الأفلام القصيرة غائبة عن دور العرض... وهذه أهميتها!

كارولين بزي 20 يناير 2019

لطالما رغبنا بمشاهدة الأفلام السينمائية الطويلة، وفي المقابل لم نفكر يوماً بالذهاب الى السينما لمشاهدة الأفلام القصيرة، تلك الصناعة التي لا تجد مكاناً لها إلا في المهرجانات أو عدد قليل من صالات السينما، فتعُرض فيها هذه الأفلام بهدف ثقافي فني لا تجاري. تختلف أنواع الأفلام القصيرة كما الطويلة، فمنها ما هو روائي، ومنها ما هو وثائقي أو يجمع بين هذين النوعين... كما تتفاوت مدة عرض تلك الأفلام، فالبعض يرى أن فيلماً لا تتخطى مدة عرضه الستين دقيقة هو فيلم قصير، ويؤكد البعض الآخر أن عرض الفيلم القصير لا يجوز أن يستغرق أكثر من خمس عشرة دقيقة. الأفلام القصيرة هي مشاريع طلابية، لكن لماذا يتجه مخرجو الأفلام الروائية الطويلة مجدداً الى الأفلام القصيرة؟ في هذا التحقيق نستعرض عدداً من الآراء الفنية والسينمائية لكل من الناقد السينمائي المصري عصام زكريا، المخرج العراقي محمد الدراجي، المخرج اللبناني أسد فولادكار والممثلة اللبنانية جوليا قصّار، وذلك على هامش الدورة الرابعة عشرة لمسابقة الأفلام العربية القصيرة التي أُقيمت في بيروت...

الناقد السينمائي عصام زكريا:

الأفلام القصيرة هي المكان الذي يعبّر فيه الناس بحرّية

يشير الناقد المصري ومدير مهرجان الإسماعيلية السينمائي عصام زكريا إلى أن لا قواعد محددة لصناعة الفيلم القصير الروائي أو الوثائقي، إذ إن هناك ما يتجاوز فكرة الأنواع، حتى في الأفلام الروائية الطويلة غير التجارية التي نشاهدها في المهرجانات والبرامج الفنية غير التجارية، ثمة أنواع هجينة مثل Docudrama التي تعتمد على أحداث وشخصيات حقيقية ولكن مُقدّمة بقالب روائي.

ويلفت عصام زكريا إلى أن صنّاع الأفلام لم يعودوا يقدمون أفلاماً تسجيلية وثائقية أو روائية بحتة، باستثناء صنّاع الأفلام الوثائقية الذين بقوا مخلصين لهذا النوع من الأفلام، بل ويفرضون على أنفسهم تقنيات معينة يحافظون من خلالها على النظرة الموضوعية والحياد الذي من المفترض أن تتسم به السينما التسجيلية. في تجارب الشباب في الدورة الرابعة عشرة للمهرجان أعمال شبه وثائقية وأخرى روائية، فالأفلام القصيرة هي المكان الذي يستطيع من خلاله الناس أن يعبّروا بحرّية من دون قيود وبعيداً من شروط السوق والإنتاج والتلفزيون.

عن أهمية هذه الأفلام، يقول عصام زكريا: “تكمن أهمية هذه الأفلام في أن صنّاعها الشباب يجرون “بروفا” للأفلام الطويلة، لأن الفن السينمائي حرفة وليس نظريات، إذ يتعامل صنّاع الأفلام مع العديد من الناس من ممثلين ومصوّرين وعمال إضاءة، وذلك كله يتطلب خبرة طويلة، وأول ما يوفره الفيلم القصير هو الخبرة وتطبيق القواعد النظرية المتعارف عليها، كما يتعرف صنّاع الأفلام على ردود فعل الناس وأحكامهم، وبالتالي يسعون إلى تطوير أنفسهم.

ويوضح زكريا أن هذه الأفلام لا تخضع للرقابة، ولكن إذا ذهبت للعروض العامة في دور العرض السينمائية يمكن أن تخضع للرقابة، ذلك أن مخرجي الأفلام القصيرة أحرار في أعمالهم.

وعن المدة المثالية للفيلم القصير، يشير الناقد السينمائي المصري إلى أن هذه المدة تتفاوت بين مهرجان وآخر، وهي تتراوح في الأساس بين 30 و 60 دقيقة، مثلاً: في مهرجان الإسماعيلية، الفيلم الذي لا تتجاوز مدة عرضه الستين دقيقة يُعد فيلماً قصيراً.

وفي ما يتعلق بجواز أن يكون الفيلم الذي ينافس في المهرجان قد استوحى قصته من رواية، يقول عصام زكريا: “بالتأكيد يجوز، السينما تعتمد في البداية على مصدر مكتوب، إما أن يكون السيناريو قصة مكتوبة، رواية ربما، أو يكون مكتوباً مباشرةً للسينما. حتى في جوائز الأوسكار هناك جائزتان للسيناريو، أوسكار للسيناريو المكتوب مباشرة للسينما، وأوسكار للسيناريو المقتبس عن وسيط آخر، ويمكن أن يكون هذا الوسيط رواية أو مسلسلاً أو فيلماً آخر. ولكن في التحكيم لا ننظر إلى الفيلم من زاوية أن السيناريو الخاص به قد اقتُبس من رواية، إنما نحكم على الفكرة والمعالجة السينمائية نفسها.

الممثلة اللبنانية جوليا قصار:

كلما كانت الأفكار تشبهنا تصل بطريقة أسرع

تعتبر الممثلة اللبنانية جوليا قصّار أنه كلما كانت الأفكار تشبهنا وتمثل مرآةً لمجتمعنا، وصلت بطريقة أسرع، بعيداً من الوسيلة. وتضيف: “أعتقد أن الحكاية هي الأساس، ولكن الأهم كيفية تنفيذ الحكاية وتوصيل المشاعر والأحاسيس والانفعالات... إن كان من خلال قصة صغيرة حدثت في الشارع أو في منزل، إضافة إلى أهمية الأداء التمثيلي والتقنيات التي تخدم هذه القصة، ولكن الإضافات غير الضرورية لا تعني لي شيئاً، المهم أن تكون الفكرة متكاملة وواضحة، لكن أحياناً تكون الفكرة ذكية إلا أن صانع الفيلم لا يستطيع توصيلها بوضوح”.

الفيلم القصير هو كالحكاية القصيرة، والجملة التي يمكنها أن تختصر حالة بأكملها. لا تمانع الممثلة اللبنانية في أن تؤدي أدوراً وتشارك في أفلام قصيرة مجدداً شرط أن تنجذب الى الفكرة والموضوع.

وتشدد قصّار على ضرورة أن يشاهد الجمهور هذا النوع من الأفلام، إذ من الممتع أن نشاهد عشرين فيلماً أو قصة مكتملة، إلا أن أصحاب الصالات لا يخاطرون بعرض هذه الأفلام. وتعتبر أنه كلما قصُرت مدة الفيلم كانت تسميته صائبة.

المخرج العراقي محمد جبارة الدراجي:

الدقائق الخمس الأولى هي الشفرة التي تربط المشاهد بالفيلم

يشير المخرج العراقي محمد الدراجي إلى أن مهرجان الأفلام القصيرة الذي أُقيم في بيروت يُقسم إلى ثلاثة أقسام: أفلام الطلبة اللبنانيين، الأفلام الوثائقية العربية، والأفلام الروائية العربية المحترفة. ويلفت إلى أن مستويات هذه الأفلام تتراوح بين الجيد والجيد جداً والممتاز، فالأفلام الروائية كانت جيدة، أما أفلام الطلبة فتفاوتت مستوياتها، وحتى بعض الأفلام أسأل نفسي لماذا دخلت المنافسة؟ ولكن الاختيار كان موفقاً نوعاً ما، وثمة أفلام شاهدتها سابقاً في مهرجانات عربية، مثل فيلم “الرجل الغارق”.

يوضح الدراجي أن هناك رسائل مهمة تحملها الأفلام القصيرة، ويعتبر أن أصعب الصناعات هو صناعة فيلم قصير جداً، وتكمن الصعوبة في المساحة الممنوحة للمخرج لعرض فكرته بشكل واضح.

ويؤكد أن معرفة أساسيات لغة السينما وأدواتها هي الأهم، إذ من خلال هذه الأدوات يستطيع صانع الفيلم أن يروي حكايته، ويقدّم عبرها هويته السينمائية. ويلفت الدراجي إلى أن الدقائق الخمس الأولى من أي فيلم هي الشفرة التي تربط المشاهد بالفيلم، والتي تأخذه معها في رحلته.

وعن سبب توجّه مخرج الأفلام الروائية الطويلة إلى الأفلام القصيرة، يقول الدراجي: “هناك متعة في صناعة هذه الأفلام، إذ نكون أمام تحدٍ جديد، وننجز فكرة نارية في غضون شهر أو شهرين، ونضيء على الفكرة التي نريد توصيلها”.

تعاني الأفلام القصيرة من صعوبة تسويقها وعرضها في دور السينما، وعن ذلك يقول المخرج العراقي: “يحاول بعض الموزعين في العالم العربي، على غرار ما يحصل في أوروبا، أن يعرضوا أفلاماً قصيرة في دور السينما قبل عرض الفيلم الطويل، كما يُفترض بالتلفزيونات أن تتجه إلى عرض الأفلام القصيرة”. ويضيف: “ربما لا يملك الجمهور العربي ثقافة مشاهدة الفيلم القصير، ولكن في اللحظة التي يعتاد فيها على مشاهدة أفلام قصيرة جميلة، سيستمتع بمشاهدتها على الدوام”.

المخرج اللبناني أسد فولادكار:

صانعو الأفلام القصيرة هم محترفو عالم السينما القادمون

يعتبر المخرج اللبناني أسد فولادكار أن صناعة الأفلام القصيرة هي اكتشاف لما يحصل، كما أن صانعي هذه الأفلام بالإمكانيات المتوافرة لديهم هم المحترفون القادمون في عالم السينما. ويتفق فولادكار مع الدراجي بأن صناعة الفيلم القصير هي أصعب من كتابة الفيلم الطويل، أما الصعوبة في ما يتعلق بالفيلم الطويل فتكمن في الحصول على إنتاج لصناعته، ولكنْ ثمة أفلام تصلح لأن تكون قصيرة ويتم تطويلها بهدف جذب المنتجين.

ويؤكد فولادكار أن على الفيلم القصير أن يُحدث صدمة عند المشاهد، لافتاً إلى أنه ينحاز دائماً إلى الفيلم الذي يسحره موضوعه وطريقة تصويره.