بعد عام على وفاة الطفل

مستشفيات جدة, الرأي القانوني, الشؤون الصحية, الخطأ الطبي

28 أبريل 2009

في قضية ليست الأولى من نوعها، ولا نعرف أي رقم قد تحمل هذه القضية في ملف الأخطاء الطبية في عالمنا العربي. يقبع اليوم ملف الطفل حسن المحمادي (9 سنوات) الذي توفي في أحد مستشفيات جدة الخاصة  بعد أقل من 24 ساعة من إجراء عملية له من أجل انقاذه من عاهة سابقة في المشي بسبب كسر في الفخذ تعرض له في صغره. وأورد التقرير الطبي ان أسباب الوفاة تلخصت في نزف شديد في الدماغ وتكسر في الكريات أديتا إلى وفاته سريعاً. إلا أن والد الطفل علي المحمادي شكك في نتائج هذا التقرير مؤكداً أن إبنه لم يكن يعاني من أي أمراض أو عاهة سابقة بناء على كشف أجراه الأطباء له قبل دخوله إلى العملية. وطالب والد الطفل المتوفى علي المحمادي من خلال شكوى قدمها إلى مدير الشؤون الصحية في جدة والهيئة الطبية الشرعية باظهار الحقائق. «لها» وقفت على القضية وتابعتها آخذة برأي الشؤون الصحية والرأي القانوني.


بداية تحدث والد الطفل علي المحمادي عن القصة قائلاً: «منذ ما يقارب العام والنصف تعرض ابني حسن (9سنوات) لحادثة نتج عنه كسر في الفخذ الأيمن الأمر الذي جعل من حركته ومشيته غير طبيعيين، فتم نقله على الفور إلى المستشفى الخاص المعروف في عمليات العظام في جدة. كشف الأطباء عليه ومن ثم قرروا بإجراء عملية تجميلية للفخذ، وهي من العمليات البسيطة التي لا تستغرق وقتاً طويلاً. والتخدير قد يكون موضعياً فيها لتسهيل خروج المريض سريعا من المستشفى. أجريت العملية لإبني حسن تحت تخدير كامل وأُخرج من غرفة العمليات وحالته الصحية مستقرة، وأخبرونا بأن العملية تمت بنجاح وسيخرج من المستشفى في اليوم التالي للمزيد من الاطمئنان إلى صحته. وفي المساء تلقينا اتصالاً من المستشفى واخبروني بأن ابني توفي».
وهرع الوالد إلى المستشفى حيث شاهد ولده جثة هامدة على السرير. وبحث عن طبيب ليسأله ما السبب في وفاة إبنه لكنه لم يجد من يسعفه.
يصمت الوالد قليلاً قبل ان يكمل حديثه قائلاً:« بعد البحث عن أحد الأطباء في المستشفى محاولا أن أجد من يسعفني، استطعت الحصول على تقرير طبي من إحدى الطبيبات في المستشفى  مفاده أن سبب الوفاة  كان تكسراً في الدم وهبوطاً في الدورة الدموية. وأستطيع القول انني مؤمن بقضاء الله وقدره لكنني أود معرفة سبب الوفاة، لكني لم أحصل على أي إفادة من المستشفى أو حتى إدارته. رضيت بما كتبه الله علينا وتم دفن ولدي حسن، وفي دار العزاء أرسل المستشفى عدداً من الأشخاص  من أصحاب المناصب الرفيعة لمساومتي على دفع مبلغ معين كدّية مقابل سكوتي وعدم التقدم بشكوى إلى الهيئة المتخصصة، وكأن حياة الإنسان رخيصة بالنسبة إليهم».
رفض المحمادي المبلغ المعروض من المستشفى وطلب أن يعطوه السبب الرئيسي للوفاة قائلاً ان ما ورد في التقرير الطبي ليس له أي اعتبار من الصحة لأن الطبيب، قبل إجراء العملية، أجرى الفحوص لحسن. «ولو كان يعاني شيئاً ما في الدم لأخبرنا ولم يكن ليخوض العملية.
ومن المؤكد أن هناك خطأ ما حدث مع الطبيب في غرفة العمليات عمل المستشفى على إخفائه عنا، وهذا حقي كمواطن فقد ابنه ولم يعرف السبب. دفنته وأنا مؤمن بقضاء الله وقدره، لكنّ هناك سببا جعل هذا القضاء يأتي مسرعاً، وهذا السبب أخفاه المستشفى عني وعن عائلتي، حتى أن والدته التي بقيت في المستشفى ترافقه لم تعرف كيف توفي حسن أمام عينيها ولم يحرَّك أي ساكن في المستشفى لإنقاذه».
مع إنعدام التجاوب من المستشفى تقدم المحمادي بشكوى إلى مدير الشؤون الصحية في جدة الدكتور سامي باداوود، وقد تم التجاوب بشكل سريع وفوري وشكلت لجنة خاصة للتحقيق في ملابسات القضية. تم استدعاء الأب من قبل رئيس اللجنة المشكلة من الشؤون الصحية للتحقيق معه إلا أن نتائج هذا التحقيق لم تُرضِ الأب الذي تابع حديثه قائلا: «لم يسألني رئيس اللجنة أي سؤال يتعلق في القضية سوى أنه نصحني بأن أرضى بقضاء الله وقدره، وعاد ليسألني إذا كنت متأكداً من عدم وجود جينات وراثية يحملها ولدي مما سبب له تكسراً في الدم ! لزمت الصمت أمامه قليلاً، ثم أجبته أرجو أن تشعر بأني أب فقد ابنه، ولو أنك وضعت نفسك مكاني وفقدت ابنك هل ستنتظر التحقيقات؟ لم أدخل ولدي لإجراء عملية خطيرة قد تحدث له مضاعفات بعدها. إنما أجريت له عملية تجميلية، وأنا من قرر إجراء هذه العملية له لأني كنت أشعر بمعاناته عندما كنت أراه يقف محرجاً أمام أصدقائه في الشارع وهو يحاول أن يخفي عاهته البسيطة التي كان يعاني منها في فخذه. لكنني لم أعرف أنني أرميه إلى يومه الأخير ولحظته الأخيرة... ».

 

الرأي القانوني

من جانبه، شكك المحامي خالد المحمادي الذي يترافع في قضية الطفل حسن المحمادي في التقرير الطبي الصادر عن المستشفى حول أسباب الوفاة قائلا:« لم يبدِ المستشفى أي رد فعل تجاه الأب ليفيد بأسباب الوفاة. وبفضل من الله أحيلت القضية على اللجنة الشرعية التي تتكون من القاضي وأعضاء إستشاريين من الشؤون الصحية، ومن المفترض أن يكون قد صدر تقرير من مستشفى الملك فهد وهو تقرير استشاري للجنة يفيد بضرورة إنهاء إجراءات القضية بأسرع وقت ممكن، إلا أننا مازلنا ننتظر التحقيقات التي تسير ببطء شديد، وما زالت القضية تقبع خلف أدراج التحقيق واللجان الطبية منذ سنة ونصف وليس هناك ما يشير إلى سرعة الإجراءات. ونحن نطالبهم بتعويض كبير لأنهم لن يتجاوبوا معنا في كشف الحقائق إلا بعد هذا التعويض».
وأضاف المحامي خالد المحمادي: «هذه الحالة تعتبر من حالات الأخطاء الطبية، وإذا ثبت الخطأ سوف يُغرَّم المستشفى بالإضافة إلى دفع الدية. واللجنة الشرعية مخولة محاسبة المستشفى أو تبرئته، وذلك يعود لرؤية القاضي وهو يأتي تحت بند التعزيزات. ومن المهم ذكره أن مقولة اللجنة تُجرم الطبيب ليس المؤسسة هي مقولة خاطئة من وجهة نظري لأن الطبيب يعمل في المستشفى والخطأ يرتكبه تحت مظلة المستشفى. ولابد من التحقيق في مُرتكب الخطأ، هل هو الطبيب أم المعاونون أو بنك الدم؟ وقد قمت باستشارة بعض الأطباء بأن تكسر الدم لا يحدث إلا إذا تم إعطاء المريض فصيلة دم مخالفة لفصيلة الدم المطلوبة».
وأشار المحمادي إلى أن هذه القضية ستنال التفاتة قوية من وزير الصحة الجديد الدكتور عبد الله الربيعة ذلك لأن واقعة مثل هذه لن تمر مرور الكرام. حتى المحكمة الطبية الشرعية ستنظر في أسباب الوفاة بصورة واضحة والقاضي سيقدر الحكم بحسب حجم الضرر الذي لحق بالعائلة.


باداوود: القضية أمام اللجنة الطبية الشرعية وعلينا أن لا نستبق الأحداث

وعلّق مدير الشؤون الصحية في جدة الدكتور سامي باداوود على القضية بأن التعامل مع مثل هذه الحالات حساس، وأن والد الطفل تقدم بشكوى لمديرية الشؤون الصحية يتم الإجراء النظامي لها باحالة الشكوى على لجنة طبية متخصصة تنظر في ملف المريض وفي نتائج الفحوص، وتجري مقابلة تُرفق مع التحقيق مع الأطباء المعالجين للمريض وبعد جمع هذه المعلومات يتم تحويل هذه المرئيات إلى اللجنة الطبية الشرعية التي تتألف من استشاريين من خارج وزارة الصحة، إضافة إلى القاضي. وتقوم هذه اللجنة بالنظر إلى الملف مرة أخرى وإذا احتاجت إلى اي مرئيات يُستدعى الشخص المعني للحصول على المعلومات، ومن ثم يصدر في القضية حكم القاضي.
وأضاف باداوود:« الشكوى التي تقدم بها والد الطفل إلى مديرية الشؤون الصحية تسير في الاجراءات النظامية الصحيحة لها، كما أن المعلومات التي يملكها والد الطفل ليست دقيقة كلها خاصة في ما يتعلق بأسباب الوفاة أو النزف. فهل هو السبب الأول للوفاة أم انه حدث من خلال الخطأ الطبي؟ أو أنه أحد أسباب المضاعفات؟ وجميع ما تقدم أمور تحتاج إلى الإطلاع على تقرير اللجنة المتخصصة لنستطيع تأكيد أسباب الوفاة. قبل أن نلوم المستشفى بأن النزف خطأ طبي، لابد أن نسمع رأي اللجنة المتخصصة التي تحقق في هذه القضية. ونحن نحترم الوالد ونقدره ونقف معه في شعوره وإحساسه بالألم نتيجة فقدانه لإبنه، لكن لابد للجان العلمية المتخصصة أن تتحقق من وجود الخطأ الطبي من عدمه».
وأشار باداوود إلى مطالبة الأب بمبلغ 5 ملايين ريال سعودي كتعويض من المستشفى ينظر فيه القاضي الشرعي، وإذا وجد ان له مبرراً شرعياً يتم إصدار الحكم بحسب الحالة التي أمامه.


حسين: الطبيب فقط من يحاسب على الخطأ الطبي

من جانبه، أوضح الناطق الاعلامي في قسم التحقيقات الصحافية في مديرية الشؤون الصحية في منطقة مكة المكرمة فايق أحمد محمد حسين أنه في حالة إقرار اللجنة الطبية الشرعية بوجود الخطأ الطبي لأي حالة، يُعوض بالدّية ذلك لأن مسمى الشرعية أُطلق على هذه اللجنة الطبية لوجود القاضي الذي يستمع إلى الطرفين ويسمع رأي الصحة، ومن ثم يعمل على تقويم الضرر، ومن ثم يتم إصدار الحكم الشرعي. ولا تختلف الأحكام سواء أكان الطبيب سعودياً أو يحمل الجنسية الأجنبية. هناك قضايا صدر الحكم فيها في دفع الدّية كالقضايا التي يصل فيها الخطأ الطبي إلى إحداث ضرر في الحالة أو التسبب بعاهة مستديمة له، وبناء عليه يضع القاضي في هذه اللجنة الحكم وفقا لحجم الضرر.  وعن محاسبة المخطىء في الحالات التي ينجم عنها خطأ طبي من الطبيب، ذكر حسين أن الطبيب فقط هو من يحاسب عن هذا الخطأ ولا علاقة للمستشفى، «لأن الشكوى تكون ضد الشخص وليس القطاع الذي يعمل فيه. »