تم اختيارها ضمن أشجع مئة امرأة عربية: النائبة البرلمانية أنيسة حسونة محارِبة السرطان: هذا هو سر صمودي

القاهرة - جمال سالم 22 يونيو 2019

مشوار النائبة البرلمانية أنيسة حسونة، وحربها ضد السرطان، فيهما من الدروس والعبر الكثير، حتى إنه تم اختيارها ضمن أشجع مئة امرأة عربية، فهي ابنة وزير سابق، ومُحبّة لعمل الخير ومساعَدة المرضى والبسطاء على الشفاء، اكتشفتْ بالمصادفة في تشرين الثاني/نوفمبر 2015، إصابتها بالسرطان، وبعد عامين من العلاج والمقاومة ثمّ الشفاء، عاد المرض، ومع هذا فقد تسلّحت بالأمل بلا حدود... التقتْها "لها" في هذا الحوار لنكتشف معها رحلة "العمل والمرض والأمل".


- من هي أنيسة حسونة؟ وماذا عن نشأتها وأسرتها؟

الحمد لله الذي أنعم عليَّ بنشأة في أسرة يعشّش الحب بين أفرادها، لا سيّما بين أبي المستشار محمد عصام الدين حسونة، وزير العدل الأسبق، ووالدتي الدكتورة فتحية المرصفاوي، وكيل وزارة الصحة سابقاً، وكانت طبيبة ناجحة، وقد غمرنا هذا الحب المتدفّق أنا وأخواتي البنات، "زينب" و"مها" و"منال"، وانعكس على حياتي الشخصية منذ ارتباطي بزوجي شريف ناجي، رجل الأعمال، ونقلنا معاً ذلك الحب إلى ابنتيَّ "سلمى" و"مها"، وعلاقتي بشقيقاتي وعائلتي الكبرى قوية وكلها دفء أسري.

- اختلفت ردود الفعل تجاه تدوين تجربتك في كتاب "بدون سابق إنذار"، فما الذي جعلك تفكرين في هذا رغم أن الطبيعي لدى الكثيرين- خاصة النساء– التهرّب من إعلان تفاصيل المرض أو حتى الإفصاح عنه للعامة؟

عبر هذا الكتاب، أهدف إلى تقديم تجربة حياتية تفيد غيري، قبل أن تكون رواية تجربة حياتية قاسية مع مرض السرطان، ولهذا أسعى من خلال الكتاب إلى سرد تجربتي– على عكس المعتاد لدى النساء- حتى يكون انتصاري على المرض شعاع أمل يظلّ موجوداً بشكل أو بآخر ليحمي مصابي المرض اللعين من الانهيار، وليكون داعماً في مواجهة الهواجس والقلق والخوف من المجهول، أو اتخاذ إجراءات وقائية منه، وإذا أصيب الإنسان وتعافى، ثم عاد المرض مرة أخرى، لا ييأس، بل يواصل الكفاح متسلّحاً بالعمل والأمل والتوكّل على الله.

- ما أصعب اللحظات التي مررتِ بها؟

اللحظة التي أخبرني فيها الطبيب بمرضي بالسرطان، لأنّ هذا يترتّب عليه تنظيم أموري. فعلى الرغم من تمتعي بالقوّة كسيّدة مشاركة وناشطة بفاعلية في العمل العام، إلا أنّ وقْع الخبر عليّ لم يكن مختلفاً عنه لدى الآخرين، فكان أول ما تبادر إلى ذهني أن هناك خطأً ما في التحاليل والأشعة، أو ربما استُبدلت بتحاليل مريض آخر، وأن شخصاً ما سيفتح باب الغرفة علينا فجأة ويعتذر عن الخطأ الجسيم ويخبرني أن نتائج الأشعة الخاصة بي سليمة، وأنني على خير ما يرام، لكن هذا الأمل ذهب أدراج الرياح، وبقيت الحقيقة المرّة ومفادها أنني مريضة وحياتي في خطر.

- متى قرّرت المصارحة وتحمّل تبعات ذلك لدى محبيك وأسرتك؟

بعدما تيقنت من مرضي، أدركت أنه حان الوقت لكي أخرج إلى العلن وأفتح قلبي للجميع بشأن قصتي مع السرطان، وماذا حدث فيها، وما هو مصيري المنتظر وفقاً لما يظنّه الأطبّاء، وأعتقد أن هذه المصارحة الشخصية تستلزم قدراً كبيراً من الشفافية التي تساعدني على مواجهة تصاريف الحياة بشكل أفضل، وأؤمن بأنني سأظل كما أنا في نظر من يحبّونني، وإصابتي المرضية لن تغير رغبتي في الحياة، بل تجعلني أعيد ترتيب أولوياتي بشكل أفضل وأكثر واقعية، فأفتح آفاقاً جديدة للاستمتاع بنِعم الحياة الكثيرة في فترة قصيرة.

- شهدتْ مسيرتكِ رحلة نجاح قبل المرض اللعين، حدّثينا عن أهمّ المناصب التي تولّيتها؟

الحمد لله حققت نجاحاً في عملي الداخلي والخارجي، حيث تسلّمتُ مهامّ المدير التنفيذي لمؤسسة مجدي يعقوب للقلب، والأمين العام للمجلس المصري للشؤون الخارجية، ومؤسّس ورئيس مجلس أمناء "مؤسسة مصر المتنورة" التي تعمل على دعم قيَم المواطَنة وحرية التعبير وحقوق المرأة، وعضو المجموعة الاستشارية لمنطقة شرق آسيا وشمال أفريقيا للمعهد الدولي للديموقراطية والمساعدة الانتخابية في استوكهولم- السويد، وعضو المجلس التنفيذي لمنظمة الباجواش للعلوم والشؤون الدولية الحاصلة على جائزة نوبل لعام 1995، كما أنّني عضو سابق في الهيئة الاستشارية لـ"مؤسسة الفكر العربي" في بيروت، وعضو المجلس الاستشاري لمنتدى "البدائل" في القاهرة، وعضو "مؤسسة نساء من أجل السلام عبر العالم" في سويسرا، وعضو "الغرفة التجارية الأميركية" في القاهرة، وعضو "جمعية الأعمال المصرية- البريطانية"، وعضو مؤسّس في "مركز أبحاث المرأة العربية"، وعضو مؤسّس في "المنتدى العربي للمواطنة في المرحلة الانتقالية" وعضو "المنتدى العربي الدولي للمرأة" في لندن– المملكة المتحدة، وعضو الجبهة الوطنية لنساء مصر، بالإضافة إلى كوني كاتبة حول الشأن العام أسبوعياً في الصحف المصرية.

- قلتِ إنّ أحفادك "مكافأة نهاية الخدمة"، فهل كان للحبّ المتدفّق تجاهك من الزوج والبنات والأحفاد والشقيقات دورٌ في رحلة الشفاء، وكيف حدث ذلك؟

وجدت مساندة لا أستطيع أن أصفها من جميع أفراد أسرتي، خصوصاً زوجي الحبيب الذي أخفى عنّي معرفته بمرضي، وراح يتأكد من صحة التحاليل أكثر من مرة، وتواصَل مع الأطباء المتخصصين في الداخل والخارج، وجهّز لرحلة علاجي قبل أن يخبرني بالمرض، وقد كان لهذا الدعم الأسري دور كبير في دعمي نفسياً ومعنويّاً، وها أنا أستمتع بحياتي كجدّة وأعيش مع أحفادي جو الطفولة السعيدة بعيداً من الهموم والمسؤوليّات، وأكاد أنسى نفسي وحالتي معهم بكل ما تحمل الكلمة من معانٍ، وقد ثبُت طبياً أن السعادة أو الحب الذي يشعر به المريض يقوّي مناعته ويعد خير داعم ومشجع له في رحلة الشفاء.

- ما كان شعورك عندما تم اختيارك واحدة من أقوى 100 امرأة عربية؟

الحمد لله، هذا الاختيار وسام على صدري، والفضل فيه يعود لعائلتي الكبيرة وأسرتي الصغيرة التي غرستْ فيَّ الشجاعة والإقدام في كل مراحل حياتي، وفي كل الوظائف التي شغلتها، أو المنظمات والهيئات التي تعاملت معها في الداخل والخارج، وهي بفضل الله كثيرة، وتفاعلتْ مع قضيتي الصحية وكانت داعماً لي مع أسرتي، وهذا يؤكد أنني أسير في الطريق الصحيح، ومن الجدير ذكره أن اختياري في قائمة أقوى مئة امرأة عربية، وفقاً لتصنيف مجلّتَي "آربيان بيزنس" و"CEO" عام 2014، حصل قبل اكتشافي الإصابة بالسرطان عام 2015. ولم يخطر هذا الاختيار ببالي يوماً، إلا أنني فرحت كثيراً بهذا التكريم، وربما كانت الحكمة الإلهية من ذلك أن أتسلّح بالشجاعة لما هو أتٍ خلال رحلتي مع المرض، مع أن السبب الحقيقي لهذا الاختيار هو مساهمتي في العمل الاجتماعي، ولم أكن أخطّط من ورائه للفوز بأيّ لقب، لدرجة أنه عندما جاءني البريد الإلكتروني باختياري، اعتقدت أنّه أُرسل بالخطأ.

- ما هي كلمة سرّ رحلة نجاحك كزوجة وأم وجدّة لثلاثة أحفاد، بالإضافة إلى كونك امرأة عاملة في العديد من الوظائف الرسمية وغير الرسمية؟

سر النجاح في حياتي هو الموازنة بين الحياة المهنية والاجتماعية ورعايتي الجيدة لأسرتي، وتقدير أسرتي لظروف عملي الذي يتطلب السفر أحياناً، ولهذا فإن طموحاتي العملية لم تتعارض يوماً مع مسؤولياتي الأسرية ودوري الاجتماعي والإنساني.

- رغم أنك خرّيجة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ولست طبيبة، سبق أن عملتِ مديراً تنفيذياً لمؤسسة الطبيب العالمي الدكتور مجدي يعقوب لأمراض وأبحاث القلب، فماذا استفدت من هذه الفترة؟

أعتزّ بفترة عملي كمديرة تنفيذية لمؤسسة مجدي يعقوب في أسوان، لأنني كنت المسؤولة عن إدارة المؤسسة وصورتها وعلاقاتها الداخلية والخارجية وجمع التبرعات، وقد لمست من خلال عملي فيها معنى التعامل مع الناس على أرض الواقع، كما تعلّمت من العالِم الفذّ دمث الخلق الدكتور مجدي يعقوب، أهمية خدمة المرضى وتوظيف التقدّم العلمي في ذلك، ولهذا عندما كنت أذهب الى أسوان، كان ذلك بمثابة شحن لـ"بطاريتي الإنسانية" والعمل في خدمة الآخرين ورسم البسمة على وجوههم، وكنّا نعمل بروح الفريق، وابتعدنا عن "الأنا المرضية" التي أصبحتْ "نحن"، ممّا أدى إلى نجاح مضاعف، فبدلاً من مبنى واحد أصبحت ثلاثة مبانٍ، وتضاعف عدد العاملين فيها عشر مرات ليصبحوا 450 فرداً ما بين طبيب وموظف وباحث في مرحلة الشباب، 40 في المئة من العاملين من النساء، وتُعطى الأولوية في العلاج للحالات شديدة الخطورة والتعقيد، والعمليات مجّانية.

- كيف ترين تجربة الفنانة العالمية الشهيرة أنجيلينا جولي مع السرطان اللعين؟

الحقيقة أنّني استفدت من التجربة الجريئة للفنانة العالمية أنجيلينا جولي في مواجهة السرطان، وخضوعها بكلّ شجاعة لاستئصال ثديها حتى لا يصل السرطان إلى جسدها كله، وتسبّب ذلك بهزّة كبرى على مستوى العالم، فقد رأينا السيدة الأجمل تستغني عن أحد مظاهر الجمال في جسدها كي تحارب هذا المرض اللعين، وقد استفدتُ من تلك الشجاعة وذلك الإقبال على الحياة، معتبرةً أنّ الإصابة بالسرطان ليست نهاية الحياة، بل نقطة تحوّل فيها لترتيب الأولويّات.

- ماذا تقولين لأزواج المريضات بالسرطان؟

أرجوكم، انظروا الى زوجاتكم بمفهوم أوسع من حصرهن في الجسد، لأن ثمّة سيّدات يشعرن بأنّهن مهدّدات ويخبّئن خبر مرضهنّ على أزواجهن، ولهذا أرجوكم "طبطبوا" على المريضات بالسرطان وارفقوا بهنّ، لأنّ المرأة أكثر تأثراً وخضوعاً لعواطفها، فادعموهنّ نفسياً، وهذا جزء أساسيّ من الإسراع بالعلاج، لأنّنا من المعنويات العالية نستمدّ القدرة على مواجهة خطر الأمراض عموماً، ومنها السرطان، لأن المناعة عند ذوات المعنويات الأعلى تكون أقوى، وهذا ما أكّده الأطباء، فتراحموا يرحمكم الله في الدنيا والآخرة.

- خلال رحلتك البرلمانية تقدّمت ببعض المقترحات المهمة، فما أبرزها؟

تقدمت بالعديد من المقترحات، منها إنشاء "مفوضية منع التمييز"، وتأسيس "هيئة تنسيقيّة لمكافحة الفساد" واقتراح "تركيب كاميرات مراقبة أمنية"، وقضيتي الكبرى حالياً هي سَنّ تشريع بجعل الكشف المبكر على السيدات المصريات إجبارياً مرة في السنة، لأنه ثبُت أنّ الوقاية خير من العلاج، خاصة أن الدراسات العلمية تؤكّد أن هناك امرأة من ثماني نساء مصابة بسرطان الثدي، كما أن الكشف المبكر يزيد من نسبة الشفاء التي تزيد على 95 في المئة.

- ما هي التساؤلات الصعبة التي دارت في عقلك عندما علمت بمرضك؟

خطر لي الكثير من التساؤلات المنطقية نتيجة الصدمة الشديدة، وأهمّها: لماذا؟ وكيف حصلت الإصابة وما أسبابها؟ ولماذا أنا بالذات؟ خصوصاً أنّني لم أتسبّب في إيذاء أحد طوال حياتي، وإنما كنت أعامل الناس بالحُسنى، دائماً ودودة، ابتسامتي معهم صادقة، كما أحب أن يعاملوني، هل الإصابة بهذا المرض عقاب على ذنب ارتكبته؟ أم أن معاناتي الحالية والمتوقعة ستكون في ميزان حسناتي؟ وهل هذه المعاناة ستقلّل من الحساب على ذنوبي في الآخرة؟ وهل يمكن أن أغادر الحياة في أي لحظة؟ وكيف سأواجه نظرات الشفقة في عيون الناس؟ وما هو تأثير العلاج في جسدي وشعري في ظل ما كنت أسمع عنه أو أراه على رؤوس ووجوه المصابين بالسرطان؟ وهل انتهت أحلامي المستقبلية مع أسرتي وأحفادي؟ ومع هذا جاهدتُ طويلاً للتظاهر بأن كل شيء يسير كالمعتاد، حتى أحتفظ بتماسكي وتوازني النفسي.

- مع دعائنا بالشفاء بإذن الله، ما أكثر ما يؤلمك من هذه التجربة؟

أكثر ما يؤلمني أنّ غالبية المريضات لا يملكن ثمن العلاج، ولهذا لا بد من توفير أكبر عدد من المستشفيات حتى تتسع للمصابات بالمرض اللواتي يتزايد عددهن كل يوم، فأنا مثلاً حتى أتمكن من السفر لإجراء العملية الجراحية في ألمانيا، بعتُ الشقة التي ورثتها عن والدي، ولهذا أتألم لحال المصابات غير القادرات على تحمّل تكاليف العلاج، وهنّ كثيرات، ولذلك أدعم المبادرات الخيرية لعلاج مريضات السرطان، مثل مستشفى بهية للكشف والعلاج المبكر لسرطان الثدي، والتي أتمنى انتشارها في كل مكان، وأن تقوم الدول العربية كلّها بالتجربة ذاتها ليتم الكشف والعلاج المبكر للمريضات العربيات.

- من مدارس الشفاء ومذاهبه اتّخاذ المرض صديقاً، فهل تؤمنين بذلك؟

هذا ما أخبرتْني به إحدى الطبيبات، التي نصحتْني بأن أتقبّل السرطان كصديق لا يفارقني وأنفّذ أوامره، وقد فعلت ذلك لعامين، لكنه يرفض عرض الصداقة ويجاهر بالعداوة، مما يؤكد أنه "صديق رذيل".

- ماذا تقولين لمن أُصيبت بهذا المرض أياً كانت مرحلته؟

في كل الأحوال، تسلّحي بالأمل، فهذا سرّ صمودي شخصياً، ولا تستسلمي مهما كانت خطورة المرض، واستعيني بالله مع دعم أسرتك وعائلتك وأصدقائك، لأن جهاز المناعة ينشط بالدفء العاطفي بكل أنواعه، وعلى الجميع أن يجعل الأمل في الشفاء بإذن الله بلا حدود، وتذكّري المقولة الجميلة للزعيم الوطني المصري مصطفى كامل: "لا يأس مع الحياة، ولا حياة مع اليأس".



CREDITS

تصوير : تصوير- أحمد الشايب