مسلسل عمر يبلغ العالمية انتشاراً
المخرج حاتم علي, قناة ام.بي.سي, تلفزيون قطر, مسلسل, الخليفة عمر بن الخطاب, وليد سيف, دار الإنتشار العربي
17 يوليو 2012مسلسل «عمر» بين كواليس العمل وتفاصيل العملية الإنتاجية
لعلّ ما قيل لنا عن ضخامة إنتاج مسلسل «عمر» كان مجحفاً بحقّ العمل والإمكانات الهائلة المُسخرة له كما لمسناها بأنفسنا على أرض الواقع. إن كل ما قيل ونُشر من مقدمات وأخبار وتفاصيل أشيعت أو انتشرت عن العمل، والتي سمعناها قبل زيارتنا لموقع تصوير مسلسل «عمر» في مزرعةٍ في دمشق كان مجحفاً بحق هذا الإنتاج الدرامي الأضخم في تاريخ الدراما العربية والتلفزيون الحديث في المنطقة، لأنه لم ولن يفيَه حقه فعلاً. فالحقيقة كانت أضخم حتى من الترويج. ورغم زيارتنا العديد من مواقع تصوير الدراما في مختلف أقطار العالم العربي، فإن زيارة موقع تصوير مسلسل «عمر» وضعتنا أمام تجربة إنتاجية عالمية بحق.
مجموعة من «بلاتوهات» التصوير منها المغلق ومنها المفتوح، مدن تاريخية ببيوتها الرملية وأزقتها الضيقة وإشارات مرور داخلية ترشدك على الطرق. ورشة الاكسسوارات، ورشة الماكياج، ورشة الملابس، استديو ١ واستديو ٢ وغيرها... بدأ مشوارنا من داخل أحد المستودعات المغلقة، استديو ١. من الخارج ينتمي البناء الى فئة الأبنية الصناعية من القرن العشرين، ومن الداخل مجلس ودار عمرها ما يزيد عن ألف عام! كل ما في المكان يتكلم بلغة تاريخية ساحرة تعود بنا إلى أزمنة لم نعرفها ولا تنتمي إلى يومنا هذا، من مفروشات وأقمشة وإضاءة واكسسوارات وتحف وتماثيل. ولا يكدّر صفو هذا الجو التاريخي سوى فريق الإنتاج الذي ينتمي إلى مستقبل صناعة الدراما في العالم العربي وعلى رأسه المخرج السوري حاتم علي. لم تستمر زيارتنا هذا «الهنغار» التاريخي طويلاً، فلأسباب إنتاجية وجدنا أنفسنا خارج «التاريخ» نتبع الإشارات الطرقية متجهين من ورشة عملٍ إلى أخرى.
فريق عالمي متخصص في الماكياج صمّم اللحى وخاطها شعرةً شعرة
تولّى شؤون الماكياج في العمل فريق اختصاصي يُعد واحداً من أفضل خمسة فرق على مستوى العالم في التلفزيون والسينما. وقد جرى رسم ملامح الشخصيات من خلال الاستعانة بالوصف الدقيق للشخصيات الذي زوّد به المخرج حاتم علي والكاتب الدكتور وليد سيف فريق الماكياج، معتمدَين على المراجع المتوافرة التي وَصَفت هذه الشخصيات التاريخية شكلاً ومضموناً. وفي هذا السياق، بدأت المرحلة الأولى بتحديد ملامح الشخصية. وفي الأعمال التاريخية الإسلامية عموماً، يكمن السر في تحديد شكل اللحية والشعر، وهو العنصر الرئيسي في الماكياج والعامل الأصعب للمثلين الرجال الذين يشكلون الغالبية الكبرى في العمل. قد لا تكون المعطيات المتوافرة عن هذه الشخصية أو تلك كافية لتحديد ملامحها، غير أن فريق الماكياج يعمد إلى رسم الشخصيات واختيار القصّات وأشكال اللحى بما يتناسب مع الشخصية والممثل في الوقت عينه، لذا فلا بدّ لفريق الماكياج أن يكون مُلمّاً بطبيعة الشخصيات وطباعها وأدوارها في العمل.
زيارتنا لموقع التصوير وبالتحديد ورشة الماكياج كانت بمثابة تجربة جديدة لنا، فما بين تفحص مكوّنات تلك الغرفة الكبيرة أو «الورشة»، وما بين مراقبة أفراد فريق الماكياج وهم يعملون على «حياكة» لحيةٍ ما، وقفنا مذهولين أمام هذه الحرفة التي لا تحظى بحقها في عالم صناعة الدراما في عالمنا العربي. صور الريكورات تغطي جانباً من حائط الغرفة، وقسم خاص «لحياكة اللحى» من الشعر الطبيعي، ومرآة كبيرة تعجّ بعشرات الاختصاصيين يهتمون بتركيب اللحى للممثلين ووضع لمسات الماكياج الخاصة بكل شخصية. وقفنا نراقب أحد اختصاصيي الماكياج وهو يقوم بحياكة إحدى اللحى بعناية ودقة كبيرة شعرةً شعرة، لتبدو على وجه الممثل طبيعية وكأن الممثل قد أطلقها منذ أشهر أو سنوات خصيصاً من أجل العمل. علمنا أنه في البداية، جرى الاتفاق مع فريق اختصاصيي الماكياج على حياكة ١٥٠ لحية، ولكن جهة الانتاج ارتأت لاحقاً أن تزيد العدد إلى ٥٠٠ لحية، الأمر الذي تطلّب جهداً وموارد أكثر من مضاعفة. ولكن جهة الإنتاج حرصت دائماً على عنصر الجودة، مما جعل مهمة فريق اختصاصيي الماكياج أكثر من شاقة، فاضطروا للعمل على مدار الساعة. وبحسب ما أفادنا به أحد اختصاصيي الماكياج في الموقع، فإن بعض الأعمال الدرامية والسينمائية ذات الميزانيات المحدودة تستخدم لحى تبدو غير طبيعية البتة، بل تكاد تسقط عن وجوه الممثلين أثناء المعارك! وتلك الطريقة التجارية ينقصها عنصر الإحتراف وهو ما لا يتناسب بطبيعة الحال مع فريق الإنتاج أو فريق اختصاصيي الماكياج العالمي الذي تم التعاقد معه. فالمسلسل يتناول حقبة تاريخية مهمة ولا يمكن التعامل معه إلا بكثير من الدقة والحرفية والتفاني.
قد يظنّ بعض فنيي الماكياج العاملين في المسلسلات أو الأفلام التاريخية على وجه التحديد أن الإبداع يكمن في المبالغة في إظهار معالم الشخصية أو تشوّهاتها الخلقية، ولكن في الحقيقة الإبداع يكمن في الحرفية العالية وإظهار الشخصية بشكل طبيعي دون المبالغة في رسم معالمها، مع مراعاة عامل الزمن وأثره الطبيعي على الشخصية لناحية ظهور علامات التقدم في العمر وأثرها على الوجه والشعر واللحى. وبما أن العمل تاريخي وفيه الكثير من المعارك، فهناك دور آخر لفريق اختصاصيي الماكياج وهو استخدام مؤثرات خاصة لإظهار الإصابات في المعارك ومن ثم المحافظة على هذه الإصابات التي تترك أثراً في جسد أو وجه هذه الشخصية أو تلك، ومن ثم متابعة مراحل شفاء الجرح والتئامه أو تحوّله لاحقاً إلى ندبة تلازم الشخصية خلال حلقات العمل. ومما لا شك فيه، أن للماكياج دوراً رئيسياً في الصورة وإبراز العمل بشكل طبيعي وحقيقي، ليزيد قيمته الفنية والتاريخية والجمالية. ولعلّ العوامل الإنتاجية والميزانية الكبيرة المتاحة لـ «عمر» وفّرت له جواً إنتاجياً عالمياً يجعله يجد طريقه إلى القارات الخمس ويحجز له مكاناً في قائمة الإنتاجات العالمية الكبرى.
فريق متخصص صمم الإكسسوارات وأنتجها من الألف إلى الياء
عادةً ما تتحكّم الميزانيات الإنتاجية المرصودة لعملٍ ما في نوعية العمل وجودته، ولعلّ التفاصيل الصغيرة التي قد لا يلاحظها المشاهد الجالس أمام الشاشة في بيته، هي ما يشكّل الفارق الكبير في تميّز عمل درامي ما عن غيره من الأعمال الأخرى. وتأتي الاكسسوارات ضمن هذه التفاصيل. لذلك جهدت جهة الإنتاج أن تعطي الموضوع أهمية كبرى، فبدلاً من استعمال ما قد تم تصنيعه سابقاً من رماح وأسهم وسيوف وتروس وهوادج وأقواس وأعلام وتماثيل وغير ذلك، تم اللجوء إلى تصميم اكسسوارات جديدة كلياً، وتصنيع كميات كبيرة من الهوادج والتماثيل إلى عشرات آلاف الرماح والسيوف والأقواس وغيرها.
ورشة تصنيع الاكسسوارات كغيرها من الورش الموجودة في موقع التصوير في دمشق، تعجّ بالفنيين الذين يصمّمون تلك الاكسسوارات وينفّذونها، معتمدين على درس تلك الحقبة التاريخية وما توافر من مراجع عنها. أسلحة من زمن غابر تتمتع بتصاميم متنوعة وشعارات خاصة بعضها للجيوش الإسلامية وبعضها الآخر لجيوش أخرى ستظهر في العمل...
أدرك فريق الإنتاج أن تصميم وتصنيع الاكسسوارات هو ما سيساهم بشكل أساسي في جمالية الصورة، ليتميّز بذلك العمل عن غيره، وهو ما وضع الفريق أمام تحدٍ تمثّل بعامِلَيْ الكلفة والوقت.. وبدلاً من اختيار ما هو متوافر في الأسواق من اكسسوارات موجودة، أراد الفريق أن يسهم في صناعة تميز هذا العمل. وفي هذا السياق، بدأت عملية تصميم الاكسسوارات بدراسة الحقبة التاريخية وانتهت بتكديس هذه الاكسسوارات في صناديق الشحن لنقلها إلى مواقع التصوير، مروراً بكل التفاصيل الصغيرة والكبيرة الأخرى. ولعلّ إحدى أهم المراحل هي مرحلة التعتيق، حيث أن هذه الاكسسوارات من أسلحة وتماثيل ودروع وهوادج وأسرجة الأحصنة وغيرها هي جزء لا يتجزأ من الديكور، وبالتالي من التاريخ المفترض للعمل، وهي عُرضة لعوامل الطبيعة والزمن، ولا يمكن أن تظهر على الشاشة كما لو كانت جديدة أو غير مستخدمة سابقاً، وهنا برز التعتيق مجدداً كأمرٍ لا مفرّ منه.
ورشة الملابس... صبغ الثياب جرى داخل ورشة العمل، والتعتيق أمر لا مفرّ منه
لم تكن عملية تصميم الملابس والأزياء في مسلسل «عمر» وتنفيذها بالأمر السهل، فقد كان الهم الأول والأخير لفريق الإنتاج والفريق المحترف العامل على تصميم الأزياء هو نقل تلك الحقبة التاريخية بأمانة. فالعمل يتناول حقبة زاخرة بالوقائع والأحداث المؤرّخة بدقة، ولكنها غير موثقة بشكل دقيق أو مفصّل لناحية نمط الحياة، كأشكال الملابس ونوعيات الطعام وغيرها. وبعد درس الفريق الخاص العامل على تصميم الأزياء في العمل ما توافر من مراجع عن تلك الحقبة، عمد الى البحث عّما يناسب تلك الحقبة من ألوان وقصّات وأنواع أقمشة خاصة، فاعتُمدت الخطوط العريضة لناحية القصات المُتبعة والألوان، فالعمل في المجمل تاريخي وليس فانتازيا تاريخية، لذا فإن الموضوعية مطلوبة وضرورية. وفي هذا السياق، اختيرت الأقمشة من مصادر مختلفة كالهند وتونس وسورية وباكستان، وبوجه خاص الأقمشة المطرّزة من الهند وباكستان. واعتُمِدَت الخامات البيضاء التي جرى صبغها في موقع التصوير، حيث جاء التصوّر الأولي الذي وَضِع للألوان بعيداً عن الخامات والألوان المتوافرة في السوق حالياً، الأمر الذي جعل عملية التعتيق أمراً لا مفرّ ّمنه.
وبعد مرحلة البحث واختيار الخامات والألوان المناسبة، تأتي مرحلة التنفيذ، حيث عمَل فريق تصميم الملابس المكون من ٣٩ شخصاً على الإشراف على عملية حياكة الملابس واختيار الاكسسوارات المناسبة لها من جلديات وأحذية ومجوهرات وغيرها. وعموماً فقد كانت عملية تنفيذ الملابس هي الأصعب للفريق، فكان أفراده يصبغون الخامات ويحيكون الملابس داخل ورشة في موقع التصوير الأول في سورية، قبل شحنها إلى مواقع التصوير المختلفة. وكان الجهد الأكبر في تنفيذ ملابس الكومبارس، حيث توجب على الفريق تنفيذ آلاف القطع للمقاتلين في المعارك من ثياب وأحذية وغيرها.
عملية شاقة
أرادت جهة الإنتاج أن تقدّم عملاً متميزاً متكاملاً، فرصدت ميزانية كبيرة للاهتمام بالتفاصيل الصغيرة قبل الكبيرة، وكان القرار أن يتمّ تصنيع كل الملابس والاكسسوارات خصيصاً للعمل، فلم يلجأ فريق الإنتاج إلى استئجارها أو شرائها من مصادر أخرى رغم الحاجة إلى أعداد كبيرة وكافية للكومبارس، وخاصة خلال المعارك التي نفذها متخصّصون بتأدية المعارك في الأعمال التلفزيونية والسينمائية العالمية.
غرفة الملابس في موقع التصوير أشبه بخزانة ضخمة نُظّمت بطريقة علمية وعملية لتضم ملابس الشخصيات الرئيسية مرتبةً بحسب المشاهد والديكورات، فملابس كل شخصية موضوعة في مكانٍ خاصٍ بها، ولدى فريق تصميم الملابس فهرس خاص لكل شخصية بحسب أرقام المَشاهد ومكان التصوير وتاريخه. ثم يقوم فريق تصميم الملابس بتحضير الثياب الخاصة بالشخصية خلال الأسبوع الواقع فيه تصوير هذا المشهد أو ذاك، ويتم التقاط الصور للشخصيات، للمحافظة على ديكورات العمل.-
معلومات إنتاجية عن مسلسل «عمر»:
- إستمر التصوير لمدة ١٠ أشهر و١٨يوماً.
- تألف فريق الإنتاج وحده من٢٢٩ فنياً و٣٢٢ ممثلاً من ١٠ دول مختلفة.
- فاق عدد الكومبارس الذين عملوا في المسلسل ٢٠ ألفاً.
- تمت الإستعانة بعشرة آلاف مقاتل في المعارك.
- يظهر في العمل ٧٥٠٠ حصان، و٣٨٠٠ جمل، ومئات الفيلة.
- ١٤٢٠٠ متر من الأقمشة استعملت لحياكة الملابس.
- تم إنتاج ما يزيد عن ٧٥٥٠ حذاءً.
- تم إنتاج 1970 سيفا، 1970 درعا، 4000 سهم و4000 قوس، 1700 رمح، 137 تمثالا، 137 قطعة فخارية، 10 آلاف عملة معدنية.
- أعيد بناء مدينة مكة على مساحة ١٢٠٠٠ متر مربع في مراكش، لتضم ٨٩ منزلاً خارجياً، وبني ٢٩ من بيوت مكة (داخلياً) على مساحة ٥٠٠٠ متر مربع في دمشق.
- نفذت المؤثرات البصرية شركة BUF في باريس، وهي الشركة التي قدمت مجموعة من أضخم الأعمال الهوليوودية.
المخرج حاتم علي: الممثلون في العمل ينتمون الى دول عربية عدة وسبب ذلك كان الرغبة في تقديم عمل عربي بكل عناصره
عندما رُصدت ميزانية لمسلسل عمر، هي الأضخم في تاريخ الصناعة التلفزيونية في المنطقة، كان لا بد من اختيار مخرجٍ جديرٍ بحمل راية العمل وإدارة دفته وإيصاله إلى شاطئ العالمية. وحده المخرج حاتم علي، صاحب الباع الطويل والنجاحات الرائدة في الأعمال التاريخية وإدارة الحشود العملاقة من الممثلين والكومبارس، هو من وقع عليه الاختيار. ولعل تاريخ حاتم علي وموهبته واسمه كانت السبب في أن يكون دون سواه من المخرجين على رأس مسلسل «عمر».
- لماذا قررتم خوض المسلسل بممثلين من دول عربية مختلفة؟
الممثلون سوريون ولبنانيون ومصريون وقطريون وكويتيون وتونسيون ومغاربة وعراقيون، بالإضافة إلى ممثلين من أصول عربية مقيمين في أوروبا. وسبب ذلك كان الرغبة في تقديم عمل عربي بكل عناصره، بدءاً من الكاتب الفلسطيني مروراً بجهتي الإنتاج الذي تعاونت فيه «مجموعة MBC» وتلفزيون قطر، حتى العناصر الفنية خلف الكاميرا.
- ما مدى تقارب بيئة العمل مع الأماكن الحقيقية للسيرة المرصودة في المسلسل؟
الاختبار الذي نواجهه كصنّاع هكذا نوعية من الأعمال يكمن في مدى قدرتها على إعادة بناء مشهديّة، فيها الكثير من الصدق لناحية التقارب بين العناصر المختلفة من بيئة العمل والأحداث الأصلية وغيرها. وعادة فإن مشكلة أعمال من هذا النوع تكمن في أن أماكن الأحداث الأصلية تكاد تكون معروفة لكل المسلمين في كل أنحاء العالم لما تتميز به هذه البقعة الجغرافية من قداسة ومكانة في وجدان المسلمين، بالتالي فإن إحدى الصعوبات كانت البحث عن بيئة مشابهة لمدينة مكّة على سبيل المثال، وهو أمر في غاية الصعوبة لأنه لا يمكن أن تجد مكاناً مشابهاً أو مطابقاً لمكان آخر، وهو أمر شبه مستحيل.
- ما هو الهدف من إعادة صياغة التاريخ في الدراما؟ ولماذا لا تكون كتب التاريخ وحدها مرشداً لكل من يرغب في معرفة خفايا التاريخ؟
مشروعية أي عمل تاريخي تكمن في مدى مواكبة الأفكار للعصر وقدرتها على طرح أسئلة أو الإجابة عن أسئلة معاصرة، ومن هنا يستمد العمل التاريخي مشروعيته. فالأعمال التاريخية ليس من مهمتها فقط إعادة رواية التاريخ على غرار الكتب التاريخية، بل للعمل الفني أهداف أخرى، فحواها أن تكون الطروحات مهمة للمشاهد في هذا العصر، ومن هنا يكتسب مشروعيته وقدرته على طرح الأسئلة وإيجاد الإجابات.
- ألا تخشون مما قد يثيره عرض مسلسل عمر لناحية التداخل أو التعارض في التفاصيل التاريخية؟ ولماذا اختيار شخصية عمر بن الخطاب رضي الله عنه تحديداً؟
فترة خلافة عمر هي فترة تَشكُّل الدولة الإسلامية، بمعنى انتقال الإسلام من مرحلة الدعوة إلى مرحلة بناء الدولة بما تتطلّبه تلك المرحلة من مؤسسات. من ناحيةٍ أخرى، تم اختيار شخصية عمر نظراً لأهمية الشخصية وموقعها في التاريخ الإسلامي، فشخصية عمر هي تجسيد للحكم الرشيد وصورة من صور العدل بأبهى ألوانها وأطيافها.
أما بالنسبة الى الشق الأول من السؤال، فقد توخينا الدقة في الرواية التاريخية لعظمة وقيمة هذه الشخصية، فالبحث الذي قام به الدكتور وليد سيف لكتابة العمل تابعته لجنة ضمت مجموعة من أجلاّء العلماء، أشرفت عليه ودققت في الوقائع التاريخية وتابعت تفاصيله، وهو ما كلفنا جهداً ووقتاً كبيرين. وقد ضمّت اللجنة الشيخ الدكتور عبد الوهاب الطريري، والشيخ الدكتور علي الصلابي، والشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، والشيخ الدكتور سلمان العودة، والشيخ الدكتور سعد العتيبي، والشيخ الدكتور أكرم ضياء العمري.
- ما هي العقبات التي واجهتكم خلال المعارك، وكيف تعاملت مع الحشود الألفيّة الضخمة من الممثلين والكومبارس والخيول والجمال وغيرها، خصوصاً عندما تجتمع كلها في ساحةٍ واحدة هي ساحة المعركة، كمعركة القادسية مثلاً؟
في البداية، دعونا نوضح هنا أننا نتحدث عن صناعة تلفزيونية وليس عن صناعة سينمائية، لأن الفروق بينهما كبيرة لناحية الفنيين والمتطلبات الإنتاجية وغيرها. لقد تضافرت العديد من العناصر لتقديم معارك مقنعة في العمل بما يسمح طبعاً سقف الصناعة التلفزيونية الذي يُعتبر منخفضاً في كل العالم وليس فقط في وطننا العربي، وإن كان مسلسل «عمر» يُعتبر استثناءً لناحية ضخامة الإنتاج.
في المعارك مع الفرس مع سبيل المثال، استخدم الفرس آنذاك الفيلة التي كان لها دور حاسم في معارك كالقادسية والجسر، فقد كان المقاتلون العرب غير معتادين على مثل هذه الحيوانات الكبيرة، ولكنهم بطبيعة الحال استطاعوا التغلب عليها، وبالتالي فقد كان من الصعب علينا الاستغناء عن مثل هذه العناصر لمصداقية العمل، وهو ما دفعنا إلى استخدام فيَلة مدربة. كما أشركنا مجازفين من دول متعددة لأداء مشاهد المعارك، كل ذلك بمرافقة فريق متخصص في الغرافيك من فرنسا.
- كم من الوقت استغرق تصوير المعارك بمعزلٍ عن المشاهد الدرامية، وهل استخدمتم الكومبارس في مشاهد أخرى خلال العمل غير مشاهد المعارك؟ بمعنى هل تمت الاستعانة بحشود الكومبارس فقط خلال المعارك الكبرى؟
استغرق تصوير المعارك أكثر من خمسين يوماً، والمشاهد الدرامية استغرق تصويرها أكثر من 120 يوماً، وكلا النوعين من المَشاهد احتجنا خلاله إلى الكومبارس.
أما بالنسبة الى الشق الثاني من السؤال، فلم يتم استخدام الكومبارس في المعارك فحسب، بل جرى استخدامهم في مشاهد أخرى ذات طبيعة درامية، كالطواف حول الكعبة، أو في المسجد النبوي، أو في فتح مكة، وكذلك في المشاهد الخارجية، ومسيرات الجيوش...الخ. بمعنى أن هناك حوالي 300 إلى 400 كومبارس شاركوا يومياً في المشاهد العادية، وأنا لا أتحدث هنا عن المعارك. وعموماً، فعندما يتم تسليط الضوء على شخصيات عظيمة مثل شخصية عمر بن الخطاب رضي الله عنه خلال فترة مهمة من تاريخنا الإسلامي، لا بد أن يكون الطموح أكبر مما هو معتاد، ولا بد من خدمة هذه الأفكار عبر حامل فني يشكل العامل الإنتاجي عموده الفقري.
- ما حقيقة ما نُشر حتى اليوم عن العالمية التي بلغها العمل قبل حتى أن يبدأ عرضه على MBC وتلفزيون قطر؟ وهل لديكم أي معلومات عن منح حقوق العرض لمحطات أو شبكات تلفزة عالمية؟
هذا المسلسل هو أضخم إنتاج درامي في تاريخ التلفزيون الحديث في المنطقة. وكما علمتُ من القيّمين على شركة «O3 للإنتاج» - المنضوية تحت لواء «مجموعة MBC»- فإن العمل سيُعرض على «شبكة ATV» التلفزيونية التركية الرائدة حيث تمت دبلجته إلى اللغة التركية، وذلك بالتزامن مع عرضه على شاشة MBC خلال شهر رمضان. كما أن هناك حالياً محدثات جادة مع شبكات تلفزيونية أخرى أوربية وآسيوية وأفريقية تسعى للحصول على حقوق عرض العمل، بالإضافة إلى شبكة تلفزيونية رائدة في المملكة المتحدة، وعدد من التلفزيونات الإفريقية التي ترغب في عرضه مدبلجاً أو مترجماً إلى الفرنسية، ناهيك بشبكات تلفزيونية في اندونيسيا وماليزيا وغيرهما، وهو ما سيتم الإعلان عنه قريباً جداً من قبل شركة «O3» كما أكد لي القيمون عليها.
- ما هو الهدف من انتشار العمل عالمياً؟
الهدف هو نشر رسالة الإسلام السامية، وقيم التسامح والمحبة والعدل والإحسان التي عمل عمر بن الخطاب رضي الله عنه على نشرها خلال خلافته، وهو ما سيساهم في تغيير الفكرة المغلوطة التي رُسمت في ذهنية بعض المجتمعات الغربية عن الإسلام والمسلمين.
ما هي المراجع التي استُخدمت في الصياغة الدرامية لتلك المرحلة؟ وكيف تمت عملية البحث التاريخي؟ ومن أشرف على العمل دينياً وتاريخياً؟... وحده كاتب العمل الدكتور وليد سيف هو القادر على الإجابة عن تلك الأسئلة وغيرها:
كاتب العمل الدكتور وليد سيف: استغرقت مرحلة القراءة والكتابة مني أشهراً طويلة لأتمكن من الإلمام بكل الجوانب الاجتماعية والتاريخية والنفسية التي تدور حولها الشخصية
- في البداية، ما هي المراجع التاريخية التي اعتمدتَ عليها؟
مراجع كثيرة يصعب حصرها، لكن بطبيعة الحال رجعت إلى المصادر الأصول، إضافة إلى المراجع الحديثة التي تناولت سيرة عمر بن الخطاب أو جوانب من المرحلة التاريخية التي ترتبط به، وهي متنوعة وفيها وجهات نظر مختلفة. وعموماً، فإن التعامل مع المصادر ليس تعاملاً بسيطاً، إذ لا بد من مقارنة الروايات بعضها ببعض، وأن يُسلَّط عليها منهج تحليلي بحثي معين لكي نتأكد من صحة الروايات، فأحيانا تأتي الواقعة نفسها بروايات مختلفة، وحتى تأريخ الوقائع زمنياً قد يكون مختلفاً في بعض الأحيان، لذا تسبق عملية المعالجة الدرامية دراسة تاريخية تحليلية دقيقة، ثم تأتي المعالجة الدرامية.
- وعلامَ اعتمدتم في حال وجود اختلاف أو خلاف بين المراجع على بعض الروايات؟
علينا أن نضع في اعتبارنا أولاً أن المعلومة الصحيحة والدقيقة لم تكن متاحة للمؤرخ القديم على الدوام. وثانياً لا يستطيع أي كاتب أن يبرأ من الانحيازات الفكرية والمنهجية وغيرها، لذا كان من الضروري أن نعرض الروايات بعضها على بعض، قبل التوصل إلى الأكثر صواباً لناحية الانسجام مع الأحداث التاريخية، ومع طبيعة الشخصية وما يمكن أن نتوقع منها، فضلاً عن المؤشرات الخارجية والظروف المختلفة التي واجهت الشخصية. وبالنسبة الى الشقّ الأول من السؤال، قد تستوي أحياناً روايتان من الناحية العلمية، لكن إحداها قد تخدمنا درامياً أكثر من الأخرى، كأن تشتمل إحدى الروايتين على مؤثر درامي أكثر من الآخر بحيث يمكنه أن يعزّز رسالة العمل على نحوٍ أكبر، فنعتمد تلك الرواية، ما دام هناك مصدر تاريخي موثّق لها، ورواية تاريخية صلبة تساندها.
- علمنا أن لجنة متخصصة أشرفت على العمل وتابعته، من كان في اللجنة؟
اعتمدنا على لجنة من أجلّاء العلماء تابعت المسلسل من الناحيتين التاريخية والدينية وأشرفت عليه، وضمّت الشيخ الدكتور عبد الوهاب الطريري، والشيخ الدكتور علي الصلابي، والشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، والشيخ الدكتور سلمان العودة، والشيخ الدكتور سعد العتيبي، والشيخ الدكتور أكرم ضياء العمري.
- يظهر عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، في «برومو» المسلسل ممسكاً عصاه باليد اليسرى، ما مدى صحة هذه المعلومة مثلاً، فلعلّه كان يسمك عصاه باليد اليمنى مثلاً؟ فما مدى دقة مثل تلك التفاصيل في العمل؟
هذا صحيح جداً، وبدون ادعاء، فقد كان عمر يمسك عصاه بيده اليسرى. الحمد لله، لقد بذلتُ كل طاقتي البحثية. وأنا أكاديمي أولاً، بالإضافة إلى كوني كاتباً، وقد استخدمتُ كل طاقتي الأكاديمية وتدريبي المنهجي على البحث، للتدقيق بكل أوصاف عمر بن الخطاب الجسدية والنفسية. والحقيقة أن المصادر القديمة أسعفتنا فهي تقدم صورة دقيقة لعمر بن الخطاب من حيث المظهر ومن حيث الصفات السلوكية والنفسية.
- بحثتم في شخصية عمر وحقبته على أكثر من صعيد؟
بحثنا في البيئة الجغرافية الطبيعية، إضافة إلى البيئة الاجتماعية من منظومات القيم والمفاهيم التي كانت سائدة في ذلك الحين لأننا نصوّر في هذا العمل عملية تحول جذري في المجتمع من خلال الدعوة الإسلامية وما شملته من مفاهيم وقيم اجتماعية وعقائدية، وغير ذلك. هي عملية تغيير شامل حتى في التركيبة النفسية للشخصية.
- كم استغرق النص كتابةً وقراءة؟
مرحلة القراءة والكتابة استغرقت أشهراً طويلة لأتمكن من الإلمام بكل الجوانب الاجتماعية والتاريخية والشخصية التي تدور حولها الشخصية.
- ما مدى التشابه بين بيئة التصوير والأماكن التي عاش فيها عمر بن الخطاب؟
يفترض أن تكون قريبة، ففي النص وصفت البيئة الطبيعية وصفاً دقيقاً كما هي في المصادر، وأعاننا على ذلك الاساتذة والعلماء في اللجنة الاستشارية الخاصة بالمسلسل.
- هل تدخلت أو أشرفت شخصياً على العمل بعد كتابته؟
كلا، أعطيتهم النص واكتفيت، فلم أرغب في متابعة الإخراج والإنتاج من أوله الى آخره. كان بودّي زيارة بعض مواقع التصوير غير أن ظروف السفر حالت دون هذه الخطوة. حتى أنني لم أشاهد الى الآن أي حلقة من حلقات المسلسل ولم أسعَ لذلك! قد يستغرب الناس هذا الأمر، لكنني أود متابعة أعمالي مع جمهور المشاهدين، وأن أتابع ردود فعلهم يوماً بيوم.
- لماذا اختيار شخصية عمر بن الخطاب رضي الله عنه تحديداً، ولمَ وقع الاختيار على هذه الحقبة التاريخية لإعادة انتاجها درامياً؟
لأن هذه الحقبة هي الفترة المؤسسة لتاريخ الحضارة العربية الإسلامية، وبناء الدولة، ومن الطبيعي أن نعمل على إحيائها عبر عمل درامي بهذا الحجم.
سيرة عمر بن الخطاب لها مجموعة من الميزات والخصوصيات، ويمكن من خلالها أن نرصد مجموعة التحولات والتغيرات في شبه الجزيرة العربية منذ فترة ما قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، عبر سيرته وسيرة الدعوة الإسلامية، ثم عبر خلافة أبي بكر الصديق، إلى فترة خلافة عمر بن الخطاب حتى استشهاده.
- ما مدى صحة ما قيل ونُشر عن انتشار العمل عالمياً قبل حتى بدء عرضه على شاشتي MBC1 وتلفزيون قطر؟ هل لديك أي معلومات إضافية بحكم علاقتك مع الجهات المنتجة؟
أنا سعيد جداً بعد أن علِمت بمنح حقوق عرض العمل لشبكة ضخمة ورائدة مثل شبكة ATV التركية، بعد دبلجته إلى اللغة التركية وذلك بالتزامن مع عرضه على MBC. كما علمت عن طريق القيّمين على «شركة O3 للإنتاج» بسعي محطات فضائية وشبكات تلفزيونية كبرى آسيوية وأوربية وافريقية لحيازة حقوق عرض العمل في ماليزيا وأندونيسيا اللتين تضمان وحدهما أكبر عدد من مسلمي العالم، بالإضافة إلى شبكات تلفزيونية رائدة في بريطانية وأفريقيا ستعرض العمل مدبلجاً أو مترجماً إلى الفرنسية والانكليزية وسواهما. كل ذلك سيساعد حتماً في تغيير الصورة النمطية المغلوطة التي انتشرت عنّا كمسلمين خصوصاً بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر، وسنُري العالم كم هو متسامحٌ ديننا الذي يدعو إلى المحبة والألفة والوئام والسلام، والقائم على العدل والإحسان، وهذا كله من خلال سيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأفعاله التي ما هي إلا انعكاس لقيَم الإسلام.
أخيراً، هل يمكن أن نرى العمل مطبوعاً ككتاب أم أنه سيكون عملاً درامياً تلفزيونياً فقط؟
لقد عبّرت اللجنة التي أشرتُ إليها عن إعجابها بهذا العمل، ليس مقارنة فقط بالأعمال السابقة ذات الطابع الدرامي سواء التلفزيونية أو السينمائية التي تناولت تلك الفترة، وإنما أيضاً مقارنة بالكتب الأدبية التي عالجت جوانب من تلك الحقبة، وقد أبدوا تقديرهم الخاص لهذا النص من الناحيتين الأدبية والعلمية وليس فقط من الناحية الدرامية، ودعوني بشدة إلى أن أعيد صياغته في كتاب وقد أفعل ذلك إن شاء الله.
"عمر بن الخطاب"
من أضخم المسلسلات الدرامية في تاريخ التلفزيون الحديث في المنطقة. إنتاج
مشترك ما بين "مجموعة MBC" و"مؤسسة قطر للإعلام" يجسّد سيرة ومسيرة الخليفة عمر بن الخطاب، باني الدولة الاسلامية.
ويتطرّق هذا المسلسل التاريخي إلى ما يحمله "الفاروق" من قيم وصفات تحلّى بها، منها: العدل والحُكم الصالح والحكمة والتسامح والروح القيادية والبطولة، وغيرها. كما يسلّط الضوء على الصفات الشخصية للخليفة، إضافة إلى البيئة الاجتماعية التي كانت سائدة وقتها من حيث القيم والمفاهيم، وكذلك البيئة الجغرافية الطبيعية.
من جهتها، حرصت "شبكة ATV" على عرض العمل لمشاهديها في تركيا، بصيغته المدبلجة، بالتزامن مع عرضه على MBC وتلفزيون قطر في رمضان. الأمر نفسه ينطبق على الشبكات التلفزيونية الأخرى المرشّحة للاستحواذ على حقوق عرض المسلسل حول العالم، وذلك كي تنتشر رسالته السامية وتكون بحجم القضية النبيلة التي يحملها.
معلوم أن مرحلة خلافة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، هي واحدة من أدقّ مراحل الخلافة الإسلامية وأصعبها نظراً الى كونها مرحلة ما سُمّي «بناء الدولة» وتوطيد دعائمها ونشر رسالة الإسلام، بالإضافة إلى خصوصية شخص الخليفة وصفاته الجسدية والنفسية والعقائدية، وقدرته على قيادة المسلمين في تلك المرحلة الحرجة، خصوصاً أن شخصية عمر اشتُهرت بالحكم العادل والحكمة الى درجة ٍلُقّب معها بـ الفاروق.