د.انتصار فلمبان: نقلتُ تجربة السعودية في مكافحة الإرهاب إلى دولة عدة

المملكة العربية السعودية, المرأة السعودية, د. انتصار فلمبان, الإرهاب

15 مايو 2013

الدكتورة انتصار فلمبان، أول امرأة عربية سعودية تمثّل وفداً رسمياً في مجلس اجتماع الوزراء العرب لتجلس على المنصة وتثبت أمام الجميع أن النساء السعوديات وصلن إلى القمة ويسعين للمزيد.
«لها» التقت الدكتورة انتصار فلمبان للتحدث عن سلسلة منجزاتها في مجال السلامة المرورية ومكافحة الإرهاب كأول امرأة سعودية تتخصّص في هذا الجانب. وهنا تفاصيل الحوار.

ماذا يعني ترؤس امرأة سعودية وفداً رسمياً في محفل مهم كمجلس وزراء الداخلية العرب؟
يعني أن المرأة السعودية وصلت إلى مكانة عالية، فلولا قدرتها على تمثيل بلادها في محافل إقليمية وعالمية لما اختيرت، وهذا دلالة على تميزها كامرأة عربية، خصوصاً أن أعضاء مجلس وزراء الداخلية العرب جميعهم رجال من أنحاء الوطن العربي، فتمثيل وفد رسمي من قبل امرأة عربية وبالذات سعودية يدلّ على مكانتها الكبيرة.

ما هي المعايير التي جرى على أساسها اختيارك لتمثيل وفد المنظمة العربية للسلامة المرورية في هذا المحفل؟
كان عن طريق ترشيح من رئيس المنظمة العربية للسلامة المرورية وأعضاء المكتب التنفيذي وبقية الأعضاء بشكل عام، وذلك على أساس الخبرات والتواصل المستمر مع الجهات المعنية المختصة بالسلامة المرورية كالمرور والدفاع المدني والجهات ذات العلاقة.
وتمثيل المنظمة في هذا المجال مرتبط بضرورة امتلاك القدرة على المناقشة والحوار، ولا سيما أن مجلس وزراء الداخلية العرب دائما يخرج بتوصيات ينبغي علينا متابعة تنفيذها. وهناك قرار صادر عام 2001 خلال المجلس بدورته الثامنة عشرة ينص على المناداة بإنشاء جمعيات غير حكومية تساند الأجهزة الرسمية المعنية بالسلامة المرورية لضمان مشاركة أكبر لمكونات المجتمع المدني العربي.
وبالنسبة إلي فإن بداياتي كانت قبل أكثر من 9 سنوات في مجال السلامة المرورية، وحضرت مؤتمرات وورش عمل كثيرة ومثلت المنظمة في محافل إقليمية وعالمية، وشاركت بأوراق عمل بشأن السلامة المرورية وما يتعلق بها، وحصدت مجموعة من التكريمات كان آخرها خلال هذا العام من «المنتدى الأورو متوسطي للسلامة المرورية» وكنت أول امرأة عربية يتم تكريمها في هذا المنتدى.

من منطلق تخصّصك في مكافحة الإرهاب، ما هي إيجابيات هذا التخصّص وسلبياته بالنسبة إلى المرأة؟
المرأة صمّام الأمان في كل شيء سواء كان في محاربة الإرهاب أو حتى السلامة المرورية، فهي تحمي زوجها وأشقاءها وأبناءها وتبعدهم عن أصحاب السوء عن طريق التوعية. والأم هي الأساس في كل شيء ولها دور مهم في مكافحة الإرهاب وتعزيز الانتماء في نفوس أفراد عائلتها لحمايتهم من الانجراف خلف الأفكار المتطرفة، وبالتالي فهي الأساس للعائلة بشكل عام.
ومن ناحية أخرى، بمكن للمرأة أن تمثل دوراً خطيراً من حيث استغلالها للمشاركة في عمليات إرهابية، كجمع الأموال وغيرها من الأدوار اللوجستية الخفية لا سيما أنها تتمتع بخصوصية في مجتمعاتنا. والمرأة بشكل عام دورها توعوي، ولكن حين تتخصّص في مجال مكافحة الإرهاب فإنها تساهم بشكل كبير في حماية أبناء الوطن ليس كأم فقط وإنما كمتخصصة عن طريق تأليف الكتب والمشاركة في المؤتمرات، وتوعية الشباب وتوجيههم لحمايتهم من الفكر الضال.

هل هناك تجارب متعلّقة بمكافحة الإرهاب كان لك الفضل في نقلها من دول أخرى ليتم تنفيذها في المملكة العربية السعودية، وهل أثبتت نجاحها؟
أنا شخصياً نقلت تجربة السعودية في مكافحة الإرهاب إلى الدول الأخرى من خلال المؤتمرات التي أشارك فيها لتوضيح جهود المملكة في هذا المجال، وقد نالت تلك التجربة إشادة من الكونغرس الأميركي، خاصة أن وفود عدد من الدول زارت «مركز محمد بن نايف للمناصحة» الذي يعمل على مناصحة المتطرّفين والمغرّر بهم من شباب البلد. وإن كان هناك من عاد إلى الفكر المتطرف بعد خروجه من المركز، فإن هذا لا يعني أن التجربة غير ناجحة.

تكريمك كامرأة سعودية في محافل متعلّقة بالمرور قد يدفع البعض إلى التساؤل عن سببه رغم عدم السماح حتى الآن للمرأة السعودية بقيادة السيارة، ما هو ردك؟
من المؤسف أن بعض فئات المجتمع غير مثقفة، فهناك فرق شاسع بين السلامة المرورية و قيادة المرأة للسيارة، ونحن ننادي بإنشاء جمعيات غير حكومية للسلامة المرورية، ونناقش الجهات المعنية كإنشاء الطرق وغيرها، ودور الإعلام واختيار سفراء لتوعية الشباب وآخرين للوقاية واللجان والمجالس الوطنية في كل الدول. لذلك فإن العملية ليست عشوائية وإنما منظمة، فنحن لا نتحدث عن قيادة المرأة للسيارة، بل نناقش استراتيجيات السلامة المرورية ومراحل تطبيقها، ومتابعتها مع وزراء الداخلية العرب.

انتشرت أخبار غير مؤكدة حول موافقة مجلس الشورى على مناقشة مسألة قيادة المرأة للسيارة، وذلك تزامناً مع تصريحات المدير العام للمرور السعودي اللواء عبد الرحمن المقبل المتعلّقة بتسجيل مخالفة مرورية فقط على المرأة إذا ما تم ضبطها وهي تقود السيارة داخل الأراضي السعودية، وذلك على خلفية عدم امتلاكها رخصة قيادة مرورية؟
بداية لا بد أن أوضح أن تصريحات اللواء عبد الرحمن المقبل نقلتها وسائل الإعلام بشكل خاطئ، فهو تحدّث عن تسجيل المخالفة المرورية ضد أي شخص يقود سيارته دون رخصة مرورية ولم يقصد المرأة، بل علّق على قضية السماح للمرأة بقيادة السيارة قائلاً «إن تلك القضية من الأمور التشريعية والمرور جهة تنفيذية فقط».
وإجمالاً، إذا ما تم السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة فإنني آخر من تفكر في فعل ذلك، لأنني أثناء وجودي في السيارة أكون مشغولة بالقراءة ومتابعة أعمالي. والمنظمة العربية للسلامة المرورية كما أسلفت ليس من اهتماماتها مناقشة هذه القضية، وإنما تهتم بكل ما يتعلق بالسلامة المرورية.

من هم الأفراد الذين تلقّيت منهم الدعم خلال مسيرتك العملية؟
ولاة الأمر جميعهم وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وحرمه الأميرة حصة الشعلان، والأمير سلطان بن عبد العزيز رحمه الله، إضافة إلى الأمير نايف بن عبد العزيز رحمه الله الذي كان يدعمني بقوة في كل مشاركاتي لتمثيل المملكة في المحافل الإقليمية والدولية عن مكافحة الإرهاب. والآن يستمر دعمي من وزير الداخلية السعودي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز الذي لمست فيه مدى فخره بالمرأة السعودية ومنجزاتها كونها أصبحت تجلس في المنصة أسوة بالوزراء وتعطي صورة مشرفة عن المرأة.
كما أتلقى دعماً كبيراً من قطاعات وزارة الداخلية بقياداتها ومن ضمنهم اللواء عبد الرحمن المقبل واللواء محمد القحطاني مدير مرور محافظة جدة، إضافة إلى وكيل إمارة منطقة مكة المكرمة المساعد لشؤون التنمية الدكتور هشام الفالح، إلى جانب ابني جهاد وابنتي جلنار.  

دعينا نتطرق قليلاً إلى المنظمة العربية للسلامة المرورية. ما هو دورها في ما يتعلق بالمملكة العربية السعودية؟
أنشئت المنظمة بمباركة من الرئيس الفخري لمجلس وزراء الداخلية العرب الأمير نايف بن عبد العزيز رحمه الله، والذي تمّ تكريمه بمنحه الدرع الذهبية نظير النجاحات التي حققها في إدارة مواسم الحج، فخلال هذا الموسم يتجمّع عدد كبير من الحشود في مساحة صغيرة، ورغم ذلك فإننا نجد أن التنظيم الأمني ناجح جداً، وبشكل عام نستطيع القول إن تجربة إدارة الحشود في الحج مميزة وفريدة، ولا توجد أي دولة من دول العالم تستقبل هذا العدد الهائل في مساحة صغيرة وتنجح في ذلك التنظيم إلا إذا كانت هناك استراتيجيات صحيحة وسليمة ومتابعة واهتمام من الجهات ذات العلاقة.
كما تشهد المنظمة باستمرار مشاركة الإدارة العامة للمرور وأمن الطرق والدفاع المدني والأمانات والجهات ذات العلاقة، وللمرة الأولى في العالم تشارك معنا هيئة حقوق الإنسان، وذلك خلال ندوة دولية حول دور المجتمع المدني أقيمت في تونس، وتأتي مشاركتها من منطلق الحق في الحياة الذي ينادي به الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ونادى به قبل ذلك الدين الإسلامي الذي يدعو إلى حفظ الضرورات الخمس ومنها حفظ النفس.
وهناك أيضاً اتفاقية تعاون مع هيئة الهلال الأحمر السعودي بقرار من مجلس الوزراء، كما تم تنظيم برامج مشتركة من مؤتمرات، واتفاقية مع جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية.
ويمكننا القول إن المنظمة تعد نافذة على العالم كونها تمد جسر التواصل للتعاون وتبادل الخبرات مع الهيئات العالمية ليكون هناك فضاء عربي واسع في هذا المجال، إضافة إلى وجود اتفاقيات تعاون مع مدارس دلة لتعليم القيادة ونادي الشرق الأوسط للسيارات وشركة أرامكو والفحص الفني الدوري، وكلهم يعتبرون أعضاء في المنظمة. ولو كانت المنظمة ليس لها ثقل ووزن ووجود عربي وعالمي لما كانت تلك الجهات متعاونة معنا. 

ما هي أبرز الأهداف التي تسعى المنظمة لتحقيقها على أرض الواقع؟
من أبرز الأهداف تقليل نسب الحوادث وبالتالي الإصابات والوفيات، خصوصا أن معظمها من الشباب الذين هم ثروة الوطن. كما أن وفيات الحوادث تخلّف أرامل وأيتاماً وخسائر اقتصادية واجتماعية متراكمة.
وهنا أود أن أوضح أن المملكة لديها مؤشر خطير من حيث ارتفاع نسب الحوادث المرورية فيها، غير أن نظام «ساهر» المروري من شأنه أن يساهم في التقليل من نسب تلك الحوادث، لذلك ينبغي أن لا يضجر المجتمع من هذه الأنظمة لأنها تهدف في النهاية إلى حماية الأرواح.
كما تطمح المنظمة إلى وضع برامج مشتركة مع الجهات ذات العلاقة وبالأخص مع كرسي الأمير محمد بن نايف للسلامة المرورية، كي تكون مدينة جدة عاصمة للسلامة المرورية. وبشكل فعلي بدأنا العمل مع الكرسي على مشاريع تهم الشباب، وسيجري الإعلان عنها في وقت لاحق.

ما هي مبادرة كرسي الأمير محمد بن نايف؟
تهدف المبادرة إلى التقليل من نسب الحوادث في المملكة، وتنشئ قنوات اتصال عالمية مع مراكز الأبحاث المتخصصة في مجال السلامة المرورية، ونشر الثقافة المرورية بين أفراد المجتمع، إلى جانب دعم الأبحاث المتعلقة بالسلامة المرورية وتوظيف التقنية في هذا المجال والمساعدة في تطوير أنظمة المرور، فضلاً عن تدريب العاملين في قطاع السلامة  المرورية من خلال برامج متخصصة.
وأود أن أشير إلى أن الوفود المشاركة في الملتقى الدولي حول عقد العمل العالمي للسلامة والطرق، اتفقت على توصية واحدة تتضمن منح الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز الدرع الفخرية للمنظمة العربية للسلامة المرورية نظير مبادرته تلك التي تحمل أبعاداً أخرى تتمثل في التأكيد على حماية الأرواح والممتلكات دفاعاً عن الحق في الحياة باعتبار أن السلامة المرورية من حقوق الإنسان، وسيحدّد موعد لتكريمه.
بالإضافة إلى ذلك، فإن مبادرة كرسي الأمير محمد بن نايف للسلامة المرورية حصدت تكريماً في الندوة الدولية لدور المجتمع المدني التي أٌقيمت أخيراً في تونس، وذلك على خلفية مشاركتها في تلك الندوة.

ما هي المنجزات التي حققتها المنظمة في المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها؟
نجحت المنظمة في نشر ثقافة السلامة المرورية بالتعاون مع الجهات المعنية، خصوصاً أن الجهود موجودة من قبل  الجهات الحكومية، ونحن في المقابل نعمل على تصحيح المفاهيم السليمة للسلامة المرورية من خلال التوعية في ما يتعلق بالسلوك المروري، ولا سيما أن العمل الوقائي مبني على التعاون وتبادل الخبرات، وترسيخ ثقافة الوقاية واستقطاب المتطوعين في هذا المجال أيضاً.

وما صلاحيات المنظمة، والتحديات التي قد تواجه عملها؟
لولا تفهّم الجهات الحكومية لوضع المنظمة وأهدافها ورؤيتها و إدراكها لخطورة الحوادث المرورية لما نجحنا في عملنا التعاوني. ومن أبرز التحديات التي تواجهنا هو وجود دولتين حتى الآن لم تنشئا جمعيات للسلامة المرورية، ونحن نلتقي دوماً بالمسؤولين، إلا أن عدم إنشاء تلك الجمعيات في هاتين الدولتين ربما عائد إلى الأنظمة البيروقراطية التي من شأنها أن تحد من العمل في ذلك الجانب.

هل هناك نماذج عالمية ترين إمكان تطبيقها في السعودية في ما يتعلق بالسلامة المرورية؟
ثمة تجربة رائدة مطبّقة في البحرين، وتتضمن تعزيز السلامة المرورية ضمن المناهج التعليمية منذ سن مبكّرة تبدأ من خلال مرحلة الروضة والتمهيدي وتستمر حتى نهاية المراحل الدراسية، وهذا أمر لو تم تطبيقه في المملكة بتخصيص منهج للسلامة المرورية فإننا سنتمكن من إنشاء جيل واعٍ ومدرك للسلوك المروري.

ما هو دور المرأة السعودية في هذه المنظمة؟
حالياً أنا المرأة السعودية الوحيدة في المنظمة والمسؤولة عن شؤون المرأة والأسرة في الوطن العربي في المنظمة، إلا أننا نسعى لاستقطاب نساء سعوديات شريطة أن يمتلكن أفقاً واسعاً وليس فقط من أجل الحديث عن قيادة المرأة للسيارة.

كيف ترين الواقع الحقيقي الذي وصلت إليه المرأة السعودية خلال السنوات العشر الأخيرة؟
منح الملك عبد الله بن عبد العزيز، فهو نصير المرأة حافزاً للمشاركة في محافل عديدة وفرص تقلّدها مناصب قيادية. خادم الحرمين الشريفين أعطاها مكانتها ودورها وهي قادرة على إثبات وجودها بما يتوافق مع ثوابتنا وعاداتنا وتقاليدنا، وأكاد أجزم بأن الأيام المقبلة ستحمل المزيد من الخير والنجاح والتألّق للمرأة السعودية.