المترجمة والسيناريست أفنان لنجاوي: عالم هوليوود أبهرني وشدّني للتعلّم

جدة - آمنة بدر الدين الحلبي 14 أبريل 2019

شغوفة بتعلّم اللغات، وتنتهج أسلوباً بتعلّمها، لتبقى على تواصل دائم مع العالم أجمع. تتعلّم الكثير كي تحقق ما تصبو إليه. تسافر من بلد إلى آخر وتسعى بكل طاقاتها لتستزيد علماً ومعرفة وفناً جميلاً أصبح واقعاً بعدما كان حلماً... المترجمة والسيناريست أفنان لنجاوي الحاصلة على بكالوريوس في الترجمة من جامعة عفت، وحائزة جائزة الطالبة المثالية عام 2014، وتحضّر حالياً للماجستير في كتابة السيناريو في بريطانيا، التقتها "لها" في حوار تحدّثت فيه عن فنها وشغفها بعالم السيناريو والأدب والشعر والمسرح.


- من مفردات الترجمة إلى عالم السيناريو، ما هذا التحول الإبداعي؟

كان تحوّلاً طبيعياً في حياتي التي بدأتها كاتبةً للشعر، ونُشرت لي أول قصيدة في اللغة الإنكليزية حين كنت في العشرين من عمري، وبعد تخرّجي في جامعة عفت، تابعت تعلّم اللغات كي أتمكن من السفر والتواصل مع العالم. وللأسف، لم يكن السفر بمفردي متاحاً، فهو ممنوع من الأهل وخاصة والدي، مما أعاق طموحي وأحبطني، لكنني أصررت على تحقيق ما أصبو إليه بالنقاش والحوار حتى نجحت في الخروج تدريجاً من عنق الزجاجة، وسُمح لي بالسفر.

- لماذا اتّجهت إلى الولايات المتحدة الأميركية تحديداً؟

الوصول إلى هوليوود كان حلماً وتحقق. ففي خلال شهرين تسجّلت في معاهد متخصصة بكتابة السيناريوات المسرحية، وأقمت ثلاث ورش للكتابة الكوميدية والساخرة والمسرح الارتجالي.

- كيف تبلور عشقك لكتابة السيناريو؟

تبلور في كتابة قصص تُترجم إلى أفلام، بعدما تعرفت على عالم هوليوود الجميل المتنوع والمليء بالفن الحضاري، الذي لم أكن أعرف عنه شيئاً، ولكن أدرك جيداً أن هناك سيناريو للأفلام، ونصاً يبدأ قبل التصوير.

- كيف وجدت عالم هوليوود؟

أبهرني هذا العالم وشدّني للتعلّم في مجالاته المختلفة، والتعرف على خفاياه الفنية والتصويرية، وأصررتُ على أن يكون مجالي الدائم في الحياة لأحقق ما أصبو إليه في كتابة السيناريو.

- هوليوود هي عاصمة صناعة الأفلام السينمائية، فماذا اكتشفتِ فيها؟

كانت مخيلتي تأخذني إلى عالم غريب، فأتصوّر أن كل من يذهب إلى هوليوود، يذهب إليها مدفوعاً بشغفه وطموحه للسينما والتصوير وكتابة السيناريو، لكنني وجدت هوليوود كأي مدينة في العالم، تتنوع فيها مجالات العمل، والبعيدة كل البُعد عن السينما... عندها أدركت أن نظرتي الى هوليوود خاطئة وإن أُطلق عليها "عاصمة السينما"، وبالتالي إذا كنت أطمح لكتابة السيناريو، ما عليّ إلاّ التعلّم والعمل الجاد، وأن ألتقي بكتاب أميركيين من خلال فصول الدراسة.

- وهل التقيت بأحد مشاهير السينما هناك؟

لم ألتقِ أحداً من كبار المشاهير، لكن في المبنى الذي كنت أعيش فيه، التقيت بالصدفة بأحد الممثلين الـ "كومبارس" وتعرفت على حياته اليومية وجدول أعماله وكيفية تواصله مع وكالات التمثيل، وفي إحدى المرات دعاني لمشاهدة فيلم بعنوان "Trans Parent" على "أمازون"، وتتناول أحداثه ظاهرة التحوّل الجنسي بعد الولادة.

- ماذا الذي منحتك إيّاه تلك التجربة؟

عزّزت ثقتي في نفسي إذ شعرت أن وجهة نظري تلقى اهتماماً من الآخرون، ويرغبون في الاطّلاع عليها.

- بين مجتمع سعودي محافظ ومجتمع أميركي متحرر، كيف استطعت أن تحققي التوازن، وتُقيمي مقاربة بين المجتمعين قبل أن تعلن هيئة الترفيه عن وجود سينما في المملكة العربية السعودية؟

أعجبتني كلمة مقاربة، لأنني اكتشفت هناك أن حياة الفنانين متشابهة، مهما اختلفت البيئة الاجتماعية والثقافية التي ينتمون إليها، فبعدما انضممت إلى مجموعة الفنانين والكتّاب الذين يملكون شغفاً طَموحاً مثلي، تعزّز التعايش والتوافق في ما بيننا وصرنا نتشارك في القيم.

لكن ما يُثري أفكاري هو القصص النادرة التي أحملها في جعبتي من مجتمعي السعودي الذي يختزن إرثاً حضارياً كبيراً، والذي لا يمكن الكاتب الأميركي تناولها أو الكتابة عنها وفيها، وتبقى المعوقات أمامنا متشابهة.

- حدّثينا عن تلك المعوقات؟

جميعنا يعلم أن أفراد المجتمع الأميركي متحررون من ضغط الأهل، ومع ذلك يرفض الأهل أن يعمل أبناءهم في مجال السينما، وكلنا نواجه هذا الضغط العائلي في أثناء اختيار مسيرة حياتنا. ربما في الغرب، وقانونيا لا يواجهون صعاباً مثلنا، لكن اقتصادياً، الطريق ممتلئة بالأشواك، ومن الصعب الوصول إلى الوظائف العليا.

- ما سر تسمية هوليوود "عاصمة صناعة الأفلام السينمائية"؟

بعد دراستي للسينما، تبيّن لي أن العصر الذهبي لمدينة هوليوود هو ستينيات القرن الماضي، وهوليوود لم تزل هوليوود، وقوّتها تكمن في إمكاناتها التجارية، ذلك أن إنتاجها عالٍ، واستهلاكها أعلى، لكون المجتمع الأميركي يعشق السينما، وكل أسبوع يبحث أي فرد فيه عن الفيلم الذي يحبّه، إضافة الى حصوله على بطاقة عضوية كل شهر لمتابعة كل ما هو جديد في عالم السينما.

- هل زرت أقسام الإنتاج هناك؟

لم يتسنّ لي الوقت لذلك، ولم تُتح أمامي الفرصة، لكنني تدرّبت في الرياض في استديو يضم الكثير من المنتجين الأميركيين.

- ما الذي أعجبك في المجتمع الأميركي؟

أكثر ما لفتني في المجتمع الأميركي هو الثقافة والإصرار والعزيمة التي يتمتع بها شبابه، فقد التقيت الكثير منهم في الشارع، ورأيت أن من يملك منهم رسالة ينقلها بسرعة، ومن يحضّر لفيلم يسعى لإنتاجه.

- ما المفهوم الذي حملته من المجتمع الأميركي الفني؟

تعلّمت أن أضع أهدافي نصب عيني، وأسعى لتحقيقها بإرادة صلبة، وأسميت في الدفاع عنها. ورغم العقبات التي كانت موجودة في المجتمع السعودي، لم يقف طموحي عند حد معين، فمن يسعى لهدف ما، يصرّ على تحقيقه مهما كان الوضع الاجتماعي أو الثقافي أو الاقتصادي، فالكثير من المشاهير الأميركيين واجهوا عقبات ومرّوا بصعوبات لا حصر لها.

- متى بدأ الحنين الى الكتابة؟

الكتابة عشق قديم يسري في عروقي، وكنت أحلم بإجازة تسمح لروحي بالتحليق في سماء الإبداع، وتطلق العنان للطاقات المختزنة في فكري، وتمنحني الحرية التي تتيح لي إعمال الفكر بعيداً من تأثير الأهل وبرامجهم الخاصة في السفر.

- كيف تقرئين الحركة السينمائية بعد الانفتاح الثقافي في المملكة العربية السعودية؟

من هيئة الإذاعة والتلفزيون إلى هيئة الإعلامي المرئي والمسموع... كلها تتجه نحو حركة ثقافية واعية، مع التشجيع المستمر لبعضنا البعض، والتطور المستمر في إنتاج الأفلام لنكون جاهزين للانطلاق.

- حين رأيت السينما مجسّدة على أرض الواقع، ما الذي تغير في مفهومك الثقافي، وكيف كان رد فعلك؟

أعتبر نفسي محظوظة بهذا القرار الرائع الذي صدر عن القيادة الحكيمة، لأنني كنت أحلم كباقي شباب وطني بهذا الانفتاح الثقافي الجميل، وها قد تحقق ما نصبو إليه من خلال ما أعلنه الأمير محمد بن سلمان، فهذا تحوّل إيجابي في تاريخ المملكة سأعمل من خلاله بجد ونشاط، وسأستغل كل انفتاح يخدم طموحي ويساهم في بناء شخصيتي.

- في جامعة عفّت دخلتِ نادي الدراما، وكتبتِ مسرحية، وقدّمتِ دوراً تمثيلياً... ماذا تعلّمت من كل ذلك؟

كتبتُ أكثر من مسرحية ودخلت مجال التمثيل بشغف. كتبت مسرحية شعرية تحكي عن أميرات ديزني، الشخصيات الخيالية التي أطلقتها شركة "والت ديزني"، وتم تقديمهن كعنصر مهم في لائحة شخصياته عام 2000: سنو وايت، سندريلا، وبوكاهانتس... فاخترت دور الأميرة الجديدة التائهة في عالم خيالي، ومع أن لكل أميرة أميراً، انتهت المسرحية بأنني أميرة ومحارَبة من دون أمير، وتعلّمت أن بالعمل الجاد نحقق ما نصبو إليه.

- أقمت ندوة في جمعية الثقافة والفنون تحت عنوان "تاريخ الرقابة في هوليوود" كونك نائب رئيس اللجنة السينمائية فيصل الحربي في الجمعية، ما الذي رميت إليه من خلال تلك الندوة؟

جمعية الثقافة والفنون تقدّم دورتين كل شهر، والدورة التي اخترتها مع رئيس اللجنة السينمائية فيصل الحربي كان عنوانها "تاريخ الرقابة في هوليوود" لنبيّن للناس أن الوصول الى هوليوود ليس مستحيلاً، لأنها تمر بظروف صعبة كأي مدينة في العالم، ولم تعد السينما فيها منفتحة كالسابق، فهي لا تملك حرية عرض أي فيلم كما كان يحدث في الستينيات أو السبعينيات، وهذا يعود الى عدم تقبّل المجتمع الأميركي للحرية المطلقة، فأصبح محتوى الأفلام يخضع للرقابة كما هي الحال في معظم بلدان العالم، سواء كانت محافظة أو متحررة... وما علينا إلا تثقيف المجتمع السعودي وتوعيته واختيار الأنسب، لصناعة أفلام جيدة تخدم المجتمع السعودي.

- في عصر التكنولوجيا الحديثة، ما الذي اختلف أو تطور في السينما؟

الكثير يخلط بين عالم صناعة الأفلام وصناعة المحتوى على "يوتيوب"، حيث أُطلق هذا الموقع في عام 2000 كنافذة لصناعة الأفلام، لعدم وجود سينما في ذاك الوقت تساهم في التعبير عن الذات الإنسانية، لكن اليوم اختلفت الأمور بعدما أصبحت جامعة عفّت تخرّج طالبات يحملن بكالوريوس في صناعة الأفلام، والاختلاف شمل كل شيء. ولكوني سيناريست، أحتاج من شهر إلى ثلاثة أشهر لأكتب فيلماً، هذا فضلاً عن التصوير الذي يستغرق أشهراً متتالية، بخلاف "اليوتيوب" الذي لا تحتاج صناعة المحتوى عليه أكثر من أسبوع واحد. السينما و"اليوتيوب" منصّتان مختلفتان ولا يمكن استبدال إحداهما بالأخرى. والفضل يعود الى صنّاع المحتوى اليوتيوبي الذين ساهموا في رفاهية مجتمعنا.

- هل تقبّل المجتمع تلك الخطوة؟

على المستوى الشخصي، لمستُ تقدّماً في المجتمع، ورغم التخفّف من العادات والتقاليد الاجتماعية، لا يزال بعض الفنانين محافظين بعض الشيء.

- كيف ترى أفنان نفسها، ولمَ تخطّط؟

ولدت في التسعينيات، ولم يكن هناك بعدُ سينما سعودية، وكان البث التلفزيوني مقتصراً على الإعلامَين الغربي والعربي، لكن لا شيء يمثّلني ويمثّل ثقافتي كفتاة سعودية، وعلى الرغم من ذلك أمضيت طفولتي متسمّرةً أمام الشاشتين الأميركية والبريطانية، لذلك أطمح الى كتابة قصص تمثّلني وتمثّل مجتمعي، وتكشف عن المعوقات والصعوبات التي مررت بها، فأمكّن الجيل الحالي والقادم الذي يضجّ بالطاقات الشبابية الإبداعية من كتابة سيناريو للأفلام التي تمثّل مجتمعنا.

- وماذا على صعيد الفتيات والفتيان؟

مجال كتابة السيناريو ليس متوافراً في أي جامعة في المملكة العربية السعودية، سواء للبنات أو للذكور، وجامعة عفّت للبنات أوّل من أطلق هذا المجال، خصوصاً أن لدينا طاقة أنثوية بارعة في مجال كتابة السيناريو للتعبير عن الذات الإنسانية، في وقت نرى فيه صوت المرأة في هوليوود مكتوماً بشدة، لأن الإنتاج والإخراج حكر على الرجال، هذا الى جانب المعوقات الاقتصادية.

- ما هي الرواية التي تعبّر عنك وتفكرين في إنتاجها؟

أغلب أعمالي فيها قطرات من حياتي، وجوانب عدة أعبّر من خلالها عن تجربتي كامرأة في هذه الحياة، أو مستقاة من تجارب فريدة لأشخاص ولا تقتصر على جنس أو بلد. ولكن حالياً أكتب عن علاقة الابنة بأبيها، لأن أبي كان قاسياً في تعامله معي، وأكبر تحدٍ واجهته هو تحقيق طموحي مع الحفاظ على حُسن التعامل في ما بيننا.

- أعتقد أن الأب هو صديق لابنته...

تلك الصداقة لم تكن في تجربتي الخاصة، ربما تجدينها في تجربة غيري، ورسالتي للمرأة أن تكون قوية ومسؤولة أمام نفسها ومجتمعها وتعرف ما تريد، فتحقيق الذات لا يكون بالمواجهة الحقيقية بل بفهم الآخرين والإرادة الحكيمة.

- من يقف وراء نجاحك؟

تعبتُ كثيراً لأطوّر نفسي، والأمثلة أمامي كثيرة، فوالدتي الدكتورة أمل لنجاوي هي خرّيجة جامعة الملك عبدالعزيز، وجدّتي تحمل ماجستير في الرياضيات من إحدى الجامعات في أميركا، وأنا فخورة بأنني أتحدّر من عائلة تقدّر العلم وتحترمه.

- كم لغة تُتقن أفنان؟

أُجيد التحدّث بخمس لغات: العربية، الإنكليزية، الفرنسية، الألمانية، ولغة جنوب أفريقيا.

- كيف وُلد هذا الشغف؟

لا أعلم. عندي هوس بالكلمات وتعلّم اللغات. أحب أن أعرف عن كل كلمة تُنطق وتُكتب.

- مع الانفتاح الثقافي السعودي ورؤية 2030، ماذا تحضّرين من مشاريع؟

أركز حالياً على تطوير نفسي حتى أتمكن من إقامة دورات في مجال السيناريو وصناعة الأفلام وأُلهم الآخرين ليحققوا شغفهم.

- هل تخصّين "لها" بالحديث عن أحد مشروعاتك؟

سأتحدّث عن مشروع انتهيت من كتابته، وهو يتناول قصة حياة جدّتي وجدّي لأمي وحبّهما ولقائهما في ستينيات القرن الماضي، وكيف دارت القصة بين الحجاز ومصر، لأن جدّتي كانت تعيش في مصر بهدف الدراسة، وتتخلله فانتازيا خيالية وتاريخية.

- وهل ستشاركين في التمثيل فيه؟

ربما أجسّد فيه شخصية أمي، لكن لا يمكنني الجزم من الآن.

- كلمة أخيرة.

أعتبر نفسي محظوظة في زمن الانفتاح الثقافي، وأمتلك الحرية للتعبير عن الذات الإنسانية، وما أطمح إليه. ولكل امرأة سعودية أقول: "الوقت وقتك لتحققي طموحك، لأن الحياة معك وليست ضدك".