الفنانة التشكيلية نوف رضوان: بين الواقعية والتأثيرية ابتكرتُ عالمي الجميل

جدة - آمنة بدر الدين الحلبي 08 فبراير 2020
بما أن الفن هو البوابة التي يخرج منها الجمال الذي يعبّر عما في النفس البشرية من فرح أو حزن، من آلام أو آمال، ويظل مظهراً من مظاهر الحياة الشعورية النفسية وخلقاً ذاتياً ينبض بالحياة، من خلال تلك الألوان المنثورة على كل بورتريه نقشته أنامل الفنانة التشكيلية نوف رضوان الحاصلة على بكالوريوس في الـ"غرافيك ديزاين"، والعامرة بالفن التشكيلي وإبداعاته وما يعتريه من فكر مميز. "لها" شدّتها تلك الذات في صالة "أثر" للمعارض فالتقت الفنانة التشكيلية نوف رضوان بما تحمله من مخزون ثقافي يجمع بين الدقة في التفكير والجمال في التعبير، تنقله بألوانها على مساحة من لوحاتها الجميلة والتي ترصد بها كل وجه أنثوي يعبّر عن خلجات امرأة أو معاناتها، وربما أحلامها وأين يستقر بها المطاف لتحقق ما تريد.


- ماذا تخبّئ نوف في ذاتها لترصده في فرشاتها؟

في ذاتي الكثير من معاناة أنثى، كَبُر مع الزمن وتفرّع، وألم من ماضٍ سحيق حين كنت بعيدة عن نفسي، نقلته فرشاتي بصدق وأمانة على لوحاتي، من خلال ألواني التي زرعتها كحمام زاجل يعرف ما يريد وكيف يصل الى مبتغاه.

- ما تحمل تلك النفس من معاناة إنسانية؟

أُصبت باكتئاب شديد، تطور مع الوقت وتحوّل إلى نوبات من الهلع، نظراً لانعدام التصالح بيني وبين نفسي، حتى أصبحت لا أكنُّ لنفسي أي احترام، وكرهتها بسبب قراراتي الخاطئة، وعدم قدرتي على القيام بأعمال تفيدني في حياتي، وكان همّي الوحيد إرضاء الناس وعدم جرح مشاعرهم ولو على حساب ذاتي، مما أوصلني الى حالة من الهلع جعلت جسدي يوعز إليّ بضرورة التوقف.

- بدا الخوف مسيطراً على البورتريه في ألوانك الترابية، فما السبب؟

لأنني لا أملك القدرة على التعبير بالكلام عمّا في داخلي، لم أجد وسيلةً أفضل من غمس فرشاتي في عمق اللون وتمريرها على لوحاتي شكلاً ولوناً، لهذا شعرت "لها" كما الناس بأن وجوه لوحاتي كئيبة وحزينة.


- لماذا لا تعبّرين عن الفرح؟

من السهل التعبير عن الفرح، فهو يرتسم على محيّاي، وتبتسم عيناي، لكن الحزن لا ينطق إلاّ حين أصبّه على لوحاتي.

- ما كل هذه الغربة عن النفس؟

كانت وانتهت إلى أجل غير مسمى، وأنا اليوم بأفضل حالاتي، فبعد رحلة من التعبير بالرسم أصبحت فخورة بنفسي، ومتصالحة مع ذاتي.

- متى بدأتِ بالرسم؟

منذ نعومة أظفاري أمسكت الفرشاة بأناملي، وحين وصلت إلى المرحلة الإعدادية بدأ الوجع الحقيقي، فبسبب المشاكل الأسرية انقطعت عن الرسم لفترة من الزمن، وبعد ذلك تابعت دراستي إلى أن تخرّجت في قسم "الغرافيك ديزاين".

- كيف عدتِ الى ألوانك لتعبّري عن ذاتك؟

في إحدى المرات، وبينما كنت أتابع صفحات "الإنستغرام"، شاهدت لوحات بورتريه جميلة ومرسومة بمهارة فائقة، فتابعتها وبدأت أجرّب معها، حيث أخذتني ذاكرتي الى سنوات الطفولة فتجدّدت تلك الأيام وأعادت إليّ أياماً جميلة عشتها، كي أبدأ مرحلة جديدة من حياتي تجعلني أهيم بها وأنسى ما يدور حولي لساعات طويلة، فصادقت ألواني لأعبّر عن ذاتي بكل صدق وشفافية، وبدأت بالبحث عن أي تخصص له علاقة بالرسم، فكان الـ"غرافيك ديزاين"، لكنه عالم آخر بكل ما فيه، ومنفصل تماماً عن الرسم، علماً أن الرسم كان سبباً في اختياري الـ"غرافيك ديزاين".

- هل تعملين في اختصاصك؟

أعمل في مركز الرؤية البصرية للتواصل المرئي، وله علاقة بتصميم هويات بصرية، وتصاميم مرتبطة بالمطبوعات والدعايات ووسائل التواصل الاجتماعي والتصوير.

- بمَ تشعرين حين تغمسين فرشاتك في عمق اللون؟

حين أمسك بالفرشاة أنسى ما يدور حولي، وأجد نفسي أمرّر الألوان تباعاً. وعلى سبيل المثال أثناء تحضيري لمعرض "أثر"، كانت فكرة أخرى تسكن في ذاكرتي، وفجأة وجدت نفسي حاضرة في العمل المشارك، والمعاناة التي مرَّتْ بها، لأنني كنت متأكدة من مشاركة الجمهور لأعمالي، وإحساسه معي، ويرى نفسه من خلال أفكاري الفنية.


- نوف في قلب العالم، أم سارحة في عوالم خاصة بها؟

حياتي كلها سارحة في عوالم أرسمها بخيالي، مليئة بالجمال وتعجُّ بالسعادة، لكن قررت أخيراً أن أعيش في قلب هذا العالم، شرط أن يظل الجمال ساكناً في جسد ذاكرتي.

- ما شكل تلك العوالم التي تسرحين فيها؟

هذا سؤال صعب. هي عوالم نقية مثل حديقة تغصّ بالورود، وتغمرها أشعة شمس ذهبية اللون.

- ألا تحبين الناس؟

أحب الناس، لكن أحبّ نفسي أكثر، وبمقدار ما أكون قريبة من الناس، يجب أن أكون متواجدة مع نفسي، أختلي بها، لأنني بعد يوم عملي طويل أعود الى منزلي وأدخل غرفتي ليلاً وأجلس بمفردي، لأكتشف مدى معرفتي بها.

- هل تحبين الوحدة، وماذا تعطيك؟

أحبّ العزلة، لأنني بحاجة إليها كفنانة، فهي تمنحني الإحساس بالأمان، والشعور بالحاجة الى نفسي أكثر من حاجتي الى الناس، وبالتالي تجعلني أتكلم مع نفسي وأفهمها وأحترمها أكثر، حينها أعرف كيف أتعامل مع غيري وأتكلم معهم بكل محبة.

- ما نوع الوحدة التي ترمين إليها؟

جميلة جداً وحدتي، تأمُّلية، مليئة بالتجليات لأحقق ما أريد على الصعيد الفني.

- ما هو لونك المفضّل؟

هذا يعتمد على مزاجي، فكل مرة أغيّر ألواني وأستبدلها بأخرى.

- كانت ألوان لوحاتك في المعرض ترابية متجانسة مع الأحمر، فما السرّ؟

تلك الألوان لم تكن ضمن أولوياتي ولا أحبّها، وخاصة اللون الأحمر. لم أكن أقترب منه أبداً، سواء في لوحاتي أو ملابسي، لكن مع الأيام اعتمدته من باب التغيير.

- علماً أن اللون الأحمر يعبّر عن حياة مجتمعية متنوعة.

لا ألتفت الى مشاكل المجتمع، وأهتم بنفسي فقط، وهناك الكثير من التساؤلات عن عدم اهتمامي بالحياة المجتمعية وما تحويه، أطّلع عليها لكن لا يعنيني التعبير عنها.

- وهل تغوصين في أعماق المرأة للتعرف على معاناتها؟

أغوص في أعماق نفسي، ولا تهمّني المشاكل الأسرية ولا المجتمعية.

- ألهذا السبب تتصدّر صورتك لوحاتك؟

نعم، لأنني أحب نفسي أولاً وأخيراً، علماً أنه يهمّني الاطّلاع على مشاكل المرأة وحقوقها في المجتمع، لكن لا أشركها في أعمالي الفنية، لأن أعمالي تخصّني وحدي.

- في رأيك، هل من الضروري أن تنقل أي فنانة معاناة المرأة في المجتمع؟

لا، ليس بالضرورة، فهناك فنانات كثيرات تتصدّر معاناة المرأة لوحاتهن، وفي النهاية لكل فنانة أسلوبها المميز والخاص بها، ولدي ما يكفيني من مشاكلي الخاصة والتي أفرّغها في لوحاتي الفنية.

- في ألوانك حزن عميق وجزء من فرح، ما هي رسالتك للمتلقي؟

الظروف التي مررتُ بها، ربما مرَّ بها كل إنسان، سواء رجل أو امرأة، وإن كنت أعاني بمفردي، فهذا لا يعني أنني أبحث عن الحب والمحبّة والطمأنينة عند الآخرين، وعليّ أن أجدها بنفسي قبل أن أبحث عنها عند الناس.

- ماذا يعني لك الحب؟

الحب قيمة كبيرة، لكن المجتمع حصره في المرأة والرجل فقط، أما بالنسبة إليّ فالحب حياة بحد ذاته إذ يتضمن حب الأهل والأصدقاء والجمال، وكيف أعيش حياتي، وأحب نفسي، وبمقدار حبي لنفسي أستطيع أن أحب الناس.


- هل أنت نرجسية، وإلى أي مدى؟

أحب نفسي كثيراً، لكنني لست نرجسية كما يعتقد البعض، ومن لا يعرف حب الذات ويقدّرها، لا يمكنه أن يحبّ الآخرين.

- كيف تصنّفين حبّك لوالدتك؟

أعجز عن التعبير عن حبّي لوالدتي، فهو عصيّ على الوصف والتصنيف، وإلى الآن لم أرسم لها لوحة، ودائماً أتهرّب من رسم أيقونة عطاء لا مثيل لها، وحبّي لوالدي يُتوّجه نجاحي.

- ما أكثر ما تحبين في الحياة؟

أحب الطبيعة الجميلة والعيش بين مفرداتها، غرفتي مليئة بالنباتات الخضراء التي تعطيني الأمل بالحياة، وكل نبتة أطلقتُ عليها اسماً جميلاً، وكلما نظرت إلى نباتاتي الخضراء أشعر بجمال الحياة وديمومتها.

- إلى أي مدرسة فنية تنتمي أعمال نوف؟

أعمالي تنتمي إلى المدرسة الواقعية والتأثيرية، لأنني بدأت بالواقعية، وألهمتني الواقعية لأنها تعبّر عن الواقع الحقيقي والفن الجميل مثل مايكل أنجلو الإيطالي، والفن الروسي يمتلك سحر الواقعية، بعد ذلك شعرت أن الواقعية لا تعّبر عن روحي وإن أعجبتْ المتلقي، فانضممت الى المدرسة التأثيرية وبدأت اللعب بالألوان المختلفة، فوضعت الظلال الأكثر جرأة في العمل الفني، بدءاً من الأحمر القاني وصولاً إلى الأخضر الجميل والرائع.

- لماذا نرى الألوان الزيتية مسرحاً لأعمالك؟

لأنها تمنحني تأثيراً أعمق من الألوان المائية، خاصة في دمج الألوان ومزجها وضربها على اللوحة الكبيرة بالأداة الحادّة، وعلى سبيل المثال حين رسمت العيون الكبيرة استخدمت السكين الفنية أداةً، فهي أعطتني إحساساً جميلاً، وكنت أستخدمها في خلفية اللوحات حين أرمي الى الأشياء المبهمة.

- هل تحبين البحر؟

بل أعشق البحر، أحاكيه ويسمعني، كونه جزءاً لا يتجزأ من الطبيعة الخلابة، وكثيراً ما أغمس قدميّ في الرمل لأتخلص من المشاعر السلبية وأستمد طاقة إيجابية، وأشعر أنني واقفة بصلابة عليه.

- لماذا تحاولين دائماً إبراز العين بأسلوب مميز؟

للعين لغة مميزة وتُعتبر مرآة الإنسان إذ تقول ما في داخله للعالم، سواء حزن أو فرح. يمكن إخراج العمق الإنساني من خلال العيون التي تُعتبر نافذة للحياة بخيرها وشرّها.

- من هي نوف الإنسانة؟

أنا إنسانة تحب الحياة، بما فيها من ثقافات، وتبحث عن الحضارات كلها لتمارس عشقها الفني بأريحية، وتهوى التجارب الإنسانية، والسفر للبحث والاطّلاع، وترى الجمال في كل شيء.

- من يقف وراء هذا النجاح؟

إصراري على الحياة، وأهلي الذين يشجعونني باستمرار، وكل أصدقائي الذين مرّوا في حياتي، مع قراءاتي المتعددة التي تأخذني الى عوالم جميلة ومثيرة أستمد منها تجاربي.

- لمن تقرئين؟

أقرأ روايات كلاسيكية في الأدب الإنكليزي، لـ"أوسكار وايلد" و"فرجينيا وولف"، وفي الأدب الأميركي أقرأ لـ"سيلفيا بلاث" و"دان براون" وكثر غيرهم.

- أين الرجل في حياة نوف؟

أنا مشغولة بنفسي وفني وتطوير أعمالي والنجاح في حياتي العملية والفنية، والرجل هو والدي الذي أستمد منه القوة والعطاء، وأخي رمز الحنان.

- أين ترى نوف نفسها في 2030؟

متحمسة للقاء أناس جدد في عالم منفتح فكرياً، والتعرف على نوف الجديدة التي ستخرج فنانة برؤية 2030 التي فتحت لنا الأفاق واسعةً.

- ماذا تقولين للمرأة السعودية؟

ابحثي في نفسك واستخرجي منها الجمال وأحبّيها، فشخصيتك مصدر قوّتك، حققي أحلامك ولا تنتظر الدعم من الناس، فهم عند السؤال يضعون في طريقك الحواجز، لذا انطلقي في الحياة بكل ما تملكين من قوة.