رئيس مجلس إدارة جمعية "تاء مبسوطة": ديانا جبور المرأة السورية قهرت الحرب

دمشق - آمنة بدر الدين الحلبي 25 أغسطس 2019
امتشقت القلم الصحافي لتكون أو لا تكون، مدافعةً بشراسة عن الحق، وسارت في دروب ثقافية وفنية عدة، زرعت رأياً سديداً وكلمة حرة أزهرت فلاً وياسمينَ على مدى سنين من عمرها الثقافي المديد، الذي يضجُّ بالعطاء مثل نحلة طافت على حدائق الورد الدمشقي لتصنع الجمال يفوح منه عبق البحر الذي ولدت وترعرعت وسط تلاطم أمواجه على الكثبان الرملية. ديانا جبور، الصحافيّة المتمرّسة والناقدة السينمائية المتفانية في العمل التلفزيوني والسينمائي، رئيس مجلس إدارة جمعية "تاء مبسوطة" لتمكين المرأة السورية في مجالات الحياة، والمدير العام لشركة إيمار للإنتاج التلفزيوني... التقتها "لها" لتغوص معها بين كواليس الصحافة والإعلام ونوافذ العمل التلفزيوني والسينمائي كتابةً ونقداً وإدارة.


- مشوار طويل يحمل الكثير من التحديات في التلفزيون العربي السوري، أهمها وأكثرها تعقيداً كونها في مجتمع ذكوري لغاية 2010، ما هي التحديات؟

هناك نوعان من التحديات، الأول تحدًّ مهنيّ، يتلخص في تحقيق الاشتراطات الاحترافية، والمتطلبات المهنية، مع التقييم للأداء بغض النظر عن الاتجاهات المختلفة، والالتزام بأصول المهنة، لتمرير الرسالة وإن كانت على النقيض من رسالة المتلقّي، لاحترام ذكاء الآخر وتفكيره.

أما التحدي الثاني فيتمثّل في كوني أول امرأة تتسلّم إدارة التلفزيون، ولو فشلتْ لقيل إن المرأة أخفقت في القيادة لا ديانا جبور، على عكس ما يُقال عن الرجل: فشل فلان من الناس، وليس الرجل. لذلك كان الحرص الشديد على النجاح، لأمهّد الطريق لأخريات أتيْن بعدي، وكان الخَلَف سيدة لا رجلاً.

- يُقال إن العمل الإداري لا يحتاج إلى الإبداع بمقدار حاجته إلى الحزم؟

العمل الإداري فيه من الإبداع ما يرضي نفس المبدع والمبتكر بشرط دوام ما يؤدي لفترة طويلة، وفيه من الخلق والإبداع الكثير، وثمرة العمل كان ليَ اليد بنتاجها، والحزم مع المحبّة لفريق العمل.

- لماذا تُحارَب المرأة الناجحة وتُجبر على ترك منصبها؟

ليست الحرب على كل امرأة تعمل، فأن تكون رقماً إضافيّاً من أسهل الأمور، إنما الحرب على كل امرأة ناجحة في عملها، وتضع بصمة مميزة. وعلى المقلب الآخر، أيضاً يُحارَب الرجل حين يضع بصمة، وكل من يحاول العمل في ثقافة الإتقان التي تُعتبر رافعة الحضارة، سيُحارب من أعداء النجاح.

- عدتِ الى الإنتاج الدرامي والعَودُ أحمدُ، و"لها" تبارك لك العودة مع شركة إيمار للإنتاج التلفزيوني والسينمائي (فيديو)، هل وجدت ديانا ضالّتها المنشودة؟

أنا متفائلة بالتجربة وقد نحقق إضافة وإضاءة، وربما تياراً جديداً في الإنتاج الدرامي، نظراً لإتاحة الفرصة أمامي كي أتعامل مع رأس مال وطني بكل معنى الكلمة، وحين تكون لصاحب رأس المال رؤية مستقبلية للبناء الحقيقي وفهمٌ سليم لكيفية نهضة البلد التي تحتاج إلى روافع ثقافية وفنية وحضارية، يصبح المجال مفتوحاً للتفاهم والحوار، ويُتاح لشركة الإنتاج أن تذهب الى فضاءات واسعة، في محاولة لتقديم دراما سورية خالصة، أمينة لواقعها، غير مخوّلة إصدار أحكام قطعية، بل تعمل وفق مبدأ الكشف والمكاشفة، وهكذا تلقى أعمالها صدىً عند الناس شرطَ ألّا تترفّع عنهم ولا تستثمر بآلامهم.

- هل نعتبرها تجربة إنسانية؟

بلا شك هي تجربة إنسانية لا بد من أن يخرج الإنسان منها بصورةٍ مختلفة. قد يخرج أفضل أو أسوأ، لأن الحياة رحبة واسعة، ولن أحاكم شخصاً لأنه خرج منهاراً، أو مهزوماً، فهذه هي الحياة.

- هل القطاع الخاص يمتلك مساحة من الحرية الفكرية أكبر لتحقيق ما تصبو إليه ديانا؟

أقول بلا تردّد، إن الإعلام والثقافة في القطاع الخاص هوامشهما أكبر بكثير، وأذكر حين كنت أعمل في القطاع العام، أن عرائض صِيغت ضد تشغيل بعض الفنانين لأنهم بمعايير البعض ليسوا على قياس القالب الوطني الذي وضعوه. لكنْ من قال لهؤلاء إنّ قالبهم هو القالب الصحيح والوطني الوحيد؟!

هناك وطنيون أجبرتهم الظروف على السفر، وهم يكنّون العشق لسورية ويتفانون في الإخلاص لها ويتوقون للعودة إليها.

- ما الفارق بين الإنتاج في القطاع العام والإنتاج في القطاع الخاص؟

لم يكن لدي في القطاع العام اعتبار للمحسوبيات، وحاولت قدر الإمكان إدارة المؤسسة بمرونة القطاع الخاص مع الالتزام الصارم بالقوانين. أما القطاع الخاص فيتميّز بالسخاء الإنتاجي والمرونة، وعموماً أحاول الالتزام بقوانين أضعها لنفسي.

- "إيمار" شركة جديدة لا شكّ في أنها تتبّنى رؤى مميزة للمشهد الثقافي، هل هناك دراسة حقيقية لتلقّي رؤى شبابية؟

بالتأكيد، انفتحنا على تجارب سينمائية شابة، وشرّعنا الأبواب أمام الشباب الذين لا يجدون فرصاً لإنتاج أفلامهم، ولدينا رؤية لإنتاج فيلم روائي طويل، وقد تلقّينا ستة سيناريوهات سنختار الأفضل من بينها.

كذلك أقمنا ورش عمل مع مجموعة من الكتّاب الشباب، وكانت أولى نصائحنا: "اخرجوا من الصندوق السرديّ المعتاد للدراما العربية، وفكّروا بأساليب ثقافية وبمواضيع مختلفة وأطُر جديدة".

- من خلال تلك الرؤية الفنية، هل لديكم مشروع حقيقي للمرأة السورية بعد ثمانٍ عجاف؟

لا شعورياً أنحاز الى المرأة، ليس بمعنى انتهاك الطرف الآخر أو التحسّس منه، إنما إنصافاً لهذا المكوّن الذي لم يُنصف بعد. فحين تُقدَّم المرأة بأنها سلعة أو أداة غواية، أو مرتكب للخيانة أو مقصّر، فهذا تزوير للواقع، وليس ظلماً للمرأة فقط، وسبق أن قدّمتها بعض الأعمال الدرامية في البيئة الشامية بأبشع صوَرها. وأمعنت الدراما الاجتماعية المعاصرة في ظلم المرأة حين قدّمتْ مجموعة نساءٍ كل همّهمنّ في الحياة خيانة أزواجهنّ، ولا أنفي تلك الظاهرة لكنها يجب أن تكون مجرّد عنصر في المسلسل وليست جوهره.

- هناك إفرازات حرب قهرت المرأة السورية وجعلتها هي وأطفالها كبش المحرقة، هل من طرح دراميّ جديد لتلك الحالات؟

قدّمنا هذا الطرح في بعض الأعمال، وربما نحن في حاجة إلى مسافة زمنية لإعادة إنتاج الحالة الواقعية حتى لا نقع في مطبّ النقل الحَرفي التوثيقي للواقع، وإذا أعدنا إنتاج الواقع كما هو عليه، فلن نقدّم إضافة للمتلقي، وكل ما علينا فعله هو أن نضيء قليلاً، إما على الأسباب أو الآفاق، وهذا يحتاج إلى فسحة من الوقت.

- وهل هذا يعني أن البيئة الشامية لم تُنصف المرأة السورية؟

متفقون تماماً على أنها لم تنصفها، بل بحثتْ عن إطارٍ مشتهى لـ "الحرمة"، وحين كنت مديرة مؤسسة الإنتاج، قدّمتُ بصدقية مسلسل البيئة الشامية "حرائر"، فهذا هو العمل البيئي الحقيقي، لأن هناك فارقاً بين الفانتازيا البيئية والأعمال البيئية الحقيقية.

- المسرح أبو الفنون، هل من دراسة حقيقية في شركة إيمار لتفعيل دور المسرح وإنتاج مسرحيات تعالج القضايا الاجتماعيّة؟

لدينا مشروع رياديّ كبير، لتسجيل المسرحيات التلفزيونية حتى لا تظلّ الثقافة المسرحية مقتصرة على عدد قليل من المتفرجين فيما عرضها حكر على قناة "لنا" السورية، ومن أبرز أهدافنا تعميم الثقافة المسرحية.

- ديانا جبور رئيس جمعية "تاء مبسوطة" لتمكين المرأة السورية، ما الرسالة التي تحملها الجمعية للنساء؟

جمعية "تاء مبسوطة" تعمل لتمكين المرأة السورية معرفياً وثقافياً، لأنّ المستقبل للاقتصاد المعرفي، ولأن المعرفة والثقافة هما صمّام الأمان الذي يعصمنا عن الوقوع ثانيةً في التطرّف والإرهاب والأحكام والتصرفات العنيفة، فتمكين المرأة في هذا الإطار المعرفي والثقافي متاح لكل النساء وحتى اللواتي فقدن المؤهّلات الفيزيولوجية أو بعضها، لذلك نقوم بنشاطات فنية وثقافية لذوي الاحتياجات الخاصة.

- هل للجمعية تجارب مسرحيّة؟

لأنّ الثقافة رأس مال متجدّد، أقمنا ورشة كتابة مسرحيّة وكتبنا نصوصاً مسرحية نسائية جمعناها في كتاب، وننتظر مَن ينتجها كعروض مسرحية. كما فعّلنا ورشة كتابة سردية لصبايا سوف نقدّمها في كتاب، وأيضاً عملنا ورشة تصوير ضوئي لفتيات سليمات وأخرياتٍ من ذوات الاحتياجات الخاصة.

- ما قصّة اسم "تاء مبسوطة"؟

لتحديد هويّتها كونها نسوية، كما تقصّدنا تمرير رسالة فحواها أنّ الالتزام لا يلغي البهجة، بل يزيد عائد العمل، ويشيع حالة من الرضى والسرور.

- ألا تشعرين بأن المرأة مقهورة في مجتمعنا وزادتها الحرب قهراً؟

دائماً الحرب ترخي بظلالها على المستضعفين والمهمّشين، ومنهم المرأة والطفل وكبار السنّ، هذا لا يعني التسليم بهذا الواقع، إنما علينا العمل لنخرجهم منه. نعم في الحرب تحدٍّ كبير، لكنها فرصة لتثبيت الامتيازات التي حصلت عليها المرأة، وهكذا قهرت المرأةُ الحرب وخرجت لتنتج وتعمل بعدما كان ممنوعاً على الكثيرات الخروج من البيت، وهذا الخروج الاضطراري يجب أن يكون هو الطبيعي والقانوني، حتى لا يعود الرجل ويفرض سلطته على المرأة بعد أن تضع الحرب أوزارها.

ما الذي يخيف ديانا؟

عندما أسمع أحدهم يقول "يا رب ترجع سورية مثل ما كانت"، فهذا يعني احتمال وقوع حرب جديدة. أريد سورية جديدة وجميلة وأفضل مما كانت عليه، لدينا في الجمعية صالونٌ ثقافي لتوعية المرأة وتثقيفها.

- أقامت الجمعية معرض "سأكون يوماً ما أريد"، ما الذي حقّقه معرض التصوير الضوئي؟

حقق صدى كبيراً ومدوياً، فالمشارِكات من ذوات الاحتياجات الخاصة من الصمّ والبُكم، وطلبن أن يكنّ نموذجاً يُحتذى به لكل إنسان في العالم حين يصمّم ويعمل على تحقيق أهدافه ورسم قدره، وقدّمنا للفائزات كاميرات بالتعاون مع إحدى الجمعيات، وأقمنا دورة لتعليم لُغة الإشارة بعدما أخذنا بالاعتبار أنّ سورية بعد انتهاء الحرب ربما تُعقد فيها لقاءات تضمّ تلك الفئات، أي ذوات الاحتياجات الخاصة، فنكون قد أوجدنا لهؤلاء الفتيات فرصَ عمل كـ"مترجمات" إلى لغة الإشارة، محاولين التشبيك مع جهات العمل.

- ديانا جبور كاتبة وناقدة سينمائية من طراز رفيع، ولها مسيرة طويلة في العمل الصحافي، من محرّرة إلى رئيسة صفحة ثقافية. ما مساحة الحرية التي كنت تتمتّعين بها؟

دائماً كنت أتمتع بمساحة من الحرية، سواء في الصحافة أو الإدارة، نظراً لحسّي النقدي العالي، ولم أكن في يومٍ أداةً طيّعة في يد أحد، فأنا صوتٌ ناقدٌ وقوي، وأدافع بشراسةٍ عن وجهة نظري.

- في عصر التواصل الاجتماعي والانفتاح الفضائي، ما هي تحديات الصحافة الورقية، وهل ستندثر؟

لا جديد يلغي قديماً بالمطلق، حين جاءت الإذاعة قيل إنها ستلغي المسرح ولم يحصل، وحين جاء التلفاز قيل إنه سيلغي الإذاعة والمسرح، فلم تصدُق توقعاتهم، وكلما يصلنا اختراع جديد يُقال سيلغي ما سبقه، ولن يحصل هذا لأنّ الحياة رحبة وتتّسع لكل الاختراعات على تنوّعها، وكل جديد يأخذ حجمه وجمهوره ويبقى للقديم حجم وجمهور.

- تُوجّه أصابع الاتهام دائماً الى الصحافية السورية، ماذا ينقصها؟

الظرف الاقتصادي هو من يظلم الصحافية السورية، وإن تمّ التعامل معها من الخارج، يكون دخلها نصف ما تتقاضىاه مثيلتها الأجنبية أو العربية نظراً لمستوى الدخل في سورية، وهذا بحد ذاته ظلم كبير للصحافية السورية، وبسبب تدنّي دخل الصحافية السورية، تنحسر قدرتها الشرائية اللازمة لتطوير ذاتها، والالتحاق بدورات تثقيفية ومهنية، مما يدفعها للعمل أكثر لتحسّن وضعها الاقتصادي فيضيق الوقت أمامها. لكن الصحافية السورية موجودة في العالم العربي والغربي وناجحة بكل المقاييس، وهناك كوادر سورية ناجحة تعرفها "لها"، وما إن يُتاح لها الظهور على أحد المنابر الإعلامية حتى تُثبت وجودها بجدارة وتتميز بقوة.

- قلتِ في أحد الحوارات إن صنّاع العمل الفني شركاء في صنعه وترويجه، فهل تقصدين أن المطلوب من الممثل المشاركة في التسويق للعمل؟

قلت بالمساهمة في إنجاح العمل وليس التسويق بالمعنى الحَرفي، لأن الممثل شريك في العمل ورافعة للنجاح ودعامة أساسية وأمين عليه.

- كيف تقرأ ديانا العمل الروائي الجيّد؟

العمل الروائي الجيد هو منبع وملهم للعمل التلفزيوني، وهناك أعمال روائية عظيمة أصبحت محطّات مهمة في الدراما السورية.

كيف تنظرين الى مستقبل الدراما السورية؟

الفن يعكس حالة مجتمع، وعلى سبيل المثال لا الحصر، في فترة ما، كان الفن الفرنسي بأعلى مستوياته على كل الصعد، لأن الأمّة الفرنسية كانت في أوجّها، ومن الصعب جداً أن تقوم حركة فنية عالية المستوى في مجتمع متهالك ومتعب، لكن نستطيع القيام بعمل فنّي ممتاز.

- وما هو الحل؟

لا بدّ من حركة اجتماعية قانونية جديدة تنعكس في إنتاج فنيّ ودرامي وفكري متجدد، والمرأة ستكون العنصر الأساسي فيه لأنها صاحبة المصلحة الأساسية بالتحرر، وهي المثال الأوضح على المعاناة، وستكون علامة فارقة في إنتاج المستقبل.

- زوجك الفنان والمخرج المبدع باسل الخطيب، إلى أي حد هو داعم حقيقي لك؟

زوجي داعم أساسي في حياتي، وإلى جانب كل امرأة فاعلة رجل عظيم واثق من نفسه. لا تكون المرأة فاعلة بدون زوج أو أب أو أخ مؤمن بها وداعم لها، والشواهد أكثر من أن تحصى.

- ابنك "مجيد" أنهى دراسة الإخراج في أميركا، هل هناك استشارات بينك وبينه؟

استشارات وأكثر... فهو يمنحني رؤية شبابية وطاقة مطوّرة.

- ماذا تقول ديانا للمرأة السورية؟

التفاؤل ضروري لكن ليس مسلَّماً به ولا يعوَّل عليه وحده، هو يحتاج إلى روافع وقدرة على التسامح والتفهم والتفاهم، لأن المستقبل أفضل شرط أن نستحقه ونعمل لأجله.