغي أن تكون الشروط في عقود الزواج، سواء كانت جزائية أو عادية، فيها إنصاف للمرأة وحفظ لحقوقها، لأنها الطرف الضعيف في العقد، ولذلك جعل الله لها حق أن تشترط حتى تستطيع أن تُثبت هذه الشروط على الزوج، حيث سيردعه ذلك عن الإقدام على ما يُخالف هذه الشروط، ويحق للزوج أيضاً أن يشترط للزوجة أن توافق أو ترفض، وذلك لأن عقد الزواج توافقي لا بد أن يتوافر فيه الرضا والقبول بعيداً عن الغش أو التدليس أو الإكراه أو الإجبار أو الخداع، ولا بد أن تكون الشروط صريحة وواضحة. وأشارت هدى الكاشف إلى أن الشروط الواضحة في عقود الزواج تخفّف نسبة كبيرة من المشكلات الاجتماعية من أن تصل للمحاكم، مع التأكيد على أن للزوجة أن تضع شرطاً جزائيا ثم تتجاوز عن هذا الشرط مستقبلاً إذا اطمأنت إلى الحياة مع زوجها، وهذا نوع من إظهار المودة والرحمة التي هي من صفات الزواج السعيد لقوله تعالى: «وَمِنْ آيَاتِهِ أن خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إن فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» آية 21 سورة الروم.
وأنهت الكاشف كلامها بأن الوفاء بالشروط الجزائية، طالما كانت غير مخالفة للشرع، يجب شرعاً لقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل»، وقوله صلى الله عليه وسلم أيضاً: «أحق الشروط أن يوفَّى بها ما استحللتم به الفروج».


الضمان

أما الدكتور منير جمعة، عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، فيتحفظ عن وضع شروط جزائية في عقد الزواج «لأنها تحولها إلى صفقة تجارية. ومن المؤسف أن غالبية الشروط، في ظل تراجع الوعي الديني بضرورة تيسير الزواج، تتركز على التعامل مع الزوج على أنه لص أو شخص مشتبه به ومتهم بالغدر حتى تثبت براءته مستقبلاً، ولهذا يجب تقييده بشروط تعجيزية بحجة أن هذا يساهم في جعله خاتماً في أصبع الزوجة. وهذا مخالف للشرع الذي جعل الزواج مودة ورحمة وليس شروطاً جزائية وتجبُّراً في غير موضعه».   

وأوضح الدكتور منير أن الله تعالى «شرّع الزواج استجابةً لنداء الفطرة وصيانة للأخلاق وحفاظًا على المجتمع وبقاءً للنوع الإنساني، وأحاطه بسياج من الأحكام التي تحميه وتحفظه وتضمن له قدسيته، حتى لا يُقدِمَ عليه إلا الجادُّون القادرون على تحمل المسؤولية وسائر التبعات، ولم يجعله صفقة تجارية الكاسب فيها من يضع شروطاً جزائية أكثر بحجة ضمان المستقبل، مع أن التيسير وحسن الاختيار هما الضمان الرئيسي للاستقرار وليس الشروط الجزائية، لهذا قال صلى الله عليه وسلم: «إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض». وقال صلى الله عليه وسلم في رواية أخرى: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفسادٌ كبير. فقالوا: يا رسول الله وإن كان فيه فقال: إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفسادٌ كبير» قالها ثلاث مرات».
وأنهى الدكتور منير كلامه بتوجيه نداء للرجال المقبلين على الزواج ألا يكثروا من الشروط التعجيزية أو الجزائية في عقد الزواج، وإنما عليهم أن يخلصوا النية لله ويحسنوا الاختيار، لقول رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: «تُنْكحُ الْمَرْأَةُ لأرْبَعٍ: لمالها ولِحَسَبها ولِجَمَالها وَلدينها: فَاظْفَرْ بذاتِ الدِّينِ تَربَتْ يَدَاكَ».

وقد أخبرنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن التسيير في الزواج أفضل من تعسيره بالشروط الجزائية طالما لم تكن هناك ضرورة ملحة لذلك، فأكد لنا أن «أقلهن مهراً أكثرهن بركة». وقد طبق الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك عملياً، فزوَّج ابنته فاطمة للإمام علي بن أبي طالب، وكان أثاثها حصيراً ووسادة من ليف، وطبَّق ذلك مع الصحابة حيث قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، للفقير الراغب في الزواج: «التمس ولو خاتماً من حديد»، وعندما لم يجد خاتماً قال له: ماذا معك من القرآن؟. قال معي سورة كذا وسورة كذا. فقال: تقرؤهُن عن ظهر قلب؟، قال: نعم. قال: اذهب فقد ملَّكْتُكَها، أي زوَّجتُكَها،  بما معك من القرآن». هذا هو الإيمان الذي نريده لتستقر الحياة وليس الشروط الجزائية التي تجعل الزوج تحت المقصلة!


الوفاء

ترى الدكتورة مهجة غالب، عميدة كلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر، وجوب الوفاء بالشروط سواء كانت جزائية أو غير جزائية، طالما تم الاتفاق عليها، لقول رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَحَقُّ الشُّرُوطِ أن تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ»، وَقول الفاروق عمر بن الخطاب: «الْمُؤْمِنُونَ عَلَى شُرُوطهمْ عِنْد مُقَاطِع حُقُوقهمْ» وفي رواية «إِنَّ مُقَاطِع الْحُقُوق عِنْد الشُّرُوط، وَلَهَا مَا اِشْتَرَطَتْ».
وأشارت الدكتورة مهجة غالب إلى أن هناك مجموعة من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية تؤكد وجوب الوفاء بالعقود والعهود والشروط، منها قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» آية 1 سورة المائدة. وقوله صلى الله عليه وسلم: «أربعٌ من كُنَّ فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدَّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر».}


فكر تجاري

يحذر الدكتور أحمد عمر هاشم، الرئيس الأسبق لجامعة الأزهر، من وجود الفكر التجاري من خلال الشروط الجزائية في عقد الزواج الذي يعد من أقدس العقود في الإسلام، حتى أن الله وصفه بقوله: «وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا» آية 21 سورة النساء.
وأوضح هاشم أن التحذير من الفكر التجاري في الزواج لا يتنافى مع حق الزوجة في الاشتراط ووجوب الوفاء بتلك الشروط من جانب الزوج، ولكن المغالاة في شيء تؤدي إلى عكسه، بمعنى أن المبالغة في الشروط الجزائية من جانب الزوجة تجعل الزوج يعيش تحت سيف تلك الشروط التي قد تكون قاسية، مما يقتل المودة والرحمة بزوجته، وقد يلجأ إلى الانحراف الأخلاقي هروباً من الشروط الجزائية إذا لم توفق الحياة الزوجية بينهما.

وحذر من كثرة الاشتراط من جانب الأسر بحجة تأمين مستقبل بناتهم، مما يؤدي إلى ازدياد نسبة العنوسة، والأمان الحقيقي فيما حددته الشريعة الإسلامية من معايير للزواج الناجح، والتي ينبغي على كل من الزوجين مراعاتها بما يحقق مصلحة الأمة والأسرة عمومًا والأطفال مستقبلاً، وأهم هذه المعايير: التديُّن الصحيح والخلق الكريم والمنشأ الطيب، ويجوز التماس صفات أخرى معها ولكن بشرط ألا يؤدي إلى عضل الفتاة ومنعها من الزواج ممن تحب من خلال هذه الشروط الجزائية، لأن عضل الفتاة محرم شرعاً لقوله تعالى: «فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ» آية 232 سورة البقرة. ونفس الأمر بالنسبة للرجال المقبلين على الزواج عدم وضع الشروط الجزائية، وإنما حسن الاختيار هو الحل، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَزَوَّجُوا النِّسَاء لِحُسْنِهِنَّ فَعَسَى حُسْنُهُنَّ أن يُرْدِيَهُنَّ، وَلاَ تَزَوَّجُوهُنَّ لأمْوَالِهِنَّ فَعَسَى أَمْوَالُهُنَّ أن تُطْغِيَهُنَّ وَلَكِنْ تَزَوَّجُوهُنَّ عَلَى الدِّينِ، وَلأمَةٌ خَرْمَاءُ سَوْدَاءُ ذَاتُ دِينٍ أَفْضَلُ».