إقرار الهوية الوطنية للمرأة السعودية لم يُلغِ شرط 'الرّجل المعرّف'

المملكة العربية السعودية, المرأة السعودية, هوية المرأة الوطنية

22 مايو 2013

قرابة عام مضى على قرار إلزام المرأة السعودية باستخراج بطاقة الهوية الوطنية، إلا أنه حتى الآن لم يتم الاعتراف بها في المحاكم والجهات الحكومية والخدمية وغيرها، مما يجعل النساء يبحثن عن رجال للتعريف بهن وفقاً لشرط «المعرّف» الذي تصنّفه تلك الجهات ضمن أهم شروط استكمال المعاملات النسائية لديها. وفي ظل تضارب الأنباء حول الاعتداد بتلك البطاقة النسائية من عدمه، ما زالت أروقة الدوائر الحكومية تشهد العديد من القصص العجيبة والغريبة لإرضاء إداراتها بمعرّفين للنساء هناك، فمنهن أمهات لا يمكنهن إثبات هوياتهن إلا إذا ما عرّف عنهن ابناؤهن، وأخريات يطلبن تعريفهن من رجال لا يعرفونهن صدف وجودهم هناك لإجراء معاملات شخصية لهم، وهكذا. واللافت في الأمر، صدور العديد من التصريحات الصحافية المتعلقة بالسماح للمرأة بالسفر إلى دول مجلس التعاون الخليجي بموجب بطاقة الهوية الوطنية الجديدة لها، ولكنها في الوقت نفسه لا تتمكن من وضع «خيط في مخيط» داخل البلد إلا إذا توافر لديها رجل يعرّف عنها. «لها» التقت مجموعة من السيدات والمتخصصين لمناقشة عرقلة مسيرة المرأة بحجر «المعرّف» في أغلب جوانب حياتها...


نورة القيثان: لم أستطع إخراج ابني من المستشفى

لأنها امرأة، رفض أحد المستشفيات الحكومية إخراج ابنها من المستشفى على خلفية عدم وجود رجل يعرّف عنها، فنورة القيثان مطلّقة وتعيش مع والدتها المنفصلة عن والدها وابنها البالغ من العمر 6 سنوات.
تقول: « تعرض ابني ذات يوم لكسر في يده، وذهبنا به أنا ووالدتي إلى المستشفى وقرر الطبيب تنويمه لاحتمال إخضاعه إلى عملية جراحية فلم أتمكن من إتمام إجراءات إدخاله، حتى جاء والدي الذي كان مرتبطاً بموعد سفر في اليوم التالي ووقّع أوراق التنويم».
وبعد سفر والدها بيوم، تحسنت حالة ابنها ولم يعد بحاجة إلى إجراء العملية فقرر له المستشفى الخروج، وعندما أرادت إنهاء أوراق خروجه رفضت إدارة المستشفى لأنها امرأة واشترطت إحضار رجل رغم امتلاكها بطاقة الهوية الوطنية، فاضطرت إلى انتظار خالها كي يأتي ويوقّع ورقة الخروج.
وهي تواجه أيضاً رفض كتابة عقد إيجار المنزل الذي تسكنه هي ووالدتها وابنها باسم امرأة، الأمر الذي جعل صاحب البناية يسجّل العقد باسم خالها... ولفتت إلى أنها في بعض الأحيان تطلب من أي رجل تصادفه في الدائرة الحكومية التي ترغب في إنهاء معاملتها فيها كي يعرّف عنها حتى وإن لم يكن يعرفها أصلاً!


أريج جلال: أدفع مبالغ مالية إلى رجال في بعض الدوائر الحكومية

كانت أريج جلال المنفصلة عن زوجها، تضطر لإخراج ابنها من الجامعة أثناء دوامه أو تجبر شقيقها على الاستئذان من عمله كي تنهي إجراء أي معاملة ترغب فيها، إلا أنها في الوقت الحالي تعيش بمفردها بعد أن وجد ابناها فرصاً وظيفية خارج مدينة جدة، الأمر الذي يصعّب عليها إيجاد معرّف يعرّف عنها كونها امرأة عاملة ومرتبطة بوظيفتها.
تقول: « يكفينا ما يضيع من وقتنا إذا رغبنا في إنهاء معاملاتنا لدى الدوائر الحكومية، وفوق ذلك أيضاً نهدر وقتاً إضافياً كي نجد من يعرّف عنا لمجرد أننا نساء». وتشير إلى أن بعض الجهات لا تكتفي بمعرّف واحد، و»اضطر أحياناً إلى دفع مبالغ مالية لبعض الرجال كي يعرّفوا عني في المحاكم وغيرها، وتلك العملية أشبه بـ»شراء المعرّفين»، خاصة أن شقيقي ليس لديه وقت كي يرافقني في معاملاتي فهو مرتبط أيضاً بحياته وعائلته ووظيفته».
واستطردت قائلة: «حتى سائقي لم أتمكن من نقل كفالته اليّ بسبب شرط المعرّف، فاضطررت لنقل كفالته الى زوج أختي، ونتيجة لتلك الشروط أصبح لدي رعب من أي معاملات أحتاج إليها في الدوائر الحكومية والخدمية وغيرها».

ليس منطقياً تحويل الرجل إلى «حجر عثرة» في حياة المرأة
وترى أريج أنه من غير المنطقي تحويل الرجل إلى معرقل لحياة المرأة، لكنها تؤكد في الوقت نفسه أنها ليست ضد الرجل، إلا أن ذلك لا يعني أن يتعلق مصير النساء بالرجال على هذا النحو.
وتضيف: «القرارات الصادرة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز واضحة جداً، ولكن الجهات المعنية بتطبيقها هي التي تضع العديد من العقبات أمام المرأة».
وفي نهاية حديثها تطالب بضرورة إلغاء شرط المعرّف لأن الهوية الوطنية النسائية كافية، إضافة إلى أن خطابات التعريف التي تصدرها جهات العمل للموظفات تفي بالغرض أيضاً. 


عبد الله العلمي: لابد من التزام الدوائر القضائية بتطبيق نظام البصمة للمرأة

الكاتب السعودي عبد الله العلمي استند إلى تصريح وزارة العدل في هذا الموضوع، القاضي بأن نظام البصمة سيلغي الإجراء المعتاد في التعريف بالمرأة، إلا أنه شدد على أهمية التزام جميع القضاة والدوائر القضائية بهذا النظام، مطالباً بضرورة التخلص من مثل تلك المفردات والتي تتضمن «الولي» و»الوكيل» و»المعرف» و»الوصي».
ويرى العلمي أن اشتراط وجود معرّف للمرأة في معاملاتها لا يعد تقليلاً من شأنها فحسب، بل فيه إلغاء لشخصيتها كإنسان كامل الأهلية، لأن عصر ولاية الرجل «المعرف» على المرأة قد انتهى ، ولا بد من الاعتراف بها ككائن كامل ومستقل.
ويقول: « ذكرت في كتابي «متى تقود السعودية السيارة» أنه آن الأوان أن تقود المرأة السعودية حياتها بنفسها وأن تحصّل حقوقها كاملة مثل حرية إدارة شؤونها المالية دون وكيل شرعي، وحقها في التعليم والابتعاث والعلاج والسفر، وحقها في اختيار شريك حياتها دون إكراه، والنفقة والرعاية وحضانة أطفالها وحمايتها من العنف الأسري، خصوصاً أن المرأة السعودية تتطلع إلى المشاركة في الحياة السياسية كسفيرة تمثل بلادها ووزيرة ترعى مصالح الوطن والمواطنين».

ويضيف: «إن وزارة العدل تعمل على استكمال متطلبات نظام البصمة في جميع الدوائر الشرعية حتى يتم التأكد من هوية المرأة دون إحراج الموظف المختص ولا إحراجها بطلب كشف وجهها للتحقق من هويتها، وهذا غير منطقي لأن المرأة عندما تسافر خارج المملكة فهي ملزمة بالكشف عن وجهها».
وفي الوقت نفسه، يشير إلى تأكيدات وزارة العدل أنه لا يمكن إلزام المرأة بكشف وجهها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل عن عدم توظيف النساء في دوائر الوزارة ومحاكمها للتأكد من هوية المرأة، رغم أن رئيس ديوان المظالم أوضح أنه سيتم توظيف نساء في الديوان لتطبيق هوية المرأة ضمن وظائف أخرى، فلماذا لاتطبق وزارة العدل هذا المبدأ؟
وأبدى العلمي أسفه لوجود فئة معينة في المجتمع معروفة بالذكورية الإقصائية للمرأة، لا يزال أفرادها عاجزين عن رؤية المرأة خارج إطار الأنثى، واستطرد بالقول: « آمل أن نحقق التقدم في مجال حقوق المرأة مع تفعيل برنامج خادم الحرمين الشريفين لتطوير القضاء».  واقترح إقرار مدوّنة الأحوال الشخصية لتنظيم كل ما يتعلق بالنواحي الشخصية الخاصة للمرأة من مولدها إلى وفاتها وما بينهما، ولا سيما أن استقلالية المرأة وتمكينها في السعودية مطلب حقوقي ما زال يواجَه بصرامة تمنع المرأة من المشاركة الفعالة في التنمية الشاملة.


الأحوال المدنية: الجهات معنية بتوفير من يتولى مطابقة هوية المرأة الوطنية

يؤكد المتحدث الرسمي باسم الأحوال المدنية محمد بن جاسر الجاسر أن بطاقة الهوية الوطنية للمرأة هي إثبات رسمي معتمد لدى كل الجهات الرسمية التي تتقدم المرأة بطلب خدماتها، ويشدد على أن «هذه الجهات معنية بتوفير من يتولى المطابقة والتأكد من عائدية البطاقة للمرأة المتقدمة بطلب الخدمة».
ويقول إن بطاقة الهوية الوطنية هي بطاقة الكترونية ذكية تعرّف بالمواطنة، وقد صممّت لتستوعب العديد من الخدمات التي يمكن أن تضمّن في بطاقة واحدة، مضيفاً: «تلك البطاقة هي البديل الحديث للأحوال المدنية، واعتُمدت لتكون أحد المرتكزات الأساسية لتطبيقات الحكومة الالكترونية وخدماتها».
وذكر الجاسر أن بطاقة الهوية الوطنية النسائية تشتمل على بصمة وصورة لوجه المرأة واسمها وسجلها المدني وتاريخ ميلادها، وهي بذلك تحول دون انتحال شخصيتها الذي يؤدي إلى الإضرار بها وبمصالحها، كما تحول دون التلاعب الذي تواجهه بعض الجهات وتكون نتيجته تقديم خدماتها لغير المستحقات لها.


اشتراط المعرّف للمرأة في معاملاتها ليس له مبرر

من جانبه أشار الناشط الاجتماعي زاهر الحكير إلى أن شرط المعرّف للمرأة الذي تعمل فيه الدوائر الحكومية والمحاكم وغيرها ليس له مبرر، ولا سيما أن المعاملة تخص المرأة وحدها، فلا دخل للرجل أصلاً ضمن شروط إنهاء معاملاتها.
ويقول: « ربما تكون هناك أقسام نسائية في تلك الدوائر، ولكنها بحاجة إلى تفعيل حقيقي للأدوار التي تقوم بها، ولا بد من إعطائها الصلاحيات الكاملة لإتمام المراجعات والمعاملات الحكومية، إضافة إلى ضرورة استحداث أقسام نسائية في المحاكم للغرض نفسه».


وزارة العدل تنفي عدم الاعتراف بهوية المرأة الوطنية لدى كتاب العدل

صرّح وزير العدل محمد بن عبد الكريم العيسى أخيراً إلى وسائل الإعلام، أن الأحاديث التي راجت عن عدم اعتراف كتاب العدل بهوية المرأة يعد كلاماً عاماً وغير صحيح، وأضاف: «كتاب العدل يعترفون بهوية النساء ولدى العدل مشروع سيقضي على تحفظ بعض النساء عن مشاهدة كتاب العدل لتفاصيل هوياتهن ومن حقهن ذلك من خلال برنامج البصمة».