قلّة هي المدن التي تمتلك مقوّمات مدينة جنيف السويسرية، تلك المدينة الراقية والمناسبة لاستمتاع كافة أفراد العائلة في إجازة فخمة. لذا، لم أتردد قط في قبول دعوة هيئة السياحة في جنيف لزيارة تلك المدينة والتعرف إلى تاريخها وثقافتها واكتشاف أسرار صنع بعض أجود الساعات في العالم...

ملاذ في ربوع الألب... هذه هي جنيف، المدينة السويسرية الراقية التي تتمتع بموقع استراتيجي على سفح الجبال، وتعتبر الوجهة المثالية لإجازة مفعمة بالنشاط والحيوية والنشاط، وممارسة رياضة التزلج على المنحدرات، والتلذذ بنكهات الأطباق السويسرية... تُعتبر جنيف بخياراتها الترفيهية الكثيرة ملاذاً عائلياً مثالياً ووجهة رائجة للمسافرين من كل الأعمار، إذ تضم معالم سياحية طبيعية وثقافية توفّر أنشطة غير محدودة ترضي الجميع.

تقع مدينة جنيف بين قمم الألب وتلال الجورا، في خليج ماء يرتحل فيه نهر الرون من بحيرة جنيف. تتحدث المدينة اللغة الفرنسية وتتصف بتراثها الإنساني وروحها المتحضرة. إنها مقر منظمة الأمم المتحدة في أوروبا، ومنظمة الصحة العالمية، ومنظمة التجارة العالمية، ومنظمة الصليب الأحمر الدولية، ومنظمة الملكية الفكرية، ومنظمة العمل الدولية، ومنظمة حقوق الإنسان.

كما تعتبر جنيف مركزاً لصناعة الساعات الفاخرة والراقية، بحيث تضم أهمّ الدور العالمية التي تبتكر الصناعات الفاخرة المشهورة بدقتها الفائقة ورقيها المذهل وجمالها الأخاذ. إنها محطة أساسية لعشاق التسوق الفاخر والسياحة من فئة الدرجة الأولى. ومن الناحية الثقافية، يمكن القول إن جنيف هي ملتقى الفنانين العالميين الذين يأتون إلى مسرحها الكبير ودار والأوبرا لتقديم عروضهم.

إقامة ممتعة

انتقلنا من المطار إلى فندق Fraser Suites الذي هو عبارة عن مجموعة من الشقق الفندقية المناسبة للإجازات العائلية. تقع فرازير سويتس جنيف في منطقة رو دو مارشيه على بعد 300 متر من كاتدرائية سانت بيار و10 دقائق سيراً على الأقدام من بحيرة جنيف، فيما تقع محطة قطار غار دو كولانافين على بعد 800 متر من هذه الشقق الفندقية.

تحتوي جميع الاستوديوهات في فرازير سويتس جنيف على أثاث فاخر، وتضم مطبخاً صغيراً مجهزاً، إضافة إلى تلفزيون بشاشة مسطحة مع قنوات فضائية وغرفة جلوس مزودة بأريكة. ويستطيع نزلاء هذه الشقق الفندقية الدخول إلى غرفة اللياقة البدنية مجاناً، والاستفادة أيضاً من مرفق غسيل الملابس بشكل مجاني، بالإضافة إلى خدمة التنظيف الجاف مقابل تكلفة إضافية.

ولعل أروع ما في فرازير سويتس جنيف هو الموقع الجغرافي الذي يتيح لك الوصول إلى مختلف أنحاء جنيف بسهولة فائقة.

بحيرة جنيف

بحيرة جنيف أو بحيرة ليمان هي من أكبر البحيرات في أوروبا ولمياهها طعم عذبٌ طبيعي متميز عن غيرها من البحيرات. ترتبط هذه البحيرة مع الوديان الرئيسية لجبال الألب، مما يجعلها وجهة سياحية رائعة في سويسرا.

البحيرة موجودة على الحدود السويسرية الفرنسية حيث يقع 60% من مساحة البحيرة على الجانب السويسري ضمن كانتون فود وكانتون فاليز وكانتون جنيف و40% على الجانب الفرنسي ضمن إقليم سافوا العليا.

توجهنا إلى البحيرة، واستقلينا أحد القوارب الصغيرة التي أخذتنا في جولة رائعة على طول البحيرة استكشفنا من خلالها الأماكن المحيطة بالبحيرة. لا شك في أن بحيرة ليمان مكان مثالي للنزهات العائلية إذ تتميز بمناخ لطيف معتدل وتتيح الاستمتاع بمناظر طبيعية خلابة وقضاء أجمل الأوقات.

نافورة جنيف

نافورة جنيف نجمة الجذب السويسرية وواحدة من أشهر النوافير في العالم، علماً أن زائر جنيف يمكنه رؤيتها من جميع أنحاء المدينة بسبب علوها.

يندفع الماء من النافورة إلى ارتفاع 140 متراً، وهي أعلى نافورة ماء في العالم. تم تصميمها عام 1886 بهدف تقليل ضغط المياه عند الضخ لسكان المدينة. لكن بحلول العام 1891، تم تطويرها لتصبح معلماً سياحياً جذاباً وكان ارتفاع الماء يصل إلى 90 متراً فقط في ذلك الحين.

في العام 1951، تم تطوير النافورة وجرى تزويدها بالمضخات ومصادر الماء والإضاءة لتصبح معلم المدينة المشهور.

جولة في المدينة القديمة

في اليوم الأول، قررنا استكشاف المدينة القديمة (Old City) في جنيف حيث قمنا بجولة على الأحياء المرصوفة بالحصى واطلعنا على تاريخ المدينة واكتشفنا أزقّتها السرية. أحياء المدينة القديمة عبارة عن متاهة مذهلة مليئة بالمقاهي، والمطاعم، والمعارض، والمتاحف، إضافة طبعاً إلى المباني التاريخية ذات الواجهات المزخرفة بشكل رائع. شعرت أني عدت بالزمن آلاف السنين وأنا أمشي في شوارع جنيف القديمة.

زرنا أيضاً كاتدرائية القديس بطرس الشامخة وسط جنيف القديمة، وصعدنا إلى أعلى طابق فيها لمشاهدة جنيف وبحيرتها ونافورتها. المشهد رائع جداً وحابس للأنفاس إذ امتزجت السماء الصافية مع البحيرة الساكنة وقرميد المساكن في لوحة فنية قد يصعب على الإنسان محاكاتها.

قيل لنا إن أهل جنيف يحتفلون في شوارع المدينة القديمة في 11 و12 ديسمبر من كل عام بانتصارهم على الفرنسيين السافويين في ليلة 11-12 ديسمبر 1602، حيث شن الدوق شارل ايمانويل هجوماً على المدينة وحاول جنوده التسلق على الأسوار بواسطة السلالم. إلا أن نساء المدينة قاومن بسكب الحساء الساخن بالطناجر على الجنود ونجحن في ردع الهجوم. ولهذه المناسبة، تقام الاحتفالات ويتم توزيع أطباق الحساء وسط أجواء مرحة.

ساعة الزهور

تقع ساعة الزهور في الحديقة الإنجليزية على الممشى الموجود على حافة البحيرة. وتم إنشاؤها عام 1955 كرمز لصانعي الساعات في المدينة واهتمامها بالطبيعة. بُذلت جهود مضنية في تصميم الساعة وهي تحتوي على 12 ألف زهرة ونبتة مختلفة تتغيّر وفق تبدل المواسم. تتمتع ساعة الزهور بمظهر أنيق ولافت، وتمتاز أيضاً بالدقة السويسرية في عرض الوقت، مع الإشارة إلى أن عقرب الثواني في هذه الساعة يبلغ طوله 2.5 متر، وهو الأطول في العالم!

صناعة الشوكولا

بما أنّ جنيف تشتهر بكونها عاصمة الشوكولا، لا يجوز زيارتها من دون المشاركة في ورش عمل إعداد الشوكولا التي تُشكّل طريقة رائعة لقضاء وقت مميز مع العائلة أو الأصدقاء عنوانها اكتشاف سر الشوكولا.

انطلقنا إلى مصنع الشوكولا Philippe Pascoet حيث تتم صناعة الشوكولا يدوياً من دون اللجوء أبداً إلى الماكينات. وهناك، اطلعنا على تاريخ صناعة الشوكولا وكيفية صناعة ألواح وأشكال متعددة من الشوكولا، ثم باشرنا في إعداد قطع الشوكولا الخاصة بنا.

الفوندو التقليدي

لا يمكن زيارة جنيف من دون تناول الفوندون التقليدي واستكشاف الثقافة وحسن الضيافة السويسرية. أتيحت لنا فرصة زيارة مطعم Edelweiss السويسري، والتعرف إلى مسؤول الطهاة هناك، حيث تعلمنا صناعة الفوندو التقليدي قبل التلذذ به مع مكعبات الخبز المحمصة. وأخبرنا كبير الطهاة أنه يمكن إعداد الفوندون بنكهات مختلفة وفق الأذواق، بحيث يمكن استبدال مكونات معينة بأخرى مع الحفاظ طبعاً على المكونات الأساسية التي تعطي الفوندو السويسري نكهته المميزة.

زيارة محترف لصناعة الساعات

خلال إقامتنا في جنيف، قررنا زيارة ورشة لصناعة الساعات وتعلّم كيفية تجميع ساعة سويسرية كاملة والاحتفاظ بها كهدية تذكارية خاصة. زرنا ورشة Initium التي أتاحت لنا التعرف عن كثب إلى مختلف مراحل صناعة الساعات. استهلت الورشة بدروس نظرية شرحت لنا أجزاء الساعة ووظائفها، لننتقل بعدها إلى المرحلة التطبيقية، حيث باشر كل منا في تركيب ساعته الخاصة باستعمال مفكات البراغي والمقصات البالغة الصغر.

كانت تجربة ممتعة جداً،ـ تستلزم الكثير من الصبر والدقة، لكنها تستحق من دون شك كل العناء المبذول. ففي نهاية المطاف، يجد المرء بين يديه ساعة صنعها بنفسه.

متحف باتيك فيليب

عُرفت سويسرا باحترامها للوقت ودقّة الساعات عبر العصور، وهذا ما يتجلى في متحف باتيك فيليب Patek Philippe، حيث يتم عرض طريقة صنع الساعات السويسرية، وتروى قصة تطور صناعة الساعات في العالم وفي سويسرا بتسلسل زمني متقن. يحتوي المتحف على قاعتين، بحيث تعرض القاعة الأولى مجموعة كبيرة ومتنوعة من الساعات القديمة، فيما تعرض القاعة الثانية تصاميم مدهشة لمصمم الساعات الشهير باتيك فيليب.

تأسس المتحف عام 2001 ويقع في منطقة بلين باليه Plainpalais غربي جنيف. يعتبر من أبرز الأماكن السياحية في سويسرا إذ يساعد الزائر على فهم كيفية صناعة الساعات السويسرية بطريقة عرض شيقة ومثيرة ويروي قصة تطور الساعات السويسرية في تسلسل زمني مبهر ومتقن. تعود تسمية المتحف نسبة إلى شركة باتيك فيليب وهي شركة عائلية اشتهرت باسم الجد الأول الذي بدأ مهنة صناعة الساعات منذ القرن السادس عشر.

بدأنا جولتنا في متحف باتيك فيليب بمساعدة مرشدة متخصصة شرحت لنا تاريخ إنشاء المتحف وتاريخ صناعة ماركة باتيك فيليب Patek Philippe عبر الزمن منذ القرن التاسع عشر.

الجولة انطلقت من الطابق الأول حيث مجموعة من الآلات الدقيقة المستخدمة في صناعة ساعات باتيك فيليب الفريدة. انتقلنا من ثم إلى الطابق الثاني الذي يضم مجموعة من الساعات القديمة والنادرة، غير الموجودة في أي مكان آخر. تتميز هذه الساعات بأشكالها المختلفة والمتغيرة على مر التاريخ. فهناك الساعات الرملية، والساعات الشمسية، والساعات الدائرية، والمنبهات وغيرها الكثير. وأشهر الساعات في هذا الطابق هي الساعة الملكية التي صُنعت لعائلة باتيك فيليب عام 1500.

مسك الختام كان في الطابق الثالث حيث شاهدنا مجموعة من الساعات المصنوعة بطريقة فنية دقيقة، كانت أشبه بلوحات فنية تروي حكايات كثيرة.

كاروج

هي بلدة صغيرة تقع في كانتون جنيف، وتعتبر إحدى أعرق مناطق جنيف. بنيت كاروج في أواخر القرن السابع عشر على يد ملك سردينيا في ذلك الوقت، وباتت اليوم معلماً تاريخياً وسياحياً رائعاً علماً أنها تتميز بطبيعتها، ومعارضها، وبنيتها التحتية، وبيوتها وتاريخها وأزقتها الصغيرة. تحوي كاروج أحد أجمل دور الأفلام، والمقام منذ العام 1912 والتي توفر عروضاً بشكل يومي. ولا ننسى طبعاً سوق كاروج الغني بالخضار والفواكه الطازجة. كما تشتهر كاروج بمخابزها ومقاهيها، فهي تتعدى رمزية مبانيها التاريخية لتقدم خدمات وأطعمة لا تقل روعة وإبهاراً.

الرحلات الجبلية

على مسافة 35 دقيقة بالسيارة يمكن لمحبي الجبال الوصول إلى قمة جبل مونت ساليف. هناك، وعلى ارتفاع 1100 متر، ثمة عدد لا يُحصى من المغامرات أبرزها الهبوط بالمظلات، وتسلق الجبال، وركوب الدراجات الجبلية، والمشي في الجبال بالترافق طبعاً مع إطلالة لا تُفوت على المدينة الرائعة. وإذا كنتم جاهزين لرفع مستوى التحدي، يمكنكم متابعة الرحلة إلى أعلى سلسلة جبال الألب، وهي قمة مون بلان، التي تقع على مسافة قريبة من جنيف حيث يمكنكم التمتع بأنشطة مصممة لأصحاب القلوب القوية.

تسوق متنوع

لا يمكن زيارة جنيف من دون اختبار تجربة التسوق الرائعة فيها. فالمدينة عاصمة صناعة الساعات إذ تحتضن علامات دولية مرموقة مثل روليكس Rolex، وأوديمار بيغيه Audemars Piguet، وآي دبليو سي IWC وبوفيه Bovet. كما يعتبر شارع "رو دو رون" مثالياً لتسوق الملابس والأحذية، إذ يعجّ بمتاجر العلامات الفاخرة مثل لويس فويتون، وفندي، وبياجيه، وكارتييه، وفيرساتشي وغيرها الكثير.

ولا يقتصر التسوق في جنيف على شراء منتجات العلامات الشهيرة فحسب، بل يمكن الاستمتاع بتجربة تسوّق لا تُضاهى في شوارع أقل ازدحاماً، برفقة موظفين يتحدّثون اللغة العربية.

لا بدّ أيضاً من شراء تذكارات تستحضر الذكريات السعيدة والممتعة التي اختبرتها خلال الرحلة. تتوفر باقة واسعة من المتاجر التي تبيع قطعاً تذكارية تذكّرك بتجارب هذه الرحلة الرائعة.

إلى اللقاء جنيف

غادرت جنيف بعد قضاء ثلاثة أيام كاملة في ربوعها استكشفت خلالها العديد من الجوانب الثقافية والتاريخية للمدينة، واطلعت على العديد من التقاليد المحلية. تأكدت أن جنيف وجهة حيوية نابضة بالحياة يطغى عليها الطابع العالمي، توفر عدداً لا يحصى من المغامرات المتنوعة سواء الداخلية منها أو في الهواء الطلق. وهي بلا شك تلبي تطلعات السياح العرب الباحثين عن وجهات سفر مميزة تجمع المغامرات مع عطلات المدن في مكان واحد. غادرت جنيف وأنا أحمل في جعبتي كماً هائلاً من اللحظات الجميلة والذكريات التي لا تنسى، مع رغبة شديدة بالعودة إلى المدينة السويسرية في أقرب فرصة ممكنة لأكتشف ما فاتني منها هذه المرة...