مديرة غرفة التجارة في لبنان الشمالي ليندا سلطان ثمة تقاسم وظيفي ثنائي بين الرجل والمرأة في العمل والمسؤولية

تحقيق: طوني بشارة 02 مارس 2019

باتت الإدارة اليوم أحد الأسس التي يُبنى عليها نجاح المؤسسات وتطورها، فقد أصبحت بمثابة نشاط يتولى مهمة صياغة الاستراتيجيات و الرؤى المستقبلية للعمل، كما ويحدد الطموحات والتوقعات، ويرسم الخطط التي يفترض بالمؤسسة تطبيقها، وذلك من خلال الاستغلال الأمثل للطاقات والقدرات من قوى عاملة ومصادر مادية ومالية. ولكن هذا النشاط يحتاج أيضاً الى مهارات خاصة وكفاءة نادراً ما تتوافر لدى معظم الإداريين. وفي السياق ذاته، ثمة تساؤلات تُطرح، مفادها: في حال تساوى الرجل والمرأة في الخبرة والكفاءة، فأيهما أفضل في الإدارة؟ لا سيما أن النظرة الى المرأة تغيّرت اليوم، ولم تعد تلك الإنسانة المنكسرة التي تجلس في بيتها وتنتظر المصروف الذي يلقيه إليها زوجها عابساً، أو التي تُخرج التعليم من حساباتها. وفي المقابل أصبحت ندّاً للرجل في كل المجالات، بدءاً من التدريس، مروراً بشغل المناصب العليا ووصولاً الى قيامها بالأعمال الشاقة، لا بل تفوّقت عليه وبرزت كقوة عظمى، لا سيما في مجال الإدارة. وخير مثال على ذلك، تولّي الأستاذة ليندا سلطان إدارة غرفة التجارة والصناعة في الشمال، فهي امرأة تهزّ سرير الحياة بيمينها، وتحمل في يسراها رسالة وفاء، ويمتلئ قلبها بحب الشمال والوطن، وتشعّ من عقلها الحكمة ورؤية الحداثة، وفي عينيها مساحات من الإبداع والأمل... هي امرأة متألقة بجمال الروح وأناقة الحضور، وسلكت درب العلم متسلحةً بالطموح والإرادة الصلبة والمثابرة.


التكامل العملي والعلمي

«لها» التقت الأستاذة ليندا سلطان مديرة غرفة التجارة والصناعة في طرابلس ولبنان الشمالي، وكان السؤال المدخل عن الشهادات الجامعية الحائزة عليها ومهمّاتها داخل الغرفة، فأكدت حيازتها شهادة الماجستير في إدارة الإعمال من الجامعة اللبنانية- الفرنسية، ومن جامعة مونبيليه.

بعدها، تحدّثت الأستاذة سلطان عن دور الغرفة الداعمة لخطط تطوير الأعمال وتحديثها وتشجيع المبادرات الفردية من إداريين وموظفين ورواد أعمال من أجل الربط بين مجتمع الأعمال والمؤسسات الأكاديمية والعلمية، وذلك لتفعيل الخدمات الهادفة الى تحديث العمل الإداري. وهذا الربط بين المسارين جعل من السيدة سلطان رائدة في مسيرتها الوظيفية، حيث بدأت العمل الإداري في الدائرة التجارية والعلاقات العامة، وانتقلت من ثم إلى غرفة طرابلس ولبنان الشمالي حيث تديرها اليوم، وتقوم بمسؤولياتها على أكمل وجه، وتعمل بتوجيهات من رئيس مجلس إدارة الغرفة السيد توفيق دبوسي، وبالتنسيق مع أفراد الطاقم الإداري والوظيفي باختلاف دوائره وأقسامه ومشاريعه.

وفي ما يتعلق بالنشاطات التي تمارسها حالياً وتعمل على تعزيزها، قالت سلطان إنها تتولى الإدارة العامة في غرفة طرابلس ولبنان الشمالي، وتتابع مجمل النشاطات التي تقوم بها الغرفة أو الخدمات التي تقدّمها، وتقع عليها مسؤولية تطوير الصورة الذهنية الإيجابية عن الغرفة، وبالتالي تعزيز مكانة الغرفة على المستوى الوطني والعربي والدولي من خلال عمل ينسجم مع هذا التوجه، وتوسيع علاقات التواصل، والمشاركة في تنظيم الفعاليات المتنوعة وإعداد المشاريع والبرامج التي تخدم تطلعات الغرفة ومجتمع الأعمال، كما تتبنى المسؤولية المجتمعية في معظم الأنشطة التي تنفذّها وفقاً لاستراتيجية بنّاءة، واستناداً الى منظومة من العلاقات التي تبنّتها غرفة طرابلس ولبنان الشمالي خلال عقود من الزمن، وتطورت نوعياً بشكل ملحوظ في المرحلة الراهنة، حيث بدأت مع الرئيس دبوسي تتوجه نحو الخيارات المتقدّمة التي ترتكز على مبادئ الاقتصاد المعاصر.

وتابعت سلطان حديثها قائلةً: «تندرج الأنشطة المتنوعة التي نقوم بها في غرفة طرابلس ولبنان الشمالي في إطار السعي المتواصل لإحداث التطوير الإداري، هذا التطوير الذي يترافق مع مسيرة غنية لتجربة تتداخل فيها مواكبة المتغيرات المحيطة بالعمل المؤسساتي المعاصر، والتطلعات المستقبلية الهادفة الى تطبيق الاستراتيجيات العلمية لتحقيق التغيير المنشود في الأداء الوظيفي».

العمل والحيوية

ولدى سؤالها عن أسباب الحيوية التي تتمتع بها الأنشطة، أجابت سلطان بأن هذه الحيوية هي ثمرة جهود فريق عمل متكامل يمتاز بالإرادة الصلبة، ومسيرة تجمع بين الكفاءة الذاتية وروح القيادة، وتلتزم بمبدأ أن الإنسان المستنير علماً ومنهجاً هو أساس أي عملية تهدف إلى النهوض بأعمال مؤسسة كبرى بحجم «غرفة طرابلس ولبنان الشمالي»، وفقاً لرؤية تعتمد على الجودة في مناخ من العمل الإداري المميز. أما بالنسبة الى التوقيع على «بروتوكولات التعاون» أو «مذكرات التفاهم»، فأكدت سلطان أن التوقيع عليها يعود الى رئيس مجلس إدارة الغرفة، لأنها تأتي في سياق الإستراتيجية العليا لتوجّهات مجلس إدارة الغرفة.

المشاركات المحلية والدولية

وفي ما يخص النشاطات الدولية الحالية للغرفة، أشارت سلطان قائلةً: «نتطلع من خلال غرفة طرابلس والشمال إلى بناء علاقات واسعة، وما المباحثات التي أجريناها أخيراً في غرفة التجارة والصناعة في الكويت إلا خطوة باتجاه تعزيز روح الانفتاح على غرفنا العربية من خلال طرحنا لسلّة من المشاريع الاستثمارية التي من شأنها أن تعزز مسيرة العمل الاقتصادي العربي المشترك».

وعن نظرة المجتمع الشرقي الدونية إلى المرأة، أوضحت الأستاذة سلطان أن هذه النظرة تغيّرت اليوم ولم تعد سائدة في المجتمعات المعاصرة التي تتوثب نحو التقدّم ومواكبة الحياة الاقتصادية بكل تحدّياتها، وتهدف إلى إنجاح المشاريع والبرامج المتعلقة بالتنمية المستدامة. ومن الناحية العملانية والواقعية، هناك تقاسم وظيفي ثنائي بين الرجل والمرأة في العمل الإداري وتحمّل المسؤوليات، ولم تعد المسؤولية أحادية الجانب، بحيث لمع نجم عدد من النساء الرائدات في عالم القيادة وصنع القرار، لا سيما في البلدان المتقدمة، وسجّلن نجاحات، لا بل تفوّقن على الرجال في المجالات السياسية والاقتصادية والمجتمعية.

وعمّا إذا واجهت صعوبات في التعامل مع الموظفين أو المشاركة في المؤتمرات والندوات الدولية، أكدت الأستاذة سلطان أنها تفتخر بدور المرأة في العمل الإداري، والتي أثبتت نجاحها في مشاركة الرجل في القيادة والتطوير وصناعة القرار. واستشهدت بالدول المتقدّمة التي سجّلت نمواً نوعياً في الإنتاج وتطوير الاقتصاد وتحديث الإدارة، مؤكدةً أن هذا ما كان ليتمّ لولا المشاركة الندّية بين الرجل والمرأة، ومبينةً في الوقت نفسه أن المجتمعات التي تحجّم دور المرأة تبقى قاصرة عن مواكبة الحداثة والتطور، فإذا كانت المرأة تشكل نصف المجتمع، فلا يمكن هذا المجتمع أن يسير بنصف قوة ويتجاهل النصف الآخر.

وبالنسبة إلى التوفيق بين عائلتها وعملها كمديرة في غرفة التجارة، وموقف أولادها من ارتباطاتها العملية، أوضحت السيدة سلطان أنها نجحت في ذلك لأنها ترى أن المسؤولية متكاملة، وتبدأ نواتها من الأسرة والاهتمام بكل فرد فيها، ليزداد حجم المسؤولية مع العمل خارج المنزل، والحرص على الأداء الوظيفي المميز، والاستفادة من التجارب في تراكم الخبرات. وعندها لا يعود مهماً الحديث عن موقف الأبناء، لأن النجاح يعود بالنفع على كل أفراد العائلة، ويصبح قدوة يحتذون بها.